طريقة التدريس في الحوزة
صفحة 1 من اصل 1
طريقة التدريس في الحوزة
طريقة التدريس
لا توجد في الحوزة العلمية الدينية في النجف الأشرف ولا في غيرها من الحوزات الدينية للمراحل الثلاثة من الدراسة: المقدمات، السطوح، الخارج صفوف أو حلقات يجبر الطالب على الحضور فيها، وإنّما يترك الأمر إلى الطالب بنفسه، كي يختار اُستاذه حسب ذوقه ووقته ومقدرته العلمية.
فالطالب اما يشارك غيره من التلاميذ في الحضور على الاُستاذ، أو يطلب من اُستاذ يتعرف عليه لتدريسه لوحده أو لمجموعة من التلاميذ.
كما لا مانع للتلميذ من مغادرة الحلقة الدراسة أو ترك اُستاذه، إذا لم يستفد من الدرس نتيجة انخفاض المستوى العلمي للاُستاذ أو عدم جدوى اُسلوب تفهيمه وتدريسه، لأن الوقت أغلى من كلّ هذه المجاملات والصداقات والبحث عن اُستاذ آخر.
وفي كثر من الأحيان يلتحق الطالب بحلقات درس الأساتذة المعروفين في العلم والإفادة، ويشارك مع الآخرين في الدرس من حيث انتهى إليه الاُستاذ حتّى ينتهي من الكتاب ثم يعود ويقرأ ما فاته من الدروس الاُولى على نفس الاُستاذ أو اُستاذ آخر.
ثم أن طريقة التدريس تكون في شرح عبارة الكتاب المطلوب دراسته من قبل
الاُستاذ في مرحلتي المقدمات والسطوح مع بيان وتوضيح وعرض لبعض الأقوال الاُخرى في المسألة أو المناقشات الواردة عليها ثم تطبيق ما شرحه وبيّنه على الكتاب، مع تعيين مرجع الضمائر وتذكير بعض الدقائق البلاغية والبيانية.
وأما اُستاذ أبحاث الخارج فيهيأ الدرس في الفقه أو الاُصول من عرض الأدلة وبيان المناقشات الواردة عليها وتأييدها أو تفنيدها ثم استخلاص الحكم الشرعي أو الرأي الأصوب والمختار ويفسخ المجال أمام الطلاب الأفاضل لمناقشة الاُستاذ أثناء الدرس وبعده.
ومن المفروض على الطالب أن يكتب الدرس ويحتفظ به ويراجع بنفسه المصادر ويتأملها ويتمعن فيها وينتهي إلى نتيجة مطمئنة لديه.
كما أن على الاُستاذ توجيه تلاميذه أثناء الدرس بعض الأيام وفي الأوقات المناسبة بالاُمور التالية:
1 ـ التدبر في الدرس ومراجعة الشروح والكتب الاُخرى الّتي تبحث المسألة نفسها لكي تنضج الفكرة لدى الطالب ويستوعب المسألة بكلّ أبعادها.
2 ـ تربية التلاميذ على البحث عن البرهان والدليل والإلتزام بالنتائج الّتي تنتهي إليها الأدلة القاطعة ورفض ما لا برهان عليه ولا تعزيز.
لقد شاع في وسط الحوزات العلمية الدينية الجملة التالية: نحن أبناء الدليل أينما مال نميل.
3 ـ مراجعة الدرس بالكتابة بأن يكتب التلميذ الدرس حسب ما سمعه من الاُستاذ وبالمباحثة مع أنداده وزملائه بأن يعيد أحد الطلاب الدرس لزميله أو زملائه، ويعيد الزميل في اليوم التالي الدرس الآخر وهكذا يتولى كلّ تلميذ شرح درس لزميله أو زملائه وهم يستمعون إلى شرح زميلهم فإن كان الشرح صحيحاً أقروه وإن كان خطأً ناقشوه وبينوا له موضع الخطأ حتّى يستوعب الدرس بصورة صحيحة.
وقد يختلف الزميلان في فهم المسألة ولا يستطيع كلّ منهم اقناع الآخر فيتحاكمان في اليوم التالي إلى الاُستاذ لمعرفة الحقيقة والصواب.
ومن هذا المنطلق تشيع في الحوزة هذه الجملة (الدرس مرة والتكرار ألف مرّة).
4 ـ التقوى والورع وتهذيب الأخلاق لأنّ تربية النفس أهم من تعلمها لأن السعادة والفلاح في تزكية النفس لا في تعلمها (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)(1).
والأساتذة يأمرون تلاميذهم بتقوى الله والورع عن محارمه حتّى تتصفى أرواحهم وتتطهر نفوسهم ويكون لمواعظهم ونصائحهم وقع في الآخرين.
مكان الدراسة
لا توجد أماكن خاصة للتدريس والمباحثة (مراجعة الزميلين أو الزملاء معاً للدرس) وإنما يجتمعان:
أ ـ في المساجد حيث أن هناك جوامع صغيرة وكبيرة من حول مقام سيدنا ومولانا أميرالمؤمنين (عليه السلام) فيلتقي الاُستاذ مع تلاميذه حسب الموعد المقرر في المسجد المتفق عليه.
ب ـ المدارس الدينية في غرفها أو على سطوحها أو في الطوابق السفلى تحت الأرض (السراديب) حسب الطقس والفصول الحارة والباردة.
جـ ـ المقابر المشيدة ذات غرفة وساحة مثل مقبرة آل راضي ومقبرة الجواهري ومقبرة كاشف الغطاء ومقبرة آل الخليلي ومقبرة الشيرازي.
ومن الواضح أنه كلما كانت الدراسة في المراحل الاُولى وحلقات الدرس ضيقة، كانت الأماكن مشتركة وأصوات المدرسين أكثر وكلما كانت الدراسة متقدمة أكثر، كان المكان أهدأ حتّى يكون التلميذ منتبهاً إلى الدرس أكثر.
ولهذا ترى بأن حلقات كثيرة تواصل الدراسة في جامع واحد كبير أو متوسط إذا كانت الدراسة في مراحلها الاُولى، ولكن درس الخارج يستدعي فراغ المسجد من جميع حلقات الدرس حتّى إذا كان رحباً وواسعاً لكي يسود الهدوء.
زمان الدراسة
لا يوجد وقت محدد ومعيّن للدراسة في الحوزة وإنما يتحدد الوقت من خلال الاتفاق الّذي يتم بين الاُستاذ والتلميذ. فقد يتفقان على ما بين الطلوعين بعد أداء فريضة الصبح أو بعد طلوع الشمس أو قبل غروب الشمس بساعة أو بعد صلاة العشاءين أو... فإنّ أمر الوقت متروك إلى الاُستاذ والتلميذ حسب فراغهما.
لغة الدراسة
ترتبط لغة التدريس في مرحلة المقدمات بالقومية الّتي ينتمي إليها التلميذ فإنّ الطالب العربي يختار اُستاذاً عربياً والطالب التركي يختار اُستاذاً تركياً والطالب الهندي اُستاذاً هندياً والطالب الايراني اُستاذاً ايرانياً.
وأما في مرحلة السطوح فغالباً تكون الدراسة باحدى اللغتين العربية أو الفارسية مع العلم بأن اللغتين في تدريس الفقه والاُصول والفلسفة متقاربتان جداً. ولهذا ترى بأن عدداً من طلاب العرب يحضرون على أساتذة ايرانيين فيستوضح الاُستاذ أو يناقشه باللغة العربية ويجيب عليه الاُستاذ باللغة الفارسية فإن كلا منهما يفهم لغة الآخر.
وأما في مرحلة الخارج فإن الدراسة تكون باللغة العربية، خاصة في الآونة الأخيرة، ولو قام اُستاذ بالقاء الدرس باللغة الفارسية فلغة تدريس العلوم الدينية باللغة الفارسية قريبة جداً من اللغة العربية وتكون مفهومة على العرب وغيرهم.
العطل الدراسية
تتوقف الدراسة في الحوزات العلمية الدينية وخاصة في النجف الأشرف في المناسبات التالية:
1 ـ يومي الخميس والجمعة من كلّ اُسبوع وذلك أن الطالب الأعزب يريد أن ينصرف إلى شؤونه الخاصة من غسل الثياب وتنظيف غرفته أو مراجعة الدروس الّتي تأخر عنها لبعض الموانع.
2 ـ شهر رمضان المبارك: إنّ قسماً كبيراً من طلاب الحوزة العلمية يغادرون الحوزة ويتوجهون إلى المدن والقرى لإرشاد الناس وتبليغ الإسلام فمع الدراسة في الحوزة لا يستطيع الطالب أن ينصرف إلى شؤون التبليغ والتوجيه. ولهذا تتوقف الحوزة عن الدراسة طيلة هذا الشهر.
ولكن الطلبة الّذين يبقون في الحوزة قد يبدأون ببحث قصير ومختلف عن الدراسات المتعارفة أيام السنة مثل دراسة قاعدة لا ضرر أو قاعدة اليد أو بحث رجالي وما شابه ذلك حتّى لا يفوتهم الشهر من دون دراسة وفائدة علمية.
3 ـ اُسبوعين من أول شهر محرم واُسبوعين من آخر شهر صفر وذلك للمشاركة في إقامة مجالس العزاء على أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) في العشرة الاُولى بمناسبة عاشوراء وفي العشرة الأخيرة من شهر صفر بمناسبة مرور أربعين يوماً على استشهاد أبي عبدالله(عليه السلام) ووفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أواخر شهر صفر.
وإن عدداً كبيراً من الطلاب يتوجهون إلى البلاد للإرشاد وقراءة مقتل أبي عبدالله الحسين(عليه السلام).
4 ـ أيام وفاة الأئمة(عليهم السلام) مثل وفاة الإمام الصادق والإمام زين العابدين(عليهما السلام).
5 ـ يوم وفاة مرجع كبير من الفقهاء في النجف أو بلد آخر.
6 ـ الأعياد الإسلامية مثل يوم مولد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ومولد الإمام عليّ(عليه السلام)ويوم المبعث ويوم منتصف شهر شعبان ويوم عرفة ويوم الغدير وذلك للمشاركة مع الناس في أداء بعض المستحبات من الأدعية والزيارة في هذه الأيام.
وكانت النجف الأشرف مستمرة في الدراسة أيام الصيف قبل عشرين عاماً ولكن المرجع الكبير السيد الخوئي قد أقر العطلة الصيفية بعد تخفيف أيام العطل الاُخرى وأعطى عطلة صيفية لمدة خمسة وأربعين يوماً.
الامتحان والشهادة
اعتادت الجامعات العلمية في العالم على اجراء امتحان واختبار على الطلاب ثم اعطاء شهادات تبرز المستوى العلمي لحاملها وتخول صاحبها العمل في المجالات الّتي تخصص فيها.
ولكن الحوزة العلمية في النجف الأشرف لا تقوم باجراء امتحان ولا تقديم شهادة علمية إلاّ إذا بلغ الطالب مستوى الاجتهاد وطلب من اُستاذه تزويده بشهادة يثبت للناس وصوله إلى هذه المرحلة العالية من العلم والمعرفة في علم الفقه وعلم الاُصول. وأما قبل هذه المرتبة الشامخة لا نجد امتحاناً ولا شهادة من الحوزة للطالب.
وليس معنى ذلك أن الحوزة تعيش عالم الفوضى والاهمال واللامبالاة تجاه من يدرس ويجتهد ومن لا يأبه بالدرس والبحث بل ان هناك طرقاً اُخرى لمعرفة المستوى العلمي للطلاب.
وذلك أن الحوزة العلمية بعد تمتعها بالحرية التامة والانفتاح الكامل على الأساتذة والطلاب تعيش حالة الاستنفار العلمي دائماً حيث يتوجه طلب التدريس لكلّ واحد من الطلاب نحو من هو في مستوى علمي أعلى إذ من المفروض أن الطالب في المستوى الأعلى يدرّس الطلاب الّذين في المستوى الأقل منهم ويجيب على أسئلة كلّ من وجّه نحوه السؤال. فإذا نجح الطالب في الحوزة في التدريس والإجابة على الأسئلة أو ناقش اُستاذه أثناء التدريس برز الطالب في الحوزة وانشدّت الأنظار إليه ولمع اسمه وتألق أكثر في كلّ يوم وشهر وسنة. فمن خلال النشاط العلمي في الحوزة من المناقشة والتدريس والتحقيق والتأليف يتحدّد للعلماء المستوى العلمي الّذي يبلغه الطالب في الدراسات الدينية.
وفي كثير من الأحيان يبلغ الطالب مرحلة الاجتهاد وتعترف باجتهاده الحوزة من دون أن يحمل شهادة الاجتهاد من المراجع الكبار.
وبهذه الطريقة تتعين الحدود وتوضع المستويات العلمية لكلّ طالب.
نعم قد يريد الطالب مغادرة الحوزة العلمية عائداً إلى بلده أو مدينة اُخرى لتولي المسؤوليات الدينية فيطلب من المراجع الكبار تزويده بشهادة حسن السلوك والوكالة عنهم لاستلام الحقوق الشرعية والتصدي لإمامة صلاة الجماعة وتنظيم أوضاع الناس الدينية ومراجعة المؤمنين إليه وما شابه ذلك، فتقدم المرجعية شهادة فيها تنويه إلى مستواه العلمي الثابت لديها من خلال الحوزة واشارة إلى عدالته ووثاقته ووكالته من قبل المرجع لتصدي اُمور المسلمين في الشؤون الدينية.
ومن المعلوم أن مثل هذه الشهادات تختلف حسب اختلاف إيمان الطالب ودرجة علمه وانضباطه وأخلاقه وسلوكه طيلة حياته في النجف الأشرف.
الألقاب العلمية
تقدم الحوزة العلمية في النجف الأشرف لطالب الدراسات الدينية ألقاباً تعرب عن المرحلة العلمية الّتي بلغها الطالب، وهذه الألقاب المعروفة هي:
الفاضل: من كان على وشك الانتهاء من مرحلة المقدمات بجدارة واتقان.
العلاّمة: كلّ من أنهى مرحلة السطوح باستيعاب كامل وجدية تامة ويقوم بتدريس بعض الكتب من مرحلة المقدمات على المبتدئين.
الحجة: إذا أنهى دورة في بحث الاُصول وشيئاً كثيراً من الفقه على مستوى الخارج بتفهم ودقة وكان لامعاً بين زملائه في استيعاب الدروس من مرحلة الخارج.
آية الله: المجتهد المطلق.
آية الله العظمى: المجتهد المطلق الّذي تولى الإعلان عن فتاويه وآراءه الفقهية للناس بطبع الرسالة العملية للمقلدين.
المرجع: المجتهد المطلق الّذي يقلد عند بعض الناس.
المرجع الكبير: هو المرجع والمقلد لدى كثير من الناس في العالم.
ومن الواضح أن هذه الألقاب لا تعطى لأصحابها المستحقين لها من قبل جهة في الحوزة تقوم بهذه الاُمور بل تقدم من قبل الأساتذة المعروفين حيث يقرون هذه الألقاب عبر مرور الزمان وفي المجالس المختلفة وفي أحاديثهم ومخاطباتهم ومراسلاتهم.
العمامة في الحوزة العلمية
لا تشترط الدراسة الدينية في الحوزة العلمية في النجف الأشرف في زي خاص ومعين، بل يستطيع كلّ إنسان مهما كان زيّه الحضور في حلقات الدراسات الإسلامية من دون رادع مهما كان مستوى البحث من ناحية المقدمات أو السطوح أو الخارج.
ولكن المتعارف عليه في النجف الأشرف أن الطالب المبتدىء عندما يلتحق بالحوزة يحافظ على زيه السابق ويبتدأ بدراسة المقدمات ثم يتعمم بعد أن يقطع شوطاً من دراساته التمهيدية ويتعمم البعض الآخر عندما ينهي مرحلة المقدمات وينتقل إلى مرحلة السطوح وقلما تجد طالباً في مرحلة السطوح لم يكن معمماً ونادراً ما تواجه طالباً في مرحلة الخارج من دون عمامة.
والعمامة مظهر إسلامي ومن آداب اللباس في الإسلام.
عن أبي الحسن(عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ (مسوّمين) قال: العمائم. اعتم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فسدلها من بين يديه ومن خلفه واعتم جبرئيل فسدلها من بين يديه ومن خلفه(2).
وعن أبي عبدالله(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): العمائم تيجان العرب إذا وضعوا العمائم وضع الله عزهم(3).
وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): اعتمّوا تزدادوا حلماً(4).
وعن عبدالله بن سليمان عن أبيه أن عليّ بن الحسين(عليه السلام) دخل المسجد وعليه عمامة سوداء قد أرسل طرفيها بين كتفيه.
والعمامة تكون مع ثياب واسعة مثل الجبة وهي أيضاً من آداب الملابس في الإسلام.
وقد اعتادت الطائفة الشيعية في أنحاء العالم على أن العمامة السوداء رمز لكلّ من ينتمي عن طريق أبيه من ناحية النسب إلى بني هاشم ورسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ومن ذرية فاطمة سلام الله عليها وان العمامة البيضاء رمز لمن لم يكن منتمياً إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من ناحية الأب. رغم أن كلا منهما يدرسان الدراسات الإسلامية نفسها بدون أدنى تفاوت أو اختلاف.
نفقات الحوزة العلمية في النجف الأشرف
إنّ تكاليف الحوزة العلمية في النجف الأشرف وكلّ الحوزات العلمية الدينية الشيعية في أنحاء العالم من تشييد المدارس الدينية وترميمها واعادة بنائها وإنارتها ونظافتها وصيانتها وكذلك نفقات طلاب الدراسات الدينية في هذه الحوزات من الرواتب الشهرية مهما كانت ضئيلة ويسيرة ومساعدتهم في المناسبات المختلفة والحالات الطارئة من الزواج والسفر والمعالجة و... كلّ ذلك يؤمّن ويُهيّأ من السبل الشرعية الواجبة، ولا ترتبط بالجهات السياسية الحاكمة.
لقد فرض الله سبحانه وتعالى على المسلمين ضرائب مالية تسمى بالخمس والزكاة والكفّارات من كفّارة الإفطار العمدي في شهر رمضان وكفّارة نقض العهد واليمين والنذر وكفّارة القتل وكفّارة مرتكب بعض تروك الإحرام. وهذه الأموال بشكل عام على قسمين:
1 ـ الأموال المطلقة المحررة الّتي يجب صرفها في كلّ ما فيه رضى الله سبحانه وتعالى مثل أموال سهم الإمام والزكاة حيث يجوز صرفها في تشييد الأبنية واطعام الفقراء ومساعدة المحتاجين.
2 ـ الأموال المقيدة في اطعام الفقراء والمساكين والمحتاجين كما هو
مصرف كلّ أنواع الكفّاراتولا يجوزصرفهافي البناءأومساعدة أحدللدواءأوالزواج.
واليك شرح كلّ واحد من هذه الضرائب الشرعية المفروضة على أموال المسلمين:
1 ـ الخمس:
إن الحقوق الشرعية في مصطلح الفقه الشيعي هي الخمس لقول الله سبحانه: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)(5).
ويجب الخمس على ضوء مذهب أهل البيت(عليهم السلام) في اُمور سبعة:
1 ـ غنائم دار الحرب. 2 ـ المعادن. 3 ـ الكنوز. 4 ـ الغوص. 5 ـ الأرض الّتي اشتراها الذمي من المسلم. 6 ـ الحلال المختلط بالحرام. 7 ـ الأموال الزائدة الفاضلة على مؤونة السنة.
وفي بعض الأحاديث فسّرت الغنيمة بكلّ الاُمور السبعة المذكورة ففي فقه الرضا(عليه السلام) «وقال جلّ وعلا (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى)إلى آخر الآية فتطوّل علينا بذلك امتناناً منه ورحمة إذا كان المالك للنفوس والأموال وسائر الأشياء الملك الحقيقي وكان ما في أيدي الناس عواري وانهم مالكون مجازاً لا حقيقة له وكلّ ما أفاده الناس فهو غنيمة لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص ومال الفيء الّذي لم يختلف فيه وهو ما ادعى فيه الرخصة وهو ربح التجارة وغلة الصنيعة وسائر الفوائد من المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها لأن الجميع غنيمة وفائدة ورزق الله عزّوجلّ فعلى كلّ من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس فإن أخرجه فقد أدّى حقّ الله عليه»(6).
وما هو الواجب المعمول به فعلا لدى المؤمنين الباعث على نهوض الحوزات العلمية والشؤون الدينية والمؤسسات الخيرية في كلّ مكان لدى أصحاب مذهب أهل البيت (الشيعة) هو خمس ما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله مما يكتسبه من أرباح التجارة والصناعة والزراعة أو أي عمل من الأعمال.
قال صاحب الجواهر: (وهو الّذي استقر عليه المذهب والعمل في زماننا هذا بل وغيره من الأزمنة السابقة الّتي يمكن دعوى اتصالها بزمان أهل العصمة(عليهم السلام)(7).
والروايات في ذلك كثيرة:
عن محمّد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام) أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصنّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه: الخمس بعد المؤنة(8).
وعن عليّ بن مهزيار قال: قال لي أبو عليّ بن راشد قلت له أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم وأي شيء حقّه فلم أدر ما أجيبه؟ فقال: يجب عليهم الخمس فقلت ففي أي شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم (ضياعهم). قلت: والتاجر عليه والصانع بيده فقال: إذا أمكنهم بعد مؤونتهم(9).
وهذا الخمس يقسم إلى سهمين سهم السادة الفقراء وسهم الإمام عليه الصلاة والسلام.
قال المرحوم الشيخ محمّد جواد مغنية (قالوا: إنّ الخمس يقسم على ستة
أسهم وهي الّتي نطقت بها الآية سهم الله وسهم الرسول وسهم الإمام لأنه هو المراد من ذي القربى بالإجماع وسهم اليتامى وسهم المساكين وسهم ابن السبيل من أقارب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة الّذي حرّم الله عليهم الصدقة دون غيرهم وما كان لله فهو لرسوله وما كان للرسول فهو للإمام وإذن يكون للإمام من الخمس ثلاثة أسهم وهي نصف الخمس أما الأسهم الثلاثة الباقية فإنها تقسم على يتامى آل الرسول ومساكينهم وأبناء سبيلهم لا يشاركهم فيها غيرهم)(10).
أما سهم السادة الفقراء فلا يحتاج إلى مراجعة الفقيه بل يوزع على المحتاجين من السادة المنتسبين بالأب إلى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وأما سهم الإمام فيحتاج إلى مراجعة الفقيه.
قال المرجع الكبير السيد الحكيم رضوان الله تعالى عليه (النصف الراجع للإمام(عليه السلام) وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون العارف بمصارفه إما بالدفع إليه أو الاستئذان منه)(11).
وعليه تتجمع أموال الخمس وخاصة سهم الإمام(عليه السلام) كثيراً لدى الفقيه ونائبه فإن المؤمنين منشدّون إلى مراجعهم دافعون حقوقهم الشرعية مهما كان عملهم وحجم أموالهم إلى الفقهاء العظام، فينفق الفقيه هذه الأموال على شؤون الحوزات الدينية العلمية الّتي تتصدى للرد على أعداء الله، كما ينفق على الأيتام والفقراء والمؤسسات الخيرية من المستوصفات والمستشفيات والمدارس الّتي تعلم الأولاد وتخرج علماء دين والحسينيات والمحاضرات و... كلّ ما فيه رضى الله تعالى.
يقول الإمام الحكيم(رحمه الله): (ومن أهم مصارفه ـ سهم الإمام(عليه السلام) ـ في هذا الزمان الّذي قل فيه المرشدون والمسترشدون إقامة دعائم
الدين ورفع أعلامه وترويج الشرع المقدس ونشر قواعده وأحكامه ومؤونة أهل العلم الّذين يصرفون أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية الباذلين أنفسهم في تعليم الجاهلين وإرشاد الضالين ونصح المؤمنين ووعظهم واصلاح ذات بينهم ونحو ذلك مما يرجع إلى اصلاح دينهم وتكميل نفوسهم وعلو درجاتهم عند الله تعالى جلّ شأنه)(12).
وهذه نعمة كبيرة على الشيعة حيث منّ الله على علمائهم ومؤسساتهم الدينية بالاستقلالية التامة عن الحكومات القائمة حيث لا يحتاجون إلى مساعدة الدولة بقدر قرش واحد بل قد تمدّ السلطة القائمة يد العوز والحاجة إلى فقهاء الشيعة لنجدتهم في الحالات الطارئة الّتي قد تحلّ بالبلاد والعباد.
نعم قد يكون هناك القدر القليل من الأموال الّتي تنفق في بناء المدارس وعلى شؤون الحوزات العلمية الدينية من غير الحقوق الشرعية ولكنها يسيرة.
2 ـ الزكاة:
قال الله سبحانه: (وما اُمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة)(13) وقال تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين)(14) .
وقال الإمام الصادق: (إن الله عزّوجلّ فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم انهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله عزّوجلّ ولكن أوتوا من منع من منعهم حقهم لا مما فرض الله لهم ولو أن الناس أدوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير(15).
وعن معتب مولى الصادق(عليه السلام) قال: قال الصادق(عليه السلام) إنّما وضعت الزكاة اختباراً للأغنياء ومعونة للفقراء ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما
بقي مسلم فقيراً محتاجاً ولاستغنى بأمر من الله له وان الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلاّ بذنوب الأغنياء وحقيق على الله تعالى أن يمنع رحمته ممن منع حقّ الله في ماله واُقسم بالذي خلق الخلق وبسط الرزق انه ما ضاع مال في بر ولا بحر إلاّ بترك الزكاة وما صيد صيد في بر ولا بحر إلاّ بترك التسبيح في ذلك اليوم وإن أحب الناس إلى الله تعالى أسخاهم كفاً وأسخى الناس من أدى زكاة ماله ولم يبخل على المؤمنين بما افترض الله لهم في ماله)(16).
والزكاة واجبة بضرورة من الدين لدى جميع المذاهب الإسلامية كالصلاة والصيام والحج ومنكرها يعد خارجاً من ربقة الإسلام ولذا قرنها الله سبحانه بالصلاة في أكثر من آية في كتابه الكريم.
وتجب الزكاة في:
1 ـ النقدين: هما:
أ ـ الذهب.
ب ـ الفضة.
ويكون لكل منهما نصاب مذكور في الفقه فراجع.
2 ـ الأنعام الثلاثة: الإبل، البقر، الغنم:
ولكل واحد من هذه الأنعام الثلاثة نصب عديدة مذكورة في الكتب الفقهية.
3 ـ الغلات الأربع: الحنطة، الشعير، التمر، الزبيب حيث يجب في كلّ ثمانمائة وثمانية وأربعين كيلو تقريباً العشر إذا سقيت بالمطر أو بمص عروقه من ماء الأرض. ونصف العشر إذا سقي عبر مضخات الماء.
والمستحقون للزكاة حسب ما ورد في القرآن الكريم: (إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي
سبيل الله وابن السبيل فريضةً من الله والله عليم حكيم)(17) أصناف ثمانية: 1 ـ الفقراء. 2 ـ المساكين. 3 ـ العاملون عليها. 4 ـ المؤلفة قلوبهم. 5 ـ في الرقاب. 6 ـ الغارمون. 7 ـ في سبيل الله. 8 ـ ابن السبيل.
وشؤون الحوزة العلمية من موارد سبيل الله.
قال صاحب الجواهر: (ضرورة شموله ـ سبيل الله ـ لجميع القرب من بناء خانات ـ محل نزول المسافرين في الأيام السالفة ـ وتعمير روضة(18) أو مدرسة أو مسجد أو احداث بنائها أو وقف أرض أو تعميرها أو وقف كتب علم أو دعاء ونحوها أو تزويج عزاب أو غيرهم أو تسبيل نخل أو شجر أو ماء أو مأكول أو شيء من آلات العبادة أو احجاج أحد أو اعانة على زيارة أو في قراءة أو تعزية أو تكرمة علماء أو صلحاء أو نجباء أو اعطاء أهل الظلم والشر أو اعطاء من يدفع ظلمهم ويخلص الناس من شرهم أو بناء ما يتحصن به المؤمنون عنهم أو شراء الأسلحة لدفاعهم)(19).
وهذا المورد أيضاً من الموارد المالية الضخمة الّتي تنفق على الحوزات العلمية.
3 ـ زكاة الفطرة:
وهي واجبة على كلّ من توفرت فيه شرائط زكاة الفطرة، بأن يدفع عن نفسه وعن كلّ من يعيله عن كلّ شيخص مقدار ثلاث كيلوات مما يعتبر قوتاً شائعاً لذلك البلد أو قيمته وقت الأداء.
وتصرف زكاة الفطرة في الموارد الّتي تصرف فيها الأموال الزكوية الّتي منها شؤون المؤسسات الدينية والجهات الخيرية الّتي تعم الجميع عنوان واحد وهو عنوان سبيل الله.
4 ـ الكفّارات:
وهي: 1 ـ كفّارة صيد المحرم. 2 ـ كفّارة الظهار. 3 ـ كفّارة القتل خطأ. 4 ـ كفّارة القتل عمداً. 5 ـ كفّارة قضاء رمضان. 6 ـ كفّارة الإفطار في رمضان. 7 ـ كفّارة النذر. 8 ـ كفّارة اليمين. 9 ـ كفّارة العهد. 10 ـ كفّارة يمين البراءة. 11 ـ كفّارة جز المرأة شعرها في المصاب. 12 ـ كفّارة نتف شعر المرأة في المصاب. 13 ـ كفّارة شق الرجل ثوبه. 14 ـ كفّارة وطىء الزوجة في الحيض. 15 ـ كفّارة صوم الاعتكاف.
إنّ بعض هذه الكفّارات محل قبول لدى جميع الفقهاء وبعضها مورد أخذ ومناقشة.
وهذه الكفّارات تكون في إطعام الفقراء أو إكسائهم ويجوز صرفها على بعض طلاب العلوم الدينية لأنهم قد يندرجون تحت عنوان المحتاجين.
وبالفعل فإن قسماً من الأموال الّتي تنفق على الحوزة مثل توزيع الرغيف على الطلبة بواسطة الحوالات اليومية يكون من الكفّارات الّتي لابد من إطعام ستين مسكيناً أو عشرة مساكين وما شابه ذلك.
كما أن قدراً من الأوقاف والنذورات والصدقات العامة والتبرعات تصل إلى النجف الأشرف لإنفاقها في السبل الخيرة والحسنة، فتصرف على الحوزة وشؤونها المختلفة.
مناهج الدراسة وكتبها
إنّ منهج الدراسة في النجف الأشرف يختلف عن المناهج العلمية في المدارس الحديثة حيث أن المنهاج في الحوزة العلمية في النجف الأشرف ينقسم إلى ثلاثة مراحل، ولكل مرحلة كتباً خاصة ومحاضرات محددة. وهذه المراحل الثلاثة هي:
مرحلة المقدمات:
تتولى هذه المرحلة دراسة المقدمات والعلوم التمهيدية الّتي تؤهل الطالب لفهم النصوص القرآنية والأحاديث المعتبرة مثل علم الصرف والنحو والبلاغة وعلم المنطق.
وهذه المرحلة تختلف عند الطلاب العرب عن غيرهم حيث أن الطالب العربي نتيجة لغته وذوقه العربي لا يدرس الكثير من العلوم العربية وإنما يدرس سنتين تقريباً بعض الكتب العربية لتعلم القواعد النحوية بينما الطلاب غير العرب يدرسون العلوم العربية في مدة تقرب من أربع سنوات حتّى يتمكنوا من القواعد العربية ويستوعبوا دقائقها ونكاتها.
الكتب الدراسية في العلوم العربية للطلاب العرب من مرحلة المقدمات:
يبدأ الطالب العربي عادة دراساته العربية بالكتب التالية:
أ ـ الأجرومية: وهو كتاب صغير يشتمل على أوليات القواعد العربية النحوية وقد ألفها ابن أجروم.
ب ـ قطر الندى وبل الصدى: لمؤلفه عبدالله بن يوسف بن أحمد بن هشام المتوفي عام 761 هـ 1340 م.
جـ ـ شرح ابن عقيل: إنّه كتاب يشتمل على أرجوزة تتكون من ألف بيت المعروفة بـ (ألفية ابن مالك) لأبي عبدالله جمال الدين محمّد بن مالك الطائي المتوفي عام 672 هـ 1251 م. وعلى شرح لقاضي القضاة بهاء الدين عبدالله بن عقيل العقيلي.
د ـ المختصر: لقد كتب أبو يعقوب السكاكي كتاب «مفتاح العلوم» في البيان والمعاني والبديع. وثم جاء من بعده الخطيب محمّد بن عبدالرحمن بن عمر القزويني المتوفي عام 739 هـ 1318 م ولخّص كتاب مفتاح العلوم وسمّاه بـ «تلخيص المفتاح».
ثم تولى مسعود بن عمر بن عبدالله الشيخ سعد الدين التفتازاني 791 هـ 1370 م شرح تلخيص المفتاح بأسلوبين أحدهما مفصل ومبسوط سماه بـ «المطول» وثانيهما بـ «المختصر».
وطلاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف من أبناء اللغة العربية يدرسون المختصر.
الكتب الدراسية في العلوم العربية لغير طلاب العرب من مرحلة المقدمات:
وأما الطلاب غير العرب من الايرانيين والباكستانيين والهنود والأتراك فيبدأون بدراسة كتاب «جامع المقدمات» وهو كتاب كما يظهر من اسمه يحتوي على عدة كتب كلها من الكتب المقدماتية التمهيدية وهي:
1 ـ الأمثلة: كتاب صغير جداً في علم صرف اللغة العربية يتولى صرف مادة الـ«ضرب» في صيغ فعل الماضي والمستقبل والأمر والنهي والجحد والنفي والاستفهام واسمي الفاعل والمفعول، ويكون المجموع مائة وعشر كلمات. كتبه السيد شريف الجرجاني باللغة الفارسية.
2 ـ شرح الأمثلة: إنّ ميرزا محمّد بن سليمان التنكابني المتوفي عام 1302 هـ 1888 م قد شرح كتاب الأمثلة باللغة الفارسية وبيّن أصل كلّ كلمة من مائة وعشر كلمات وكيفية صياغتها من شكل إلى آخر وانتهائها إلى الشكل الجديد والصيغة النهائية. وهذا أيضاً كتاب يتحدث عن صرف اللغة العربية في حجم صغير أيضاً(20).
3 ـ صرف مير: كتاب في علم الصرف باللغة الفارسية يبين الأوزان للأفعال والمصطلحات الصرفية من المعتل والمهموز والصحيح والمثال.. وقد وضعه السيد شريف الجرجاني المتوفي عام 816 هـ 1395 م(21).
4 ـ التصريف: إنّه كتاب عربي يتحدث عن قواعد الصرف في اللغة العربية على نسق كتاب صرف مير المتقدم ذكره.
5 ـ شرح التصريف: لقد شرح ـ حسب الظاهر ـ الشيخ سعد الدين مسعود بن عمر بن عبدالله التفتازاني المتوفي عام 71 هـ كتاب التصريف المتقدم في علم الصرف.
6 ـ عوامل ملا محسن: إنّه كتاب يبحث عن القواعد النحوية بصورة مختصرة... ويكون مؤلفه المولى محسن بن محمّد طاهر القزويني الّذي كان متمتعاً بالحياة عام 1128 هـ .
7 ـ عوامل النحو: هو كتاب صغير يبحث عن القواعد النحوية بصورة موجزة أيضاً. لقد ألفه الميرزا محمّد بن سليمان التنكاباني عام 1302 هـ 1881 م.
8 ـ الهداية: إنّه كتاب نحوي مختصر قيل أنّ مؤلفه أبي حيّان الأندلسي محمّد بن يوسف وقيل الزبير البصري بن أحمد الشافعي وقيل عبدالجليل بن فيروز القزويني وقيل ابن درستويه عبدالله بن جعفر.
9 ـ شرح إنموذج: يحتوي هذا الكتاب على متن للزمخشري وشرح لعماد الدين محمّد بن عبدالغني الأردبيلي.
10 ـ الفوائد الصمدية المعروف بالصمدية: وهي تشتمل على خمس حدائق للشيخ محمّد بن الحسن بن عبدالصمد الحارثي المعروف بالشيخ بهاء الدين العاملي وقد كتبه عام 975 هـ وتوفي عام 1079 هـ.
11 ـ البهجة المرضية: المعروفة بالسيوطي للحافظ عبدالرحمن جلال الدين بن أبي بكر السيوطي المتوفي 911 هـ حيث يكون شرحاً لألفية ابن مالك.
12 ـ مغني اللبيب: يحتوي هذا الكتاب على ثمانية أبواب ويدرس الكثير من الطلاب غير العرب الباب الأول في مفردات اللغة العربية والباب الرابع في أحوال الجمل الّتي لها محل من الإعراب والجمل الّتي لا محل لها من الإعراب.
13 ـ المطوّل: قد تقدم منا الحديث بأن مسعود بن عمر بن عبدالله الشيخ سعد الدين التفتازاني قد شرح تلخيص المفتاح بشرحين سمى أحدهما بالمختصر وثانيهما بالمطوّل والطلاب غير العرب يدرسون كتاب (المطوّل).
بقية الكتب الدراسية لمرحلة المقدمات:
إنّ الطلاب في الحوزة العلمية يدرسون إلى جانب دراستهم للعلوم العربية علم الفقه والمنطق ويتساوى جميع الطلاب أمام الكتب في هذين العلمين حيث يدرسون:
1 ـ الرسالة العملية في الفقه:
إنّ التقليد واجب على الطالب فيندفع إلى قراءة الرسالة العملية للمرجع
الّذي يقلده وهذه المادة في هذه المرحلة متروكة إلى الطالب وحسب مرجعه وتقليده.
2 ـ حاشية ملا عبدالله:
كتب سعدالدين التفتازاني المتوفي 792 هـ 1371 م كتاباً مختصراً مضغوطاً في علم المنطق باسم تهذيب المنطق والكلام ثم جاء المولى نجم الدين عبدالله بن شهاب الدين حسين اليزدي المتوفي 981 هـ وشرح المتن وعرف الكتاب بحاشية ملا عبدالله اليزدي.
3 ـ منطق المظفر:
وضع الحجة الشيخ محمّد رضا المظفر المتوفي عام 1390 هـ كتاب المنطق في ثلاثة أجزاء، الجزء الأول يبحث عن الألفاظ والكلي والمعرف والجزء الثاني عن القضايا وأحكامها والثالث عن الصناعات الخمس وذلك لتدريسه في كلية الفقه الّتي أسسها في النجف الأشرف وسرعان ما أصبح هذا الكتاب جزءاً من الكتب الدراسية الحوزوية في عالم التشيع.
هذه هي الكتب الّتي تدرس في مرحلة المقدمات الّتي تستوعب الطلاب العرب فترة سنتين ولغيرهم فترة أربعة أعوام تقريباً.
مرحلة السطوح:
إنّ طلبة الدراسات الدينية العرب وغير العرب يلتقيان في هذه المرحلة في الكتب الدراسية ومنهاج الحوزة حيث إنّ الطلاب يدرسون في مرحلة السطوح من كتب الفقه:
1 ـ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: المشتملة على متن فقهي مختصر للشهيد الأول محمّد بن جمال الدين مكي العاملي (734 ـ 786 هـ) «1313 ـ 1365 م» وشرحه للشهيد الثاني زين الدين الجبعي العاملي (911 هـ - 966 هـ) وتحرص الحوزة أساتذة وطلاباً على دراسة هذا الكتاب بجميع أجزائه ومجلداته لأنّ هذا الكتاب يجمع بين دفتيه جميع الأبواب الفقهية. ولا يتشرف الطالب بدراسة الأبحاث الفقهية بأسرها إلاّ إذا درس هذا الكتاب.
2 ـ المكاسب: للشيخ مرتضى الأنصاري المولود عام 1214 هـ والمتوفي سنة 1281 هـ وهو كتاب فقهي اجتهادي استدلالي يتناول أبحاث البيع والتجارة بكلّ أبعادها وتفاصيلها ومن المعروف لدى العلماء العظام أنّ من يستوعب هذا الكتاب ويفهم الأقوال والإستدلال والمناقشات العلمية يكون بالغاً مرتبة كبيرة من الاجتهاد.
كما يدرس الطلاب في هذه المرحلة من كتب اُصول الفقه:
اُصول المظفر للشيخ محمّد رضا المظفر صاحب كتاب منطق المظفر.
3 ـ الرسائل: للشيخ الأنصاري صاحب كتاب المكاسب الآنف الذكر. وهذا الكتاب يشتمل على أبحاث القطع والظن والاُصول العملية والتعارض والتراجيح.
أو يقرأون الحلقة الثانية ذات المجلد الواحد من علم الاُصول أو الحلقة الثالثة ذات المجلدين الأول لأبحاث الألفاظ والثاني للاُصول العقلية.
وقد وضع الشهيد السعيد السيد محمّد باقر الصدر الحلقات الثلاثة في علم الاُصول المتدرجة من الأبحاث البسيطة للمبتدأ وحتّى نهاية مرحلة السطوح.
ثم يقرأ الطالب جزئي كفاية الاُصول للمحقق الخراساني المتوفي عام 1329 هـ 1908 م يبحث المجلد الأول عن الألفاظ والمجلد الثاني عن الاُصول العقلية.
وبانتهاء هذا الكتاب تنتهي مرحلة السطوح الّتي تستمر عادة أربعة أعوام دراسة ويصبح صالحاً للالتحاق بمرحلة الخارج.
مرحلة الخارج:
تعتبر هذه المرحلة بداية التحقيق وابداء النظر والاجتهاد وحيث يحضر الطالب بحث الاُصول وبحث الفقه ومن اللازم عليه أن يكون في مستوى استيعاب الدرس الّذي يستغرق ثلاثة أرباع الساعة أو أكثر من دون كتاب يقرأ فيه ولهذا تسمى هذه المرحلة بالخارج لأن الاُستاذ يلقي الدرس من دون كتاب ويجب على الطالب الانتباه الكامل إلى الدرس لاستيعابه فيكون التدريس من خارج الكتاب.
لقد اعتاد علمائنا المحققون أن يدرّسوا علم اُصول الفقه في مرحلة الخارج على ترتب أبحاث كتاب كفاية الاُصول حيث يستعرض الموضوع ويذكر آراء أساطين العلماء مثل صاحب الكفاية والشيخ الأنصاري والشيخ النائيني والشيخ الأصفهاني والشيخ العراقي ويذكر مناقشة كلّ واحد منهم على الآخر ثم يختار الاُستاذ رأيه في المسألة ويستدل على ذلك بالأدلة الّتي يعتبرها قويمة ويجيب على المناقشات فيخرج برأي في ذلك الموضوع. وعلى التلميذ أن يراجع المصادر والكتب لكي يعرف بأن نقل الاُستاذ لتلك الأقوال صحيحة أم لا؟ ثم يتأمل في أن البراهين الّتي يستدل بها الاُستاذ هل هي سديدة أم تكون قابلة للطعن والاعتراض؟ وهنا تكمن القدرة العلمية للتلميذ فبمقدار ما يجتهد ويعتني بالدرس يتقدم أكثر ويشتهر بالفضل أكثر ويبلغ درجة الاجتهاد أسرع.
كما اعتاد الفقهاء على تدريس الفقه في مرحلة الخارج على ترتيب وتنظيم كتاب العروة الوثقى للسيد كاظم الطباطبائي اليزدي، حيث يستعرض آراء الفقهاء قديماً وحديثاً ويذكر أدلتهم ثم يناقش تلك الأقوال والبراهين ويستخلص فتواه وهكذا.
وعلى التلميذ الطالب مراجعة الكتب والأحاديث والتمعن في تلك الأقوال وبراهينها والأحاديث وأسانيدها ومتنها ونسخها، كي يتوصل إلى فتوىً يتبناها ويسلك في حياته الشخصية على ضوء ذلك.
وبعد حضور الطالب دورة من علم اُصول الفقه وسنين عديدة لعلم الفقه
على يد علماء وفقهاء مراجع وأساتذة حضور تدبر واستيعاب يصير الطالب مجتهداً واُستاذاً معروفاً لدى العلماء.
وقد تستغرق دراسة أبحاث علم اُصول الفقه من أولها إلى آخرها مدة تتراوح من ثمانية أعوام إلى عشرة أعوام حسب كيفية تدريس الاُستاذ من ناحية التعمق والتوسع وعدمها.
كما أنه لا يمكن تدريس الفقه من أول كتاب الفقه إلى نهاية كتاب الديات، لأنّ البحث طويل وطويل وعمر الإنسان لا يفي بذلك ولا حاجة إلى دراسة جميع أبواب الفقه بل لو درس الطالب فترة ستة أو ثمانية أعوام علم الفقه دراسة تفقه وانتباه أصبح مجتهداً متمرساً على الاجتهاد والاستنباط في جميع أبواب الفقه. ويختلف ذلك باختلاف درجة الذكاء والانتباه والجد والنشاط للطالب، فقد يحتاج البعض لعشرين سنة دراسة في بحث الخارجوربمالا يبلغ درجة الاجتهادفيها.
الثقافة العامة في الحوزات العلمية:
إنّ الطالب يدرس الفلسفة الإسلامية مثل كتاب بداية الحكمة، نهاية الحكمة أو شرح المنظومة للسبزواري وأسفار صدر المتألهين أو شفاء ابن سينا حسب رغبة الطالب كما يدرس لفترة قصيرة علم الدراية وعلم الرجال ويراجع كتب التاريخ الإسلامي والتفسير وكتب اُخرى اجتماعية واقتصادية وتربوية ويتزود منها لكي يستفيد منها لدى دعوته للناس إلى الله تعالى.
إنّ الثقافة العامة قد أصبحت عنصراً ضرورياً لدى العلماء والدعاة إلى الله تعالى إذ أنّ أبناء المسلمين يثقفون ثقافة حديثة غربية منذ أيامهم الاُولى من حياتهم الدراسية والمدرسية فلابد على العالم بالدين أن يكون على معرفة واستيعاب لما يجري حوله من العلوم والثقافات والحضارات بصورة مختصرة على الأقل حتّى يستطيع أن يتكلم بلسان مفهوم ومنطق مقبول مع الناس وخاصة الشباب منهم.
نهاية المطاف:
إننا تحدثنا في هذا الكتاب بكل ايجاز واختصار عن الحوزة العلمية في النجف الأشرف وعن الأدوار الّتي حلّت بهذه الجامعة الدينية العريقة للشيعة الموالين لأهل البيت(عليهم السلام) عبر التاريخ العظماء وعن الّذين درسوا في هذه الحوزة وتخرجوا عنها منذ يوم تأسيسها على يد شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي إلى يومنا هذا الّذي غدت الحوزة ومشهد الإمام عليّ(عليه السلام) والعراق العزيز الغالي أسيراً في أيدي أجهزة فاسدة لاترى للعلوم الإسلامية شأناً.
ومن المعلوم أنّ هذه الحوزة قد تفجرت بالعلم والخير والنور على العالم الإسلامي بعلمائها وفقهائها ومجاهديها وأبطالها وأحرارها فمن بركات مشهد إمامنا عليّ بن أبي طالب نجد فطاحل العلماء قد تخرجوا من هذه الجامعة، وفي ظل قدسيته تألفت الكتب الفقهية، وانطلقت المعارف الإسلامية إلى العالم وكانت المرجعيات الدينية للعالم الإسلامي الشيعي في كنف قبره(عليه السلام).
وليس من غريب القول إذا قلت بأنّ معظم علماء العالم الإسلامي الشيعي في هذا اليوم قد درسوا في هذه الحوزة المباركة وأن معظم الخطباء والمدرسين والكتاب قد تعلموا بعض أيام دراساتهم في هذه الجامعة المعطاء وان المراجع الكبار الّذين جاهدوا في سبيل الله ضد الإستكبار والإستعمار كانوا من فقهاء هذه البلدة المقدسة مثل علماء ثورة العشرين في العراق والفتوى التاريخية للسيد الشيرازي ضد شركة التبغ البريطاني، وغيرهم الكثير.
إنّ للحوزة العلمية في النجف الأشرف مكانة خاصة في نفوس الموالين لأهل البيت(عليهم السلام). وللعلماء المتخرجين منها مقاماً مرموقاً لدى أهل الوعي والعلم والمعرفة.
إنني إذ أشكر الله سبحانه على توفيق كتابة هذا البحث القيم المختصر أتمنى على ربّنا التوفيق لوضع كتاب مفصل عن علماء النجف الأشرف منذ التأسيس إلى يومنا القريب حسب القرون المتتالية كي نؤدي بعض الواجب تجاه عطاء هذه الحوزة وتجاه تضحيات من علّم وتعلّم وجاهد من علماء هذه الجامعة.
إنّه نعم المولى ونعم المجيب ونعم الموفق ونعم النصير...
والحمد لله ربّ العالمين
المصدر: منتديات صرخة الاحرار
لا توجد في الحوزة العلمية الدينية في النجف الأشرف ولا في غيرها من الحوزات الدينية للمراحل الثلاثة من الدراسة: المقدمات، السطوح، الخارج صفوف أو حلقات يجبر الطالب على الحضور فيها، وإنّما يترك الأمر إلى الطالب بنفسه، كي يختار اُستاذه حسب ذوقه ووقته ومقدرته العلمية.
فالطالب اما يشارك غيره من التلاميذ في الحضور على الاُستاذ، أو يطلب من اُستاذ يتعرف عليه لتدريسه لوحده أو لمجموعة من التلاميذ.
كما لا مانع للتلميذ من مغادرة الحلقة الدراسة أو ترك اُستاذه، إذا لم يستفد من الدرس نتيجة انخفاض المستوى العلمي للاُستاذ أو عدم جدوى اُسلوب تفهيمه وتدريسه، لأن الوقت أغلى من كلّ هذه المجاملات والصداقات والبحث عن اُستاذ آخر.
وفي كثر من الأحيان يلتحق الطالب بحلقات درس الأساتذة المعروفين في العلم والإفادة، ويشارك مع الآخرين في الدرس من حيث انتهى إليه الاُستاذ حتّى ينتهي من الكتاب ثم يعود ويقرأ ما فاته من الدروس الاُولى على نفس الاُستاذ أو اُستاذ آخر.
ثم أن طريقة التدريس تكون في شرح عبارة الكتاب المطلوب دراسته من قبل
الاُستاذ في مرحلتي المقدمات والسطوح مع بيان وتوضيح وعرض لبعض الأقوال الاُخرى في المسألة أو المناقشات الواردة عليها ثم تطبيق ما شرحه وبيّنه على الكتاب، مع تعيين مرجع الضمائر وتذكير بعض الدقائق البلاغية والبيانية.
وأما اُستاذ أبحاث الخارج فيهيأ الدرس في الفقه أو الاُصول من عرض الأدلة وبيان المناقشات الواردة عليها وتأييدها أو تفنيدها ثم استخلاص الحكم الشرعي أو الرأي الأصوب والمختار ويفسخ المجال أمام الطلاب الأفاضل لمناقشة الاُستاذ أثناء الدرس وبعده.
ومن المفروض على الطالب أن يكتب الدرس ويحتفظ به ويراجع بنفسه المصادر ويتأملها ويتمعن فيها وينتهي إلى نتيجة مطمئنة لديه.
كما أن على الاُستاذ توجيه تلاميذه أثناء الدرس بعض الأيام وفي الأوقات المناسبة بالاُمور التالية:
1 ـ التدبر في الدرس ومراجعة الشروح والكتب الاُخرى الّتي تبحث المسألة نفسها لكي تنضج الفكرة لدى الطالب ويستوعب المسألة بكلّ أبعادها.
2 ـ تربية التلاميذ على البحث عن البرهان والدليل والإلتزام بالنتائج الّتي تنتهي إليها الأدلة القاطعة ورفض ما لا برهان عليه ولا تعزيز.
لقد شاع في وسط الحوزات العلمية الدينية الجملة التالية: نحن أبناء الدليل أينما مال نميل.
3 ـ مراجعة الدرس بالكتابة بأن يكتب التلميذ الدرس حسب ما سمعه من الاُستاذ وبالمباحثة مع أنداده وزملائه بأن يعيد أحد الطلاب الدرس لزميله أو زملائه، ويعيد الزميل في اليوم التالي الدرس الآخر وهكذا يتولى كلّ تلميذ شرح درس لزميله أو زملائه وهم يستمعون إلى شرح زميلهم فإن كان الشرح صحيحاً أقروه وإن كان خطأً ناقشوه وبينوا له موضع الخطأ حتّى يستوعب الدرس بصورة صحيحة.
وقد يختلف الزميلان في فهم المسألة ولا يستطيع كلّ منهم اقناع الآخر فيتحاكمان في اليوم التالي إلى الاُستاذ لمعرفة الحقيقة والصواب.
ومن هذا المنطلق تشيع في الحوزة هذه الجملة (الدرس مرة والتكرار ألف مرّة).
4 ـ التقوى والورع وتهذيب الأخلاق لأنّ تربية النفس أهم من تعلمها لأن السعادة والفلاح في تزكية النفس لا في تعلمها (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)(1).
والأساتذة يأمرون تلاميذهم بتقوى الله والورع عن محارمه حتّى تتصفى أرواحهم وتتطهر نفوسهم ويكون لمواعظهم ونصائحهم وقع في الآخرين.
مكان الدراسة
لا توجد أماكن خاصة للتدريس والمباحثة (مراجعة الزميلين أو الزملاء معاً للدرس) وإنما يجتمعان:
أ ـ في المساجد حيث أن هناك جوامع صغيرة وكبيرة من حول مقام سيدنا ومولانا أميرالمؤمنين (عليه السلام) فيلتقي الاُستاذ مع تلاميذه حسب الموعد المقرر في المسجد المتفق عليه.
ب ـ المدارس الدينية في غرفها أو على سطوحها أو في الطوابق السفلى تحت الأرض (السراديب) حسب الطقس والفصول الحارة والباردة.
جـ ـ المقابر المشيدة ذات غرفة وساحة مثل مقبرة آل راضي ومقبرة الجواهري ومقبرة كاشف الغطاء ومقبرة آل الخليلي ومقبرة الشيرازي.
ومن الواضح أنه كلما كانت الدراسة في المراحل الاُولى وحلقات الدرس ضيقة، كانت الأماكن مشتركة وأصوات المدرسين أكثر وكلما كانت الدراسة متقدمة أكثر، كان المكان أهدأ حتّى يكون التلميذ منتبهاً إلى الدرس أكثر.
ولهذا ترى بأن حلقات كثيرة تواصل الدراسة في جامع واحد كبير أو متوسط إذا كانت الدراسة في مراحلها الاُولى، ولكن درس الخارج يستدعي فراغ المسجد من جميع حلقات الدرس حتّى إذا كان رحباً وواسعاً لكي يسود الهدوء.
زمان الدراسة
لا يوجد وقت محدد ومعيّن للدراسة في الحوزة وإنما يتحدد الوقت من خلال الاتفاق الّذي يتم بين الاُستاذ والتلميذ. فقد يتفقان على ما بين الطلوعين بعد أداء فريضة الصبح أو بعد طلوع الشمس أو قبل غروب الشمس بساعة أو بعد صلاة العشاءين أو... فإنّ أمر الوقت متروك إلى الاُستاذ والتلميذ حسب فراغهما.
لغة الدراسة
ترتبط لغة التدريس في مرحلة المقدمات بالقومية الّتي ينتمي إليها التلميذ فإنّ الطالب العربي يختار اُستاذاً عربياً والطالب التركي يختار اُستاذاً تركياً والطالب الهندي اُستاذاً هندياً والطالب الايراني اُستاذاً ايرانياً.
وأما في مرحلة السطوح فغالباً تكون الدراسة باحدى اللغتين العربية أو الفارسية مع العلم بأن اللغتين في تدريس الفقه والاُصول والفلسفة متقاربتان جداً. ولهذا ترى بأن عدداً من طلاب العرب يحضرون على أساتذة ايرانيين فيستوضح الاُستاذ أو يناقشه باللغة العربية ويجيب عليه الاُستاذ باللغة الفارسية فإن كلا منهما يفهم لغة الآخر.
وأما في مرحلة الخارج فإن الدراسة تكون باللغة العربية، خاصة في الآونة الأخيرة، ولو قام اُستاذ بالقاء الدرس باللغة الفارسية فلغة تدريس العلوم الدينية باللغة الفارسية قريبة جداً من اللغة العربية وتكون مفهومة على العرب وغيرهم.
العطل الدراسية
تتوقف الدراسة في الحوزات العلمية الدينية وخاصة في النجف الأشرف في المناسبات التالية:
1 ـ يومي الخميس والجمعة من كلّ اُسبوع وذلك أن الطالب الأعزب يريد أن ينصرف إلى شؤونه الخاصة من غسل الثياب وتنظيف غرفته أو مراجعة الدروس الّتي تأخر عنها لبعض الموانع.
2 ـ شهر رمضان المبارك: إنّ قسماً كبيراً من طلاب الحوزة العلمية يغادرون الحوزة ويتوجهون إلى المدن والقرى لإرشاد الناس وتبليغ الإسلام فمع الدراسة في الحوزة لا يستطيع الطالب أن ينصرف إلى شؤون التبليغ والتوجيه. ولهذا تتوقف الحوزة عن الدراسة طيلة هذا الشهر.
ولكن الطلبة الّذين يبقون في الحوزة قد يبدأون ببحث قصير ومختلف عن الدراسات المتعارفة أيام السنة مثل دراسة قاعدة لا ضرر أو قاعدة اليد أو بحث رجالي وما شابه ذلك حتّى لا يفوتهم الشهر من دون دراسة وفائدة علمية.
3 ـ اُسبوعين من أول شهر محرم واُسبوعين من آخر شهر صفر وذلك للمشاركة في إقامة مجالس العزاء على أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) في العشرة الاُولى بمناسبة عاشوراء وفي العشرة الأخيرة من شهر صفر بمناسبة مرور أربعين يوماً على استشهاد أبي عبدالله(عليه السلام) ووفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أواخر شهر صفر.
وإن عدداً كبيراً من الطلاب يتوجهون إلى البلاد للإرشاد وقراءة مقتل أبي عبدالله الحسين(عليه السلام).
4 ـ أيام وفاة الأئمة(عليهم السلام) مثل وفاة الإمام الصادق والإمام زين العابدين(عليهما السلام).
5 ـ يوم وفاة مرجع كبير من الفقهاء في النجف أو بلد آخر.
6 ـ الأعياد الإسلامية مثل يوم مولد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ومولد الإمام عليّ(عليه السلام)ويوم المبعث ويوم منتصف شهر شعبان ويوم عرفة ويوم الغدير وذلك للمشاركة مع الناس في أداء بعض المستحبات من الأدعية والزيارة في هذه الأيام.
وكانت النجف الأشرف مستمرة في الدراسة أيام الصيف قبل عشرين عاماً ولكن المرجع الكبير السيد الخوئي قد أقر العطلة الصيفية بعد تخفيف أيام العطل الاُخرى وأعطى عطلة صيفية لمدة خمسة وأربعين يوماً.
الامتحان والشهادة
اعتادت الجامعات العلمية في العالم على اجراء امتحان واختبار على الطلاب ثم اعطاء شهادات تبرز المستوى العلمي لحاملها وتخول صاحبها العمل في المجالات الّتي تخصص فيها.
ولكن الحوزة العلمية في النجف الأشرف لا تقوم باجراء امتحان ولا تقديم شهادة علمية إلاّ إذا بلغ الطالب مستوى الاجتهاد وطلب من اُستاذه تزويده بشهادة يثبت للناس وصوله إلى هذه المرحلة العالية من العلم والمعرفة في علم الفقه وعلم الاُصول. وأما قبل هذه المرتبة الشامخة لا نجد امتحاناً ولا شهادة من الحوزة للطالب.
وليس معنى ذلك أن الحوزة تعيش عالم الفوضى والاهمال واللامبالاة تجاه من يدرس ويجتهد ومن لا يأبه بالدرس والبحث بل ان هناك طرقاً اُخرى لمعرفة المستوى العلمي للطلاب.
وذلك أن الحوزة العلمية بعد تمتعها بالحرية التامة والانفتاح الكامل على الأساتذة والطلاب تعيش حالة الاستنفار العلمي دائماً حيث يتوجه طلب التدريس لكلّ واحد من الطلاب نحو من هو في مستوى علمي أعلى إذ من المفروض أن الطالب في المستوى الأعلى يدرّس الطلاب الّذين في المستوى الأقل منهم ويجيب على أسئلة كلّ من وجّه نحوه السؤال. فإذا نجح الطالب في الحوزة في التدريس والإجابة على الأسئلة أو ناقش اُستاذه أثناء التدريس برز الطالب في الحوزة وانشدّت الأنظار إليه ولمع اسمه وتألق أكثر في كلّ يوم وشهر وسنة. فمن خلال النشاط العلمي في الحوزة من المناقشة والتدريس والتحقيق والتأليف يتحدّد للعلماء المستوى العلمي الّذي يبلغه الطالب في الدراسات الدينية.
وفي كثير من الأحيان يبلغ الطالب مرحلة الاجتهاد وتعترف باجتهاده الحوزة من دون أن يحمل شهادة الاجتهاد من المراجع الكبار.
وبهذه الطريقة تتعين الحدود وتوضع المستويات العلمية لكلّ طالب.
نعم قد يريد الطالب مغادرة الحوزة العلمية عائداً إلى بلده أو مدينة اُخرى لتولي المسؤوليات الدينية فيطلب من المراجع الكبار تزويده بشهادة حسن السلوك والوكالة عنهم لاستلام الحقوق الشرعية والتصدي لإمامة صلاة الجماعة وتنظيم أوضاع الناس الدينية ومراجعة المؤمنين إليه وما شابه ذلك، فتقدم المرجعية شهادة فيها تنويه إلى مستواه العلمي الثابت لديها من خلال الحوزة واشارة إلى عدالته ووثاقته ووكالته من قبل المرجع لتصدي اُمور المسلمين في الشؤون الدينية.
ومن المعلوم أن مثل هذه الشهادات تختلف حسب اختلاف إيمان الطالب ودرجة علمه وانضباطه وأخلاقه وسلوكه طيلة حياته في النجف الأشرف.
الألقاب العلمية
تقدم الحوزة العلمية في النجف الأشرف لطالب الدراسات الدينية ألقاباً تعرب عن المرحلة العلمية الّتي بلغها الطالب، وهذه الألقاب المعروفة هي:
الفاضل: من كان على وشك الانتهاء من مرحلة المقدمات بجدارة واتقان.
العلاّمة: كلّ من أنهى مرحلة السطوح باستيعاب كامل وجدية تامة ويقوم بتدريس بعض الكتب من مرحلة المقدمات على المبتدئين.
الحجة: إذا أنهى دورة في بحث الاُصول وشيئاً كثيراً من الفقه على مستوى الخارج بتفهم ودقة وكان لامعاً بين زملائه في استيعاب الدروس من مرحلة الخارج.
آية الله: المجتهد المطلق.
آية الله العظمى: المجتهد المطلق الّذي تولى الإعلان عن فتاويه وآراءه الفقهية للناس بطبع الرسالة العملية للمقلدين.
المرجع: المجتهد المطلق الّذي يقلد عند بعض الناس.
المرجع الكبير: هو المرجع والمقلد لدى كثير من الناس في العالم.
ومن الواضح أن هذه الألقاب لا تعطى لأصحابها المستحقين لها من قبل جهة في الحوزة تقوم بهذه الاُمور بل تقدم من قبل الأساتذة المعروفين حيث يقرون هذه الألقاب عبر مرور الزمان وفي المجالس المختلفة وفي أحاديثهم ومخاطباتهم ومراسلاتهم.
العمامة في الحوزة العلمية
لا تشترط الدراسة الدينية في الحوزة العلمية في النجف الأشرف في زي خاص ومعين، بل يستطيع كلّ إنسان مهما كان زيّه الحضور في حلقات الدراسات الإسلامية من دون رادع مهما كان مستوى البحث من ناحية المقدمات أو السطوح أو الخارج.
ولكن المتعارف عليه في النجف الأشرف أن الطالب المبتدىء عندما يلتحق بالحوزة يحافظ على زيه السابق ويبتدأ بدراسة المقدمات ثم يتعمم بعد أن يقطع شوطاً من دراساته التمهيدية ويتعمم البعض الآخر عندما ينهي مرحلة المقدمات وينتقل إلى مرحلة السطوح وقلما تجد طالباً في مرحلة السطوح لم يكن معمماً ونادراً ما تواجه طالباً في مرحلة الخارج من دون عمامة.
والعمامة مظهر إسلامي ومن آداب اللباس في الإسلام.
عن أبي الحسن(عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ (مسوّمين) قال: العمائم. اعتم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فسدلها من بين يديه ومن خلفه واعتم جبرئيل فسدلها من بين يديه ومن خلفه(2).
وعن أبي عبدالله(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): العمائم تيجان العرب إذا وضعوا العمائم وضع الله عزهم(3).
وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): اعتمّوا تزدادوا حلماً(4).
وعن عبدالله بن سليمان عن أبيه أن عليّ بن الحسين(عليه السلام) دخل المسجد وعليه عمامة سوداء قد أرسل طرفيها بين كتفيه.
والعمامة تكون مع ثياب واسعة مثل الجبة وهي أيضاً من آداب الملابس في الإسلام.
وقد اعتادت الطائفة الشيعية في أنحاء العالم على أن العمامة السوداء رمز لكلّ من ينتمي عن طريق أبيه من ناحية النسب إلى بني هاشم ورسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ومن ذرية فاطمة سلام الله عليها وان العمامة البيضاء رمز لمن لم يكن منتمياً إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من ناحية الأب. رغم أن كلا منهما يدرسان الدراسات الإسلامية نفسها بدون أدنى تفاوت أو اختلاف.
نفقات الحوزة العلمية في النجف الأشرف
إنّ تكاليف الحوزة العلمية في النجف الأشرف وكلّ الحوزات العلمية الدينية الشيعية في أنحاء العالم من تشييد المدارس الدينية وترميمها واعادة بنائها وإنارتها ونظافتها وصيانتها وكذلك نفقات طلاب الدراسات الدينية في هذه الحوزات من الرواتب الشهرية مهما كانت ضئيلة ويسيرة ومساعدتهم في المناسبات المختلفة والحالات الطارئة من الزواج والسفر والمعالجة و... كلّ ذلك يؤمّن ويُهيّأ من السبل الشرعية الواجبة، ولا ترتبط بالجهات السياسية الحاكمة.
لقد فرض الله سبحانه وتعالى على المسلمين ضرائب مالية تسمى بالخمس والزكاة والكفّارات من كفّارة الإفطار العمدي في شهر رمضان وكفّارة نقض العهد واليمين والنذر وكفّارة القتل وكفّارة مرتكب بعض تروك الإحرام. وهذه الأموال بشكل عام على قسمين:
1 ـ الأموال المطلقة المحررة الّتي يجب صرفها في كلّ ما فيه رضى الله سبحانه وتعالى مثل أموال سهم الإمام والزكاة حيث يجوز صرفها في تشييد الأبنية واطعام الفقراء ومساعدة المحتاجين.
2 ـ الأموال المقيدة في اطعام الفقراء والمساكين والمحتاجين كما هو
مصرف كلّ أنواع الكفّاراتولا يجوزصرفهافي البناءأومساعدة أحدللدواءأوالزواج.
واليك شرح كلّ واحد من هذه الضرائب الشرعية المفروضة على أموال المسلمين:
1 ـ الخمس:
إن الحقوق الشرعية في مصطلح الفقه الشيعي هي الخمس لقول الله سبحانه: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)(5).
ويجب الخمس على ضوء مذهب أهل البيت(عليهم السلام) في اُمور سبعة:
1 ـ غنائم دار الحرب. 2 ـ المعادن. 3 ـ الكنوز. 4 ـ الغوص. 5 ـ الأرض الّتي اشتراها الذمي من المسلم. 6 ـ الحلال المختلط بالحرام. 7 ـ الأموال الزائدة الفاضلة على مؤونة السنة.
وفي بعض الأحاديث فسّرت الغنيمة بكلّ الاُمور السبعة المذكورة ففي فقه الرضا(عليه السلام) «وقال جلّ وعلا (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى)إلى آخر الآية فتطوّل علينا بذلك امتناناً منه ورحمة إذا كان المالك للنفوس والأموال وسائر الأشياء الملك الحقيقي وكان ما في أيدي الناس عواري وانهم مالكون مجازاً لا حقيقة له وكلّ ما أفاده الناس فهو غنيمة لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص ومال الفيء الّذي لم يختلف فيه وهو ما ادعى فيه الرخصة وهو ربح التجارة وغلة الصنيعة وسائر الفوائد من المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها لأن الجميع غنيمة وفائدة ورزق الله عزّوجلّ فعلى كلّ من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس فإن أخرجه فقد أدّى حقّ الله عليه»(6).
وما هو الواجب المعمول به فعلا لدى المؤمنين الباعث على نهوض الحوزات العلمية والشؤون الدينية والمؤسسات الخيرية في كلّ مكان لدى أصحاب مذهب أهل البيت (الشيعة) هو خمس ما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله مما يكتسبه من أرباح التجارة والصناعة والزراعة أو أي عمل من الأعمال.
قال صاحب الجواهر: (وهو الّذي استقر عليه المذهب والعمل في زماننا هذا بل وغيره من الأزمنة السابقة الّتي يمكن دعوى اتصالها بزمان أهل العصمة(عليهم السلام)(7).
والروايات في ذلك كثيرة:
عن محمّد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام) أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصنّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه: الخمس بعد المؤنة(8).
وعن عليّ بن مهزيار قال: قال لي أبو عليّ بن راشد قلت له أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم وأي شيء حقّه فلم أدر ما أجيبه؟ فقال: يجب عليهم الخمس فقلت ففي أي شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم (ضياعهم). قلت: والتاجر عليه والصانع بيده فقال: إذا أمكنهم بعد مؤونتهم(9).
وهذا الخمس يقسم إلى سهمين سهم السادة الفقراء وسهم الإمام عليه الصلاة والسلام.
قال المرحوم الشيخ محمّد جواد مغنية (قالوا: إنّ الخمس يقسم على ستة
أسهم وهي الّتي نطقت بها الآية سهم الله وسهم الرسول وسهم الإمام لأنه هو المراد من ذي القربى بالإجماع وسهم اليتامى وسهم المساكين وسهم ابن السبيل من أقارب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة الّذي حرّم الله عليهم الصدقة دون غيرهم وما كان لله فهو لرسوله وما كان للرسول فهو للإمام وإذن يكون للإمام من الخمس ثلاثة أسهم وهي نصف الخمس أما الأسهم الثلاثة الباقية فإنها تقسم على يتامى آل الرسول ومساكينهم وأبناء سبيلهم لا يشاركهم فيها غيرهم)(10).
أما سهم السادة الفقراء فلا يحتاج إلى مراجعة الفقيه بل يوزع على المحتاجين من السادة المنتسبين بالأب إلى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وأما سهم الإمام فيحتاج إلى مراجعة الفقيه.
قال المرجع الكبير السيد الحكيم رضوان الله تعالى عليه (النصف الراجع للإمام(عليه السلام) وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون العارف بمصارفه إما بالدفع إليه أو الاستئذان منه)(11).
وعليه تتجمع أموال الخمس وخاصة سهم الإمام(عليه السلام) كثيراً لدى الفقيه ونائبه فإن المؤمنين منشدّون إلى مراجعهم دافعون حقوقهم الشرعية مهما كان عملهم وحجم أموالهم إلى الفقهاء العظام، فينفق الفقيه هذه الأموال على شؤون الحوزات الدينية العلمية الّتي تتصدى للرد على أعداء الله، كما ينفق على الأيتام والفقراء والمؤسسات الخيرية من المستوصفات والمستشفيات والمدارس الّتي تعلم الأولاد وتخرج علماء دين والحسينيات والمحاضرات و... كلّ ما فيه رضى الله تعالى.
يقول الإمام الحكيم(رحمه الله): (ومن أهم مصارفه ـ سهم الإمام(عليه السلام) ـ في هذا الزمان الّذي قل فيه المرشدون والمسترشدون إقامة دعائم
الدين ورفع أعلامه وترويج الشرع المقدس ونشر قواعده وأحكامه ومؤونة أهل العلم الّذين يصرفون أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية الباذلين أنفسهم في تعليم الجاهلين وإرشاد الضالين ونصح المؤمنين ووعظهم واصلاح ذات بينهم ونحو ذلك مما يرجع إلى اصلاح دينهم وتكميل نفوسهم وعلو درجاتهم عند الله تعالى جلّ شأنه)(12).
وهذه نعمة كبيرة على الشيعة حيث منّ الله على علمائهم ومؤسساتهم الدينية بالاستقلالية التامة عن الحكومات القائمة حيث لا يحتاجون إلى مساعدة الدولة بقدر قرش واحد بل قد تمدّ السلطة القائمة يد العوز والحاجة إلى فقهاء الشيعة لنجدتهم في الحالات الطارئة الّتي قد تحلّ بالبلاد والعباد.
نعم قد يكون هناك القدر القليل من الأموال الّتي تنفق في بناء المدارس وعلى شؤون الحوزات العلمية الدينية من غير الحقوق الشرعية ولكنها يسيرة.
2 ـ الزكاة:
قال الله سبحانه: (وما اُمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة)(13) وقال تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين)(14) .
وقال الإمام الصادق: (إن الله عزّوجلّ فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم انهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله عزّوجلّ ولكن أوتوا من منع من منعهم حقهم لا مما فرض الله لهم ولو أن الناس أدوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير(15).
وعن معتب مولى الصادق(عليه السلام) قال: قال الصادق(عليه السلام) إنّما وضعت الزكاة اختباراً للأغنياء ومعونة للفقراء ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما
بقي مسلم فقيراً محتاجاً ولاستغنى بأمر من الله له وان الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلاّ بذنوب الأغنياء وحقيق على الله تعالى أن يمنع رحمته ممن منع حقّ الله في ماله واُقسم بالذي خلق الخلق وبسط الرزق انه ما ضاع مال في بر ولا بحر إلاّ بترك الزكاة وما صيد صيد في بر ولا بحر إلاّ بترك التسبيح في ذلك اليوم وإن أحب الناس إلى الله تعالى أسخاهم كفاً وأسخى الناس من أدى زكاة ماله ولم يبخل على المؤمنين بما افترض الله لهم في ماله)(16).
والزكاة واجبة بضرورة من الدين لدى جميع المذاهب الإسلامية كالصلاة والصيام والحج ومنكرها يعد خارجاً من ربقة الإسلام ولذا قرنها الله سبحانه بالصلاة في أكثر من آية في كتابه الكريم.
وتجب الزكاة في:
1 ـ النقدين: هما:
أ ـ الذهب.
ب ـ الفضة.
ويكون لكل منهما نصاب مذكور في الفقه فراجع.
2 ـ الأنعام الثلاثة: الإبل، البقر، الغنم:
ولكل واحد من هذه الأنعام الثلاثة نصب عديدة مذكورة في الكتب الفقهية.
3 ـ الغلات الأربع: الحنطة، الشعير، التمر، الزبيب حيث يجب في كلّ ثمانمائة وثمانية وأربعين كيلو تقريباً العشر إذا سقيت بالمطر أو بمص عروقه من ماء الأرض. ونصف العشر إذا سقي عبر مضخات الماء.
والمستحقون للزكاة حسب ما ورد في القرآن الكريم: (إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي
سبيل الله وابن السبيل فريضةً من الله والله عليم حكيم)(17) أصناف ثمانية: 1 ـ الفقراء. 2 ـ المساكين. 3 ـ العاملون عليها. 4 ـ المؤلفة قلوبهم. 5 ـ في الرقاب. 6 ـ الغارمون. 7 ـ في سبيل الله. 8 ـ ابن السبيل.
وشؤون الحوزة العلمية من موارد سبيل الله.
قال صاحب الجواهر: (ضرورة شموله ـ سبيل الله ـ لجميع القرب من بناء خانات ـ محل نزول المسافرين في الأيام السالفة ـ وتعمير روضة(18) أو مدرسة أو مسجد أو احداث بنائها أو وقف أرض أو تعميرها أو وقف كتب علم أو دعاء ونحوها أو تزويج عزاب أو غيرهم أو تسبيل نخل أو شجر أو ماء أو مأكول أو شيء من آلات العبادة أو احجاج أحد أو اعانة على زيارة أو في قراءة أو تعزية أو تكرمة علماء أو صلحاء أو نجباء أو اعطاء أهل الظلم والشر أو اعطاء من يدفع ظلمهم ويخلص الناس من شرهم أو بناء ما يتحصن به المؤمنون عنهم أو شراء الأسلحة لدفاعهم)(19).
وهذا المورد أيضاً من الموارد المالية الضخمة الّتي تنفق على الحوزات العلمية.
3 ـ زكاة الفطرة:
وهي واجبة على كلّ من توفرت فيه شرائط زكاة الفطرة، بأن يدفع عن نفسه وعن كلّ من يعيله عن كلّ شيخص مقدار ثلاث كيلوات مما يعتبر قوتاً شائعاً لذلك البلد أو قيمته وقت الأداء.
وتصرف زكاة الفطرة في الموارد الّتي تصرف فيها الأموال الزكوية الّتي منها شؤون المؤسسات الدينية والجهات الخيرية الّتي تعم الجميع عنوان واحد وهو عنوان سبيل الله.
4 ـ الكفّارات:
وهي: 1 ـ كفّارة صيد المحرم. 2 ـ كفّارة الظهار. 3 ـ كفّارة القتل خطأ. 4 ـ كفّارة القتل عمداً. 5 ـ كفّارة قضاء رمضان. 6 ـ كفّارة الإفطار في رمضان. 7 ـ كفّارة النذر. 8 ـ كفّارة اليمين. 9 ـ كفّارة العهد. 10 ـ كفّارة يمين البراءة. 11 ـ كفّارة جز المرأة شعرها في المصاب. 12 ـ كفّارة نتف شعر المرأة في المصاب. 13 ـ كفّارة شق الرجل ثوبه. 14 ـ كفّارة وطىء الزوجة في الحيض. 15 ـ كفّارة صوم الاعتكاف.
إنّ بعض هذه الكفّارات محل قبول لدى جميع الفقهاء وبعضها مورد أخذ ومناقشة.
وهذه الكفّارات تكون في إطعام الفقراء أو إكسائهم ويجوز صرفها على بعض طلاب العلوم الدينية لأنهم قد يندرجون تحت عنوان المحتاجين.
وبالفعل فإن قسماً من الأموال الّتي تنفق على الحوزة مثل توزيع الرغيف على الطلبة بواسطة الحوالات اليومية يكون من الكفّارات الّتي لابد من إطعام ستين مسكيناً أو عشرة مساكين وما شابه ذلك.
كما أن قدراً من الأوقاف والنذورات والصدقات العامة والتبرعات تصل إلى النجف الأشرف لإنفاقها في السبل الخيرة والحسنة، فتصرف على الحوزة وشؤونها المختلفة.
مناهج الدراسة وكتبها
إنّ منهج الدراسة في النجف الأشرف يختلف عن المناهج العلمية في المدارس الحديثة حيث أن المنهاج في الحوزة العلمية في النجف الأشرف ينقسم إلى ثلاثة مراحل، ولكل مرحلة كتباً خاصة ومحاضرات محددة. وهذه المراحل الثلاثة هي:
مرحلة المقدمات:
تتولى هذه المرحلة دراسة المقدمات والعلوم التمهيدية الّتي تؤهل الطالب لفهم النصوص القرآنية والأحاديث المعتبرة مثل علم الصرف والنحو والبلاغة وعلم المنطق.
وهذه المرحلة تختلف عند الطلاب العرب عن غيرهم حيث أن الطالب العربي نتيجة لغته وذوقه العربي لا يدرس الكثير من العلوم العربية وإنما يدرس سنتين تقريباً بعض الكتب العربية لتعلم القواعد النحوية بينما الطلاب غير العرب يدرسون العلوم العربية في مدة تقرب من أربع سنوات حتّى يتمكنوا من القواعد العربية ويستوعبوا دقائقها ونكاتها.
الكتب الدراسية في العلوم العربية للطلاب العرب من مرحلة المقدمات:
يبدأ الطالب العربي عادة دراساته العربية بالكتب التالية:
أ ـ الأجرومية: وهو كتاب صغير يشتمل على أوليات القواعد العربية النحوية وقد ألفها ابن أجروم.
ب ـ قطر الندى وبل الصدى: لمؤلفه عبدالله بن يوسف بن أحمد بن هشام المتوفي عام 761 هـ 1340 م.
جـ ـ شرح ابن عقيل: إنّه كتاب يشتمل على أرجوزة تتكون من ألف بيت المعروفة بـ (ألفية ابن مالك) لأبي عبدالله جمال الدين محمّد بن مالك الطائي المتوفي عام 672 هـ 1251 م. وعلى شرح لقاضي القضاة بهاء الدين عبدالله بن عقيل العقيلي.
د ـ المختصر: لقد كتب أبو يعقوب السكاكي كتاب «مفتاح العلوم» في البيان والمعاني والبديع. وثم جاء من بعده الخطيب محمّد بن عبدالرحمن بن عمر القزويني المتوفي عام 739 هـ 1318 م ولخّص كتاب مفتاح العلوم وسمّاه بـ «تلخيص المفتاح».
ثم تولى مسعود بن عمر بن عبدالله الشيخ سعد الدين التفتازاني 791 هـ 1370 م شرح تلخيص المفتاح بأسلوبين أحدهما مفصل ومبسوط سماه بـ «المطول» وثانيهما بـ «المختصر».
وطلاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف من أبناء اللغة العربية يدرسون المختصر.
الكتب الدراسية في العلوم العربية لغير طلاب العرب من مرحلة المقدمات:
وأما الطلاب غير العرب من الايرانيين والباكستانيين والهنود والأتراك فيبدأون بدراسة كتاب «جامع المقدمات» وهو كتاب كما يظهر من اسمه يحتوي على عدة كتب كلها من الكتب المقدماتية التمهيدية وهي:
1 ـ الأمثلة: كتاب صغير جداً في علم صرف اللغة العربية يتولى صرف مادة الـ«ضرب» في صيغ فعل الماضي والمستقبل والأمر والنهي والجحد والنفي والاستفهام واسمي الفاعل والمفعول، ويكون المجموع مائة وعشر كلمات. كتبه السيد شريف الجرجاني باللغة الفارسية.
2 ـ شرح الأمثلة: إنّ ميرزا محمّد بن سليمان التنكابني المتوفي عام 1302 هـ 1888 م قد شرح كتاب الأمثلة باللغة الفارسية وبيّن أصل كلّ كلمة من مائة وعشر كلمات وكيفية صياغتها من شكل إلى آخر وانتهائها إلى الشكل الجديد والصيغة النهائية. وهذا أيضاً كتاب يتحدث عن صرف اللغة العربية في حجم صغير أيضاً(20).
3 ـ صرف مير: كتاب في علم الصرف باللغة الفارسية يبين الأوزان للأفعال والمصطلحات الصرفية من المعتل والمهموز والصحيح والمثال.. وقد وضعه السيد شريف الجرجاني المتوفي عام 816 هـ 1395 م(21).
4 ـ التصريف: إنّه كتاب عربي يتحدث عن قواعد الصرف في اللغة العربية على نسق كتاب صرف مير المتقدم ذكره.
5 ـ شرح التصريف: لقد شرح ـ حسب الظاهر ـ الشيخ سعد الدين مسعود بن عمر بن عبدالله التفتازاني المتوفي عام 71 هـ كتاب التصريف المتقدم في علم الصرف.
6 ـ عوامل ملا محسن: إنّه كتاب يبحث عن القواعد النحوية بصورة مختصرة... ويكون مؤلفه المولى محسن بن محمّد طاهر القزويني الّذي كان متمتعاً بالحياة عام 1128 هـ .
7 ـ عوامل النحو: هو كتاب صغير يبحث عن القواعد النحوية بصورة موجزة أيضاً. لقد ألفه الميرزا محمّد بن سليمان التنكاباني عام 1302 هـ 1881 م.
8 ـ الهداية: إنّه كتاب نحوي مختصر قيل أنّ مؤلفه أبي حيّان الأندلسي محمّد بن يوسف وقيل الزبير البصري بن أحمد الشافعي وقيل عبدالجليل بن فيروز القزويني وقيل ابن درستويه عبدالله بن جعفر.
9 ـ شرح إنموذج: يحتوي هذا الكتاب على متن للزمخشري وشرح لعماد الدين محمّد بن عبدالغني الأردبيلي.
10 ـ الفوائد الصمدية المعروف بالصمدية: وهي تشتمل على خمس حدائق للشيخ محمّد بن الحسن بن عبدالصمد الحارثي المعروف بالشيخ بهاء الدين العاملي وقد كتبه عام 975 هـ وتوفي عام 1079 هـ.
11 ـ البهجة المرضية: المعروفة بالسيوطي للحافظ عبدالرحمن جلال الدين بن أبي بكر السيوطي المتوفي 911 هـ حيث يكون شرحاً لألفية ابن مالك.
12 ـ مغني اللبيب: يحتوي هذا الكتاب على ثمانية أبواب ويدرس الكثير من الطلاب غير العرب الباب الأول في مفردات اللغة العربية والباب الرابع في أحوال الجمل الّتي لها محل من الإعراب والجمل الّتي لا محل لها من الإعراب.
13 ـ المطوّل: قد تقدم منا الحديث بأن مسعود بن عمر بن عبدالله الشيخ سعد الدين التفتازاني قد شرح تلخيص المفتاح بشرحين سمى أحدهما بالمختصر وثانيهما بالمطوّل والطلاب غير العرب يدرسون كتاب (المطوّل).
بقية الكتب الدراسية لمرحلة المقدمات:
إنّ الطلاب في الحوزة العلمية يدرسون إلى جانب دراستهم للعلوم العربية علم الفقه والمنطق ويتساوى جميع الطلاب أمام الكتب في هذين العلمين حيث يدرسون:
1 ـ الرسالة العملية في الفقه:
إنّ التقليد واجب على الطالب فيندفع إلى قراءة الرسالة العملية للمرجع
الّذي يقلده وهذه المادة في هذه المرحلة متروكة إلى الطالب وحسب مرجعه وتقليده.
2 ـ حاشية ملا عبدالله:
كتب سعدالدين التفتازاني المتوفي 792 هـ 1371 م كتاباً مختصراً مضغوطاً في علم المنطق باسم تهذيب المنطق والكلام ثم جاء المولى نجم الدين عبدالله بن شهاب الدين حسين اليزدي المتوفي 981 هـ وشرح المتن وعرف الكتاب بحاشية ملا عبدالله اليزدي.
3 ـ منطق المظفر:
وضع الحجة الشيخ محمّد رضا المظفر المتوفي عام 1390 هـ كتاب المنطق في ثلاثة أجزاء، الجزء الأول يبحث عن الألفاظ والكلي والمعرف والجزء الثاني عن القضايا وأحكامها والثالث عن الصناعات الخمس وذلك لتدريسه في كلية الفقه الّتي أسسها في النجف الأشرف وسرعان ما أصبح هذا الكتاب جزءاً من الكتب الدراسية الحوزوية في عالم التشيع.
هذه هي الكتب الّتي تدرس في مرحلة المقدمات الّتي تستوعب الطلاب العرب فترة سنتين ولغيرهم فترة أربعة أعوام تقريباً.
مرحلة السطوح:
إنّ طلبة الدراسات الدينية العرب وغير العرب يلتقيان في هذه المرحلة في الكتب الدراسية ومنهاج الحوزة حيث إنّ الطلاب يدرسون في مرحلة السطوح من كتب الفقه:
1 ـ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: المشتملة على متن فقهي مختصر للشهيد الأول محمّد بن جمال الدين مكي العاملي (734 ـ 786 هـ) «1313 ـ 1365 م» وشرحه للشهيد الثاني زين الدين الجبعي العاملي (911 هـ - 966 هـ) وتحرص الحوزة أساتذة وطلاباً على دراسة هذا الكتاب بجميع أجزائه ومجلداته لأنّ هذا الكتاب يجمع بين دفتيه جميع الأبواب الفقهية. ولا يتشرف الطالب بدراسة الأبحاث الفقهية بأسرها إلاّ إذا درس هذا الكتاب.
2 ـ المكاسب: للشيخ مرتضى الأنصاري المولود عام 1214 هـ والمتوفي سنة 1281 هـ وهو كتاب فقهي اجتهادي استدلالي يتناول أبحاث البيع والتجارة بكلّ أبعادها وتفاصيلها ومن المعروف لدى العلماء العظام أنّ من يستوعب هذا الكتاب ويفهم الأقوال والإستدلال والمناقشات العلمية يكون بالغاً مرتبة كبيرة من الاجتهاد.
كما يدرس الطلاب في هذه المرحلة من كتب اُصول الفقه:
اُصول المظفر للشيخ محمّد رضا المظفر صاحب كتاب منطق المظفر.
3 ـ الرسائل: للشيخ الأنصاري صاحب كتاب المكاسب الآنف الذكر. وهذا الكتاب يشتمل على أبحاث القطع والظن والاُصول العملية والتعارض والتراجيح.
أو يقرأون الحلقة الثانية ذات المجلد الواحد من علم الاُصول أو الحلقة الثالثة ذات المجلدين الأول لأبحاث الألفاظ والثاني للاُصول العقلية.
وقد وضع الشهيد السعيد السيد محمّد باقر الصدر الحلقات الثلاثة في علم الاُصول المتدرجة من الأبحاث البسيطة للمبتدأ وحتّى نهاية مرحلة السطوح.
ثم يقرأ الطالب جزئي كفاية الاُصول للمحقق الخراساني المتوفي عام 1329 هـ 1908 م يبحث المجلد الأول عن الألفاظ والمجلد الثاني عن الاُصول العقلية.
وبانتهاء هذا الكتاب تنتهي مرحلة السطوح الّتي تستمر عادة أربعة أعوام دراسة ويصبح صالحاً للالتحاق بمرحلة الخارج.
مرحلة الخارج:
تعتبر هذه المرحلة بداية التحقيق وابداء النظر والاجتهاد وحيث يحضر الطالب بحث الاُصول وبحث الفقه ومن اللازم عليه أن يكون في مستوى استيعاب الدرس الّذي يستغرق ثلاثة أرباع الساعة أو أكثر من دون كتاب يقرأ فيه ولهذا تسمى هذه المرحلة بالخارج لأن الاُستاذ يلقي الدرس من دون كتاب ويجب على الطالب الانتباه الكامل إلى الدرس لاستيعابه فيكون التدريس من خارج الكتاب.
لقد اعتاد علمائنا المحققون أن يدرّسوا علم اُصول الفقه في مرحلة الخارج على ترتب أبحاث كتاب كفاية الاُصول حيث يستعرض الموضوع ويذكر آراء أساطين العلماء مثل صاحب الكفاية والشيخ الأنصاري والشيخ النائيني والشيخ الأصفهاني والشيخ العراقي ويذكر مناقشة كلّ واحد منهم على الآخر ثم يختار الاُستاذ رأيه في المسألة ويستدل على ذلك بالأدلة الّتي يعتبرها قويمة ويجيب على المناقشات فيخرج برأي في ذلك الموضوع. وعلى التلميذ أن يراجع المصادر والكتب لكي يعرف بأن نقل الاُستاذ لتلك الأقوال صحيحة أم لا؟ ثم يتأمل في أن البراهين الّتي يستدل بها الاُستاذ هل هي سديدة أم تكون قابلة للطعن والاعتراض؟ وهنا تكمن القدرة العلمية للتلميذ فبمقدار ما يجتهد ويعتني بالدرس يتقدم أكثر ويشتهر بالفضل أكثر ويبلغ درجة الاجتهاد أسرع.
كما اعتاد الفقهاء على تدريس الفقه في مرحلة الخارج على ترتيب وتنظيم كتاب العروة الوثقى للسيد كاظم الطباطبائي اليزدي، حيث يستعرض آراء الفقهاء قديماً وحديثاً ويذكر أدلتهم ثم يناقش تلك الأقوال والبراهين ويستخلص فتواه وهكذا.
وعلى التلميذ الطالب مراجعة الكتب والأحاديث والتمعن في تلك الأقوال وبراهينها والأحاديث وأسانيدها ومتنها ونسخها، كي يتوصل إلى فتوىً يتبناها ويسلك في حياته الشخصية على ضوء ذلك.
وبعد حضور الطالب دورة من علم اُصول الفقه وسنين عديدة لعلم الفقه
على يد علماء وفقهاء مراجع وأساتذة حضور تدبر واستيعاب يصير الطالب مجتهداً واُستاذاً معروفاً لدى العلماء.
وقد تستغرق دراسة أبحاث علم اُصول الفقه من أولها إلى آخرها مدة تتراوح من ثمانية أعوام إلى عشرة أعوام حسب كيفية تدريس الاُستاذ من ناحية التعمق والتوسع وعدمها.
كما أنه لا يمكن تدريس الفقه من أول كتاب الفقه إلى نهاية كتاب الديات، لأنّ البحث طويل وطويل وعمر الإنسان لا يفي بذلك ولا حاجة إلى دراسة جميع أبواب الفقه بل لو درس الطالب فترة ستة أو ثمانية أعوام علم الفقه دراسة تفقه وانتباه أصبح مجتهداً متمرساً على الاجتهاد والاستنباط في جميع أبواب الفقه. ويختلف ذلك باختلاف درجة الذكاء والانتباه والجد والنشاط للطالب، فقد يحتاج البعض لعشرين سنة دراسة في بحث الخارجوربمالا يبلغ درجة الاجتهادفيها.
الثقافة العامة في الحوزات العلمية:
إنّ الطالب يدرس الفلسفة الإسلامية مثل كتاب بداية الحكمة، نهاية الحكمة أو شرح المنظومة للسبزواري وأسفار صدر المتألهين أو شفاء ابن سينا حسب رغبة الطالب كما يدرس لفترة قصيرة علم الدراية وعلم الرجال ويراجع كتب التاريخ الإسلامي والتفسير وكتب اُخرى اجتماعية واقتصادية وتربوية ويتزود منها لكي يستفيد منها لدى دعوته للناس إلى الله تعالى.
إنّ الثقافة العامة قد أصبحت عنصراً ضرورياً لدى العلماء والدعاة إلى الله تعالى إذ أنّ أبناء المسلمين يثقفون ثقافة حديثة غربية منذ أيامهم الاُولى من حياتهم الدراسية والمدرسية فلابد على العالم بالدين أن يكون على معرفة واستيعاب لما يجري حوله من العلوم والثقافات والحضارات بصورة مختصرة على الأقل حتّى يستطيع أن يتكلم بلسان مفهوم ومنطق مقبول مع الناس وخاصة الشباب منهم.
نهاية المطاف:
إننا تحدثنا في هذا الكتاب بكل ايجاز واختصار عن الحوزة العلمية في النجف الأشرف وعن الأدوار الّتي حلّت بهذه الجامعة الدينية العريقة للشيعة الموالين لأهل البيت(عليهم السلام) عبر التاريخ العظماء وعن الّذين درسوا في هذه الحوزة وتخرجوا عنها منذ يوم تأسيسها على يد شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي إلى يومنا هذا الّذي غدت الحوزة ومشهد الإمام عليّ(عليه السلام) والعراق العزيز الغالي أسيراً في أيدي أجهزة فاسدة لاترى للعلوم الإسلامية شأناً.
ومن المعلوم أنّ هذه الحوزة قد تفجرت بالعلم والخير والنور على العالم الإسلامي بعلمائها وفقهائها ومجاهديها وأبطالها وأحرارها فمن بركات مشهد إمامنا عليّ بن أبي طالب نجد فطاحل العلماء قد تخرجوا من هذه الجامعة، وفي ظل قدسيته تألفت الكتب الفقهية، وانطلقت المعارف الإسلامية إلى العالم وكانت المرجعيات الدينية للعالم الإسلامي الشيعي في كنف قبره(عليه السلام).
وليس من غريب القول إذا قلت بأنّ معظم علماء العالم الإسلامي الشيعي في هذا اليوم قد درسوا في هذه الحوزة المباركة وأن معظم الخطباء والمدرسين والكتاب قد تعلموا بعض أيام دراساتهم في هذه الجامعة المعطاء وان المراجع الكبار الّذين جاهدوا في سبيل الله ضد الإستكبار والإستعمار كانوا من فقهاء هذه البلدة المقدسة مثل علماء ثورة العشرين في العراق والفتوى التاريخية للسيد الشيرازي ضد شركة التبغ البريطاني، وغيرهم الكثير.
إنّ للحوزة العلمية في النجف الأشرف مكانة خاصة في نفوس الموالين لأهل البيت(عليهم السلام). وللعلماء المتخرجين منها مقاماً مرموقاً لدى أهل الوعي والعلم والمعرفة.
إنني إذ أشكر الله سبحانه على توفيق كتابة هذا البحث القيم المختصر أتمنى على ربّنا التوفيق لوضع كتاب مفصل عن علماء النجف الأشرف منذ التأسيس إلى يومنا القريب حسب القرون المتتالية كي نؤدي بعض الواجب تجاه عطاء هذه الحوزة وتجاه تضحيات من علّم وتعلّم وجاهد من علماء هذه الجامعة.
إنّه نعم المولى ونعم المجيب ونعم الموفق ونعم النصير...
والحمد لله ربّ العالمين
المصدر: منتديات صرخة الاحرار
مواضيع مماثلة
» تعريف الحوزة العلمية
» الحوزة العلمية بين الماضي والحاضر
» دليل مواقع المراجع والعلماء والمجتهدين وفضلاء الحوزة
» طريقة تركيب modsecurity 2.5.x
» درس : عمل شعار بااسهل طريقة ..
» الحوزة العلمية بين الماضي والحاضر
» دليل مواقع المراجع والعلماء والمجتهدين وفضلاء الحوزة
» طريقة تركيب modsecurity 2.5.x
» درس : عمل شعار بااسهل طريقة ..
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى