سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
صفحة 1 من اصل 3
صفحة 1 من اصل 3 • 1, 2, 3
سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
ولادة الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)
اسمه ونسبه(عليه السلام)
الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب(عليهم السلام).
كنيته(عليه السلام)
أبو الحسن، أبو الحسين، أبو السبطين، أبو الريحانتين، أبو تراب... والأُولى أشهرها.
ألقابه(عليه السلام)
أمير المؤمنين، إمام المتّقين، سيّد الأوصياء، سيّد المسلمين، سيّد العرب، حيدر، المرتضى، يَعسوب الدين، الأَنزع البَطين، قائد الغُرِّ المُحَجّلين، أَسد الله وأسد رسوله... وأشهرها أمير المؤمنين.
تاريخ ولادته(عليه السلام) ومكانها
الجمعة 13 رجب ، قبل البعثة النبوية بعشر سنين، وبعد عام الفيل بثلاثين سنة، بيت الله الحرام (الكعبة) ـ مكّة المكرّمة.
أُمّه(عليه السلام) وزوجته
أُمّه السيّدة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وزوجته السيّدة فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله).
مدّة عمره(عليه السلام) وإمامته وحكومته
عمره 63 سنة، وإمامته 30 سنة، وحكومته 3 سنوات.
حكّام عصره(عليه السلام) في سني إمامته
أبو بكر، عمر بن الخطّاب، عثمان بن عفّان.
كيفية ولادته(عليه السلام)
قال الإمام الصادق(عليه السلام): «كان العباس بن عبد المطّلب ويزيد بن قَعنَب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أُمّ أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكانت حاملة بأمير المؤمنين(عليه السلام) لتسعة أشهر، وكان يوم التمام.
قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت : أي ربّ، إنّي مؤمنة بك، وبما جاء به من عندك الرسول، وبكلّ نبيّ من أنبيائك، وبكلّ كتابٍ أنزلته، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وإنّه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة أنّه إحدى آياتك ودلائلك لمّا يسّرت عليَّ ولادتي.
قال العباس بن عبد المطلّب ويزيد بن قعنب : لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة والتزقت بأذن الله (تعالى)، فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا، فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام.
قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدّث المخدّرات في خدورهنّ.
قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي(عليه السلام) على يديها، ثمّ قالت: معاشر الناس، إنّ الله عزّ وجلّ اختارني من خلقه، وفضلّني على المختارات ممّن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنّها عبدت الله سرّاً في موضعٍ لا يجب أن يُعبد الله فيه إلّا اضطراراً، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله، ويسّر عليها ولادة عيسى، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتّى تساقط عليها رطباً جنياً.
وإنّ الله تعالى اختارني وفضّلني عليهما، وعلى كلّ من مضى قبلي من نساء العالمين، لأنّي ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيّام آكل من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة، سمّيه علياً، فأنا العليّ الأعلى، وإنّي خلقته من قدرتي، وعزّ جلالي، وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وفوّضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي، وولد في بيتي، وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها، ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمّد رسولي، ووصيّه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه»(1).
ممّن نظم الشعر في ولادته(عليه السلام)
1ـ قال السيّد الحميري(رحمه الله):
ولدته في حرم الإله وأمنه ** والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة ** طابت وطاب وليدها والمولد
في ليلةٍ غابت نحوس نجومها ** وبدت مع القمر المنير الأسعد
ما لُفّ في خرق القوابل مثله ** إلّا ابن آمنة النبي محمّد(2).
2ـ قال الشيخ حسين نجف(قدس سره):
جعل الله بيته لعلي ** مولداً يا له عُلا لا يضاهى
لم يشاركه في الولادة فيه ** سيّد الرسل لا ولا أنبياها
علم الله شوقها لعلي ** علمه بالذي به من هواها
إذ تمنّت لقاءه وتمنّى ** فأراها حبيبه ورآها
ما ادّعى مدّعٍ لذلك كلاّ ** من ترى في الورى يروم ادّعاها
فاكتست مكّة بذاك افتخارا ** وكذا المشعران بعد مناها
بل به الأرض قد علت إذ حوته ** فغدت أرضها مطاف سماها
أوما تنظر الكواكب ليلاً ** ونهاراً تطوف حول حماها
وإلى الحشر في الطواف عليه ** وبذاك الطواف دام بقاها(3).
3ـ قال الشيخ محمّد علي الأوردبادي(قدس سره):
سبق الكرام فها هم لم يلحقوا ** في حلبة العلياء شأو كميته
إذ خصّه المولى بفضلٍ باهر ** فيه يميز حيّه من ميّته
لم يتّخذ ولداً وما إن يتّخذ ** إلّا وكان ولادة في بيته
في البيت مولده يحقّق أنّه ** دون الأنام ذبالة في زيته(4).
4ـ قال الشاعر المسيحي بولس سلامة:
سمع الليل في الظلام المديد ** همسة مثل أنّه المفقود
من خفي الآلام والكبت فيها ** ومن البُشر والرجاء السعيد
حرّة لزّها المخاض فلاذت ** بستار البيت العتيق الوطيد
كعبة الله في الشدائد ترجى ** فهي جسر العبيد للمعبود
لا نساء ولا قوابل حفّت ** بابنة المجد والعلى والجود
يذر الفقر أشرف الناس فرادا ** والغني الخليج غير فريد
أينما سار واكبته جباه ** وظهور مخلوقة للسجود
صبرت فاطم على الضيم حتّى ** لهث الليل لهثة المكدود
وإذا نجمة من الأُفق خفت ** تطعن الليل بالشعاع الجديد
وتدانت من الحطيم وقرّت ** وتدلّت تدلّي العنقود
تسكب الضوء في الأثير دفيقاً ** فعلى الأرض وابل من سعود
واستفاق الحمام يسجع سجعاًً ** فتهشّ الأركان للتغريد
بسم المسجد الحرام حبوراً ** وتنادت حجاره للنشيد
كان فجران ذلك اليوم فجر ** لنهارٍ وآخر للوليد
هالت الأُمّ صرخة جال فيها ** بعض شيء من همهمات الأُسود
دعت الشبل حيدراً وتمنّت ** وأكبّت على الرجاء المديد
أسداً سمّت ابنها كأبيها ** لبدة الجدّ أهديت للحفيد
بل علياً ندعوه قال أبوه ** فاستقز السماء للتأكيد
ذلك اسم تناقلته الفيافي ** ورواه الجلمود للجلمود
يهرم الدهر وهو كالصبح باقٍ ** كلّ يوم يأتي بفجر جديد(5).
ـــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الأمالي للطوسي: 706.
2ـ مناقب آل أبي طالب: 23.
3ـ الغدير 6/29.
4ـ المصدر السابق 6/33.
5ـ المصدر السابق 6/37.
بقلم : محمد أمين نجف
اسمه ونسبه(عليه السلام)
الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب(عليهم السلام).
كنيته(عليه السلام)
أبو الحسن، أبو الحسين، أبو السبطين، أبو الريحانتين، أبو تراب... والأُولى أشهرها.
ألقابه(عليه السلام)
أمير المؤمنين، إمام المتّقين، سيّد الأوصياء، سيّد المسلمين، سيّد العرب، حيدر، المرتضى، يَعسوب الدين، الأَنزع البَطين، قائد الغُرِّ المُحَجّلين، أَسد الله وأسد رسوله... وأشهرها أمير المؤمنين.
تاريخ ولادته(عليه السلام) ومكانها
الجمعة 13 رجب ، قبل البعثة النبوية بعشر سنين، وبعد عام الفيل بثلاثين سنة، بيت الله الحرام (الكعبة) ـ مكّة المكرّمة.
أُمّه(عليه السلام) وزوجته
أُمّه السيّدة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وزوجته السيّدة فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله).
مدّة عمره(عليه السلام) وإمامته وحكومته
عمره 63 سنة، وإمامته 30 سنة، وحكومته 3 سنوات.
حكّام عصره(عليه السلام) في سني إمامته
أبو بكر، عمر بن الخطّاب، عثمان بن عفّان.
كيفية ولادته(عليه السلام)
قال الإمام الصادق(عليه السلام): «كان العباس بن عبد المطّلب ويزيد بن قَعنَب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أُمّ أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكانت حاملة بأمير المؤمنين(عليه السلام) لتسعة أشهر، وكان يوم التمام.
قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت : أي ربّ، إنّي مؤمنة بك، وبما جاء به من عندك الرسول، وبكلّ نبيّ من أنبيائك، وبكلّ كتابٍ أنزلته، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وإنّه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة أنّه إحدى آياتك ودلائلك لمّا يسّرت عليَّ ولادتي.
قال العباس بن عبد المطلّب ويزيد بن قعنب : لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة والتزقت بأذن الله (تعالى)، فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا، فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام.
قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدّث المخدّرات في خدورهنّ.
قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي(عليه السلام) على يديها، ثمّ قالت: معاشر الناس، إنّ الله عزّ وجلّ اختارني من خلقه، وفضلّني على المختارات ممّن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنّها عبدت الله سرّاً في موضعٍ لا يجب أن يُعبد الله فيه إلّا اضطراراً، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله، ويسّر عليها ولادة عيسى، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتّى تساقط عليها رطباً جنياً.
وإنّ الله تعالى اختارني وفضّلني عليهما، وعلى كلّ من مضى قبلي من نساء العالمين، لأنّي ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيّام آكل من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة، سمّيه علياً، فأنا العليّ الأعلى، وإنّي خلقته من قدرتي، وعزّ جلالي، وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وفوّضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي، وولد في بيتي، وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها، ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمّد رسولي، ووصيّه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه»(1).
ممّن نظم الشعر في ولادته(عليه السلام)
1ـ قال السيّد الحميري(رحمه الله):
ولدته في حرم الإله وأمنه ** والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة ** طابت وطاب وليدها والمولد
في ليلةٍ غابت نحوس نجومها ** وبدت مع القمر المنير الأسعد
ما لُفّ في خرق القوابل مثله ** إلّا ابن آمنة النبي محمّد(2).
2ـ قال الشيخ حسين نجف(قدس سره):
جعل الله بيته لعلي ** مولداً يا له عُلا لا يضاهى
لم يشاركه في الولادة فيه ** سيّد الرسل لا ولا أنبياها
علم الله شوقها لعلي ** علمه بالذي به من هواها
إذ تمنّت لقاءه وتمنّى ** فأراها حبيبه ورآها
ما ادّعى مدّعٍ لذلك كلاّ ** من ترى في الورى يروم ادّعاها
فاكتست مكّة بذاك افتخارا ** وكذا المشعران بعد مناها
بل به الأرض قد علت إذ حوته ** فغدت أرضها مطاف سماها
أوما تنظر الكواكب ليلاً ** ونهاراً تطوف حول حماها
وإلى الحشر في الطواف عليه ** وبذاك الطواف دام بقاها(3).
3ـ قال الشيخ محمّد علي الأوردبادي(قدس سره):
سبق الكرام فها هم لم يلحقوا ** في حلبة العلياء شأو كميته
إذ خصّه المولى بفضلٍ باهر ** فيه يميز حيّه من ميّته
لم يتّخذ ولداً وما إن يتّخذ ** إلّا وكان ولادة في بيته
في البيت مولده يحقّق أنّه ** دون الأنام ذبالة في زيته(4).
4ـ قال الشاعر المسيحي بولس سلامة:
سمع الليل في الظلام المديد ** همسة مثل أنّه المفقود
من خفي الآلام والكبت فيها ** ومن البُشر والرجاء السعيد
حرّة لزّها المخاض فلاذت ** بستار البيت العتيق الوطيد
كعبة الله في الشدائد ترجى ** فهي جسر العبيد للمعبود
لا نساء ولا قوابل حفّت ** بابنة المجد والعلى والجود
يذر الفقر أشرف الناس فرادا ** والغني الخليج غير فريد
أينما سار واكبته جباه ** وظهور مخلوقة للسجود
صبرت فاطم على الضيم حتّى ** لهث الليل لهثة المكدود
وإذا نجمة من الأُفق خفت ** تطعن الليل بالشعاع الجديد
وتدانت من الحطيم وقرّت ** وتدلّت تدلّي العنقود
تسكب الضوء في الأثير دفيقاً ** فعلى الأرض وابل من سعود
واستفاق الحمام يسجع سجعاًً ** فتهشّ الأركان للتغريد
بسم المسجد الحرام حبوراً ** وتنادت حجاره للنشيد
كان فجران ذلك اليوم فجر ** لنهارٍ وآخر للوليد
هالت الأُمّ صرخة جال فيها ** بعض شيء من همهمات الأُسود
دعت الشبل حيدراً وتمنّت ** وأكبّت على الرجاء المديد
أسداً سمّت ابنها كأبيها ** لبدة الجدّ أهديت للحفيد
بل علياً ندعوه قال أبوه ** فاستقز السماء للتأكيد
ذلك اسم تناقلته الفيافي ** ورواه الجلمود للجلمود
يهرم الدهر وهو كالصبح باقٍ ** كلّ يوم يأتي بفجر جديد(5).
ـــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الأمالي للطوسي: 706.
2ـ مناقب آل أبي طالب: 23.
3ـ الغدير 6/29.
4ـ المصدر السابق 6/33.
5ـ المصدر السابق 6/37.
بقلم : محمد أمين نجف
عدل سابقا من قبل الادارة في الجمعة فبراير 24, 2012 2:08 am عدل 1 مرات
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
علي ( عليه السلام ) مع الحق والحق مع علي ( عليه السلام )
لنتعرَّف على الحق :
يقف الإسلام من أيِّ مفهوم أحد مواقف ثلاثة :
1 - إمَّا أن يرفضه تماماً كـ( الدعارة ) .
2 - وإمَّا أن يجري عليه تعديلاً ، حتى يغدو متناسباً مع المفاهيم الإسلامية كـ( الحُريَّة ) .
3 - وإمَّا أن يقرُّه كما هو كـ( المروءة ) ، لأنَّه من صُلبِ مَفاهيمه .
فالدعارة وهي الفحش في القول وفي العمل مرفوضة إسلاميّاً ، لأنَّها تتعارض مع المنهج الأخلاقي الإسلامي ، الذي يقوم على عِفَّة اللسان ، كما يؤكِّد على عِفَّة الفرج لدى الجنسين .
والحريَّة في الإسلام ليست كالحريَّة في الغرب ، فهي هناك – في الغرب – منفلتة ، وإن وُضِعت لها بعض الحدود والضوابط البسيطة .
لكنَّها في الإسلام حريَّة ملتزمة ومسؤولة ، ومُدافَعٌ عنها من قبل الإسلام نفسه في تحرير الإنسان من جميع القيود التي تُكبِّله .
فالإسلام يمنع الإنسان من تناول المخدرات ، لأنَّ في ذلك إساءة لشخصيته وصحَّته ، ولعلاقته بالآخرين .
وهذا المنع ليس قيداً ضدَّ الحريَّة ، وإنَّما هو إجراء احترازي لحماية الحريَّة ، فالإدمان سواء على المخدرات أو على غيرها قَيدٌ يأسِّرُ الإنسان ، ويحدُّ من فعالياته الإيجابية .
وأيّ ضعف يُبديه الإنسان أمام رغبة جامحة ، أو حاجة مذلِّة ، أو قوَّة ضاغطة ، يجعله مقيَّداً ، ويقلِّص من مساحة عِزَّته وكرامته ، واستقلاله وحريَّته .
وقد أراد الله له أن يكون عبداً له فقط ، ولا عبودية أخرى أيّاً كان شكلها .
وبمعنى آخر ، فإنَّ الحريَّة في الإسلام هي الفُسْحة الفَسيحة التي تتحرَّك فيها دون أن تجرَّ حركتك أيّ أذىً نفسي أو جسدي ، شخصي أو اجتماعي .
وبالتالي فما يسمَّى بـ( الخطوط الحمر ) أو الممنوعات أو المحرَّمات في الإسلام ليست كوابح للحريَّة ، وإنَّما كوابح للعدوان على الذات وعلى الغَير .
وأمَّا إقرار المروءة ، وهي تعبير مَرِن وواسع عن إنسانية الإنسان ، فلأنَّ الإسلام هو دِين المروءة .
وحينما جاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى الجزيرة العربية بالدين الجديد ، كانت هناك أمثلة رائعة للمروءة ، فأقرَّها ، وحافظ عليها ، ونمَّاها .
ومنها مثلاً : إكرام الضيف ، ورعاية حقوق الجار ، وإغاثة الملهوف ، ونصرة المظلوم .
لكنَّ المفاهيم لا تبقى على حالها دائماً ، فهي تتعرَّض إلى التشويه والتشويش بين حين وآخر ، فتبدو تارة غائمة ، وتارة قلقة ، وتارة تلبس لباساً مغايراً للأصل ، وهو ما نسمِّيه بـ( المفاهيم المغلوطة ) ، أو ( المفاهيم الخاطئة ) .
ولذلك أسبابه : فقد يكون الجو الاجتماعي أو السياسي الحاكم ضاغطاً في تحريف المفاهيم ، وقلبها عن مواضعها الصحيحة ، فتلتبس على الناس .
حتى أنَّ شخصاً جاء إلى الإمام علي ( عليه السلام ) في إحدى المعارك التي وقعت بين فِئتين من المسلمين ، وقد اختلطت عليه الأمور ، وصعب الفرز والتمييز بين مَنْ هُم أهلُ الحقِّ ؟ ومَنْ هُم أهلُ الباطلِ ؟
فقال له ( عليه السلام ) : ( يَا هَذا ، إنَّك لَملبوسٌ عَليك - أي أنَّ الأمور مُلتبِسة عندك - ، اِعرفِ الحقَّ تعرف أهلَه ، واعرفِ الباطلَ تعرف أهلَه ) .
وقال ( عليه السلام ) في موضع آخر : ( يُعرَف الرجالُ بالحقِّ ولا يُعرَف الحقُّ بالرجال ) .
وهذا يعني أنَّ مفهوم الحق إذا كان واضحاً في ذِهني عرفت مَنْ هُم أهلُ الحق وإن قَلّوا ، وعرفت أهل الباطل وإن كَثروا .
فإذا تحدَّد مفهوم الحق في أنَّ الله هو الحق ، وأنَّ كل ما أنزله علينا هو الحق ، وكل مَنْ أرسله إلينا هو الحق ، فيكون كل ما هو خارج ذلك ليس بحق .
وقد تكون النُصوص قَلقة في أذهان الناس ، فيفسِّرونها بحسب أهوائهم ، ووِفق أمزجتهم ، فيأتي التطبيق منحرفاً ، لأنَّ الفهم كان مشوَّشاً ولم يَقُم على دليل قاطع ، وإن استند إلى النص .
فذاك الذي كان يسرق ليطعم الجياع والفقراء ، يُجيب السائل المعترض على فعلته : أنا أتماشَى مع منطِق القرآن ، فالقرآن يقول : ( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا ) الأنعام 160 .
فأنا حينما أسرق أرتكبُ سيِّئة ، وحين أتصدَّق على الفقراء والمساكين أحصل على عشر حسنات ، فإذا طرحت الواحد من العشرة بقي تسعة ، وبالنتيجة أنا الرابح .
فهذا تشويه صريح لمفهوم الحسنة القرآني ، فالله إنَّما يتقبَّل من المتَّقين المحسنين الصالحين ، الذين لا يخلطون عملاً صالحاً وآخر سيِّئاً .
والإسلام يرفض الشعار الميكافيلي : ( الغاية تبرِّر الوسيلة ) ، إلا في حالات استثنائية نادرة ومحدودة ، تقتضيها الضرورة أو المصلحة الإسلامية .
فعندما ينقلب العنوان أو يتغيَّر ، فإنّ الحكم يتغير أيضاً ، فالكذب حرام لكنه في حالات الإصلاح بين الأخوين أو الزوجين مُباح ، ولأنَّ المصلحة في الكذب هنا أكبر من المفسدة .
وهناك مَنْ يشوِّه المفهوم ليعيش من خلال ذلك ، لأنَّه لو بقي المفهوم سالماً مُعافىً من التشويه لما استطاع أن يرتزق منه ، كمن يعتبر الشطارة ، والذكاء ، والدهاء ، هو أن يتلاعب بعقول ومشاعر الناس ، ويستدرجهم إلى حيث ما تهوى مآربه ، ويبتزّهم بالخداع ، والمكر ، والتمويه .
ورُبَّما يشوِّه المفهوم من خلال تجريده عن التطبيق ، أي أن تكون صورته في الذهن غير صورته التي في الواقع .
فالعدل مفهوم إسلامي أصيل ، ولكنَّ البعض من الناس يرى أنَّه المساواة ، والحال أنَّ كل مساواة عدل ، وليس كل عدل مساواة .
فالعدل أن لا يتساوى عندك المحسن والمسيء ، فإذا وجد المُحسن عندك المكافأة ، والمسيء العقوبة ، فأنت عادل ، أمَّا إذا ساويت بينهما في المكافأة ، أو في العقوبة فقد ظلمت أحدهما في الحالين .
من هم أهل الحق ؟
بعد أن تعرَّفنا على الحق فلنفتِّش عن أهله ، ولنأخذ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وندقق في امتيازاته ، ونقول : يحتاج ولي الله إلى امتلاك وسائل وقابليَّات وإمكانات مختلفة ، تُعِينه على الوفاء بوظيفته ، وأداء مُهمَّته ودوره ، لا بلحاظ عصره فقط ، بل بلحاظ جميع العصور والأزمنة ، وكأن هذه الأشياء يحتاجها في مقام إثبات الحجة على العباد .
ولا بأس هنا أن نشير إلى بعض المميزات التي أعطيت للإمام علي ( عليه السلام ) :
المِيزة الأولى : علمه ( عليه السلام ) بالأمور الغيبية :
لسنا هنا بصدد الحديث عن علم الإمام علي ( عليه السلام ) ، إذ أن ذاك بحث مستقل ينبغي التعرض له ، وبيان ما هو جهة الارتباط بينه وبين الحق ، وما هي النكتة في كثرة تأكيده على علمه ( عليه السلام ) ، وكثرة ما ورد عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك ، ومفاخرة أبنائه بذلك .
وإنما نود هنا بيان مدى الارتباط بين الجانب الغيبي في علم الإمام علي ( عليه السلام ) وبين الاصطفاء الإلهي لتحقيق أهدافه .
إذ من الواضح أن علياً ( عليه السلام ) بحاجة لعلم الغيب ، حتى يقوم بمسؤولياته الكبرى ، فمن الضروري أن يمدُّه الله تعالى به ، لِيَفي بجميع متطلَّباته ، وتحقيق شرائط الحق فيها .
والعلم بالغيب أحد تلك المتطلبات المفروضة ، بل هو أهمُّها ، لأنَّ دين الإسلام صِلة رابطة بين الغيب والشهادة .
فلابد أن يرفد المنتخب للقيام بدور خاص في هذا الدين برصيد يمكنه من أداء دوره ومهمته .
ويمكن تصنيف النصوص الواردة في علم الإمام علي بالغيب إلى مجموعات :
المجموعة الأولى :
ما هو عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن تعداده صفات علي ( عليه السلام ) ، إذ عَدَّ منها علمه بالمغيبات ، وجعل ما عنده من علم كما عند الأنبياء ( عليه السلام ) ، وأن مصدرها عند الجميع هو الله تعالى .
كما في قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( عَليّ عَيبةُ عِلمي ) .
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( عَليّ وَارِثُ عِلمي ) .
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( عَليّ بَابُ عِلمي ) .
المجموعة الثانية :
ما صدر عن الإمام علي ( عليه السلام ) نفسه ، بإبرازه هذه الصفة ، ليلفتَ بصائر البشرية إلى ماله من موقع خاص في دين الله عزَّ وجلَّ وإعداده من بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لقيادة الأمّة .
ومن ذلك قوله ( عليه السلام ) : ( أنَا الذي عِندي عِلمَ الِكتاب ، وَمَا كَان ومَا يَكُون ) .
وقوله ( عليه السلام ) : ( أنَا الذي عِندي مَفاتيحَ الغَيبِ ، لا يَعلمُها بعدَ مُحمَّدٍ غيري ) .
وقوله ( عليه السلام ) : ( سَلونِي عَن أسرارِ الغيوب ، فإنِّي وارثُ عُلوم الأنبياء والمرسَلين ) .
المجموعة الثالثة :
الإخبارات التي صدرت منه ( عليه السلام ) عن حوادث لم تقع حتى في زمانه ، ثم صدَّقه الواقع فيما أخبر به .
كإخباره ( عليه السلام ) بقتل ابن ملجم ( لعنه الله ) له .
وإخباره ( عليه السلام ) بشهادة ولده الحسين ( عليه السلام ) .
وإخباره ( عليه السلام ) بِمُلك معاوية بعده .
وإخباره ( عليه السلام ) بقتاله الفِرَق الثلاث .
وإخباره ( عليه السلام ) بمجيء ألف فارس لبيعته وهو بذي قَار .
المجموعة الرابعة :
ما ورد عَمَّن عاصره ، حيث يشهدون فيها بإخباره عن المغيَّبات ثم وقعت ، وهذه النصوص طائفة كثيرة ، كما في إخباره رشيد الهجري بشهادته ، وغير ذلك من القضايا .
والحاصل إن هذه الأمور الصادرة عنه ( عليه السلام ) ، وعلمه بالمغيَّبات ، لم يكن لولا وجود رعاية ربَّانية به ( عليه السلام ) .
المِيزة الثانية : كماله ( عليه السلام ) :
سواء في قواه الجسمية ، أو النفسية ، أو العقلية ، أو القدرة الذاتية على التحمّل ومعالجة الأمور لتحقيق المسؤولية الإلهية .
بحيث يمكنه ( عليه السلام ) أن يحقِّق جميع ما يريده في مسئوليته الإلهية ، حتى لو تجاوَزَت هذه القوى الحدود المتعارفة عند الإنسان العادي .
ولتوضيح ذلك نشير لبعض الشواهد على ما ذكرنا :
الشاهد الأول : القوة الجسمية :
يكفينا في هذا المضمار قراءة الغزوات التي خاضها النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان علي ( عليه السلام ) إلى جانبه ، لنتعرَّف على مدى القوى الجسمية الموجودة عنده ( عليه السلام ) .
وذلك من خلال تلك الشجاعة العجيبة ، كما أنَّ قَلْعَ بابُ خَيبرٍ شاهدٌ حي في التأريخ ، يُجسِّد هذه المقالة .
وقد ورد عنه ( عليه السلام ) أنه قال : ( واللهِ ما قَلَعتُ بابَ خَيبرٍ بقوةٍ جسمانية ، وإنَّما بقوَّة رَبَّانية ) .
الشاهد الثاني : القوة النفسية :
ويكفينا هنا شاهداً على المدَّعى صبرُه ( عليه السلام ) على الأذى ، وما كان يَلقاه ، وخصوصاً ذلك الصبر على ظُلامة السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .
يقول العلامة الجشي :
يَا ابنَ عَمِّ النَّبي صَبرُك أنسَى صَبرَ أيّوب في قَديمِ العُصُورِ
ضَاقَ ذِرعاً بأمرِ رَحمة لما جَزَّت الشَّعرَ شَاكياً للخَبِيرِ
وأراكَ اصطبرتَ والقومُ آذوا فَاطماً في عَشيِّها والبُكُورِ
الشاهد الثالث : القوة العقلية :
وهنا تُطالِعُنا مجموعة من الشواهد الكثيرة ، التي تنمُ عن قوَّة عقلية خارقة ، إذ ينقل عنه كثيراً أنه كان يجيب عن المسائل الرياضية المعقَّدة بسرعة ، وهو على ظهر فرسه .
ولقد أجاد صاحب كتاب ( التكامل في الإسلام ) ، عندما استعرض الناحية الرياضية عند أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وذكر شواهد في بيانه لذلك .
وهنا لا بأس أن نشير بنحو من الإيجاز في هذه الناحية ، لنقطة مُهمَّة في هذه الجهة ، ألا وهي قدرته العقلية في القضاء ، فنقول :
تنقسم قضاياه ( عليه السلام ) إلى قسمين :
1 - القضايا القضائية .
2 - القضايا غير القضائية .
وينقسم كل منهما إلى قسمين :
1 - ما هو مطابق للقاعدة الشرعية .
2 - ما يكون من الأمور النادرة في بابه ، وليس معنى ذلك إلغاء القاعدة الشرعية فيه ، أو عصيانها ، وإنما يُراد منه التوصل بعمل مُعيَّن إلى استنتاج النتيجة بدون حاجة للقاعدة الشرعية ، أو يكون المورد خارجاً عن حدود الشريعة ، وهذا ما يصطلح عليه اليوم في العلم الحديث بعلم الكشف عن الجريمة .
حيث يجعل من النقاط الأساسية مثلاً دراسة الحالة النفسية للمتَّهم ، فيفاجئ بشيء معين يجعله يعترف بالجرم ، وهذا ما استخدمه أبو الحسن ( عليه السلام ) في هذا القسم من القضايا .
وتوجد عليه مجموعة من الشواهد ، كقضية المرأتين حينما اختَصَمَا في طفل ، وقضيَّة العَبدِ وسيِّده ، حينما ادَّعى كل منهما مُلكيَّة الآخر .
وتوجد قضايا أخرى نادرة تشمل أحكاماً قضائية ، أعَمَلَ ( عليه السلام ) فيها ملاحظة الشواهد الخارجية ، كقضية المرأة التي ادَّعت أن أنصاريّاً فجرَ بها ، وقد دفقت بياض بيضة على ثوبها ، ومثلها قضية الغلام الذي ادَّعى على امرأة أنها أمّه وهي تنكره ، فزوَّجه إياها ، فاعترفت بذلك .
والقضايا الواردة في هذا المقام كثيرة ، أكثر من أن تُحصَى ، فمن أراد الاستزادة فعليه بمراجعات قضاء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للشيخ التستري .
وأما القسم الأول ، وهو القضايا القضائية المطابقة للقاعدة ، أو غير القضائية المطابقة ، لا نرى حاجة للحديث عنها ، لوضوحها ، ولأن محلَّها هو الفقه ، فلتُطلَب من هناك .
نعم نشير هنا إلى أن هذه الأمور التي تطابق القواعد الشرعية الصادرة منه تُعتَبر مصدراً من مصادر التشريع ، لأن السُّنَّة كما هو مقرَّر في مَحلِّه ، تشمل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، كما تشمل النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
نعم هذا لا يجري في النوادر التي صدرت منه ، كما سَبَق ذِكر بعض الأمثلة لكونها من مختصَّاته ( عليه السلام ) .
الميزة الثالثة : قدرته ( عليه السلام ) الخارقة :
فإنه ( عليه السلام ) قادر على التصرف الذي يريده في الأشياء ، حتى لو استلزم ذلك خرق النواميس الطبيعية ، وهذا هو المعبَّر عنه بالولاية التكوينية .
ولسْنا هنا بِصدَد الحديث عنها ، وذكر الأدلة الدالة عليها ، فإنَّ لذلك مَحلَّه الذي يطلب منه .
بل إنَّ غرضنا ينصبُّ في ذكر شيء من الشواهد الموجودة في تلك السيرة المباركة لهذه الشخصية المنتجبة .
فمن تلك الشواهد نذكر ما يلي :
أولها :
رَدّ الشمس له ( عليه السلام ) مرَّتين ، وهذا أمر معروف ، تعرَّضت له كتب الفريقين ، ونحن في غِنىً عن ذكر تفاصيله .
وما يقال من الإشكال والتأمل في مثل هذه الكرامة مدفوع بأدنى تأمّل ، ولتحقيقه مجال آخر .
ثانيها :
قِصة الغراب مع خفِّه ، فقد ذكر العلامة المجلسي عن أبي الرعل المرادي ، أنه : قدم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فتطهَّر للصلاة ، فنزع خفَّه ، فانسابَت فيه أفعى ، فلمَّا دعا ليلبسه انقض غراب فحلَّق به ، ثم ألقاهُ ، فخرجَت الأفعى منه .
ثالثها :
قصة جويرية بن مسهر ، عندما عزم على الخروج فقال ( عليه السلام ) له : ( أمَا أنَّه سيعرض لك في طريقك أسَد ) .
قال : فما الحيلة ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( تُقرِأه السَّلام ، وتخبره أنِّي أعطيتُك منه الأمَان ) .
فبينما هُوَ يسير إذ أقبل نحوه أسد ، فقال : يا أبا حارث إنَّ أمير المؤمنين يُقرئُك السلام ، وأنه قد أمَّنَني منك ، فولَّى وهمهم خمساً .
فلما رجع حَكى ذلك لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقال ( عليه السلام ) : ( فإنَّه قَال لَكَ فأقرِأْ وصيَّ مُحمَّدٍ مِنِّي السلام ، وعقد بِيَده خمساً ) .
إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة التي يراها المُتَتَبِّع في الكتب المُعَدَّة لذلك .
الميزة الرابعة : ضمان الاستجابة الإلهية لدعائه ( عليه السلام ) في المُهِمَّات :
فقد ثبت بِطُرق كثيرة معتَبَرة استجابة دعائه ( عليه السلام ) في بسر بن أرطأة باختلاط عقله .
وكذا استجابة دعائه ( عليه السلام ) على جاسوس معاوية فعمي .
وكذا في دعائه ( عليه السلام ) على طَلحَة والزبير ، بأن يُقتَلا بأذلِّ حَالة ، وقد استجيب دعاؤه .
وكذا دعاؤه على مُنكِري بيعة الغدير ، فأصيبُوا بالبرص أو العمى ، إلى غير ذلك مِمَّا يجده المتتبع في الكتب الموضوعة لذلك .
هذا هو أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، الذي قال فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( عَليٌّ مَعَ الحَقِّ ، والحَقُّ مَع عَليٍّ ، يَدُورُ مَعهُ حَيثُ دَارَ ) .
فَلا ينفكَّان ، ولا يبتعدان عن بعضهما البعض ، بل هُما متلازمان معاً دائماً وأبداً .
لنتعرَّف على الحق :
يقف الإسلام من أيِّ مفهوم أحد مواقف ثلاثة :
1 - إمَّا أن يرفضه تماماً كـ( الدعارة ) .
2 - وإمَّا أن يجري عليه تعديلاً ، حتى يغدو متناسباً مع المفاهيم الإسلامية كـ( الحُريَّة ) .
3 - وإمَّا أن يقرُّه كما هو كـ( المروءة ) ، لأنَّه من صُلبِ مَفاهيمه .
فالدعارة وهي الفحش في القول وفي العمل مرفوضة إسلاميّاً ، لأنَّها تتعارض مع المنهج الأخلاقي الإسلامي ، الذي يقوم على عِفَّة اللسان ، كما يؤكِّد على عِفَّة الفرج لدى الجنسين .
والحريَّة في الإسلام ليست كالحريَّة في الغرب ، فهي هناك – في الغرب – منفلتة ، وإن وُضِعت لها بعض الحدود والضوابط البسيطة .
لكنَّها في الإسلام حريَّة ملتزمة ومسؤولة ، ومُدافَعٌ عنها من قبل الإسلام نفسه في تحرير الإنسان من جميع القيود التي تُكبِّله .
فالإسلام يمنع الإنسان من تناول المخدرات ، لأنَّ في ذلك إساءة لشخصيته وصحَّته ، ولعلاقته بالآخرين .
وهذا المنع ليس قيداً ضدَّ الحريَّة ، وإنَّما هو إجراء احترازي لحماية الحريَّة ، فالإدمان سواء على المخدرات أو على غيرها قَيدٌ يأسِّرُ الإنسان ، ويحدُّ من فعالياته الإيجابية .
وأيّ ضعف يُبديه الإنسان أمام رغبة جامحة ، أو حاجة مذلِّة ، أو قوَّة ضاغطة ، يجعله مقيَّداً ، ويقلِّص من مساحة عِزَّته وكرامته ، واستقلاله وحريَّته .
وقد أراد الله له أن يكون عبداً له فقط ، ولا عبودية أخرى أيّاً كان شكلها .
وبمعنى آخر ، فإنَّ الحريَّة في الإسلام هي الفُسْحة الفَسيحة التي تتحرَّك فيها دون أن تجرَّ حركتك أيّ أذىً نفسي أو جسدي ، شخصي أو اجتماعي .
وبالتالي فما يسمَّى بـ( الخطوط الحمر ) أو الممنوعات أو المحرَّمات في الإسلام ليست كوابح للحريَّة ، وإنَّما كوابح للعدوان على الذات وعلى الغَير .
وأمَّا إقرار المروءة ، وهي تعبير مَرِن وواسع عن إنسانية الإنسان ، فلأنَّ الإسلام هو دِين المروءة .
وحينما جاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى الجزيرة العربية بالدين الجديد ، كانت هناك أمثلة رائعة للمروءة ، فأقرَّها ، وحافظ عليها ، ونمَّاها .
ومنها مثلاً : إكرام الضيف ، ورعاية حقوق الجار ، وإغاثة الملهوف ، ونصرة المظلوم .
لكنَّ المفاهيم لا تبقى على حالها دائماً ، فهي تتعرَّض إلى التشويه والتشويش بين حين وآخر ، فتبدو تارة غائمة ، وتارة قلقة ، وتارة تلبس لباساً مغايراً للأصل ، وهو ما نسمِّيه بـ( المفاهيم المغلوطة ) ، أو ( المفاهيم الخاطئة ) .
ولذلك أسبابه : فقد يكون الجو الاجتماعي أو السياسي الحاكم ضاغطاً في تحريف المفاهيم ، وقلبها عن مواضعها الصحيحة ، فتلتبس على الناس .
حتى أنَّ شخصاً جاء إلى الإمام علي ( عليه السلام ) في إحدى المعارك التي وقعت بين فِئتين من المسلمين ، وقد اختلطت عليه الأمور ، وصعب الفرز والتمييز بين مَنْ هُم أهلُ الحقِّ ؟ ومَنْ هُم أهلُ الباطلِ ؟
فقال له ( عليه السلام ) : ( يَا هَذا ، إنَّك لَملبوسٌ عَليك - أي أنَّ الأمور مُلتبِسة عندك - ، اِعرفِ الحقَّ تعرف أهلَه ، واعرفِ الباطلَ تعرف أهلَه ) .
وقال ( عليه السلام ) في موضع آخر : ( يُعرَف الرجالُ بالحقِّ ولا يُعرَف الحقُّ بالرجال ) .
وهذا يعني أنَّ مفهوم الحق إذا كان واضحاً في ذِهني عرفت مَنْ هُم أهلُ الحق وإن قَلّوا ، وعرفت أهل الباطل وإن كَثروا .
فإذا تحدَّد مفهوم الحق في أنَّ الله هو الحق ، وأنَّ كل ما أنزله علينا هو الحق ، وكل مَنْ أرسله إلينا هو الحق ، فيكون كل ما هو خارج ذلك ليس بحق .
وقد تكون النُصوص قَلقة في أذهان الناس ، فيفسِّرونها بحسب أهوائهم ، ووِفق أمزجتهم ، فيأتي التطبيق منحرفاً ، لأنَّ الفهم كان مشوَّشاً ولم يَقُم على دليل قاطع ، وإن استند إلى النص .
فذاك الذي كان يسرق ليطعم الجياع والفقراء ، يُجيب السائل المعترض على فعلته : أنا أتماشَى مع منطِق القرآن ، فالقرآن يقول : ( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا ) الأنعام 160 .
فأنا حينما أسرق أرتكبُ سيِّئة ، وحين أتصدَّق على الفقراء والمساكين أحصل على عشر حسنات ، فإذا طرحت الواحد من العشرة بقي تسعة ، وبالنتيجة أنا الرابح .
فهذا تشويه صريح لمفهوم الحسنة القرآني ، فالله إنَّما يتقبَّل من المتَّقين المحسنين الصالحين ، الذين لا يخلطون عملاً صالحاً وآخر سيِّئاً .
والإسلام يرفض الشعار الميكافيلي : ( الغاية تبرِّر الوسيلة ) ، إلا في حالات استثنائية نادرة ومحدودة ، تقتضيها الضرورة أو المصلحة الإسلامية .
فعندما ينقلب العنوان أو يتغيَّر ، فإنّ الحكم يتغير أيضاً ، فالكذب حرام لكنه في حالات الإصلاح بين الأخوين أو الزوجين مُباح ، ولأنَّ المصلحة في الكذب هنا أكبر من المفسدة .
وهناك مَنْ يشوِّه المفهوم ليعيش من خلال ذلك ، لأنَّه لو بقي المفهوم سالماً مُعافىً من التشويه لما استطاع أن يرتزق منه ، كمن يعتبر الشطارة ، والذكاء ، والدهاء ، هو أن يتلاعب بعقول ومشاعر الناس ، ويستدرجهم إلى حيث ما تهوى مآربه ، ويبتزّهم بالخداع ، والمكر ، والتمويه .
ورُبَّما يشوِّه المفهوم من خلال تجريده عن التطبيق ، أي أن تكون صورته في الذهن غير صورته التي في الواقع .
فالعدل مفهوم إسلامي أصيل ، ولكنَّ البعض من الناس يرى أنَّه المساواة ، والحال أنَّ كل مساواة عدل ، وليس كل عدل مساواة .
فالعدل أن لا يتساوى عندك المحسن والمسيء ، فإذا وجد المُحسن عندك المكافأة ، والمسيء العقوبة ، فأنت عادل ، أمَّا إذا ساويت بينهما في المكافأة ، أو في العقوبة فقد ظلمت أحدهما في الحالين .
من هم أهل الحق ؟
بعد أن تعرَّفنا على الحق فلنفتِّش عن أهله ، ولنأخذ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وندقق في امتيازاته ، ونقول : يحتاج ولي الله إلى امتلاك وسائل وقابليَّات وإمكانات مختلفة ، تُعِينه على الوفاء بوظيفته ، وأداء مُهمَّته ودوره ، لا بلحاظ عصره فقط ، بل بلحاظ جميع العصور والأزمنة ، وكأن هذه الأشياء يحتاجها في مقام إثبات الحجة على العباد .
ولا بأس هنا أن نشير إلى بعض المميزات التي أعطيت للإمام علي ( عليه السلام ) :
المِيزة الأولى : علمه ( عليه السلام ) بالأمور الغيبية :
لسنا هنا بصدد الحديث عن علم الإمام علي ( عليه السلام ) ، إذ أن ذاك بحث مستقل ينبغي التعرض له ، وبيان ما هو جهة الارتباط بينه وبين الحق ، وما هي النكتة في كثرة تأكيده على علمه ( عليه السلام ) ، وكثرة ما ورد عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك ، ومفاخرة أبنائه بذلك .
وإنما نود هنا بيان مدى الارتباط بين الجانب الغيبي في علم الإمام علي ( عليه السلام ) وبين الاصطفاء الإلهي لتحقيق أهدافه .
إذ من الواضح أن علياً ( عليه السلام ) بحاجة لعلم الغيب ، حتى يقوم بمسؤولياته الكبرى ، فمن الضروري أن يمدُّه الله تعالى به ، لِيَفي بجميع متطلَّباته ، وتحقيق شرائط الحق فيها .
والعلم بالغيب أحد تلك المتطلبات المفروضة ، بل هو أهمُّها ، لأنَّ دين الإسلام صِلة رابطة بين الغيب والشهادة .
فلابد أن يرفد المنتخب للقيام بدور خاص في هذا الدين برصيد يمكنه من أداء دوره ومهمته .
ويمكن تصنيف النصوص الواردة في علم الإمام علي بالغيب إلى مجموعات :
المجموعة الأولى :
ما هو عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن تعداده صفات علي ( عليه السلام ) ، إذ عَدَّ منها علمه بالمغيبات ، وجعل ما عنده من علم كما عند الأنبياء ( عليه السلام ) ، وأن مصدرها عند الجميع هو الله تعالى .
كما في قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( عَليّ عَيبةُ عِلمي ) .
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( عَليّ وَارِثُ عِلمي ) .
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( عَليّ بَابُ عِلمي ) .
المجموعة الثانية :
ما صدر عن الإمام علي ( عليه السلام ) نفسه ، بإبرازه هذه الصفة ، ليلفتَ بصائر البشرية إلى ماله من موقع خاص في دين الله عزَّ وجلَّ وإعداده من بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لقيادة الأمّة .
ومن ذلك قوله ( عليه السلام ) : ( أنَا الذي عِندي عِلمَ الِكتاب ، وَمَا كَان ومَا يَكُون ) .
وقوله ( عليه السلام ) : ( أنَا الذي عِندي مَفاتيحَ الغَيبِ ، لا يَعلمُها بعدَ مُحمَّدٍ غيري ) .
وقوله ( عليه السلام ) : ( سَلونِي عَن أسرارِ الغيوب ، فإنِّي وارثُ عُلوم الأنبياء والمرسَلين ) .
المجموعة الثالثة :
الإخبارات التي صدرت منه ( عليه السلام ) عن حوادث لم تقع حتى في زمانه ، ثم صدَّقه الواقع فيما أخبر به .
كإخباره ( عليه السلام ) بقتل ابن ملجم ( لعنه الله ) له .
وإخباره ( عليه السلام ) بشهادة ولده الحسين ( عليه السلام ) .
وإخباره ( عليه السلام ) بِمُلك معاوية بعده .
وإخباره ( عليه السلام ) بقتاله الفِرَق الثلاث .
وإخباره ( عليه السلام ) بمجيء ألف فارس لبيعته وهو بذي قَار .
المجموعة الرابعة :
ما ورد عَمَّن عاصره ، حيث يشهدون فيها بإخباره عن المغيَّبات ثم وقعت ، وهذه النصوص طائفة كثيرة ، كما في إخباره رشيد الهجري بشهادته ، وغير ذلك من القضايا .
والحاصل إن هذه الأمور الصادرة عنه ( عليه السلام ) ، وعلمه بالمغيَّبات ، لم يكن لولا وجود رعاية ربَّانية به ( عليه السلام ) .
المِيزة الثانية : كماله ( عليه السلام ) :
سواء في قواه الجسمية ، أو النفسية ، أو العقلية ، أو القدرة الذاتية على التحمّل ومعالجة الأمور لتحقيق المسؤولية الإلهية .
بحيث يمكنه ( عليه السلام ) أن يحقِّق جميع ما يريده في مسئوليته الإلهية ، حتى لو تجاوَزَت هذه القوى الحدود المتعارفة عند الإنسان العادي .
ولتوضيح ذلك نشير لبعض الشواهد على ما ذكرنا :
الشاهد الأول : القوة الجسمية :
يكفينا في هذا المضمار قراءة الغزوات التي خاضها النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان علي ( عليه السلام ) إلى جانبه ، لنتعرَّف على مدى القوى الجسمية الموجودة عنده ( عليه السلام ) .
وذلك من خلال تلك الشجاعة العجيبة ، كما أنَّ قَلْعَ بابُ خَيبرٍ شاهدٌ حي في التأريخ ، يُجسِّد هذه المقالة .
وقد ورد عنه ( عليه السلام ) أنه قال : ( واللهِ ما قَلَعتُ بابَ خَيبرٍ بقوةٍ جسمانية ، وإنَّما بقوَّة رَبَّانية ) .
الشاهد الثاني : القوة النفسية :
ويكفينا هنا شاهداً على المدَّعى صبرُه ( عليه السلام ) على الأذى ، وما كان يَلقاه ، وخصوصاً ذلك الصبر على ظُلامة السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .
يقول العلامة الجشي :
يَا ابنَ عَمِّ النَّبي صَبرُك أنسَى صَبرَ أيّوب في قَديمِ العُصُورِ
ضَاقَ ذِرعاً بأمرِ رَحمة لما جَزَّت الشَّعرَ شَاكياً للخَبِيرِ
وأراكَ اصطبرتَ والقومُ آذوا فَاطماً في عَشيِّها والبُكُورِ
الشاهد الثالث : القوة العقلية :
وهنا تُطالِعُنا مجموعة من الشواهد الكثيرة ، التي تنمُ عن قوَّة عقلية خارقة ، إذ ينقل عنه كثيراً أنه كان يجيب عن المسائل الرياضية المعقَّدة بسرعة ، وهو على ظهر فرسه .
ولقد أجاد صاحب كتاب ( التكامل في الإسلام ) ، عندما استعرض الناحية الرياضية عند أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وذكر شواهد في بيانه لذلك .
وهنا لا بأس أن نشير بنحو من الإيجاز في هذه الناحية ، لنقطة مُهمَّة في هذه الجهة ، ألا وهي قدرته العقلية في القضاء ، فنقول :
تنقسم قضاياه ( عليه السلام ) إلى قسمين :
1 - القضايا القضائية .
2 - القضايا غير القضائية .
وينقسم كل منهما إلى قسمين :
1 - ما هو مطابق للقاعدة الشرعية .
2 - ما يكون من الأمور النادرة في بابه ، وليس معنى ذلك إلغاء القاعدة الشرعية فيه ، أو عصيانها ، وإنما يُراد منه التوصل بعمل مُعيَّن إلى استنتاج النتيجة بدون حاجة للقاعدة الشرعية ، أو يكون المورد خارجاً عن حدود الشريعة ، وهذا ما يصطلح عليه اليوم في العلم الحديث بعلم الكشف عن الجريمة .
حيث يجعل من النقاط الأساسية مثلاً دراسة الحالة النفسية للمتَّهم ، فيفاجئ بشيء معين يجعله يعترف بالجرم ، وهذا ما استخدمه أبو الحسن ( عليه السلام ) في هذا القسم من القضايا .
وتوجد عليه مجموعة من الشواهد ، كقضية المرأتين حينما اختَصَمَا في طفل ، وقضيَّة العَبدِ وسيِّده ، حينما ادَّعى كل منهما مُلكيَّة الآخر .
وتوجد قضايا أخرى نادرة تشمل أحكاماً قضائية ، أعَمَلَ ( عليه السلام ) فيها ملاحظة الشواهد الخارجية ، كقضية المرأة التي ادَّعت أن أنصاريّاً فجرَ بها ، وقد دفقت بياض بيضة على ثوبها ، ومثلها قضية الغلام الذي ادَّعى على امرأة أنها أمّه وهي تنكره ، فزوَّجه إياها ، فاعترفت بذلك .
والقضايا الواردة في هذا المقام كثيرة ، أكثر من أن تُحصَى ، فمن أراد الاستزادة فعليه بمراجعات قضاء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للشيخ التستري .
وأما القسم الأول ، وهو القضايا القضائية المطابقة للقاعدة ، أو غير القضائية المطابقة ، لا نرى حاجة للحديث عنها ، لوضوحها ، ولأن محلَّها هو الفقه ، فلتُطلَب من هناك .
نعم نشير هنا إلى أن هذه الأمور التي تطابق القواعد الشرعية الصادرة منه تُعتَبر مصدراً من مصادر التشريع ، لأن السُّنَّة كما هو مقرَّر في مَحلِّه ، تشمل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، كما تشمل النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
نعم هذا لا يجري في النوادر التي صدرت منه ، كما سَبَق ذِكر بعض الأمثلة لكونها من مختصَّاته ( عليه السلام ) .
الميزة الثالثة : قدرته ( عليه السلام ) الخارقة :
فإنه ( عليه السلام ) قادر على التصرف الذي يريده في الأشياء ، حتى لو استلزم ذلك خرق النواميس الطبيعية ، وهذا هو المعبَّر عنه بالولاية التكوينية .
ولسْنا هنا بِصدَد الحديث عنها ، وذكر الأدلة الدالة عليها ، فإنَّ لذلك مَحلَّه الذي يطلب منه .
بل إنَّ غرضنا ينصبُّ في ذكر شيء من الشواهد الموجودة في تلك السيرة المباركة لهذه الشخصية المنتجبة .
فمن تلك الشواهد نذكر ما يلي :
أولها :
رَدّ الشمس له ( عليه السلام ) مرَّتين ، وهذا أمر معروف ، تعرَّضت له كتب الفريقين ، ونحن في غِنىً عن ذكر تفاصيله .
وما يقال من الإشكال والتأمل في مثل هذه الكرامة مدفوع بأدنى تأمّل ، ولتحقيقه مجال آخر .
ثانيها :
قِصة الغراب مع خفِّه ، فقد ذكر العلامة المجلسي عن أبي الرعل المرادي ، أنه : قدم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فتطهَّر للصلاة ، فنزع خفَّه ، فانسابَت فيه أفعى ، فلمَّا دعا ليلبسه انقض غراب فحلَّق به ، ثم ألقاهُ ، فخرجَت الأفعى منه .
ثالثها :
قصة جويرية بن مسهر ، عندما عزم على الخروج فقال ( عليه السلام ) له : ( أمَا أنَّه سيعرض لك في طريقك أسَد ) .
قال : فما الحيلة ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( تُقرِأه السَّلام ، وتخبره أنِّي أعطيتُك منه الأمَان ) .
فبينما هُوَ يسير إذ أقبل نحوه أسد ، فقال : يا أبا حارث إنَّ أمير المؤمنين يُقرئُك السلام ، وأنه قد أمَّنَني منك ، فولَّى وهمهم خمساً .
فلما رجع حَكى ذلك لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقال ( عليه السلام ) : ( فإنَّه قَال لَكَ فأقرِأْ وصيَّ مُحمَّدٍ مِنِّي السلام ، وعقد بِيَده خمساً ) .
إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة التي يراها المُتَتَبِّع في الكتب المُعَدَّة لذلك .
الميزة الرابعة : ضمان الاستجابة الإلهية لدعائه ( عليه السلام ) في المُهِمَّات :
فقد ثبت بِطُرق كثيرة معتَبَرة استجابة دعائه ( عليه السلام ) في بسر بن أرطأة باختلاط عقله .
وكذا استجابة دعائه ( عليه السلام ) على جاسوس معاوية فعمي .
وكذا في دعائه ( عليه السلام ) على طَلحَة والزبير ، بأن يُقتَلا بأذلِّ حَالة ، وقد استجيب دعاؤه .
وكذا دعاؤه على مُنكِري بيعة الغدير ، فأصيبُوا بالبرص أو العمى ، إلى غير ذلك مِمَّا يجده المتتبع في الكتب الموضوعة لذلك .
هذا هو أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، الذي قال فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( عَليٌّ مَعَ الحَقِّ ، والحَقُّ مَع عَليٍّ ، يَدُورُ مَعهُ حَيثُ دَارَ ) .
فَلا ينفكَّان ، ولا يبتعدان عن بعضهما البعض ، بل هُما متلازمان معاً دائماً وأبداً .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
نظرة الإمام علي ( عليه السلام ) للتاريخ البشري
كانت عناية الإمام علي ( عليه السلام ) بالتاريخ ليست عناية القاصِّ والباحث عن القصص ، كما أنها ليست عناية السياسي الباحث عن الحيل السياسية وأساليب التمويه التي يعالج بها تذمر الشعب ، وإنما هي عناية رجل الرسالة والعقيدة ، والقائد الحضاري والمفكر المستقبلي .
إن القاصَّ يبحث ليجد في تاريخ الماضين وآثارهم مادة للتسلية والإثارة ، والسياسي يبحث ليجد في التاريخ أساليب يستعين بها في عمله السياسي اليومي في مواجهة المآزق ، أو يستعين بها في وضع الخطط الآنية المحدودة .
والمؤرّخ يقدم لهذا وذاك المادة التاريخية التي يجدان فيها حاجتهما .
أما الرائد الحضاري ، ورجل الرسالة والعقيدة ، ورجل الدولة ، فهو يبحث ليجد في التاريخ جذور المشكل الإنساني ، ويَتَقَصَّى جهود الإنسانية الدائبة في سبيل حل هذا المشكل بنحو يعزز قدرة الإنسان على التكامل الروحي والمادي .
كما يعزز قدرته على تأمين قدر ما من السعادة مع الحفاظ على الطهارة الإنسانية ، وقد كان الإمام علي ( عليه السلام ) يتعامل مع التاريخ بهذه الروح ومن خلال هذه النظرة .
ومِن ثَمَّ فَلَمْ يتوقَّف عند جزئيات الوقائع إلا بمقدار ما تكون شواهداً ورموزاً ، وإِنما تناول المسألة التاريخية بنظرة كُلِّية شاملة .
ومن هنا فَقَلَّما نرى الإمام ( عليه السلام ) في خطبه وكتبه يتحدث عن وقائع وحوادث جزئية ، وإنما يغلب على تناوله للمسألة التاريخية طابع الشمول والعمومية .
ونحن نعرف عناية الإمام علي ( عليه السلام ) الفائقة بالتاريخ ، واهتمامه البالغ بشأنه ، مِن نصٍّ ورد في وصيته التي وَجَّهَها إلى ابنه الإمام الحسن ( عليه السلام ) كتبها إليه عند انصرافه من صِفِّين ، قال فيه : ( أيْ بُنَيَّ ، إنِّي وَإنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي ، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ ، وَفَكَّرْتُ فِي أخْبَارِهِمْ ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إلَيَّ مَنْ أُمُوِرِهِمْ ، قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أوَّلَهَمْ إلى آخِرِهِمْ ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ ، وَنَفْعَهُ مَنْ ضَرَرِه ) .
وكان قبل ذلك قد وجه الإمام الحسن ( عليه السلام ) في هذه الوصية إلى تَعَرُّف التاريخ الماضي للعبرة والموعظة ، فقال ( عليه السلام ) : ( أحيِ قَلْبَكَ بالْمَوعظَةِ ، وَاعرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْماضِينَ ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا ، وَعَمَّا انْتَقَلُوا ، وَأَيْنَ حَلوُّا وَنَزَلُوا ، فَإنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ ، وَحَلوُّا دِيَارَ الْغُرْبَةِ ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَليلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ ) .
وهذا النص يحملنا على الاعتقاد بأن الإمام ( عليه السلام ) تَحدَّث كثيراً عن المسألة التاريخية في توجيهاته السياسية ، وتربيته الفكرية لمجتمعه ، ولرجال إدارته ، وَلِخَوَاصِّ أصحابه .
ولكن النصوص السياسية والفكرية التي اشتمل عليها نهج البلاغة مِمَّا يدخل فيه العنصر التاريخي قليلة جداً ، وإن كانت النصوص الوَعظِيَّة التي بُنِيَت على الملاحظة التاريخية كثيرة نِسبياً .
ومن هنا يواجهنا سُؤالاً هاماً ، وهو : مِنْ أين استقى الإمام علي ( عليه السلام ) معرفته التاريخية ؟
إنه ( عليه السلام ) يقول عن نفسه : ( نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ ) .
فما الوسيلة التي تَوصَّل بِها إلى معرفة أعمالهم لِيَنظُر فيها ؟ ، وكيف تَسنَّى له أنِ اطَّلَعَ على أخبارهم ليفكر فيها ؟
نُقدِّر أن الإمام ( عليه السلام ) قد اعتمد في معرفته التاريخية على عِدَّة مصادر :
الأول : القرآن الكريم :
يأتي القرآن الكريم في مقدمة هذه المصادر التي استقى منها الإمام معرفته التاريخية ، فقد اشتمل القرآن الكريم على نصوص تاريخية كثيرة مُنبثَّة في تضاعيف السُّوَر ، وتَضمَّنَتْ أخبار الأمم القديمة وارتفاع شأنها ، وانحطاطها ، واندثار كثير منها ، وذلك من خلال عرض القرآن الكريم لحركة النُّبوَّات في تاريخ البشرية ، وحكايته لكيفية استجابات الناس في كلِّ أمة وجيل لرسالات الله تعالى ، التي بُشِّر بها الأنبياء ( عليهم السلام ) .
وقد كان أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) أفضل الناس - بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) - معرفة بالقرآن من حيث الظاهرِ والباطنِ ، والمُحْكَمِ والمُتَشَابَهِ ، والناسِخِ والمَنسُوخِ ، والأهدافِ والمَقَاصِدِ ، والأبعادِ الحاضِرَةِ والمُستَقبَلَةِ ، وغير ذلك من شؤون القرآن الكريم .
فكانت معرفته ( عليه السلام ) بالقرآن الكريم شاملة مستوعِبَة لكل ما يتعلق بالقرآن من قريب أو بعيد .
والتأثير القرآني شديد الوضوح في تفكير الإمام ( عليه السلام ) التاريخي ، من حيث المنهج ومن حيث المضمون ، كما هو شديد الوضوح في كل جوانب تفكيره الأخرى .
وقد حَدَّثَ الإمام ( عليه السلام ) عن نفسه في هذا الشأن ، كاشفاً عن أنه كان يُلِحُّ في مسائله لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في شأن القرآن من جميع وجوهه .
فقد قال ( عليه السلام ) : ( وَالله مَا نَزَلَتْ آيَةٌ إلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَ أُنْزِلَتْ ، وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ ، إِنَّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبَاً عَقُولاً ، وَلِسَاناً سَؤولاً ) .
كما أن شهاداتُ معاصريه له في هذا الشأن كثيرة جداً ، ومنها ما رُوِي عن عبد الله بن مسعود ، قال : ( إنّ القرآنَ أُنْزِل على سبعِة أحرُفٍ ، مَا منها حرفُ إلا له ظهر وبطن ، وإنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ عنده علم الظاهر والباطن ) .
الثاني : التعليم الخاص :
التعليم الخاص الذي آثر به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً ، هو مصدر آخر من مصادر معرفته ( عليه السلام ) التاريخية وغيرها .
فقد تواترت واستفاضت الروايات التي نقلها المحدثون وكُتَّاب السيرة والمؤرخون من المسلمين على اختلاف مذاهبهم وأهوائهم بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد خَصَّ أميرَ المؤمنين عليّاً ( عليه السلام ) بجانبٍ من العلم لم يُرَ غيره من أهل بيته وأصحابه أهلاً له .
فمن ذلك ما قاله عبد الله بن عباس : والله لقد أُعطِيَ عَلَيُّ بن أبي طالب تسعة أعْشَار العلم ، وَأَيْمُ الله لقد شارَكَكُم في العُشر العاشر .
وما رُوِي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : عَلِيٌّ عَيبَةُ عِلْمِي .
وما رواه أنس بن مالك ، قال : قيل يا رسول الله عَمَّن نكتُب العِلمَ ؟
قالَ ( صلى الله عليه وآله ) : عن علي وسَلمَان .
وقال الإمام ( عليه السلام ) : ( عَلَّمَني رَسُولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) ألْفَ بَابِ مِنَ العِلِم ، كُلُّ بابِ يَفتَحُ ألفَ بابٍ ) .
وقال ( عليه السلام ) : ( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلى الصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ ) .
وقال ( عليه السلام ) : ( يَا أَخَا كَلْبٍ ، لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ ، وَإِنَّماَ هُوَ تَعَلُّمُ مِنْ ذِي عِلْمٍ ) .
وإِذا كانت بعضُ هذه النصوص ظاهرة في العلم بالغيبات
وإِذا كان الإمام ( عليه السلام ) قد اطَّلَع من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على بعض المعلومات المتعلقة بالمستقبل ، فمن المُرَجَّح أنه ( عليه السلام ) قد اطلع منه على علم الماضي .
الثالث : السُنَّة النبوية :
اشتملت السنة النبوية على الكثير المُتَنَوِّع من المادة التاريخية ، ومنه ما ورد في تفسير وشرح القرآن الكريم ، ومن ما اشتمل إِجمالاً أو تفصيلاً على حكاية أحداث تاريخية لم ترد في القرآن إِشارة إِليها .
وقد كان الإمام علي ( عليه السلام ) أعلم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، والصحابة قاطبة ، بما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو فَعَلَهُ أَو أَقَرَّهُ .
فقد عاش ( عليه السلام ) في بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منذ طفولته ، وَبُعثَ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وعلي ( عليه السلام ) عنده .
وكان ( عليه السلام ) أول من آمن به ، ولم يفارقه منذ بعثته إِلى حين وفاته ( صلى الله عليه وآله ) ، إِلا في تنفيذ المهمات التي كان ( صلى الله عليه وآله ) يُكَلِّفه بها خارج المدينة وهي لم تستغرق الكثير من وقته ( عليه السلام ) .
ومن هنا ، فتفرغه الكامل لتلقي التوجيه النبوي ، ووعيه الكامل لِما كان يتلقَّاه كان الإمام أعلم الناس بِسُنِّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكتاب الله .
الرابع : القراءة :
إنَّ الإمام عليّاً ( عليه السلام ) قد قَرأ مدونات تاريخية باللغة العربية و بغيرها من اللغات ، التي كانت متداولة في المنطقة التي شهدت نشاطه .
وخاصة بعد أن انتقل ( عليه السلام ) من الحجاز إِلى العراق واضطرَّتْهُ مشكلات الحكم والفتن إِلى التنقل بين العراق وسوريا .
الخامس : الآثار القديمة :
وربما كانت الآثار العِمرَانية للأمم القديمة من جملة مصادر المَعرِفَة التاريخية عند الإمام ( عليه السلام ) .
ويعزز هذا الظن بدرجة كبيرة قوله في النص الآنف الذكر : وَسِرْتُ في آثَارِهِمْ ، مما يحمل دلالة واضحة على أن مراده الآثار العمرانية .
وقد خبر الإمام في حياته أربعة من أقطار الإسلام : شبه الجزيرة العربية ، واليمن ، والعراق ، وسوريا ، ونقدر أنه ( عليه السلام ) قد زار الآثار الباقية من الحضارات القديمة في هذه البلاد .
وإِذا كان هذا قد حدث - ونحن نرجح حدوثه - فمن المؤكد أن الإمام ( عليه السلام ) لم يزر هذه الآثار زيارة سائح ينشد التسلية إِلى جانب الثقافة ، أو زيارة عالم آثار يتوقف عند الجزئيات ، وإنما زارها زيارة معتبر مفكر ، يكمل معرفته النظرية بمصائر الشعوب والجماعات ، بمشاهدة بقايا وأطلال مدنها ومؤسساتها التي حل بها الخراب بعد أنِ انحطَّ بُنَاتُها ، وَفَقَدُوا قُدرَتُهُم عَلى الاستِمرَار فاندثروا .
هذه هي – فيما نقدِّر – المصادر المعلومة والمظنونة والمحتملة التي استقى منها الإمام علي ( عليه السلام ) معرفته التاريخية .
كانت عناية الإمام علي ( عليه السلام ) بالتاريخ ليست عناية القاصِّ والباحث عن القصص ، كما أنها ليست عناية السياسي الباحث عن الحيل السياسية وأساليب التمويه التي يعالج بها تذمر الشعب ، وإنما هي عناية رجل الرسالة والعقيدة ، والقائد الحضاري والمفكر المستقبلي .
إن القاصَّ يبحث ليجد في تاريخ الماضين وآثارهم مادة للتسلية والإثارة ، والسياسي يبحث ليجد في التاريخ أساليب يستعين بها في عمله السياسي اليومي في مواجهة المآزق ، أو يستعين بها في وضع الخطط الآنية المحدودة .
والمؤرّخ يقدم لهذا وذاك المادة التاريخية التي يجدان فيها حاجتهما .
أما الرائد الحضاري ، ورجل الرسالة والعقيدة ، ورجل الدولة ، فهو يبحث ليجد في التاريخ جذور المشكل الإنساني ، ويَتَقَصَّى جهود الإنسانية الدائبة في سبيل حل هذا المشكل بنحو يعزز قدرة الإنسان على التكامل الروحي والمادي .
كما يعزز قدرته على تأمين قدر ما من السعادة مع الحفاظ على الطهارة الإنسانية ، وقد كان الإمام علي ( عليه السلام ) يتعامل مع التاريخ بهذه الروح ومن خلال هذه النظرة .
ومِن ثَمَّ فَلَمْ يتوقَّف عند جزئيات الوقائع إلا بمقدار ما تكون شواهداً ورموزاً ، وإِنما تناول المسألة التاريخية بنظرة كُلِّية شاملة .
ومن هنا فَقَلَّما نرى الإمام ( عليه السلام ) في خطبه وكتبه يتحدث عن وقائع وحوادث جزئية ، وإنما يغلب على تناوله للمسألة التاريخية طابع الشمول والعمومية .
ونحن نعرف عناية الإمام علي ( عليه السلام ) الفائقة بالتاريخ ، واهتمامه البالغ بشأنه ، مِن نصٍّ ورد في وصيته التي وَجَّهَها إلى ابنه الإمام الحسن ( عليه السلام ) كتبها إليه عند انصرافه من صِفِّين ، قال فيه : ( أيْ بُنَيَّ ، إنِّي وَإنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي ، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ ، وَفَكَّرْتُ فِي أخْبَارِهِمْ ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إلَيَّ مَنْ أُمُوِرِهِمْ ، قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أوَّلَهَمْ إلى آخِرِهِمْ ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ ، وَنَفْعَهُ مَنْ ضَرَرِه ) .
وكان قبل ذلك قد وجه الإمام الحسن ( عليه السلام ) في هذه الوصية إلى تَعَرُّف التاريخ الماضي للعبرة والموعظة ، فقال ( عليه السلام ) : ( أحيِ قَلْبَكَ بالْمَوعظَةِ ، وَاعرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْماضِينَ ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا ، وَعَمَّا انْتَقَلُوا ، وَأَيْنَ حَلوُّا وَنَزَلُوا ، فَإنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ ، وَحَلوُّا دِيَارَ الْغُرْبَةِ ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَليلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ ) .
وهذا النص يحملنا على الاعتقاد بأن الإمام ( عليه السلام ) تَحدَّث كثيراً عن المسألة التاريخية في توجيهاته السياسية ، وتربيته الفكرية لمجتمعه ، ولرجال إدارته ، وَلِخَوَاصِّ أصحابه .
ولكن النصوص السياسية والفكرية التي اشتمل عليها نهج البلاغة مِمَّا يدخل فيه العنصر التاريخي قليلة جداً ، وإن كانت النصوص الوَعظِيَّة التي بُنِيَت على الملاحظة التاريخية كثيرة نِسبياً .
ومن هنا يواجهنا سُؤالاً هاماً ، وهو : مِنْ أين استقى الإمام علي ( عليه السلام ) معرفته التاريخية ؟
إنه ( عليه السلام ) يقول عن نفسه : ( نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ ) .
فما الوسيلة التي تَوصَّل بِها إلى معرفة أعمالهم لِيَنظُر فيها ؟ ، وكيف تَسنَّى له أنِ اطَّلَعَ على أخبارهم ليفكر فيها ؟
نُقدِّر أن الإمام ( عليه السلام ) قد اعتمد في معرفته التاريخية على عِدَّة مصادر :
الأول : القرآن الكريم :
يأتي القرآن الكريم في مقدمة هذه المصادر التي استقى منها الإمام معرفته التاريخية ، فقد اشتمل القرآن الكريم على نصوص تاريخية كثيرة مُنبثَّة في تضاعيف السُّوَر ، وتَضمَّنَتْ أخبار الأمم القديمة وارتفاع شأنها ، وانحطاطها ، واندثار كثير منها ، وذلك من خلال عرض القرآن الكريم لحركة النُّبوَّات في تاريخ البشرية ، وحكايته لكيفية استجابات الناس في كلِّ أمة وجيل لرسالات الله تعالى ، التي بُشِّر بها الأنبياء ( عليهم السلام ) .
وقد كان أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) أفضل الناس - بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) - معرفة بالقرآن من حيث الظاهرِ والباطنِ ، والمُحْكَمِ والمُتَشَابَهِ ، والناسِخِ والمَنسُوخِ ، والأهدافِ والمَقَاصِدِ ، والأبعادِ الحاضِرَةِ والمُستَقبَلَةِ ، وغير ذلك من شؤون القرآن الكريم .
فكانت معرفته ( عليه السلام ) بالقرآن الكريم شاملة مستوعِبَة لكل ما يتعلق بالقرآن من قريب أو بعيد .
والتأثير القرآني شديد الوضوح في تفكير الإمام ( عليه السلام ) التاريخي ، من حيث المنهج ومن حيث المضمون ، كما هو شديد الوضوح في كل جوانب تفكيره الأخرى .
وقد حَدَّثَ الإمام ( عليه السلام ) عن نفسه في هذا الشأن ، كاشفاً عن أنه كان يُلِحُّ في مسائله لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في شأن القرآن من جميع وجوهه .
فقد قال ( عليه السلام ) : ( وَالله مَا نَزَلَتْ آيَةٌ إلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَ أُنْزِلَتْ ، وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ ، إِنَّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبَاً عَقُولاً ، وَلِسَاناً سَؤولاً ) .
كما أن شهاداتُ معاصريه له في هذا الشأن كثيرة جداً ، ومنها ما رُوِي عن عبد الله بن مسعود ، قال : ( إنّ القرآنَ أُنْزِل على سبعِة أحرُفٍ ، مَا منها حرفُ إلا له ظهر وبطن ، وإنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ عنده علم الظاهر والباطن ) .
الثاني : التعليم الخاص :
التعليم الخاص الذي آثر به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً ، هو مصدر آخر من مصادر معرفته ( عليه السلام ) التاريخية وغيرها .
فقد تواترت واستفاضت الروايات التي نقلها المحدثون وكُتَّاب السيرة والمؤرخون من المسلمين على اختلاف مذاهبهم وأهوائهم بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد خَصَّ أميرَ المؤمنين عليّاً ( عليه السلام ) بجانبٍ من العلم لم يُرَ غيره من أهل بيته وأصحابه أهلاً له .
فمن ذلك ما قاله عبد الله بن عباس : والله لقد أُعطِيَ عَلَيُّ بن أبي طالب تسعة أعْشَار العلم ، وَأَيْمُ الله لقد شارَكَكُم في العُشر العاشر .
وما رُوِي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : عَلِيٌّ عَيبَةُ عِلْمِي .
وما رواه أنس بن مالك ، قال : قيل يا رسول الله عَمَّن نكتُب العِلمَ ؟
قالَ ( صلى الله عليه وآله ) : عن علي وسَلمَان .
وقال الإمام ( عليه السلام ) : ( عَلَّمَني رَسُولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) ألْفَ بَابِ مِنَ العِلِم ، كُلُّ بابِ يَفتَحُ ألفَ بابٍ ) .
وقال ( عليه السلام ) : ( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلى الصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ ) .
وقال ( عليه السلام ) : ( يَا أَخَا كَلْبٍ ، لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ ، وَإِنَّماَ هُوَ تَعَلُّمُ مِنْ ذِي عِلْمٍ ) .
وإِذا كانت بعضُ هذه النصوص ظاهرة في العلم بالغيبات
وإِذا كان الإمام ( عليه السلام ) قد اطَّلَع من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على بعض المعلومات المتعلقة بالمستقبل ، فمن المُرَجَّح أنه ( عليه السلام ) قد اطلع منه على علم الماضي .
الثالث : السُنَّة النبوية :
اشتملت السنة النبوية على الكثير المُتَنَوِّع من المادة التاريخية ، ومنه ما ورد في تفسير وشرح القرآن الكريم ، ومن ما اشتمل إِجمالاً أو تفصيلاً على حكاية أحداث تاريخية لم ترد في القرآن إِشارة إِليها .
وقد كان الإمام علي ( عليه السلام ) أعلم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، والصحابة قاطبة ، بما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو فَعَلَهُ أَو أَقَرَّهُ .
فقد عاش ( عليه السلام ) في بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منذ طفولته ، وَبُعثَ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وعلي ( عليه السلام ) عنده .
وكان ( عليه السلام ) أول من آمن به ، ولم يفارقه منذ بعثته إِلى حين وفاته ( صلى الله عليه وآله ) ، إِلا في تنفيذ المهمات التي كان ( صلى الله عليه وآله ) يُكَلِّفه بها خارج المدينة وهي لم تستغرق الكثير من وقته ( عليه السلام ) .
ومن هنا ، فتفرغه الكامل لتلقي التوجيه النبوي ، ووعيه الكامل لِما كان يتلقَّاه كان الإمام أعلم الناس بِسُنِّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكتاب الله .
الرابع : القراءة :
إنَّ الإمام عليّاً ( عليه السلام ) قد قَرأ مدونات تاريخية باللغة العربية و بغيرها من اللغات ، التي كانت متداولة في المنطقة التي شهدت نشاطه .
وخاصة بعد أن انتقل ( عليه السلام ) من الحجاز إِلى العراق واضطرَّتْهُ مشكلات الحكم والفتن إِلى التنقل بين العراق وسوريا .
الخامس : الآثار القديمة :
وربما كانت الآثار العِمرَانية للأمم القديمة من جملة مصادر المَعرِفَة التاريخية عند الإمام ( عليه السلام ) .
ويعزز هذا الظن بدرجة كبيرة قوله في النص الآنف الذكر : وَسِرْتُ في آثَارِهِمْ ، مما يحمل دلالة واضحة على أن مراده الآثار العمرانية .
وقد خبر الإمام في حياته أربعة من أقطار الإسلام : شبه الجزيرة العربية ، واليمن ، والعراق ، وسوريا ، ونقدر أنه ( عليه السلام ) قد زار الآثار الباقية من الحضارات القديمة في هذه البلاد .
وإِذا كان هذا قد حدث - ونحن نرجح حدوثه - فمن المؤكد أن الإمام ( عليه السلام ) لم يزر هذه الآثار زيارة سائح ينشد التسلية إِلى جانب الثقافة ، أو زيارة عالم آثار يتوقف عند الجزئيات ، وإنما زارها زيارة معتبر مفكر ، يكمل معرفته النظرية بمصائر الشعوب والجماعات ، بمشاهدة بقايا وأطلال مدنها ومؤسساتها التي حل بها الخراب بعد أنِ انحطَّ بُنَاتُها ، وَفَقَدُوا قُدرَتُهُم عَلى الاستِمرَار فاندثروا .
هذه هي – فيما نقدِّر – المصادر المعلومة والمظنونة والمحتملة التي استقى منها الإمام علي ( عليه السلام ) معرفته التاريخية .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
الناكثون وموقفهم مع الإمام علي ( عليه السلام )
الناكثون : هُم الذين نكثوا بيعتهم ، ونقضوا ما عاهدوا عليه الله في التضحية والطاعة للإمام علي ( عليه السلام ) .
فانسابوا في ميادين الباطل وساحات الضلال ، وتَمرّسوا في الإثم ، وقد أجمع فقهاء المسلمين على تأثيمهم ، إذ لم يكن لهم أي مُبرّر في الخروج على السلطة الشرعية التي تَبنّت المصالح العامة ، وأخذت على عاتقها أن تسير بين المسلمين بالحق المَحِض ، والعدل الخالص ، وتقضي على جميع أسباب التَخلّف في البلاد .
ومن أعلام الناكثين : طلحة ، والزبير ، وعائشة بنت أبي بكر ، ومروان بن الحكم ، وغيرهم من الذين ضاقوا ذرعا من عدل الإمام ( عليه السلام ) ومساواته .
دوافع التَمَرّد :
والشيء المحقَّق أنه لم تكن للناكثين أيّة أهداف اجتماعية ، وإنما دفعتهم مصالحهم الخاصة ، لنكث بيعة الإمام ( عليه السلام ) .
فبعد أن تقلّد الإمام ( عليه السلام ) طلب طلحة والزبير منه منحهما ولاية البصرة والكوفة .
فلما خيّب ( عليه السلام ) أملهما ، فأظهرا السخط ، وأسرعا إلى مكة لإعلان الثورة عليه ، وتمزيق شمل المسلمين .
وقد أدلى الزبير بتصريح أعرب فيه عن أهدافه ، فقد أقبل إليه وإلى طلحة رجل فقال لهما : إن لكما صحبة وفضلاً ، فأخبراني عن مسيركما وقتالكما ، أشيء أمركما به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
فسكت طلحة ، وأما الزبير فقال : حُدّثنا أن هَاهُنا بيضاء وصفراء – دراهم ودنانير – فجئنا لنأخذ منها .
وأما عائشة فإنها كانت تروم إرجاع الخلافة إلى أسرتها ، فهي أول من قدح زناد الثورة على عثمان ، وأخذت تلهب المشاعر والعواطف ضده ، وقد جهدت على ترشيح طلحة للخلافة ، وكانت تشيّد به في كل مناسبة .
وأما بنو أمية فقد طلبوا من الإمام ( عليه السلام ) أن يضع عنهم ، ما أصابوا من المال في أيام عثمان ، فرفض الإمام ( عليه السلام ) أن يضع عنهم ، ما اختَلَفوه من أموال الأمة ، فأظهروا له العداء ، وعملوا على إثارة الفتنة والخلاف .
وعلى أي حال ، فإنه لم تكن للناكثين نزعة إصلاحية ، أو دعوة إلى الحق ، وإنما كانت بواعثهم الأنانية ، والأطماع ، والأحقاد على الإمام ( عليه السلام ) ، الذي هو نفس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وباب مدينة علمه .
خديعة معاوية :
وأيقن معاوية بأهداف الزبير وطلحة ، فقام بدوره في خديعتهما وإغرائهما ، ليتخذهما سُلّماً يعبر عليهما لتحقيق أهدافه ومآربه .
فقد كتب إلى الزبير رسالة جاء فيها : ( لعبد الله الزبير أمير المؤمنين ، من معاوية بن أبي سفيان سلام عليك ، أما بعد : فإني قد بايعتُ لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب ، فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب ، فإنه لا شيء بعد هذين المصرين ، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك ، فأظهروا الطلب بدم عثمان ، وادْعُوا الناس إلى ذلك ، وليكن منكما الجِدّ والتشمير ، أظفركما الله وخذل مناوئكما ) .
ولما وصلت هذه الرسالة إلى الزبير لم يملك إهابه من الفرح والسرور ، وخفّ إلى طلحة فأخبره بذلك .
فلم يَشُكّا في صدق نيته وإخلاصه لهما ، وتحفّزا إلى إعلان الثورة على الإمام ( عليه السلام ) ، واتّخذا دمَ عثمان شعاراً لهما .
مؤتمر مكة :
وخفّ المتآمرون إلى مكة ، فاتخذوها وكراً لدسائسهم التخريبية الهادفة لتقويض حكم الإمام ( عليه السلام ) .
وقد وجدوا في هذا البلد الحرام تجاوباً فكرياً مع الكثيرين من أبناء القبائل القرشية ، التي كانت تكنّ في أعماق نفسها الكراهية والحقد على الإمام ( عليه السلام ) ، لأنه قد وَتَر الكثيرين منهم في سبيل الإسلام .
وعلى أي حال فقد تداول زعماء الفتنة الآراء في الشعار الذي يَتَبَنّونه ، والبلد التي يَغزُونها ، وسائر الشؤون الأخرى التي تضمن لثورتهم النجاح .
فخرجوا بالمُقَرّرات الآتية :
1 - أن يكون شعار المعركة دم عثمان ، والمطالبة بثأره ، لأنه قُتل مظلوماً ، واستباح الثوّار دمه بعد توبته بغير حق .
2 - تحميل الإمام علي ( عليه السلام ) المسؤولية في إراقة دم عثمان ، لأنه آوَى قَتَلَتَهُ ، ولم يَقتصّ منهم .
3 - الزحف إلى البصرة واحتلالها ، واتخاذها المركز الرئيسي للثورة ، لأن لهم بها حزباً وأنصاراً .
الخطاب السياسي لعائشة :
وخطبت عائشة في مكة خطاباً سياسياً حمّلت فيه المسؤولية في إراقة دم عثمان على الغوغاء ، وقد قتلوا عثمان بعد ما أقلع عن ذنوبه وأخلص في توبته ، ولا حُجّة لهم فيما اقترفوه من سفك دمه .
وقد كان خطابها فيما يقول المحققون حافلاً بالمغالطات السياسية ، إذ كانت هي بالذات من أشد الناقمين على عثمان .
فقد اشتدّت في معارضته وأفْتَتْ في قتله وكفره قائلة : اقتلوا نعثلا فقد كَفَر .
وعلى أي حال ، فقد كان خطابها أول بادرة لإعلان العصيان المُسلّح على حكومة الإمام علي ( عليه السلام ) .
وكان الأَولى بعائشة بحسب مكانتها الإجتماعية ، أن تدعو إلى وحدة الصف ، وجمع كلمة المسلمين .
وأن تقوم بالدعم الكامل لحكومة الإمام ( عليه السلام ) ، التي تمثل أهداف النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وما تَصبُوا إليه الأمة من العِزّة والكرامة .
الناكثون : هُم الذين نكثوا بيعتهم ، ونقضوا ما عاهدوا عليه الله في التضحية والطاعة للإمام علي ( عليه السلام ) .
فانسابوا في ميادين الباطل وساحات الضلال ، وتَمرّسوا في الإثم ، وقد أجمع فقهاء المسلمين على تأثيمهم ، إذ لم يكن لهم أي مُبرّر في الخروج على السلطة الشرعية التي تَبنّت المصالح العامة ، وأخذت على عاتقها أن تسير بين المسلمين بالحق المَحِض ، والعدل الخالص ، وتقضي على جميع أسباب التَخلّف في البلاد .
ومن أعلام الناكثين : طلحة ، والزبير ، وعائشة بنت أبي بكر ، ومروان بن الحكم ، وغيرهم من الذين ضاقوا ذرعا من عدل الإمام ( عليه السلام ) ومساواته .
دوافع التَمَرّد :
والشيء المحقَّق أنه لم تكن للناكثين أيّة أهداف اجتماعية ، وإنما دفعتهم مصالحهم الخاصة ، لنكث بيعة الإمام ( عليه السلام ) .
فبعد أن تقلّد الإمام ( عليه السلام ) طلب طلحة والزبير منه منحهما ولاية البصرة والكوفة .
فلما خيّب ( عليه السلام ) أملهما ، فأظهرا السخط ، وأسرعا إلى مكة لإعلان الثورة عليه ، وتمزيق شمل المسلمين .
وقد أدلى الزبير بتصريح أعرب فيه عن أهدافه ، فقد أقبل إليه وإلى طلحة رجل فقال لهما : إن لكما صحبة وفضلاً ، فأخبراني عن مسيركما وقتالكما ، أشيء أمركما به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
فسكت طلحة ، وأما الزبير فقال : حُدّثنا أن هَاهُنا بيضاء وصفراء – دراهم ودنانير – فجئنا لنأخذ منها .
وأما عائشة فإنها كانت تروم إرجاع الخلافة إلى أسرتها ، فهي أول من قدح زناد الثورة على عثمان ، وأخذت تلهب المشاعر والعواطف ضده ، وقد جهدت على ترشيح طلحة للخلافة ، وكانت تشيّد به في كل مناسبة .
وأما بنو أمية فقد طلبوا من الإمام ( عليه السلام ) أن يضع عنهم ، ما أصابوا من المال في أيام عثمان ، فرفض الإمام ( عليه السلام ) أن يضع عنهم ، ما اختَلَفوه من أموال الأمة ، فأظهروا له العداء ، وعملوا على إثارة الفتنة والخلاف .
وعلى أي حال ، فإنه لم تكن للناكثين نزعة إصلاحية ، أو دعوة إلى الحق ، وإنما كانت بواعثهم الأنانية ، والأطماع ، والأحقاد على الإمام ( عليه السلام ) ، الذي هو نفس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وباب مدينة علمه .
خديعة معاوية :
وأيقن معاوية بأهداف الزبير وطلحة ، فقام بدوره في خديعتهما وإغرائهما ، ليتخذهما سُلّماً يعبر عليهما لتحقيق أهدافه ومآربه .
فقد كتب إلى الزبير رسالة جاء فيها : ( لعبد الله الزبير أمير المؤمنين ، من معاوية بن أبي سفيان سلام عليك ، أما بعد : فإني قد بايعتُ لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب ، فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب ، فإنه لا شيء بعد هذين المصرين ، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك ، فأظهروا الطلب بدم عثمان ، وادْعُوا الناس إلى ذلك ، وليكن منكما الجِدّ والتشمير ، أظفركما الله وخذل مناوئكما ) .
ولما وصلت هذه الرسالة إلى الزبير لم يملك إهابه من الفرح والسرور ، وخفّ إلى طلحة فأخبره بذلك .
فلم يَشُكّا في صدق نيته وإخلاصه لهما ، وتحفّزا إلى إعلان الثورة على الإمام ( عليه السلام ) ، واتّخذا دمَ عثمان شعاراً لهما .
مؤتمر مكة :
وخفّ المتآمرون إلى مكة ، فاتخذوها وكراً لدسائسهم التخريبية الهادفة لتقويض حكم الإمام ( عليه السلام ) .
وقد وجدوا في هذا البلد الحرام تجاوباً فكرياً مع الكثيرين من أبناء القبائل القرشية ، التي كانت تكنّ في أعماق نفسها الكراهية والحقد على الإمام ( عليه السلام ) ، لأنه قد وَتَر الكثيرين منهم في سبيل الإسلام .
وعلى أي حال فقد تداول زعماء الفتنة الآراء في الشعار الذي يَتَبَنّونه ، والبلد التي يَغزُونها ، وسائر الشؤون الأخرى التي تضمن لثورتهم النجاح .
فخرجوا بالمُقَرّرات الآتية :
1 - أن يكون شعار المعركة دم عثمان ، والمطالبة بثأره ، لأنه قُتل مظلوماً ، واستباح الثوّار دمه بعد توبته بغير حق .
2 - تحميل الإمام علي ( عليه السلام ) المسؤولية في إراقة دم عثمان ، لأنه آوَى قَتَلَتَهُ ، ولم يَقتصّ منهم .
3 - الزحف إلى البصرة واحتلالها ، واتخاذها المركز الرئيسي للثورة ، لأن لهم بها حزباً وأنصاراً .
الخطاب السياسي لعائشة :
وخطبت عائشة في مكة خطاباً سياسياً حمّلت فيه المسؤولية في إراقة دم عثمان على الغوغاء ، وقد قتلوا عثمان بعد ما أقلع عن ذنوبه وأخلص في توبته ، ولا حُجّة لهم فيما اقترفوه من سفك دمه .
وقد كان خطابها فيما يقول المحققون حافلاً بالمغالطات السياسية ، إذ كانت هي بالذات من أشد الناقمين على عثمان .
فقد اشتدّت في معارضته وأفْتَتْ في قتله وكفره قائلة : اقتلوا نعثلا فقد كَفَر .
وعلى أي حال ، فقد كان خطابها أول بادرة لإعلان العصيان المُسلّح على حكومة الإمام علي ( عليه السلام ) .
وكان الأَولى بعائشة بحسب مكانتها الإجتماعية ، أن تدعو إلى وحدة الصف ، وجمع كلمة المسلمين .
وأن تقوم بالدعم الكامل لحكومة الإمام ( عليه السلام ) ، التي تمثل أهداف النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وما تَصبُوا إليه الأمة من العِزّة والكرامة .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
موقف الإمام علي ( عليه السلام ) من فدك أيام خلافته
سؤال يتبادر للأذهان ، وهو : لماذا لم يسترجع الإمام علي ( عليه السلام ) فدكاً ، مع أنَّه كان قادراً على ذلك أيام خلافته ؟
فقد ذكرت الروايات الواردة عن الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) السببين الآتيين :
1 - إن الظالم والمظلوم كانا قد قَدِما على الله عزَّ وجلَّ ، وأثاب الله المظلوم وعاقب الظالم ، فَكَرِهَ الإمام علي ( عليه السلام ) أن يسترجع شيئاً قد عاقب الله عليه غَاصبَه ، وأثابَ عليه المغصوبَ .
2 - للاقتداء برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حيث يقول : ( إنَّا لا نَستَرْجعُ شَيئاً يُؤخَذُ مِنَّا ظُلماً ، لأنا أهل بيت لا نأخذ حقوقنا مِمَّن ظلَمنا إلا هو - يعني : إلاَّ الله - ونحن أولياء المؤمنين ، إنما نحكم لهم ، ونأخذ حقوقهم مِمَّن ظلمَهُم ، ولا نأخذ لأنفسنا ) الصحيح من سيرة النبي الأعظم 8 / 260 .
سؤال يتبادر للأذهان ، وهو : لماذا لم يسترجع الإمام علي ( عليه السلام ) فدكاً ، مع أنَّه كان قادراً على ذلك أيام خلافته ؟
فقد ذكرت الروايات الواردة عن الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) السببين الآتيين :
1 - إن الظالم والمظلوم كانا قد قَدِما على الله عزَّ وجلَّ ، وأثاب الله المظلوم وعاقب الظالم ، فَكَرِهَ الإمام علي ( عليه السلام ) أن يسترجع شيئاً قد عاقب الله عليه غَاصبَه ، وأثابَ عليه المغصوبَ .
2 - للاقتداء برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حيث يقول : ( إنَّا لا نَستَرْجعُ شَيئاً يُؤخَذُ مِنَّا ظُلماً ، لأنا أهل بيت لا نأخذ حقوقنا مِمَّن ظلَمنا إلا هو - يعني : إلاَّ الله - ونحن أولياء المؤمنين ، إنما نحكم لهم ، ونأخذ حقوقهم مِمَّن ظلمَهُم ، ولا نأخذ لأنفسنا ) الصحيح من سيرة النبي الأعظم 8 / 260 .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
موقف الإمام علي ( عليه السلام ) من الشورى
قام عُمَر بن الخَطَّاب قبل وفاته بِتَعيين ستة أشخاص ، مُهَمَّتُهم عقدُ اجتماع لغرض تعيين خليفة من بعده ، وهم كالآتي :
1 - عُثمان بن عَفَّان .
2 - سَعد بن أبي وَقَّاص .
3 - طَلحة بن عبيد الله .
4 - عبد الرحمن بن عوف .
5 - الزبَير بن العَوَّام .
6 - علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
فقام عُمَر بجمع هؤلاء الستة ، وأخذ يُدلي عليهم اتجاهاتهم وميولهم ، ويحدثهم عن نفسياتهم .
فاتَّجَهَ صوب الزبَير فقال له : ( أما أنت يا زبَير فَوَعق لقس ، مؤمن الرضا ، كافر الغضب ، يوما إنسان ، ويوماً شيطان ، وَلَعلَّها لو أَفضتُ إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مَدٍّ من شعير .
فرأيت إن أَفضتُ إليك فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطاناً ، ومن يكون يوم تغضب ؟! وما كان الله لِيجمع لك أمر هذه الأمة وأنت على هذه الصفة ) .
فإن الزبَير حسب هذا التحليل النفسي لشخصيته مبتلى بآهاتٍ خطيرة وهي : الضجر ، والتَبَرُّم ، وعدم الاستقامة في سلوكه ، والغشب الهائل الذي يفقده الرشد والتوازن ، والحرص ، والبخل .
وهذه النزعات من مساوئ الصفات ، ومن اتَّصف ببعضها لا يصلح لأن يتولى أيَّ منصبٍ حسَّاس في جهاز الدولة ، فضلاً عن أن يكون خليفة وإماماً للمسلمين .
ثم أقبل على طلحة فقال له : ( أقول أم أسكت ؟ ) ، فَزَجرَهُ طلحة .
فقال له : ( إنك طلحة ) .
ثم قال : ( إنك لا تقول من الخير شيئاً ، أما إني أعرفك منذ أصيبَتْ إصبعك يوم أحد وائياً بالذي حدث لك ، ولقد مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ساخطاً عليك بالكلمة التي قلتَهَا يوم أُنزِلت آية الحجاب ) .
فإذا كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ساخطاً على طلحة فكيف يُرَشَّحه خليفة وإماماً للمسلمين ؟!
كما أن هذا يناقض ما قاله : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مات وهو راضٍ عن أعضاء الشورى .
ثم اتَّجه صوب سعد بن أبي وقاص فقال له : ( إِنَّما أنتَ صاحبُ مقنب من هذه المقانب تقاتل به ، وصاحب قنص وقوس وسهم ، وما زهرة والخلافة وأمور الناس ) .
فَسَعد رجل عسكري ، لا يفقه إلا عمليات الحروب ، ولا خبرة له بالشؤون الإدارية والاجتماعية للأمة ، فكيف يرشحه للخلافة ؟!
كما طعنَ في صلاحية قبيلة سَعد لِتَوَلِّي شؤون الحكم .
وأقبل على عبد الرحمن بن عوف فقال له : ( أما أنت يا عبد الرحمن ، فلو وُزِنَ نصف إيمان المسلمين بإيمانك لرجح إيمانك عليهم ، ولكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك ، وما زهرة وهذا الأمر .
فعبد الرحمن – حسب رأي عُمَر – رجل إيمانٍ وتقوى ، ثم إنه لم تكن له شخصية قوية ، ولا عزم ثابت ، ولا إرادة صلبة – حسب اعتراف عُمَر – ، فكيف يرشحه للخلافة ؟!
كيف يجعل قوله منطق الفصل في تعيين من يشاء لشؤون الأمة ؟ !
والتفت إلى الإمام علي ( عليه السلام ) فقال له : ( للهِ أن لَولا دُعَابَة فيك ، أَمَا واللهِ لَئِن وَلَّيتَهُم لَتَحمِلَنَّهم على الحق الواضح والمَحِجَّة البيضاء ) .
لكن متى كانت للإمام ( عليه السلام ) دعابة ، وهو الذي ما أَلِف في حياته إلا الجِدَّ والحزمَ في القول والعمل .
ثم أن من يتصف بهذه النزعة كيف يتمكن أن يحمل المسلمين على الحق الواضح والمحجة البيضاء - كما يقول عمر - ان هذه السياسة تتنافى مع الدعابة الناشئة عن ضعف الشخصية وخورها .
وأكَّدَ عُمَر أن الإمام علي ( عليه السلام ) لَو وَلِي أمور المسلمين لَسَار فيهم بالحق ، وحملهم على الصراط المستقيم ، فكيف يجعله من أعضاء الشورى ، ولا ينصُّ عليه بالخصوص ؟
وهل من الحيطة على الأمة أن يُفَوِّتَ عليها الفرصة ، ولا يُسَلِّم أمرها بيد من يَسيرُ فيها بسيرة قُوامُها العدل الخالص والحَقُّ المَحِض ؟!
ثم أقبل على عثمان عميد الأسرة الأموية التي ناهضت الإسلام فقال له : ( هيها إليك ، كأني بك قد قَلَدَتْكَ قريش هذا الأمر لِحُبِّهَا إيَّاك ، فحملت بني أمية وبني أبي مُعيط على رقاب المسلمين ، وآثرتهم بالفيء ، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب ، فذبحوك على فراشك ذبحاً ، والله لئن فعلوا لَتفعلَنَّ ، ولَئن فعلتَ لَيفعلَنَّ ، ثم أخذ بناصيته فقال : فإذا كان ذلك فاذكر قولي ) .
وإذا تأمَّلنا قليلاً في قوله لعثمان : ( كأني بك قد قَلَّدَتْكَ قريش هذا الأمر لِحُبِّها إياك ) ، نجده قد قَلَّد عثمان بالخلافة .
موقف الإمام ( عليه السلام ) :
التاع الإمام علي ( عليه السلام ) وحزن أشدّ الحزن وأقساه ، وعرف أن الشورى إنما هي مؤامرة ومكيدة دُبِّرَت لصرف الأمر عنه ، فقد التقى بعمه العباس فبادره ( عليه السلام ) قائلاً : يا عم ، لقد عدلت عنا .
فقال عمه : من أعلمك بذلك ؟
فقال ( عليه السلام ) : لقد قُرِن بي عثمان وقال : كونوا مع الأكثر .
ثم قال : كونوا مع عبد الرحمن ، وسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن ، وعبد الرحمان صِهرٌ لعثمان ، وهم لا يختلفون ، فإما أن يُوَلّيها عبد الرحمن عثمان ، أو يُوَلّيها عثمان عبد الرحمن .
وَصَدَقَ تَفَرّس الإمام ( عليه السلام ) ، فقد وَلاّها عبد الرحمن لعثمان إيثاراً لمصالحه وابتغاء رجوعها إليه من بعده .
عملية الانتخاب :
ولما مات عمر ودفن في مَقرّه الأخير أحاط الشرطة بأعضاء الشورى ، فألزمتهم بالاجتماع واختيار حاكم للمسلمين من بينهم ، وذلك تنفيذاً لوصية عمر .
فاجتمعوا وتداول الأعضاء فيما بينهم الحديث عَمّن هو أحَقّ بالأمر وأولى به ، وكثر الصخَب والجدل ، وانبرى إليهم الإمام علي ( عليه السلام ) فَحذّرهم مغبة ما يحدث من الفتن والفساد إن استجابوا لعواطفهم ولم يؤْثِروا مصلحة الأمة ، فقال ( عليه السلام ) : ( لم يُسرع أحد قَبلي إلى دعوة حق ، وصِلَة رَحِم ، وعائدة كرم ، فاسمعوا قولي ، وَعُوا منطقي ، عَسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم تنتظي فيه السيوف ، وتُخان فيه العهود ، حتى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلال ، وشيعة لأهل الجهالة ) .
وعَمّ الجدل بين القوم ، فلم ينتهوا إلى غاية مريحة ، فانفضّت الجلسة على غير طائل ، وجماهير الشعب تنتظر بفارغ الصبر النتيجة الحاسمة .
وعُقد الاجتماع مرة أخرى ، إلا أنه باء بالفشل ، فأشرف عليهم أبو طلحة الأنصاري وهو يتهدد ويتوعد قائلا : ( لا والذي نفس عمر بيده ، لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمرتم ) .
واقترب اليوم الثالث – وهو آخر موعد للقوم – فانعقد الاجتماع ، وبدت فجأة الاندفاعات التي شَذّت عن مصلحة الأمة ، فقد انبرى طلحة فوهب حقّه لِعُثمان ، وإنما فعل ذلك استجابة لعواطفه المترعة بالكراهية للإمام ( عليه السلام ) لأنه نافس ابن عمه أبا بكر على الخلافة .
واندفع الزبير فوهب حقه للإمام ( عليه السلام ) لأنه تربطه به رحم ماسة ، وانطلق سعد فوهب حقه لابن عمه عبد الرحمن بن عوف تقويةً لجانبه ، وتعزيزاً لمركزه .
وكان رأي عبد الرحمن هو الفيصل ، وجانبه هو المرموق ، لأن عمر قد وضع ثقته به ، وأناط به أمر الشورى ، إلا انه كان ضعيف الشخصية ، هزيل الإرادة ، لا قدرة له على تحمل مسؤولية الحكم .
فأجمع رأيه على أن يرشح غيره للخلافة ، وكان له هوى مع عثمان لأنه صهره ، وقد استشار عامّةَ القرشيّين في الأمر فزهّدوه في الإمام علي ( عليه السلام ) ، وحرّضوه على انتخاب عثمان لأنه يحقّق أطماعهم ورغباتهم .
وحلّت الساعة الرهيبة التي غيرت مجرى التاريخ ، فقال عبد الرحمن لابن أخته : يا مسور ، اذهب فادعُ علياً وعثمان .
وانطلق مسور فدعاهما ، وازدحم المهاجرون والأنصار وسائر الناس في الجامع ، فانبرى عبد الرحمن ، فعرض عليهم الأمر وقال : أيها الناس ، إن الناس قد اجتمعوا على أن يرجع أهل الأمصار إلى أمصارهم ، فأشيروا عليّ .
فتقدم إليه عمار بن ياسر فأشار عليه بما يضمن للأمة سلامتها ويصونها من الفرقة والاختلاف قائلا : إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع علياً ، وانطلق المقداد فأيّد مقالة عمار قائلاً : صدق عمار ، إن بايعتَ علياً سمعنا وأطعنا .
واندفعت القوى الباغية والحاقدة على الإسلام وهي تشجب مقالة عمار والمقداد وتدعوا إلى ترشيح عثمان عميد الأمويين ، وقد هتف عبد الله بن أبي سرح فخاطب ابن عوف قائلاً : إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان .
واندفع عبد الله بن أبي ربيعة فأيد مقالة زميله قائلاً : إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا .
وانبرى عمار بن ياسر فردّ على ابن أبي سرح قائلاً : متى كنت تنصح للمسلمين ؟!
وصدق عمار ، فمتى كان ابن أبي سرح ينصح المسلمين ، أو يرجو وقاراً للإسلام ، فقد كان من أعدى الناس إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وكثر النزاع واحتدم الجدال بين القوى الإسلامية وبين القرشيين ، فخاف سعد أن يفوت الأمر من القوم ، فالتفت إلى ابن عمه عبد الرحمن قائلاً له : يا عبد الرحمن ، اِفرغ من أمرك قبل أن يفتتن الناس .
فالتفت عبد الرحمن إلى الإمام ( عليه السلام ) قائلاً : هل أنت مبايعي على كتاب الله وسُنّة نبيّه ، وفعل أبي بكر وعمر ؟
فرمقه الإمام ( عليه السلام ) بطرفه وعرف غايته ، فأجابه بمنطق الإسلام ومنطق الأحرار : ( بل على كتاب الله ، وسُنّة رسوله ، واجتهاد رأيي ) .
ولما يئس عبد الرحمن من تغيير اتجاه الإمام انبرى إلى عثمان فشرط عليه ذلك فسارع إلى إجابته ، وأظهر استعداده الكامل لكل ما شرطه عليه .
ويبدو أن هناك اتفاقاً سرّياً بينهما أحيط بكثير من الكتمان ، فإنه بأي حال لا ينتخب الإمام وإن أجابه إلى ما شرطه عليه ، وإنما طلب منه البيعة لأجل التغطية على مخططاته فاستعمل هذه المناورة السياسية .
يقول المؤرخون : إن عبد الرحمن بادر إلى عثمان فَصفّقَ بكفه على يده وقال له : اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان .
ووقعت هذه المبادرة كصاعقة على القوى الخيرة التي جهدت على أن يسود حكم الله بين المسلمين ، وانطلق الإمام ( عليه السلام ) صوب ابن عوف فخاطبه قائلاً : ( والله ما فعلتها إلا لأنك رجوتَ منه ما رجا صاحبكما من صاحبه ، دَقّ الله بينكما عطر منشم ) .
وألقى الإمام ( عليه السلام ) الأضواء على اختيار عبد الرحمن لعثمان من أنه لم يكن من صالح الأمة وإنما كان وليد الأطماع والأهواء السياسية ، فقد رجا ابن عوف أن يكون خليفة من بعد عثمان .
ثم اتجه الإمام صوب القرشيين فقال لهم : ( ليس هو أول يومٍ تظاهرتُم فيه علينا ، فَصبرٌ جميلٌ والله المُستَعَان على ما تَصِفُون ) .
ولَذع منطق الإمام ( عليه السلام ) ابن عوف ، فراح يهدد الإمام ( عليه السلام ) قائلاً : يا علي ، لا تجعل على نفسك سبيلاً .
فغادر الإمام المظلوم المُهتَضَم قاعة الاجتماع وهو يقول : ( سَيبلُغ الكتابُ أجلَه ) .
وانتهت بذلك مأساة الشورى التي أخلدَتْ للمسلمين الفتن ، وألقتهم في شرٍّ عظيم .
استجابة الإمام ( عليه السلام ) :
بقي هنا شيء يدعو للتساؤل ، وهو أن الإمام لماذا استجاب لأن يكون من أعضاء الشورى مع وجود المفارقات الواضحة بينه ( عليه السلام ) وبينهم ؟
وقد أجاب ( عليه السلام ) عن ذلك بأنه أراد أن يظهر تناقض عمر ، فقد أعلن غير مَرّة أن النبوة والخلافة لا يجتمعان في بيت واحد ، فلماذا إذن جعله من أعضاء الشورى المُرشّحين للخلافة ؟! .
ومن غريب أمر هذه الشورى أن عمر قد شهد في حق أعضاء الشورى أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) مات وهو عنهم راضٍ ، أو أنه شهد لهم بالجنة ، وقد عهد إلى الشرطة بضرب أعناقهم إن تأخروا عن انتخاب أحدهم .
قام عُمَر بن الخَطَّاب قبل وفاته بِتَعيين ستة أشخاص ، مُهَمَّتُهم عقدُ اجتماع لغرض تعيين خليفة من بعده ، وهم كالآتي :
1 - عُثمان بن عَفَّان .
2 - سَعد بن أبي وَقَّاص .
3 - طَلحة بن عبيد الله .
4 - عبد الرحمن بن عوف .
5 - الزبَير بن العَوَّام .
6 - علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
فقام عُمَر بجمع هؤلاء الستة ، وأخذ يُدلي عليهم اتجاهاتهم وميولهم ، ويحدثهم عن نفسياتهم .
فاتَّجَهَ صوب الزبَير فقال له : ( أما أنت يا زبَير فَوَعق لقس ، مؤمن الرضا ، كافر الغضب ، يوما إنسان ، ويوماً شيطان ، وَلَعلَّها لو أَفضتُ إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مَدٍّ من شعير .
فرأيت إن أَفضتُ إليك فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطاناً ، ومن يكون يوم تغضب ؟! وما كان الله لِيجمع لك أمر هذه الأمة وأنت على هذه الصفة ) .
فإن الزبَير حسب هذا التحليل النفسي لشخصيته مبتلى بآهاتٍ خطيرة وهي : الضجر ، والتَبَرُّم ، وعدم الاستقامة في سلوكه ، والغشب الهائل الذي يفقده الرشد والتوازن ، والحرص ، والبخل .
وهذه النزعات من مساوئ الصفات ، ومن اتَّصف ببعضها لا يصلح لأن يتولى أيَّ منصبٍ حسَّاس في جهاز الدولة ، فضلاً عن أن يكون خليفة وإماماً للمسلمين .
ثم أقبل على طلحة فقال له : ( أقول أم أسكت ؟ ) ، فَزَجرَهُ طلحة .
فقال له : ( إنك طلحة ) .
ثم قال : ( إنك لا تقول من الخير شيئاً ، أما إني أعرفك منذ أصيبَتْ إصبعك يوم أحد وائياً بالذي حدث لك ، ولقد مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ساخطاً عليك بالكلمة التي قلتَهَا يوم أُنزِلت آية الحجاب ) .
فإذا كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ساخطاً على طلحة فكيف يُرَشَّحه خليفة وإماماً للمسلمين ؟!
كما أن هذا يناقض ما قاله : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مات وهو راضٍ عن أعضاء الشورى .
ثم اتَّجه صوب سعد بن أبي وقاص فقال له : ( إِنَّما أنتَ صاحبُ مقنب من هذه المقانب تقاتل به ، وصاحب قنص وقوس وسهم ، وما زهرة والخلافة وأمور الناس ) .
فَسَعد رجل عسكري ، لا يفقه إلا عمليات الحروب ، ولا خبرة له بالشؤون الإدارية والاجتماعية للأمة ، فكيف يرشحه للخلافة ؟!
كما طعنَ في صلاحية قبيلة سَعد لِتَوَلِّي شؤون الحكم .
وأقبل على عبد الرحمن بن عوف فقال له : ( أما أنت يا عبد الرحمن ، فلو وُزِنَ نصف إيمان المسلمين بإيمانك لرجح إيمانك عليهم ، ولكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك ، وما زهرة وهذا الأمر .
فعبد الرحمن – حسب رأي عُمَر – رجل إيمانٍ وتقوى ، ثم إنه لم تكن له شخصية قوية ، ولا عزم ثابت ، ولا إرادة صلبة – حسب اعتراف عُمَر – ، فكيف يرشحه للخلافة ؟!
كيف يجعل قوله منطق الفصل في تعيين من يشاء لشؤون الأمة ؟ !
والتفت إلى الإمام علي ( عليه السلام ) فقال له : ( للهِ أن لَولا دُعَابَة فيك ، أَمَا واللهِ لَئِن وَلَّيتَهُم لَتَحمِلَنَّهم على الحق الواضح والمَحِجَّة البيضاء ) .
لكن متى كانت للإمام ( عليه السلام ) دعابة ، وهو الذي ما أَلِف في حياته إلا الجِدَّ والحزمَ في القول والعمل .
ثم أن من يتصف بهذه النزعة كيف يتمكن أن يحمل المسلمين على الحق الواضح والمحجة البيضاء - كما يقول عمر - ان هذه السياسة تتنافى مع الدعابة الناشئة عن ضعف الشخصية وخورها .
وأكَّدَ عُمَر أن الإمام علي ( عليه السلام ) لَو وَلِي أمور المسلمين لَسَار فيهم بالحق ، وحملهم على الصراط المستقيم ، فكيف يجعله من أعضاء الشورى ، ولا ينصُّ عليه بالخصوص ؟
وهل من الحيطة على الأمة أن يُفَوِّتَ عليها الفرصة ، ولا يُسَلِّم أمرها بيد من يَسيرُ فيها بسيرة قُوامُها العدل الخالص والحَقُّ المَحِض ؟!
ثم أقبل على عثمان عميد الأسرة الأموية التي ناهضت الإسلام فقال له : ( هيها إليك ، كأني بك قد قَلَدَتْكَ قريش هذا الأمر لِحُبِّهَا إيَّاك ، فحملت بني أمية وبني أبي مُعيط على رقاب المسلمين ، وآثرتهم بالفيء ، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب ، فذبحوك على فراشك ذبحاً ، والله لئن فعلوا لَتفعلَنَّ ، ولَئن فعلتَ لَيفعلَنَّ ، ثم أخذ بناصيته فقال : فإذا كان ذلك فاذكر قولي ) .
وإذا تأمَّلنا قليلاً في قوله لعثمان : ( كأني بك قد قَلَّدَتْكَ قريش هذا الأمر لِحُبِّها إياك ) ، نجده قد قَلَّد عثمان بالخلافة .
موقف الإمام ( عليه السلام ) :
التاع الإمام علي ( عليه السلام ) وحزن أشدّ الحزن وأقساه ، وعرف أن الشورى إنما هي مؤامرة ومكيدة دُبِّرَت لصرف الأمر عنه ، فقد التقى بعمه العباس فبادره ( عليه السلام ) قائلاً : يا عم ، لقد عدلت عنا .
فقال عمه : من أعلمك بذلك ؟
فقال ( عليه السلام ) : لقد قُرِن بي عثمان وقال : كونوا مع الأكثر .
ثم قال : كونوا مع عبد الرحمن ، وسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن ، وعبد الرحمان صِهرٌ لعثمان ، وهم لا يختلفون ، فإما أن يُوَلّيها عبد الرحمن عثمان ، أو يُوَلّيها عثمان عبد الرحمن .
وَصَدَقَ تَفَرّس الإمام ( عليه السلام ) ، فقد وَلاّها عبد الرحمن لعثمان إيثاراً لمصالحه وابتغاء رجوعها إليه من بعده .
عملية الانتخاب :
ولما مات عمر ودفن في مَقرّه الأخير أحاط الشرطة بأعضاء الشورى ، فألزمتهم بالاجتماع واختيار حاكم للمسلمين من بينهم ، وذلك تنفيذاً لوصية عمر .
فاجتمعوا وتداول الأعضاء فيما بينهم الحديث عَمّن هو أحَقّ بالأمر وأولى به ، وكثر الصخَب والجدل ، وانبرى إليهم الإمام علي ( عليه السلام ) فَحذّرهم مغبة ما يحدث من الفتن والفساد إن استجابوا لعواطفهم ولم يؤْثِروا مصلحة الأمة ، فقال ( عليه السلام ) : ( لم يُسرع أحد قَبلي إلى دعوة حق ، وصِلَة رَحِم ، وعائدة كرم ، فاسمعوا قولي ، وَعُوا منطقي ، عَسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم تنتظي فيه السيوف ، وتُخان فيه العهود ، حتى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلال ، وشيعة لأهل الجهالة ) .
وعَمّ الجدل بين القوم ، فلم ينتهوا إلى غاية مريحة ، فانفضّت الجلسة على غير طائل ، وجماهير الشعب تنتظر بفارغ الصبر النتيجة الحاسمة .
وعُقد الاجتماع مرة أخرى ، إلا أنه باء بالفشل ، فأشرف عليهم أبو طلحة الأنصاري وهو يتهدد ويتوعد قائلا : ( لا والذي نفس عمر بيده ، لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمرتم ) .
واقترب اليوم الثالث – وهو آخر موعد للقوم – فانعقد الاجتماع ، وبدت فجأة الاندفاعات التي شَذّت عن مصلحة الأمة ، فقد انبرى طلحة فوهب حقّه لِعُثمان ، وإنما فعل ذلك استجابة لعواطفه المترعة بالكراهية للإمام ( عليه السلام ) لأنه نافس ابن عمه أبا بكر على الخلافة .
واندفع الزبير فوهب حقه للإمام ( عليه السلام ) لأنه تربطه به رحم ماسة ، وانطلق سعد فوهب حقه لابن عمه عبد الرحمن بن عوف تقويةً لجانبه ، وتعزيزاً لمركزه .
وكان رأي عبد الرحمن هو الفيصل ، وجانبه هو المرموق ، لأن عمر قد وضع ثقته به ، وأناط به أمر الشورى ، إلا انه كان ضعيف الشخصية ، هزيل الإرادة ، لا قدرة له على تحمل مسؤولية الحكم .
فأجمع رأيه على أن يرشح غيره للخلافة ، وكان له هوى مع عثمان لأنه صهره ، وقد استشار عامّةَ القرشيّين في الأمر فزهّدوه في الإمام علي ( عليه السلام ) ، وحرّضوه على انتخاب عثمان لأنه يحقّق أطماعهم ورغباتهم .
وحلّت الساعة الرهيبة التي غيرت مجرى التاريخ ، فقال عبد الرحمن لابن أخته : يا مسور ، اذهب فادعُ علياً وعثمان .
وانطلق مسور فدعاهما ، وازدحم المهاجرون والأنصار وسائر الناس في الجامع ، فانبرى عبد الرحمن ، فعرض عليهم الأمر وقال : أيها الناس ، إن الناس قد اجتمعوا على أن يرجع أهل الأمصار إلى أمصارهم ، فأشيروا عليّ .
فتقدم إليه عمار بن ياسر فأشار عليه بما يضمن للأمة سلامتها ويصونها من الفرقة والاختلاف قائلا : إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع علياً ، وانطلق المقداد فأيّد مقالة عمار قائلاً : صدق عمار ، إن بايعتَ علياً سمعنا وأطعنا .
واندفعت القوى الباغية والحاقدة على الإسلام وهي تشجب مقالة عمار والمقداد وتدعوا إلى ترشيح عثمان عميد الأمويين ، وقد هتف عبد الله بن أبي سرح فخاطب ابن عوف قائلاً : إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان .
واندفع عبد الله بن أبي ربيعة فأيد مقالة زميله قائلاً : إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا .
وانبرى عمار بن ياسر فردّ على ابن أبي سرح قائلاً : متى كنت تنصح للمسلمين ؟!
وصدق عمار ، فمتى كان ابن أبي سرح ينصح المسلمين ، أو يرجو وقاراً للإسلام ، فقد كان من أعدى الناس إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وكثر النزاع واحتدم الجدال بين القوى الإسلامية وبين القرشيين ، فخاف سعد أن يفوت الأمر من القوم ، فالتفت إلى ابن عمه عبد الرحمن قائلاً له : يا عبد الرحمن ، اِفرغ من أمرك قبل أن يفتتن الناس .
فالتفت عبد الرحمن إلى الإمام ( عليه السلام ) قائلاً : هل أنت مبايعي على كتاب الله وسُنّة نبيّه ، وفعل أبي بكر وعمر ؟
فرمقه الإمام ( عليه السلام ) بطرفه وعرف غايته ، فأجابه بمنطق الإسلام ومنطق الأحرار : ( بل على كتاب الله ، وسُنّة رسوله ، واجتهاد رأيي ) .
ولما يئس عبد الرحمن من تغيير اتجاه الإمام انبرى إلى عثمان فشرط عليه ذلك فسارع إلى إجابته ، وأظهر استعداده الكامل لكل ما شرطه عليه .
ويبدو أن هناك اتفاقاً سرّياً بينهما أحيط بكثير من الكتمان ، فإنه بأي حال لا ينتخب الإمام وإن أجابه إلى ما شرطه عليه ، وإنما طلب منه البيعة لأجل التغطية على مخططاته فاستعمل هذه المناورة السياسية .
يقول المؤرخون : إن عبد الرحمن بادر إلى عثمان فَصفّقَ بكفه على يده وقال له : اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان .
ووقعت هذه المبادرة كصاعقة على القوى الخيرة التي جهدت على أن يسود حكم الله بين المسلمين ، وانطلق الإمام ( عليه السلام ) صوب ابن عوف فخاطبه قائلاً : ( والله ما فعلتها إلا لأنك رجوتَ منه ما رجا صاحبكما من صاحبه ، دَقّ الله بينكما عطر منشم ) .
وألقى الإمام ( عليه السلام ) الأضواء على اختيار عبد الرحمن لعثمان من أنه لم يكن من صالح الأمة وإنما كان وليد الأطماع والأهواء السياسية ، فقد رجا ابن عوف أن يكون خليفة من بعد عثمان .
ثم اتجه الإمام صوب القرشيين فقال لهم : ( ليس هو أول يومٍ تظاهرتُم فيه علينا ، فَصبرٌ جميلٌ والله المُستَعَان على ما تَصِفُون ) .
ولَذع منطق الإمام ( عليه السلام ) ابن عوف ، فراح يهدد الإمام ( عليه السلام ) قائلاً : يا علي ، لا تجعل على نفسك سبيلاً .
فغادر الإمام المظلوم المُهتَضَم قاعة الاجتماع وهو يقول : ( سَيبلُغ الكتابُ أجلَه ) .
وانتهت بذلك مأساة الشورى التي أخلدَتْ للمسلمين الفتن ، وألقتهم في شرٍّ عظيم .
استجابة الإمام ( عليه السلام ) :
بقي هنا شيء يدعو للتساؤل ، وهو أن الإمام لماذا استجاب لأن يكون من أعضاء الشورى مع وجود المفارقات الواضحة بينه ( عليه السلام ) وبينهم ؟
وقد أجاب ( عليه السلام ) عن ذلك بأنه أراد أن يظهر تناقض عمر ، فقد أعلن غير مَرّة أن النبوة والخلافة لا يجتمعان في بيت واحد ، فلماذا إذن جعله من أعضاء الشورى المُرشّحين للخلافة ؟! .
ومن غريب أمر هذه الشورى أن عمر قد شهد في حق أعضاء الشورى أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) مات وهو عنهم راضٍ ، أو أنه شهد لهم بالجنة ، وقد عهد إلى الشرطة بضرب أعناقهم إن تأخروا عن انتخاب أحدهم .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
موقف الإمام علي ( عليه السلام ) في معركة النهروان
بعد التحكيم الذي جرى في حرب صفين عاد الإمام علي ( عليه السلام ) بجيشه إلى الكوفة .
وفجأة خرجت مجموعة من الجيش تِعدَادها أربعة آلاف مقاتل ، امتنعت من دخول الكوفة ، وسلَكَت طريقاً إلى منطقة ( حروراء ) ، واستقرَّت بها .
وقِوَام هذه الفئة المتمرِّدة كان من الفئات التي أجبرت الإمام علي ( عليه السلام ) على قبول التحكيم في صِفِّين .
وأعلنت هذه الفئة مبرِّرات خروجها تحت شعار : لا حُكمَ إلاَّ لله ، ونحن لا نرضى بأن تحكم الرجال في دين الله .
وقد كان قبول التحكيم منا خطيئة ، ونحن الآن تُبْنا ورجعنا عن ذلك ، وطالبوا الإمام ( عليه السلام ) بالرجوع ، وإلاَّ فنحن منك براء .
فأوضح لهم الإمام ( عليه السلام ) أنَّ الأخلاق الإسلامية تقتضي الوفاء بالعهد ، والذي هو : الهُدنة لمدة عام ، وهو ما أُبرِم بين المعسكرين .
وقال الإمام ( عليه السلام ) لهم : ( وَيْحَكُمْ ، بعد الرِّضا والعهْدِ والميثاقِ أرجَع ؟ ) .
استمرَّ الخوارج المارقون في غيِّهم ، وأشتدَّ خطرهم بانضمام أعداد جديدة لمعسكرهم ، وراحوا يُعلنون القول بشرك معسكر الإمام ( عليه السلام ) ، ورأوا استباحة دمائهم ، ولكن الإمام ( عليه السلام ) لم يتعرض لهم ، وأعطاهم الفرصة عَسى أن يعودوا إلى الرأي السديد .
غير أنَّهم بدأوا يشكِّلون خطراً حقيقياً على دولة الإمام ( عليه السلام ) من الداخل ، وبدأ خطرهم يتعاظم عندما قتلوا الصحابي الجليل عبد الله بن خباب ( رضوان الله عليه ) ، وبقروا بطن زوجته وهي حامل ، وقتلوا نساءً من قبيلة طي .
فأرسل إليهم الإمام ( عليه السلام ) الصحابي الحارث بن مُرَّة العبدي ، لكي يتعرَّف إلى حقيقة الموقف ، غَير أنَّهم قتلوه كذلك .
فلما عَلم الإمام ( عليه السلام ) بالأمر ، تقدَّم نحوهم بجيش من منطقة الأنبار ، وبذل مساعيه من أجل إصلاح الموقف دون إراقة الدماء ، فبعث إليهم أن يرسلوا إليه قتلة عبد الله بن الخباب ، والحارث العبدي ، وغيرهما ، وهو يكفُّ عنهم .
ولكنَّهم أجابوه أنهم كُلّهم قاموا بالقتل .
فأرسل الإمام ( عليه السلام ) إليهم الصحابي قيس بن سعد ، فوعظهم وحذَّرهم ، وطالبهم بالرجوع عن جواز سفك دماء المسلمين وتكفيرهم دون مُبرِّرٍ مقنع .
وتابع الإمام ( عليه السلام ) موقفه الإنساني ، فأرسل إليهم أبا أيوب الأنصاري ، فوعظهم ورفع راية ونادى : مَنْ جاء تحت هذه الراية - مِمَّن لم يقتل - فهو آمن ، ومن انصرَفَ إلى الكوفة أو المدائن فهو آمن لا حاجة لنا به ، بعد أن نُصيبَ قَتَلَة إخواننا .
وقد نجَحَت المحاولة الأخيرة نجاحاً جزئياً ، حيث تفرَّق منهم أعداد كبيرة ، ولم يبقَ إلا أربعة آلاف معاند ، فقاموا بالهجوم على جيش الإمام ( عليه السلام ) ، فأمر الإمام ( عليه السلام ) أصحابه بالكَفِّ عنهم حتى يبدءوا بالقتال .
فلما بدءوا بقتال جيش الإمام ( عليه السلام ) شَدَّ عليهم الإمام علي ( عليه السلام ) بسيفه ذي الفقار ، ثم شَدَّ أصحابُه فأفنوهم عن آخرهم ، إلاَّ تسعة نفر فرُّوا ، وتحقَّق الظفر لراية الحق ، وكان ذلك في التاسع من صفر سنة ( 38 هـ ) .
هذه قصة معركة النَّهْرَوَان التي سُحق فيها الخوارج ، الذين سبق لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن سَمَّاهم بـ( المارقين ) ، في حديثٍ رَواهُ أبو سعيد الخدري حيث قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( إنَّ قَوماً يخرُجُون ، يَمرُقون مِن الدِّينِ مروق السَّهم مِن الرمية ) .
بعد التحكيم الذي جرى في حرب صفين عاد الإمام علي ( عليه السلام ) بجيشه إلى الكوفة .
وفجأة خرجت مجموعة من الجيش تِعدَادها أربعة آلاف مقاتل ، امتنعت من دخول الكوفة ، وسلَكَت طريقاً إلى منطقة ( حروراء ) ، واستقرَّت بها .
وقِوَام هذه الفئة المتمرِّدة كان من الفئات التي أجبرت الإمام علي ( عليه السلام ) على قبول التحكيم في صِفِّين .
وأعلنت هذه الفئة مبرِّرات خروجها تحت شعار : لا حُكمَ إلاَّ لله ، ونحن لا نرضى بأن تحكم الرجال في دين الله .
وقد كان قبول التحكيم منا خطيئة ، ونحن الآن تُبْنا ورجعنا عن ذلك ، وطالبوا الإمام ( عليه السلام ) بالرجوع ، وإلاَّ فنحن منك براء .
فأوضح لهم الإمام ( عليه السلام ) أنَّ الأخلاق الإسلامية تقتضي الوفاء بالعهد ، والذي هو : الهُدنة لمدة عام ، وهو ما أُبرِم بين المعسكرين .
وقال الإمام ( عليه السلام ) لهم : ( وَيْحَكُمْ ، بعد الرِّضا والعهْدِ والميثاقِ أرجَع ؟ ) .
استمرَّ الخوارج المارقون في غيِّهم ، وأشتدَّ خطرهم بانضمام أعداد جديدة لمعسكرهم ، وراحوا يُعلنون القول بشرك معسكر الإمام ( عليه السلام ) ، ورأوا استباحة دمائهم ، ولكن الإمام ( عليه السلام ) لم يتعرض لهم ، وأعطاهم الفرصة عَسى أن يعودوا إلى الرأي السديد .
غير أنَّهم بدأوا يشكِّلون خطراً حقيقياً على دولة الإمام ( عليه السلام ) من الداخل ، وبدأ خطرهم يتعاظم عندما قتلوا الصحابي الجليل عبد الله بن خباب ( رضوان الله عليه ) ، وبقروا بطن زوجته وهي حامل ، وقتلوا نساءً من قبيلة طي .
فأرسل إليهم الإمام ( عليه السلام ) الصحابي الحارث بن مُرَّة العبدي ، لكي يتعرَّف إلى حقيقة الموقف ، غَير أنَّهم قتلوه كذلك .
فلما عَلم الإمام ( عليه السلام ) بالأمر ، تقدَّم نحوهم بجيش من منطقة الأنبار ، وبذل مساعيه من أجل إصلاح الموقف دون إراقة الدماء ، فبعث إليهم أن يرسلوا إليه قتلة عبد الله بن الخباب ، والحارث العبدي ، وغيرهما ، وهو يكفُّ عنهم .
ولكنَّهم أجابوه أنهم كُلّهم قاموا بالقتل .
فأرسل الإمام ( عليه السلام ) إليهم الصحابي قيس بن سعد ، فوعظهم وحذَّرهم ، وطالبهم بالرجوع عن جواز سفك دماء المسلمين وتكفيرهم دون مُبرِّرٍ مقنع .
وتابع الإمام ( عليه السلام ) موقفه الإنساني ، فأرسل إليهم أبا أيوب الأنصاري ، فوعظهم ورفع راية ونادى : مَنْ جاء تحت هذه الراية - مِمَّن لم يقتل - فهو آمن ، ومن انصرَفَ إلى الكوفة أو المدائن فهو آمن لا حاجة لنا به ، بعد أن نُصيبَ قَتَلَة إخواننا .
وقد نجَحَت المحاولة الأخيرة نجاحاً جزئياً ، حيث تفرَّق منهم أعداد كبيرة ، ولم يبقَ إلا أربعة آلاف معاند ، فقاموا بالهجوم على جيش الإمام ( عليه السلام ) ، فأمر الإمام ( عليه السلام ) أصحابه بالكَفِّ عنهم حتى يبدءوا بالقتال .
فلما بدءوا بقتال جيش الإمام ( عليه السلام ) شَدَّ عليهم الإمام علي ( عليه السلام ) بسيفه ذي الفقار ، ثم شَدَّ أصحابُه فأفنوهم عن آخرهم ، إلاَّ تسعة نفر فرُّوا ، وتحقَّق الظفر لراية الحق ، وكان ذلك في التاسع من صفر سنة ( 38 هـ ) .
هذه قصة معركة النَّهْرَوَان التي سُحق فيها الخوارج ، الذين سبق لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن سَمَّاهم بـ( المارقين ) ، في حديثٍ رَواهُ أبو سعيد الخدري حيث قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( إنَّ قَوماً يخرُجُون ، يَمرُقون مِن الدِّينِ مروق السَّهم مِن الرمية ) .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
معركة صفّين
مقدّمة
حاول الإمام علي(عليه السلام) أن يقيم الحجّة على معاوية ـ والي الشام ـ وأصحابه بأسلوب الحوار والموعظة الحسنة، حقناً لدماء المسلمين ووأد الفتنة، ولكن تلك المحاولات لم تجد آذاناً صاغية عند معاوية.
لذا بعد انتصاره(عليه السلام) على الناكثين في حرب الجمل بالبصرة، بدأ (عليه السلام) بتعزيز جيشه للتوجّه إلى الشام لتصفية الفئة الباغية التي يرأسها معاوية بن أبي سفيان.
زمان ومكان المعركة
بدأت معركة صفّين في الأوّل من صفر 37هـ، وصفّين منطقة بين الشام والعراق.
عدد الجيش
جهّز معاوية جيشاً عدده (130) ألف مقاتل من الشاميين، وجهّز الإمام علي (عليه السلام) جيشاً عدده (135) ألف مقاتل من الكوفيين، منهم (100) مقاتل ممّن قاتل مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في معركة بدر الكبرى، كعمّار بن ياسر، وحزيمة بن ثابت، وسعد بن قيس، وعبد الله بن عباس وغيرهم.
مساعي الإمام علي(عليه السلام)
سعى الإمام علي(عليه السلام) لإصلاح الموقف بالوسائل السلمية، فبعث أوّلاً بوفد ثلاثي إلى معاوية يذكّره الله، ويدعوه إلى التقوى والورع، فكان جواب معاوية: ليس عندي إلاّ السيف.
ثمّ دعا الإمام علي(عليه السلام) معاوية إلى المبارزة، حقناً لدماء الآخرين، ولكن معاوية رفض خشية على نفسه من بطشة الإمام(عليه السلام).
خُلق الإمام علي(عليه السلام)
نزل معاوية بمَن معه عند نهر الفرات في وادي صفّين الوسيع، واستولى على الماء، ونزل الإمام علي(عليه السلام) في ذلك الوادي أيضاً، وقد منع معاوية أهل العراق أن يشربوا من ماء الفرات ولو قطرة واحدة، فأضرّ بهم وبدوابهم العطش، ولمّا لم تنفع محاولات أمير المؤمنين(عليه السلام) لبلوغ الماء بالحسنى، اضطرّه الأمر إلى استعمال القوّة لإنقاذ عشرات الأُلوف ممّن كانوا معه من الموت عطشاً.
ولمّا تمّت له السيطرة على الماء حاول بعض الأصحاب إقناع الإمام علي (عليه السلام) أن يقابلهم بالمثل، فأبى ذلك أشدّ الإباء، وأتاح لمعاوية وجيشه، الذين هددّوه قبل ساعات قليلة بالموت عطشاً، أن يردوا الماء ويشربوا أسوة بأصحابه.
رغم هذه الأخلاق الرفيعة والمعاملة الحسنة، فقد استمرّ جيش معاوية في استفزاز جيش الإمام(عليه السلام) الذي لم يجد بداً من السماح لأصحابه بالقتال بعد أن أوقع بهم الأعداء عدداً من القتلى والجرحى نتيجة اعتداءاتهم.
عمّار تقتله الفئة الباغية
لقد كان لاستشهاد عمّار بن ياسر في معركة صفّين الأثر الكبير في تضعضع جيش معاوية، بعد أن علموا بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قائل لعمّار بن ياسر: (يا عمّار، تقتلك الفئة الباغية)، ومعنى ذلك أنّهم هم الفئة الباغية لا الإمام علي(عليه السلام) وأصحابه.
قال خزيمة بن ثابت: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: (تقتل عمّاراً الفئة الباغية).
وقال عبد الله بن سلمة: رأيت عمّاراً يوم صفّين شيخاً كبيراً آدم طوالا، أخذ الحربة بيده ويده ترعد ويقول: والذي نفسي بيده، لقد قاتلت هذه الراية مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثلاث مرّات، وهذه الرابعة.
وقال محمّد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت: ما زال جدّي ـ يعني خزيمة ـ كافاً سلاحه يوم الجمل حتّى قتل عمّار بصفّين، فسلّ سيفه فقاتل حتّى قُتل.
ليلة الهرير
هي الليلة التي كان البرد فيها قارصاً إلى الحدّ الذي كان يسمع للجنود هرير كهرير الكلب، وبالإضافة إلى البرد في هذه الليلة فقد اشتدّ القتال بين الجيشين، بحيث قتل الإمام علي(عليه السلام) في يومه وليلته خمسمئة وثلاثة وعشرون رجلاً، وكان(عليه السلام) إذا قتل رجلاً كبّر.
وكان لمالك الأشتر فيه نصيب كبير، فكان يقول: إنّ هؤلاء القوم لا يقاتلونكم إلاّ عن دينكم ليميتوا السنّة، ويحيوا البدعة، ويعيدوكم في ضلالة قد أخرجكم الله عزّ وجل منها بحسن البصيرة، فطيبوا عباد الله أنفساً بدمائكم دون دينكم، فإنّ ثوابكم على الله، والله عنده جنّات النعيم، وإنّ الفرار من الزحف فيه السلب للعزّ والغلبة على الفيء، وذل المحيى والممات، وعار الدنيا والآخرة.
وفي ليلة الهرير كان الأشتر يضرب ضرباته بكلّ قوّة حتّى اخترق صفوف أهل الشام، وأجرى حولهم عمليات الالتفاف والتطويق، فانكشفت غالب صفوفهم، وكادوا ينهزمون، حتّى وصل الأشتر إلى قرب خيمة معاوية بن أبي سفيان، فعند ذلك رفع أهل الشام المصاحف فوق الرماح.
خدعة رفع المصاحف
لمّا رأى معاوية بن أبي سفيان انتصارات جيش الإمام علي(عليه السلام) على جيشه، وقد قرب منه القائد مالك الأشتر مع مجموعته، دعا عمرو بن العاص إلى خطّة للوقوف أمام هذه الانتصارات.
فقام عمرو بن العاص بخدعة، حيث دعا جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح، ومعنى ذلك أنّ القرآن حكماً بيننا، أراد من ذلك أن يخدع أصحاب الإمام علي(عليه السلام)، ليقفون عن القتال ويدعون الإمام علي(عليه السلام) إلى حكم القرآن.
وفعلاً جاء زهاء عشرين ألف مقاتل من جيش الإمام(عليه السلام) حاملين سيوفهم على عواتقهم، وقد اسودّت جباههم من السجود، يتقدّمهم عصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج فيما بعد، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين: يا علي، اجب القوم إلى كتاب الله إذا دُعيت، وإلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفّان، فو الله لنفعلنّها إن لم تجبهم.
فقال(عليه السلام): (عباد الله، إنّي أحقّ من أجاب إلى كتاب الله، ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وإنّي اعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالاً وصحبتهم رجالاً، فكانوا شرّ الأطفال وشرّ الرجال، إنّها كلمة حقّ يُراد بها باطل، إنّهم والله ما رفعوها، إنّهم يعرفونها ولا يعملون بها، ولكنّها الخديعة والوهن والمكيدة، أعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة، فقد بلغ الحقّ مقطعه، ولم يبق إلاّ أن يقطع دابر الذين ظلموا).
ثمّ قال(عليه السلام) لهم: (ويحكم أنا أوّل مَن دعا إلى كتاب الله، وأوّل مَن أجاب إليه...).
قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتيك، وقد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد اشرف على عسكر معاوية ليدخله، فأصرّوا على رأيهم، وكان أمير المؤمنين(عليه السلام) في هذا الموقف أمام خيارين لا ثالث لهما:
1ـ المضي بالقتال، ومعنى ذلك أنّه سيقاتل ثلاثة أرباع جيشه وجيش أهل الشام.
2ـ القبول بالتحكيم وهو أقلّ الشرّين خطراً.
وهكذا كان القبول بالتحكيم نتيجة حتمية لظروف قاهرة لا خيار لأمير المؤمنين(عليه السلام).
التحكيم
اتّفق الجيشان ـ جيش أهل الشام وجيش أهل العراق ـ على مبدأ التحكيم، وكان عمرو بن العاص المفاوض من قبل أهل الشام، وكان أبو موسى الأشعري المفاوض من قبل أهل العراق.
وقد اختلف الناس في أبي موسى الأشعري أشدّ الاختلاف، فاللذين استجابوا لفكرة التحكيم أراده مفاوضاً عنهم، واللذين رفضوا فكرة التحكيم ـ وهم الإمام علي (عليه السلام) وأصحابه ـ رفضوا أن يكون الأشعري مفاوضاً عنهم، ولكن لم يكن أمام الإمام(عليه السلام) بدّ من الاستجابة لأهل العراق والقبول بأبي موسى الأشعري.
وقد تعرّض الأشعري لخداع ابن العاص الذي أقنعه بخلع أمير المؤمنين(عليه السلام)، بينما قام عمرو بن العاص بتثبيت معاوية وخلع أمير المؤمنين(عليه السلام)، وانتهت تلك المهزلة على هذا النحو.
نتائج المعركة
قُتل من الطرفين خلال المعركة (70) ألف رجلاً، فمن أصحاب معاوية من أهل الشام (45) ألف رجلاً، ومن أصحاب الإمام علي(عليه السلام) من أهل العراق (25) ألف شهيداً.
مقدّمة
حاول الإمام علي(عليه السلام) أن يقيم الحجّة على معاوية ـ والي الشام ـ وأصحابه بأسلوب الحوار والموعظة الحسنة، حقناً لدماء المسلمين ووأد الفتنة، ولكن تلك المحاولات لم تجد آذاناً صاغية عند معاوية.
لذا بعد انتصاره(عليه السلام) على الناكثين في حرب الجمل بالبصرة، بدأ (عليه السلام) بتعزيز جيشه للتوجّه إلى الشام لتصفية الفئة الباغية التي يرأسها معاوية بن أبي سفيان.
زمان ومكان المعركة
بدأت معركة صفّين في الأوّل من صفر 37هـ، وصفّين منطقة بين الشام والعراق.
عدد الجيش
جهّز معاوية جيشاً عدده (130) ألف مقاتل من الشاميين، وجهّز الإمام علي (عليه السلام) جيشاً عدده (135) ألف مقاتل من الكوفيين، منهم (100) مقاتل ممّن قاتل مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في معركة بدر الكبرى، كعمّار بن ياسر، وحزيمة بن ثابت، وسعد بن قيس، وعبد الله بن عباس وغيرهم.
مساعي الإمام علي(عليه السلام)
سعى الإمام علي(عليه السلام) لإصلاح الموقف بالوسائل السلمية، فبعث أوّلاً بوفد ثلاثي إلى معاوية يذكّره الله، ويدعوه إلى التقوى والورع، فكان جواب معاوية: ليس عندي إلاّ السيف.
ثمّ دعا الإمام علي(عليه السلام) معاوية إلى المبارزة، حقناً لدماء الآخرين، ولكن معاوية رفض خشية على نفسه من بطشة الإمام(عليه السلام).
خُلق الإمام علي(عليه السلام)
نزل معاوية بمَن معه عند نهر الفرات في وادي صفّين الوسيع، واستولى على الماء، ونزل الإمام علي(عليه السلام) في ذلك الوادي أيضاً، وقد منع معاوية أهل العراق أن يشربوا من ماء الفرات ولو قطرة واحدة، فأضرّ بهم وبدوابهم العطش، ولمّا لم تنفع محاولات أمير المؤمنين(عليه السلام) لبلوغ الماء بالحسنى، اضطرّه الأمر إلى استعمال القوّة لإنقاذ عشرات الأُلوف ممّن كانوا معه من الموت عطشاً.
ولمّا تمّت له السيطرة على الماء حاول بعض الأصحاب إقناع الإمام علي (عليه السلام) أن يقابلهم بالمثل، فأبى ذلك أشدّ الإباء، وأتاح لمعاوية وجيشه، الذين هددّوه قبل ساعات قليلة بالموت عطشاً، أن يردوا الماء ويشربوا أسوة بأصحابه.
رغم هذه الأخلاق الرفيعة والمعاملة الحسنة، فقد استمرّ جيش معاوية في استفزاز جيش الإمام(عليه السلام) الذي لم يجد بداً من السماح لأصحابه بالقتال بعد أن أوقع بهم الأعداء عدداً من القتلى والجرحى نتيجة اعتداءاتهم.
عمّار تقتله الفئة الباغية
لقد كان لاستشهاد عمّار بن ياسر في معركة صفّين الأثر الكبير في تضعضع جيش معاوية، بعد أن علموا بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قائل لعمّار بن ياسر: (يا عمّار، تقتلك الفئة الباغية)، ومعنى ذلك أنّهم هم الفئة الباغية لا الإمام علي(عليه السلام) وأصحابه.
قال خزيمة بن ثابت: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: (تقتل عمّاراً الفئة الباغية).
وقال عبد الله بن سلمة: رأيت عمّاراً يوم صفّين شيخاً كبيراً آدم طوالا، أخذ الحربة بيده ويده ترعد ويقول: والذي نفسي بيده، لقد قاتلت هذه الراية مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثلاث مرّات، وهذه الرابعة.
وقال محمّد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت: ما زال جدّي ـ يعني خزيمة ـ كافاً سلاحه يوم الجمل حتّى قتل عمّار بصفّين، فسلّ سيفه فقاتل حتّى قُتل.
ليلة الهرير
هي الليلة التي كان البرد فيها قارصاً إلى الحدّ الذي كان يسمع للجنود هرير كهرير الكلب، وبالإضافة إلى البرد في هذه الليلة فقد اشتدّ القتال بين الجيشين، بحيث قتل الإمام علي(عليه السلام) في يومه وليلته خمسمئة وثلاثة وعشرون رجلاً، وكان(عليه السلام) إذا قتل رجلاً كبّر.
وكان لمالك الأشتر فيه نصيب كبير، فكان يقول: إنّ هؤلاء القوم لا يقاتلونكم إلاّ عن دينكم ليميتوا السنّة، ويحيوا البدعة، ويعيدوكم في ضلالة قد أخرجكم الله عزّ وجل منها بحسن البصيرة، فطيبوا عباد الله أنفساً بدمائكم دون دينكم، فإنّ ثوابكم على الله، والله عنده جنّات النعيم، وإنّ الفرار من الزحف فيه السلب للعزّ والغلبة على الفيء، وذل المحيى والممات، وعار الدنيا والآخرة.
وفي ليلة الهرير كان الأشتر يضرب ضرباته بكلّ قوّة حتّى اخترق صفوف أهل الشام، وأجرى حولهم عمليات الالتفاف والتطويق، فانكشفت غالب صفوفهم، وكادوا ينهزمون، حتّى وصل الأشتر إلى قرب خيمة معاوية بن أبي سفيان، فعند ذلك رفع أهل الشام المصاحف فوق الرماح.
خدعة رفع المصاحف
لمّا رأى معاوية بن أبي سفيان انتصارات جيش الإمام علي(عليه السلام) على جيشه، وقد قرب منه القائد مالك الأشتر مع مجموعته، دعا عمرو بن العاص إلى خطّة للوقوف أمام هذه الانتصارات.
فقام عمرو بن العاص بخدعة، حيث دعا جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح، ومعنى ذلك أنّ القرآن حكماً بيننا، أراد من ذلك أن يخدع أصحاب الإمام علي(عليه السلام)، ليقفون عن القتال ويدعون الإمام علي(عليه السلام) إلى حكم القرآن.
وفعلاً جاء زهاء عشرين ألف مقاتل من جيش الإمام(عليه السلام) حاملين سيوفهم على عواتقهم، وقد اسودّت جباههم من السجود، يتقدّمهم عصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج فيما بعد، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين: يا علي، اجب القوم إلى كتاب الله إذا دُعيت، وإلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفّان، فو الله لنفعلنّها إن لم تجبهم.
فقال(عليه السلام): (عباد الله، إنّي أحقّ من أجاب إلى كتاب الله، ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وإنّي اعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالاً وصحبتهم رجالاً، فكانوا شرّ الأطفال وشرّ الرجال، إنّها كلمة حقّ يُراد بها باطل، إنّهم والله ما رفعوها، إنّهم يعرفونها ولا يعملون بها، ولكنّها الخديعة والوهن والمكيدة، أعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة، فقد بلغ الحقّ مقطعه، ولم يبق إلاّ أن يقطع دابر الذين ظلموا).
ثمّ قال(عليه السلام) لهم: (ويحكم أنا أوّل مَن دعا إلى كتاب الله، وأوّل مَن أجاب إليه...).
قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتيك، وقد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد اشرف على عسكر معاوية ليدخله، فأصرّوا على رأيهم، وكان أمير المؤمنين(عليه السلام) في هذا الموقف أمام خيارين لا ثالث لهما:
1ـ المضي بالقتال، ومعنى ذلك أنّه سيقاتل ثلاثة أرباع جيشه وجيش أهل الشام.
2ـ القبول بالتحكيم وهو أقلّ الشرّين خطراً.
وهكذا كان القبول بالتحكيم نتيجة حتمية لظروف قاهرة لا خيار لأمير المؤمنين(عليه السلام).
التحكيم
اتّفق الجيشان ـ جيش أهل الشام وجيش أهل العراق ـ على مبدأ التحكيم، وكان عمرو بن العاص المفاوض من قبل أهل الشام، وكان أبو موسى الأشعري المفاوض من قبل أهل العراق.
وقد اختلف الناس في أبي موسى الأشعري أشدّ الاختلاف، فاللذين استجابوا لفكرة التحكيم أراده مفاوضاً عنهم، واللذين رفضوا فكرة التحكيم ـ وهم الإمام علي (عليه السلام) وأصحابه ـ رفضوا أن يكون الأشعري مفاوضاً عنهم، ولكن لم يكن أمام الإمام(عليه السلام) بدّ من الاستجابة لأهل العراق والقبول بأبي موسى الأشعري.
وقد تعرّض الأشعري لخداع ابن العاص الذي أقنعه بخلع أمير المؤمنين(عليه السلام)، بينما قام عمرو بن العاص بتثبيت معاوية وخلع أمير المؤمنين(عليه السلام)، وانتهت تلك المهزلة على هذا النحو.
نتائج المعركة
قُتل من الطرفين خلال المعركة (70) ألف رجلاً، فمن أصحاب معاوية من أهل الشام (45) ألف رجلاً، ومن أصحاب الإمام علي(عليه السلام) من أهل العراق (25) ألف شهيداً.
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
معركة الجمل
مقدّمة
إنّ مقتل عثمان ومبايعة المسلمين للإمام علي(عليه السلام)، جعل الأُمور تتّخذ مجرىً آخر، حيث إنّ عدالة الإمام علي(عليه السلام) وتمسُّكه بالإسلام لا تروق لأُولئك الذين اكتنزوا الكنوز وامتلكوا الضياع وبنوا القصور من أموال المسلمين.
فقاموا متّحدين لمقاومة عدالة الإسلام التي لن تكتفي بحرمانهم ممّا ألِفوه من النهب، بل ستأخذ منهم حتّى تلك الأموال التي نالوها بطريقة غير مشروعة، وتجعل أُولئك الذين تمنُّوا الموت لعثمان وحرّضوا الناس ضدّه حتّى أودوا بحياته، متّحدين يطالبون بدمه.
الاتّفاق لإثارة الفتنة
اتّفق طلحة والزبير ومعهما عائشة زوجة النبي(صلى الله عليه وآله)، وخرجوا إلى البصرة لجمع الأنصار وإثارة الفتنة، وقد بذل الإمام علي(عليه السلام) جهداً كبيراً لتحاشي هذه الفتنة، فلم يألُ جهداً في بذل النصح لهم، وتحميلهم مغبّة ما سيكون إذا نشبت الحرب.
نصيحة الإمام علي(عليه السلام) لطلحة والزبير
كتب الإمام علي(عليه السلام) من الربذة كتاباً إلى طلحة والزبير يقول لهما: «أمّا بَعد، يا طَلحة، ويا زُبير، فقد علمتُمَا أنِّي لم أرد الناس حتّى أرادوني، ولم أبايعهم حتّى أكرهوني، وأنتما أوّل من بادر إلى بيعتي، ولم تدخلا في هذا الأمر بسلطانٍ غالب، ولا لعرضٍ حاضر.
وأنت يا زبير ففارس قريش، وأنت يا طلحة فشيخ المهاجرين، ودفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خُروجكما منه، إلّا أنّ هؤلاء بنو عثمان هم أولياؤه المطالبون بدمه، وأنتما رجلان من المهاجرين، وقد أخرجتكما أُمّكما [عائشة] من بيتها التي أمرها الله تعالى أن تقرّ فيه، والله حسبكما، والسلام»(1).
واستمرّ الإمام علي(عليه السلام) يبذل نصحه من أجل حقن الدماء.
كتابه(عليه السلام) إلى عائشة
كتب الإمام علي(عليه السلام) كتاباً إلى عائشة يقول لها: «أمّا بعد، فإنّكِ خرجتِ من بيتكِ تطلبين أمراً كان منكِ موضوعاً، ثمّ تزعمين أنّك لن تريدين إلّا الإصلاح بين الناس، فخبّريني ما النساء وقود العسكر؟
وزعمتِ أنّكِ مطالبة بدم عثمان، وعثمان من بني أُمية وأنتِ امرأة من بني تيم بن مرّة، لعمري إنّ الذي أخرجكِ لهذا الأمر وحملك عليه لأعظم ذنباً إليكِ من كلّ أحد، فاتقي الله يا عائشة وارجعي إلى منزلكِ وأسبلي عليكِ سترك، والسلام»(2).
خروجه(عليه السلام) إلى البصرة
بعد مضي أربعة أشهر من خلافته خرج الإمام علي(عليه السلام) إلى البصرة في سبعمائة من الصحابة، وفيهم أربعمائة من المهاجرين والأنصار، ومنهم سبعون بدرياً، ثمّ لحق به خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وستمائة رجل من طي.
ولمّا وصل(عليه السلام) إلى البصرة، أرسل إلى القوم يناشدهم الله تعالى، ويذكّرهم بقول رسول الله(صلى الله عليه وآله)، متعوّذاً منهم على ما أصرّوا عليه، فلم يجيبوه لذلك، بل تعصّبوا على القتال.
لقاء الإمام علي(عليه السلام) بالزبير في البصرة
التقى(عليه السلام) بالزبير في البصرة، وذكّره بما قال النبي(صلى الله عليه وآله) يوم قال ـ الزبير ـ: يا رسول الله، لا يدع ابن أبي طالب زهوه.
فقال له النبي(صلى الله عليه وآله): «يا زبير، ليس بعليٍّ زهو، ولتخرجنّ عليه وتحاربه وأنت ظالم له».
قال الزبير للإمام(عليه السلام): «اللّهمّ، نعم لقد كان ذلك، ولكنّي نسيت ذلك، وما ذكّرتني انسانيه الدهر! ولو ذكرته لما خرجت عليك، فكيف أرجع وقد التقت حلقتا البطان، والله أنّ هذا هو العار الذي ليس له مثيل».
فقال(عليه السلام): «يا زبير ارجع قبل أن تجمع العار والنار»، قال: «إذن، لأمضينّ وأنا استغفر الله تعالى»، فكرّ راجعاً ولم يحارب، وتبعه عمرو بن جرموز فقتله، ودفنه في وادي السباع(3).
تاريخ المعركة
10 جمادى الأُولى 36ﻫ، وقيل: 10 جمادى الثانية.
تسمية المعركة
سُمِّيت المعركة بحرب الجمل؛ لأنّ عائشة كانت راكبة فيها جملاً.
مناشدة القوم
بعث(عليه السلام) إلى القوم يناشدهم عدم القتال، فأبوا إلّا الحرب لقتاله! فقد بعث إليهم مرّة ثانية رجلاً من أصحابه يقال له مسلم بمصحف يدعوهم إلى كتاب الله عزّ وجلّ، فرموه بالسهام حتّى قتلوه، فحُمل إلى الإمام علي(عليه السلام) قتيلاً، فقالت أُمّه فيه هذه الأبيات:
يا ربِّ إنّ مسلماً أتاهم ** يتلو كتاب الله لا يخشاهم
فخضبوا من دمه لحاهم ** وأُمّه قائمة تراهم
ثمّ جاء عبد الله بن مدمل بأخيه مقتولاً، وجيء برجلٍ آخر من الميسرة مذبوحاً فيه سهم، فقال(عليه السلام): «اللّهمّ، اشهد غدر القوم».
فمضى إليهم عمّار بن ياسر(رضي الله عنه) حتّى وقف بين الصفّين، وقال: «أيّها الناس، ما أنصفتم نبيّكم(صلى الله عليه وآله) حين كففتم عقائلكم في بيوتكم وأبرزتم عقيلته للسيوف»، فرشقوه بالنبل، فرجع(4).
نشوب المعركة
زحف الإمام علي(عليه السلام) بالناس لقتال القوم، وعلى ميمنته مالك الأشتر وسعيد بن قيس، وعلى ميسرته عمّار بن ياسر وشريح بن هانئ، وعلى القلب محمّد بن أبي بكر وعدي بن حاتم، وأعطى رايته محمّد بن الحنفية، ثمّ أوقفهم من صلاة الغداة إلى صلاة الظهر يدعوهم ويناشدهم، ووقع القتال بعد الظهر وانقضى عند المساء.
عدد القتلى
عشرة آلاف من جيش الناكثين، وخمسة آلاف من جيش الإمام(عليه السلام)، ومنهم طلحة، فقد أصابه سهم عند هزيمته لم يتبيّن راميه، فجرحه فتفاقم جرحه فمات.
موقف الإمام(عليه السلام) الإنساني
بعد أن وضعت الحرب أوزارها بانتصارٍ ساحق على أهل الجمل، أعلن الإمام(عليه السلام) العفو العام عن جميع المشتركين بها، وقام بإعادة عائشة إلى المدينة المنوّرة معزّزة مُكرّمة، على الرغم من موقفها المعاند لوليّ أمرها.
ولمّا سقط الجمل بالهودج، انهزم القوم عنه، فكانوا كرمادٍ اشتدّت به الريح في يومٍ عاصف، فجاء محمّد بن أبي بكر وأدخل يده إلى أُخته، ثمّ جاء إليها أمير المؤمنين(عليه السلام) حتّى وقف عليها، وضرب الهودج بالقضيب، وقال: «يا حميراء! هل رسول الله(صلى الله عليه وآله) أمركِ بهذا الخروج عليَّ؟ ألم يأمركِ أن تقرّي في بيتك؟ والله ما أنصفكِ الذين أخرجوك من بيتكِ، إذ صانوا حلائلهم وأبرزوكِ»!!.
ثمّ إنّه(عليه السلام) أمر أخاها محمّداً أن ينزلها في دار آمنة بنت الحارث، فرُفع الهودج، وجعل يضرب الجمل بسيفه(5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الفصول المهمّة 1/386.
2ـ المصدر السابق 1/388.
3ـ وقعة الجمل: 131.
4ـ المصدر السابق: 127.
5ـ المصدر السابق: 146.
بقلم : محمد أمين نجف
مقدّمة
إنّ مقتل عثمان ومبايعة المسلمين للإمام علي(عليه السلام)، جعل الأُمور تتّخذ مجرىً آخر، حيث إنّ عدالة الإمام علي(عليه السلام) وتمسُّكه بالإسلام لا تروق لأُولئك الذين اكتنزوا الكنوز وامتلكوا الضياع وبنوا القصور من أموال المسلمين.
فقاموا متّحدين لمقاومة عدالة الإسلام التي لن تكتفي بحرمانهم ممّا ألِفوه من النهب، بل ستأخذ منهم حتّى تلك الأموال التي نالوها بطريقة غير مشروعة، وتجعل أُولئك الذين تمنُّوا الموت لعثمان وحرّضوا الناس ضدّه حتّى أودوا بحياته، متّحدين يطالبون بدمه.
الاتّفاق لإثارة الفتنة
اتّفق طلحة والزبير ومعهما عائشة زوجة النبي(صلى الله عليه وآله)، وخرجوا إلى البصرة لجمع الأنصار وإثارة الفتنة، وقد بذل الإمام علي(عليه السلام) جهداً كبيراً لتحاشي هذه الفتنة، فلم يألُ جهداً في بذل النصح لهم، وتحميلهم مغبّة ما سيكون إذا نشبت الحرب.
نصيحة الإمام علي(عليه السلام) لطلحة والزبير
كتب الإمام علي(عليه السلام) من الربذة كتاباً إلى طلحة والزبير يقول لهما: «أمّا بَعد، يا طَلحة، ويا زُبير، فقد علمتُمَا أنِّي لم أرد الناس حتّى أرادوني، ولم أبايعهم حتّى أكرهوني، وأنتما أوّل من بادر إلى بيعتي، ولم تدخلا في هذا الأمر بسلطانٍ غالب، ولا لعرضٍ حاضر.
وأنت يا زبير ففارس قريش، وأنت يا طلحة فشيخ المهاجرين، ودفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خُروجكما منه، إلّا أنّ هؤلاء بنو عثمان هم أولياؤه المطالبون بدمه، وأنتما رجلان من المهاجرين، وقد أخرجتكما أُمّكما [عائشة] من بيتها التي أمرها الله تعالى أن تقرّ فيه، والله حسبكما، والسلام»(1).
واستمرّ الإمام علي(عليه السلام) يبذل نصحه من أجل حقن الدماء.
كتابه(عليه السلام) إلى عائشة
كتب الإمام علي(عليه السلام) كتاباً إلى عائشة يقول لها: «أمّا بعد، فإنّكِ خرجتِ من بيتكِ تطلبين أمراً كان منكِ موضوعاً، ثمّ تزعمين أنّك لن تريدين إلّا الإصلاح بين الناس، فخبّريني ما النساء وقود العسكر؟
وزعمتِ أنّكِ مطالبة بدم عثمان، وعثمان من بني أُمية وأنتِ امرأة من بني تيم بن مرّة، لعمري إنّ الذي أخرجكِ لهذا الأمر وحملك عليه لأعظم ذنباً إليكِ من كلّ أحد، فاتقي الله يا عائشة وارجعي إلى منزلكِ وأسبلي عليكِ سترك، والسلام»(2).
خروجه(عليه السلام) إلى البصرة
بعد مضي أربعة أشهر من خلافته خرج الإمام علي(عليه السلام) إلى البصرة في سبعمائة من الصحابة، وفيهم أربعمائة من المهاجرين والأنصار، ومنهم سبعون بدرياً، ثمّ لحق به خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وستمائة رجل من طي.
ولمّا وصل(عليه السلام) إلى البصرة، أرسل إلى القوم يناشدهم الله تعالى، ويذكّرهم بقول رسول الله(صلى الله عليه وآله)، متعوّذاً منهم على ما أصرّوا عليه، فلم يجيبوه لذلك، بل تعصّبوا على القتال.
لقاء الإمام علي(عليه السلام) بالزبير في البصرة
التقى(عليه السلام) بالزبير في البصرة، وذكّره بما قال النبي(صلى الله عليه وآله) يوم قال ـ الزبير ـ: يا رسول الله، لا يدع ابن أبي طالب زهوه.
فقال له النبي(صلى الله عليه وآله): «يا زبير، ليس بعليٍّ زهو، ولتخرجنّ عليه وتحاربه وأنت ظالم له».
قال الزبير للإمام(عليه السلام): «اللّهمّ، نعم لقد كان ذلك، ولكنّي نسيت ذلك، وما ذكّرتني انسانيه الدهر! ولو ذكرته لما خرجت عليك، فكيف أرجع وقد التقت حلقتا البطان، والله أنّ هذا هو العار الذي ليس له مثيل».
فقال(عليه السلام): «يا زبير ارجع قبل أن تجمع العار والنار»، قال: «إذن، لأمضينّ وأنا استغفر الله تعالى»، فكرّ راجعاً ولم يحارب، وتبعه عمرو بن جرموز فقتله، ودفنه في وادي السباع(3).
تاريخ المعركة
10 جمادى الأُولى 36ﻫ، وقيل: 10 جمادى الثانية.
تسمية المعركة
سُمِّيت المعركة بحرب الجمل؛ لأنّ عائشة كانت راكبة فيها جملاً.
مناشدة القوم
بعث(عليه السلام) إلى القوم يناشدهم عدم القتال، فأبوا إلّا الحرب لقتاله! فقد بعث إليهم مرّة ثانية رجلاً من أصحابه يقال له مسلم بمصحف يدعوهم إلى كتاب الله عزّ وجلّ، فرموه بالسهام حتّى قتلوه، فحُمل إلى الإمام علي(عليه السلام) قتيلاً، فقالت أُمّه فيه هذه الأبيات:
يا ربِّ إنّ مسلماً أتاهم ** يتلو كتاب الله لا يخشاهم
فخضبوا من دمه لحاهم ** وأُمّه قائمة تراهم
ثمّ جاء عبد الله بن مدمل بأخيه مقتولاً، وجيء برجلٍ آخر من الميسرة مذبوحاً فيه سهم، فقال(عليه السلام): «اللّهمّ، اشهد غدر القوم».
فمضى إليهم عمّار بن ياسر(رضي الله عنه) حتّى وقف بين الصفّين، وقال: «أيّها الناس، ما أنصفتم نبيّكم(صلى الله عليه وآله) حين كففتم عقائلكم في بيوتكم وأبرزتم عقيلته للسيوف»، فرشقوه بالنبل، فرجع(4).
نشوب المعركة
زحف الإمام علي(عليه السلام) بالناس لقتال القوم، وعلى ميمنته مالك الأشتر وسعيد بن قيس، وعلى ميسرته عمّار بن ياسر وشريح بن هانئ، وعلى القلب محمّد بن أبي بكر وعدي بن حاتم، وأعطى رايته محمّد بن الحنفية، ثمّ أوقفهم من صلاة الغداة إلى صلاة الظهر يدعوهم ويناشدهم، ووقع القتال بعد الظهر وانقضى عند المساء.
عدد القتلى
عشرة آلاف من جيش الناكثين، وخمسة آلاف من جيش الإمام(عليه السلام)، ومنهم طلحة، فقد أصابه سهم عند هزيمته لم يتبيّن راميه، فجرحه فتفاقم جرحه فمات.
موقف الإمام(عليه السلام) الإنساني
بعد أن وضعت الحرب أوزارها بانتصارٍ ساحق على أهل الجمل، أعلن الإمام(عليه السلام) العفو العام عن جميع المشتركين بها، وقام بإعادة عائشة إلى المدينة المنوّرة معزّزة مُكرّمة، على الرغم من موقفها المعاند لوليّ أمرها.
ولمّا سقط الجمل بالهودج، انهزم القوم عنه، فكانوا كرمادٍ اشتدّت به الريح في يومٍ عاصف، فجاء محمّد بن أبي بكر وأدخل يده إلى أُخته، ثمّ جاء إليها أمير المؤمنين(عليه السلام) حتّى وقف عليها، وضرب الهودج بالقضيب، وقال: «يا حميراء! هل رسول الله(صلى الله عليه وآله) أمركِ بهذا الخروج عليَّ؟ ألم يأمركِ أن تقرّي في بيتك؟ والله ما أنصفكِ الذين أخرجوك من بيتكِ، إذ صانوا حلائلهم وأبرزوكِ»!!.
ثمّ إنّه(عليه السلام) أمر أخاها محمّداً أن ينزلها في دار آمنة بنت الحارث، فرُفع الهودج، وجعل يضرب الجمل بسيفه(5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الفصول المهمّة 1/386.
2ـ المصدر السابق 1/388.
3ـ وقعة الجمل: 131.
4ـ المصدر السابق: 127.
5ـ المصدر السابق: 146.
بقلم : محمد أمين نجف
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
فتح خيبر
مكان فتح خيبر
خيبر بلسان اليهود: الحصن، وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير، وهي تبعد مسيرة يومين عن المدينة المنوّرة.
وكانت خيبر منقسمة إلى شطرين، شطر فيها خمسة حصون، وهي: حصن ناعم، حصن الصعب بن معاذ، حصن قلعة الزبير، حصن أبي، حصن النزار، والحصون الثلاثة الأُولى تقع في منطقة يقال لها (النطاة)، وأمّا الحصنان الآخران فيقعان في منطقة تسمّى بالشق.
أمّا الشطر الثاني ويُعرف بالكتيبة، ففيه ثلاثة حصون فقط: حصن القموص، حصن الوطيح، حصن السلالم.
تاريخ فتح خيبر
سار الجيش الإسلامي لفتح خيبر في جمادى الأُولى 7ﻫ، وقد تمّ فتح خيبر في 24 رجب 7ﻫ على أغلب الأقوال، حيث حاصرهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) بضعاً وعشرين ليلة.
سبب التوجّه لفتح خيبر
لم يكن بين رسول الله(صلى الله عليه وآله) وبين يهود خيبر عهد، بخلاف بني قنيقاع والنضير وقريضة، فقد كان بين الرسول(صلى الله عليه وآله) وبينهم عهد، ومعنى ذلك أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) توجّه إليهم ليدعوهم إلى الإسلام أو قبول الجزية أو الحرب، فلمّا لم يسلموا ولم يقبلوا الجزية حاربهم.
وكان يهود خَيبر مضاهرين ليهود غطفان على رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وغطفان قصدت خيبر ليضاهروا اليهود فيها، ثمّ خافوا المسلمين على أهليهم وأموالهم فرجعوا، فكان هذا سبب خروج النبي(صلى الله عليه وآله) إليهم.
عدّة وعدد المسلمين
كان المسلمون في هذه الغزوة 1400 شخصاً، ومعهم 200 فرس.
الاقتراب من خيبر
ذكر ابن إسحاق بإسناده، عن أبي مروان الأسلمي، عن أبيه، عن جدّه قال: خرجنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى خيبر حتّى إذا كنّا قريباً منها وأشرفنا عليها، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «قفوا»، فوقف الناس، فقال: «اللّهمّ ربّ السماوات السبع وما أظللن، وربّ الأرضين السبع وما أقللن، وربّ الشياطين وما أظللن، إنّا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرّ هذه القرية، وشرّ أهلها، وشرّ ما فيها، أقدموا باسم الله»(1).
التعسكر حول خيبر
وصل الجيش الإسلامي إلى خيبر ليلاً، فعسكروا حوله، فلمّا طلعت الشمس، وأصبح اليهود، فتحوا حصونهم وغدوا إلى أعمالهم، فلمّا نظروا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) قالوا: محمّد والخميس ـ أي الجيش ـ وولّوا هاربين إلى حصونهم.
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «الله أكبر، خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين»(2)، فحاصرهم بضع عشرة ليلة، وكان أوّل حصونهم قد افتتح هو حصن ناعم، ثمّ القموص، ثمّ حصن الصعب بن معاذ، ثمّ الوطيح والسلالم، وكان آخر الحصون فتحاً حصن خيبر.
إعطاء الراية لعلي(عليه السلام)
بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله) أبا بكر برايته ـ وكانت بيضاء ـ لفتح خيبر، ولكن رجع أبو بكر ولم يَكُ فتح وقد جهد.
ثمّ بعث(صلى الله عليه وآله) في الغد عمر بن الخطّاب برايته ومعه الناس، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه، فجاؤوا يجبِّنُونه ويجبِّنُهم كسابقه.
وخرجت كتائب اليهود يتقدّمهم ياسر أو ناشر ـ أخ مرحب ـ فكشفت الأنصار حتّى انتهوا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فاشتدّ ذلك على رسول الله، وقال(صلى الله عليه وآله): «لأبعثنّ غداً رجلاً يُحبّ اللهَ ورسولَه ويحبّانه، لا يولّي الدبر، يفتح الله على يديه»(3).
وفي رواية أُخرى: «لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، كرّار غير فرار، لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه»(4)، فتطاولت الأعناق لترى لمن يعطي الراية غداً، ورجا كلّ واحد من قريش أن يكون صاحب الراية غداً.
وكان الإمام علي(عليه السلام) أرمد العين، فدعاه(صلى الله عليه وآله)، فقيل له: إنّه يشتكي عينيه، فلمّا جاء الإمام علي(عليه السلام) أخذ(صلى الله عليه وآله) من ماء فمه، ودَلّك عينيه، فبرئتا حتّى كأن لم يكن بهما وجع.
ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): «اللّهمّ أكفه الحرّ والبرد»، فما اشتكى من عينيه، ولا من الحرّ والبرد بعد ذلك أبداً، فعقد(صلى الله عليه وآله) للإمام(عليه السلام) ودفع الراية إليه، وقال له: «قاتل ولا تلتفت حتّى يفتح الله عليك».
فقال الإمام علي(عليه السلام): «يا رسول الله، علام أُقاتلهم»؟
فقال(صلى الله عليه وآله): «على أن يشهدوا أن لا إله إلّا الله، وأنِّي رسول الله، فإذا فعلوا ذلك حقنوا منِّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقِّها، وحسابهم على الله عزّ وجلّ»(5).
وزاد في رواية: «واخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم تتصدّق بها في سبيل الله»(6).
خروج الإمام علي(عليه السلام) لخيبر
قال سلمه: فخرج ـ الإمام(عليه السلام) ـ والله يُهروِل وأنا خلفه، نتّبع أثره، حتّى ركز رايته تحت الحصن، فاطّلع إليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال: «أنا علي بن أبي طالب»، فقال اليهودي: علوتم أو غلبتم.
وخرج إليه أهل الحصن، وكان أوّل من خرج إليه أخ مرحب وكان فارساً شجاعاً، فانكشف المسلمون وثبت الإمام علي(عليه السلام)، فتضاربا فقتله الإمام علي(عليه السلام)، وانهزم اليهود إلى الحصن.
فلمّا علم مرحب بمقتل أخيه نزل مسرعاً وقد لبس درعين وتقلّد بسيفين واعتمّ بعمامتين، ولبس فوقهما مغفراً وحجراً قد أثقبه قدر البيضة لعينيه، ومعه رمح لسانه ثلاثة أشبار، وهو يرتجز ويقول:
قَدْ علِمَت خَيْبَرُ أنِّي مَرْحَبُ ** شَاكي السلاح بَطلٌ مُجرّبُ
أطعنُ أحياناً وحِيناً أضرِبُ ** إذا اللُّيوث أقبلَتْ تَلتَهِبُ
فردّ علي(عليه السلام) عليه، وقال:
أنَا الذي سَمّتْني أُمِّي حَيْدَرة ** أكِيلُكُم بالسَيف كَيل السندَرَة
لَيثٌ بِغابَاتٍ شَديد قَسوَرَة
وحيدرة: اسم من أسماء الأسد، فاختلفا ضربتين، فبدره الإمام علي(عليه السلام) فضربه فقدّ الحجر والمغفر ورأسه، حتّى وقع السيف في أضراسه فقتله.
فكبّر الإمام علي(عليه السلام) وكبّر معه المسلمون، فانهزم اليهود إلى داخل الحصن وأغلقوا باب الحصن عليهم، وكان الحِصنُ مُخندقاً حوله، فتمكّن الإمام علي(عليه السلام) من الوصول إلى باب الحصن، فعالجه وقلعه، وأخذ باب الحصن الكبيرة العظيمة التي طولها أربعون ذراعاً، فجعلها جسراً فعبر المسلمون الخندق، وظفروا بالحصن ونالوا الغنائم(7)؟
قال الإمام الباقر(عليه السلام): «انتهى ـ أي علي(عليه السلام) ـ إلى باب الحصن، وقد أُغلق في وجهه، فاجتذبه اجتذاباً وتترّس به، ثمّ حمله على ظهره، واقتحم الحصن اقتحاماً، واقتحم المسلمون والباب على ظهره، فوالله ما لقيَ عليٌّ من الناس تحت الباب أشدّ ممّا لقيَ من الباب، ثمّ رمى بالباب رمياً»(8).
وقد حاول حمل هذا الباب أربعون رجلاً فلم يتمكّنوا، حتّى تكاملوا سبعين فتمّ لهم حمله، قال ابن أبي الحديد المعتزلي في ذلك:
يا قالع الباب التي عن هزّها ** عجزت أكفّ أربعون وأربعُ
فلمّا فرغ(عليه السلام) من فتح خيبر قال: «والله ما قلعتُ بابَ خيبر وقذفتُ به ورائي أربعين ذراعاً، لم تحس أعضائي بقوّةٍ سدية وحركة غريزية بشرية، ولكنّي أُيِّدت بقوّة ملكوتية، ونفسٍ بنور ربّها مضيئة، وأنا من أحمد(صلى الله عليه وآله) كالضوء من الضوء، لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت، ولو أردت أن أنتهز فرصة من رقابها لما بقيت، ومن لم يبالِ متى حتفه عليه ساقط، كان جنانه في الملمّات رابط»(9).
شعر حسّان بن ثابت في ذلك
لمّا دفع رسول الله(صلى الله عليه وآله) الراية إلى أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، أنشأ حسّان بن ثابت بهذه المناسبة شعراً:
وكان علي أرمد العين يبتغي ** دواءً فلمّا لم يحسّ مداويا
شفاه رسول الله منه بتفلة ** فبورك مرقياً وبورك راقيا
فقال سأُعطي الراية اليوم ** صارماً كَمِيّاً محبّاً للرسول مواليا
يحبّ إلهي والإله يحبّه به ** به يفتح الله الحصون العواليا
فأصفى بها دون البريّة كلّها ** علياً وسمّاه الوزير المؤاخيا(10).
شعر ابن أبي الحديد في ذلك
ألم تخبر الأخبار في فتح خيبر ** ففيها لذي اللب الملب أعاجيب
وفوز علي بالعلى فوزها به ** فكلّ إلى كلّ مضاف ومنسوب(11).
قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام)
قال الإمام علي(عليه السلام): «قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم فَتحتُ خيبر: لولا أن تقول فيك طوائف من أُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم مقالاً بحيث لا تمرّ على ملأ من المسلمين إلّا أخذوا من تراب رجليك وفضل طهورك؛ يستَشفُون به، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك ترثني وأرثك، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبي بعدي.
يا علي، أنت تؤدّي ديني وتقاتل على سنّتي، وأنت في الآخرة أقرب الناس منّي، وإنّك على الحوض خليفتي تذود عنه المنافقين، وأنت أوّل من يرد عليَّ الحوض، وأنت أوّل داخلٍ في الجنّة من أُمّتي، وأنّ شيعتك على منابرٍ من نور، رواء مرويون مُبيضّة وجوههم حولي، أشفع لهم، فيكونون غداً في الجنّة جيراني، وأنّ أعداءك غداً ظِماءٌ مُظمَئون مسودّةٌ وجوههم، مُقمَحون ومُقمَعون يُضرَبون بالمقامع، وهي سياط من نار مقتحمين.
حربك حربي، وسلمك سلمي، وسرّك سرّي، وعلانيتك علانيتي، وسريرة صدرك كسريرة صدري، وأنت باب علمي، وأنّ ولدك ولدي، ولحمك لحمي، ودمك دمي، وأنّ الحقّ معك، والحقّ على لسانك وفي قلبك وبين عينيك، والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وأنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن أُبشّرك أنّك أنت وعترتك في الجنّة، وعدوّك في النار، لا يرد عليَّ الحوض مبغض لك، ولا يغيب عنه محبّ لك»(12).
قال علي(عليه السلام): «فخررت ساجداً لله تعالى وحمدته على ما أنعمه عليّ من الإسلام والقرآن، وحبّبني إلى خاتم النبيّين وسيّد المرسلين(صلى الله عليه وآله)»(13).
فرحتان في وقتٍ واحد
لمّا افتتح رسول الله(صلى الله عليه وآله) خيبر أتاه البشير بقدوم جعفر بن أبي طالب وأصحابه من الحبشة إلى المدينة، فقال: «ما أدري بأيّهما أنا أَسَرُّ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟»(14).
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: «لمّا قدم جعفر بن أبي طالب(عليه السلام) من أرض الحبشة، تلقّاه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فلمّا نظر جعفر إلى رسول الله حجل ـ يعني مشى على رجلٍ واحدة ـ إعظاماً لرسول الله، فقبّل رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما بين عينيه»(15).
وروى زرارة عن الإمام الباقر(عليه السلام): «إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لمّا استقبل جعفراً التزمه ثمّ قبّل بين عينيه»، قال: «وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعث قبل أن يسير إلى خيبر عمرو بن أُمية الضمري إلى النجاشي عظيم الحبشة، ودعاه إلى الإسلام فأسلم، وكان أمر عمراً أن يتقدّم بجعفر وأصحابه، فجهّز النجاشي جعفراً وأصحابه بجهازٍ حسن، وأمر لهم بكسوة وحملهم في سفينتين»(16).
مناقب الإمام علي(عليه السلام)
قال الحارث بن مالك: أتيت مكّة فلقيت سعد بن وقّاص، فقلت: هل سمعت لعليّ منقبة؟ قال: شهدت أربعاً لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من الدنيا أُعمّر فيها مثل عمر نوح(عليه السلام):
الأُولى: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش، فسار بها يوماً وليلة، ثمّ قال لعلي: «اتبع أبا بكر فخذها فبلّغها، وردّ عليّ أبا بكر»، فرجع أبو بكر، فقال لرسول الله: أنزل فيَّ شيء؟ قال: «لا إلّا خير، إلّا أنّه ليس يبلّغ عنّي إلّا أنا أو رجل منّي ـ أو قال: من أهل بيتي ـ».
الثانية: كنّا مع النبي(صلى الله عليه وآله) فنودي فينا ليلاً: ليخرج من في المسجد إلّا آل رسول الله(صلى الله عليه وآله) وآل علي.
فخرجنا نجرّ نعالنا، فلمّا أصبحنا أتى العباس النبي(صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، أخرجت أعمامك وأصحابك، وأسكنت هذا الغلام؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «ما أنا أمرت بإخراجكم ولا إسكان هذا الغلام، إنّ الله هو الذي أمر به».
والثالثة: إنّ نبي الله(صلى الله عليه وآله) بعث عمر وسعد إلى خيبر، فخرج عمر وسعد، فرجع عمر، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله...»، إلى أن قال: فدعا علياً، فقالوا: إنّه أرمد، فجيء به يُقاد، فقال له: «افتح عينك»، قال: «لا أستطيع». قال: فتفل في عينيه ريقه، ودلّكهما بإبهامه، وأعطاه الراية.
والرابعة: يوم غدير خم، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأبلغ، ثمّ قال: «أيّها الناس، ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم»؟ ثلاث مرّات، قالوا: بلى.
قال: «أدن يا علي»، فرفع يده ورفع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يده حتّى نظرت إلى بياض إبطيه، فقال: «من كنتُ مولاه فعليّ مولاه» حتّى قالها ثلاث مرّات(17).
ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ تفسير مجمع البيان 9/200.
2ـ صحيح البخاري 1/152.
3ـ المستدرك على الصحيحين 3/38، المعجم الصغير 2/11.
4ـ اُنظر: تاريخ مدينة دمشق 41/219.
5ـ أعيان الشيعة 1/270.
6ـ صحيح البخاري 4/207، 5/77.
7ـ أعيان الشيعة 1/271.
8ـ إعلام الورى بأعلام الهدى 1/208.
9ـ عيون المعجزات: 7.
10ـ الإرشاد 1/128.
11ـ الوافي بالوفيات 18/48.
12ـ ينابيع المودّة 1/200، الأمالي للصدوق: 156.
13ـ حلية الأبرار 2/70.
14ـ المستدرك 3/208، البداية والنهاية 3/98.
15ـ ذخائر العقبى: 214، المعجم الأوسط 6/334.
16ـ بحار الأنوار 21/23.
17ـ شرح إحقاق الحق 22/343، نقلاً عن مختصر تاريخ دمشق 17/130.
بقلم : محمد أمين نجف
مكان فتح خيبر
خيبر بلسان اليهود: الحصن، وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير، وهي تبعد مسيرة يومين عن المدينة المنوّرة.
وكانت خيبر منقسمة إلى شطرين، شطر فيها خمسة حصون، وهي: حصن ناعم، حصن الصعب بن معاذ، حصن قلعة الزبير، حصن أبي، حصن النزار، والحصون الثلاثة الأُولى تقع في منطقة يقال لها (النطاة)، وأمّا الحصنان الآخران فيقعان في منطقة تسمّى بالشق.
أمّا الشطر الثاني ويُعرف بالكتيبة، ففيه ثلاثة حصون فقط: حصن القموص، حصن الوطيح، حصن السلالم.
تاريخ فتح خيبر
سار الجيش الإسلامي لفتح خيبر في جمادى الأُولى 7ﻫ، وقد تمّ فتح خيبر في 24 رجب 7ﻫ على أغلب الأقوال، حيث حاصرهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) بضعاً وعشرين ليلة.
سبب التوجّه لفتح خيبر
لم يكن بين رسول الله(صلى الله عليه وآله) وبين يهود خيبر عهد، بخلاف بني قنيقاع والنضير وقريضة، فقد كان بين الرسول(صلى الله عليه وآله) وبينهم عهد، ومعنى ذلك أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) توجّه إليهم ليدعوهم إلى الإسلام أو قبول الجزية أو الحرب، فلمّا لم يسلموا ولم يقبلوا الجزية حاربهم.
وكان يهود خَيبر مضاهرين ليهود غطفان على رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وغطفان قصدت خيبر ليضاهروا اليهود فيها، ثمّ خافوا المسلمين على أهليهم وأموالهم فرجعوا، فكان هذا سبب خروج النبي(صلى الله عليه وآله) إليهم.
عدّة وعدد المسلمين
كان المسلمون في هذه الغزوة 1400 شخصاً، ومعهم 200 فرس.
الاقتراب من خيبر
ذكر ابن إسحاق بإسناده، عن أبي مروان الأسلمي، عن أبيه، عن جدّه قال: خرجنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى خيبر حتّى إذا كنّا قريباً منها وأشرفنا عليها، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «قفوا»، فوقف الناس، فقال: «اللّهمّ ربّ السماوات السبع وما أظللن، وربّ الأرضين السبع وما أقللن، وربّ الشياطين وما أظللن، إنّا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرّ هذه القرية، وشرّ أهلها، وشرّ ما فيها، أقدموا باسم الله»(1).
التعسكر حول خيبر
وصل الجيش الإسلامي إلى خيبر ليلاً، فعسكروا حوله، فلمّا طلعت الشمس، وأصبح اليهود، فتحوا حصونهم وغدوا إلى أعمالهم، فلمّا نظروا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) قالوا: محمّد والخميس ـ أي الجيش ـ وولّوا هاربين إلى حصونهم.
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «الله أكبر، خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين»(2)، فحاصرهم بضع عشرة ليلة، وكان أوّل حصونهم قد افتتح هو حصن ناعم، ثمّ القموص، ثمّ حصن الصعب بن معاذ، ثمّ الوطيح والسلالم، وكان آخر الحصون فتحاً حصن خيبر.
إعطاء الراية لعلي(عليه السلام)
بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله) أبا بكر برايته ـ وكانت بيضاء ـ لفتح خيبر، ولكن رجع أبو بكر ولم يَكُ فتح وقد جهد.
ثمّ بعث(صلى الله عليه وآله) في الغد عمر بن الخطّاب برايته ومعه الناس، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه، فجاؤوا يجبِّنُونه ويجبِّنُهم كسابقه.
وخرجت كتائب اليهود يتقدّمهم ياسر أو ناشر ـ أخ مرحب ـ فكشفت الأنصار حتّى انتهوا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فاشتدّ ذلك على رسول الله، وقال(صلى الله عليه وآله): «لأبعثنّ غداً رجلاً يُحبّ اللهَ ورسولَه ويحبّانه، لا يولّي الدبر، يفتح الله على يديه»(3).
وفي رواية أُخرى: «لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، كرّار غير فرار، لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه»(4)، فتطاولت الأعناق لترى لمن يعطي الراية غداً، ورجا كلّ واحد من قريش أن يكون صاحب الراية غداً.
وكان الإمام علي(عليه السلام) أرمد العين، فدعاه(صلى الله عليه وآله)، فقيل له: إنّه يشتكي عينيه، فلمّا جاء الإمام علي(عليه السلام) أخذ(صلى الله عليه وآله) من ماء فمه، ودَلّك عينيه، فبرئتا حتّى كأن لم يكن بهما وجع.
ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): «اللّهمّ أكفه الحرّ والبرد»، فما اشتكى من عينيه، ولا من الحرّ والبرد بعد ذلك أبداً، فعقد(صلى الله عليه وآله) للإمام(عليه السلام) ودفع الراية إليه، وقال له: «قاتل ولا تلتفت حتّى يفتح الله عليك».
فقال الإمام علي(عليه السلام): «يا رسول الله، علام أُقاتلهم»؟
فقال(صلى الله عليه وآله): «على أن يشهدوا أن لا إله إلّا الله، وأنِّي رسول الله، فإذا فعلوا ذلك حقنوا منِّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقِّها، وحسابهم على الله عزّ وجلّ»(5).
وزاد في رواية: «واخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم تتصدّق بها في سبيل الله»(6).
خروج الإمام علي(عليه السلام) لخيبر
قال سلمه: فخرج ـ الإمام(عليه السلام) ـ والله يُهروِل وأنا خلفه، نتّبع أثره، حتّى ركز رايته تحت الحصن، فاطّلع إليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال: «أنا علي بن أبي طالب»، فقال اليهودي: علوتم أو غلبتم.
وخرج إليه أهل الحصن، وكان أوّل من خرج إليه أخ مرحب وكان فارساً شجاعاً، فانكشف المسلمون وثبت الإمام علي(عليه السلام)، فتضاربا فقتله الإمام علي(عليه السلام)، وانهزم اليهود إلى الحصن.
فلمّا علم مرحب بمقتل أخيه نزل مسرعاً وقد لبس درعين وتقلّد بسيفين واعتمّ بعمامتين، ولبس فوقهما مغفراً وحجراً قد أثقبه قدر البيضة لعينيه، ومعه رمح لسانه ثلاثة أشبار، وهو يرتجز ويقول:
قَدْ علِمَت خَيْبَرُ أنِّي مَرْحَبُ ** شَاكي السلاح بَطلٌ مُجرّبُ
أطعنُ أحياناً وحِيناً أضرِبُ ** إذا اللُّيوث أقبلَتْ تَلتَهِبُ
فردّ علي(عليه السلام) عليه، وقال:
أنَا الذي سَمّتْني أُمِّي حَيْدَرة ** أكِيلُكُم بالسَيف كَيل السندَرَة
لَيثٌ بِغابَاتٍ شَديد قَسوَرَة
وحيدرة: اسم من أسماء الأسد، فاختلفا ضربتين، فبدره الإمام علي(عليه السلام) فضربه فقدّ الحجر والمغفر ورأسه، حتّى وقع السيف في أضراسه فقتله.
فكبّر الإمام علي(عليه السلام) وكبّر معه المسلمون، فانهزم اليهود إلى داخل الحصن وأغلقوا باب الحصن عليهم، وكان الحِصنُ مُخندقاً حوله، فتمكّن الإمام علي(عليه السلام) من الوصول إلى باب الحصن، فعالجه وقلعه، وأخذ باب الحصن الكبيرة العظيمة التي طولها أربعون ذراعاً، فجعلها جسراً فعبر المسلمون الخندق، وظفروا بالحصن ونالوا الغنائم(7)؟
قال الإمام الباقر(عليه السلام): «انتهى ـ أي علي(عليه السلام) ـ إلى باب الحصن، وقد أُغلق في وجهه، فاجتذبه اجتذاباً وتترّس به، ثمّ حمله على ظهره، واقتحم الحصن اقتحاماً، واقتحم المسلمون والباب على ظهره، فوالله ما لقيَ عليٌّ من الناس تحت الباب أشدّ ممّا لقيَ من الباب، ثمّ رمى بالباب رمياً»(8).
وقد حاول حمل هذا الباب أربعون رجلاً فلم يتمكّنوا، حتّى تكاملوا سبعين فتمّ لهم حمله، قال ابن أبي الحديد المعتزلي في ذلك:
يا قالع الباب التي عن هزّها ** عجزت أكفّ أربعون وأربعُ
فلمّا فرغ(عليه السلام) من فتح خيبر قال: «والله ما قلعتُ بابَ خيبر وقذفتُ به ورائي أربعين ذراعاً، لم تحس أعضائي بقوّةٍ سدية وحركة غريزية بشرية، ولكنّي أُيِّدت بقوّة ملكوتية، ونفسٍ بنور ربّها مضيئة، وأنا من أحمد(صلى الله عليه وآله) كالضوء من الضوء، لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت، ولو أردت أن أنتهز فرصة من رقابها لما بقيت، ومن لم يبالِ متى حتفه عليه ساقط، كان جنانه في الملمّات رابط»(9).
شعر حسّان بن ثابت في ذلك
لمّا دفع رسول الله(صلى الله عليه وآله) الراية إلى أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، أنشأ حسّان بن ثابت بهذه المناسبة شعراً:
وكان علي أرمد العين يبتغي ** دواءً فلمّا لم يحسّ مداويا
شفاه رسول الله منه بتفلة ** فبورك مرقياً وبورك راقيا
فقال سأُعطي الراية اليوم ** صارماً كَمِيّاً محبّاً للرسول مواليا
يحبّ إلهي والإله يحبّه به ** به يفتح الله الحصون العواليا
فأصفى بها دون البريّة كلّها ** علياً وسمّاه الوزير المؤاخيا(10).
شعر ابن أبي الحديد في ذلك
ألم تخبر الأخبار في فتح خيبر ** ففيها لذي اللب الملب أعاجيب
وفوز علي بالعلى فوزها به ** فكلّ إلى كلّ مضاف ومنسوب(11).
قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام)
قال الإمام علي(عليه السلام): «قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم فَتحتُ خيبر: لولا أن تقول فيك طوائف من أُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم مقالاً بحيث لا تمرّ على ملأ من المسلمين إلّا أخذوا من تراب رجليك وفضل طهورك؛ يستَشفُون به، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك ترثني وأرثك، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبي بعدي.
يا علي، أنت تؤدّي ديني وتقاتل على سنّتي، وأنت في الآخرة أقرب الناس منّي، وإنّك على الحوض خليفتي تذود عنه المنافقين، وأنت أوّل من يرد عليَّ الحوض، وأنت أوّل داخلٍ في الجنّة من أُمّتي، وأنّ شيعتك على منابرٍ من نور، رواء مرويون مُبيضّة وجوههم حولي، أشفع لهم، فيكونون غداً في الجنّة جيراني، وأنّ أعداءك غداً ظِماءٌ مُظمَئون مسودّةٌ وجوههم، مُقمَحون ومُقمَعون يُضرَبون بالمقامع، وهي سياط من نار مقتحمين.
حربك حربي، وسلمك سلمي، وسرّك سرّي، وعلانيتك علانيتي، وسريرة صدرك كسريرة صدري، وأنت باب علمي، وأنّ ولدك ولدي، ولحمك لحمي، ودمك دمي، وأنّ الحقّ معك، والحقّ على لسانك وفي قلبك وبين عينيك، والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وأنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن أُبشّرك أنّك أنت وعترتك في الجنّة، وعدوّك في النار، لا يرد عليَّ الحوض مبغض لك، ولا يغيب عنه محبّ لك»(12).
قال علي(عليه السلام): «فخررت ساجداً لله تعالى وحمدته على ما أنعمه عليّ من الإسلام والقرآن، وحبّبني إلى خاتم النبيّين وسيّد المرسلين(صلى الله عليه وآله)»(13).
فرحتان في وقتٍ واحد
لمّا افتتح رسول الله(صلى الله عليه وآله) خيبر أتاه البشير بقدوم جعفر بن أبي طالب وأصحابه من الحبشة إلى المدينة، فقال: «ما أدري بأيّهما أنا أَسَرُّ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟»(14).
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: «لمّا قدم جعفر بن أبي طالب(عليه السلام) من أرض الحبشة، تلقّاه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فلمّا نظر جعفر إلى رسول الله حجل ـ يعني مشى على رجلٍ واحدة ـ إعظاماً لرسول الله، فقبّل رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما بين عينيه»(15).
وروى زرارة عن الإمام الباقر(عليه السلام): «إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لمّا استقبل جعفراً التزمه ثمّ قبّل بين عينيه»، قال: «وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعث قبل أن يسير إلى خيبر عمرو بن أُمية الضمري إلى النجاشي عظيم الحبشة، ودعاه إلى الإسلام فأسلم، وكان أمر عمراً أن يتقدّم بجعفر وأصحابه، فجهّز النجاشي جعفراً وأصحابه بجهازٍ حسن، وأمر لهم بكسوة وحملهم في سفينتين»(16).
مناقب الإمام علي(عليه السلام)
قال الحارث بن مالك: أتيت مكّة فلقيت سعد بن وقّاص، فقلت: هل سمعت لعليّ منقبة؟ قال: شهدت أربعاً لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من الدنيا أُعمّر فيها مثل عمر نوح(عليه السلام):
الأُولى: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش، فسار بها يوماً وليلة، ثمّ قال لعلي: «اتبع أبا بكر فخذها فبلّغها، وردّ عليّ أبا بكر»، فرجع أبو بكر، فقال لرسول الله: أنزل فيَّ شيء؟ قال: «لا إلّا خير، إلّا أنّه ليس يبلّغ عنّي إلّا أنا أو رجل منّي ـ أو قال: من أهل بيتي ـ».
الثانية: كنّا مع النبي(صلى الله عليه وآله) فنودي فينا ليلاً: ليخرج من في المسجد إلّا آل رسول الله(صلى الله عليه وآله) وآل علي.
فخرجنا نجرّ نعالنا، فلمّا أصبحنا أتى العباس النبي(صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، أخرجت أعمامك وأصحابك، وأسكنت هذا الغلام؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «ما أنا أمرت بإخراجكم ولا إسكان هذا الغلام، إنّ الله هو الذي أمر به».
والثالثة: إنّ نبي الله(صلى الله عليه وآله) بعث عمر وسعد إلى خيبر، فخرج عمر وسعد، فرجع عمر، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله...»، إلى أن قال: فدعا علياً، فقالوا: إنّه أرمد، فجيء به يُقاد، فقال له: «افتح عينك»، قال: «لا أستطيع». قال: فتفل في عينيه ريقه، ودلّكهما بإبهامه، وأعطاه الراية.
والرابعة: يوم غدير خم، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأبلغ، ثمّ قال: «أيّها الناس، ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم»؟ ثلاث مرّات، قالوا: بلى.
قال: «أدن يا علي»، فرفع يده ورفع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يده حتّى نظرت إلى بياض إبطيه، فقال: «من كنتُ مولاه فعليّ مولاه» حتّى قالها ثلاث مرّات(17).
ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ تفسير مجمع البيان 9/200.
2ـ صحيح البخاري 1/152.
3ـ المستدرك على الصحيحين 3/38، المعجم الصغير 2/11.
4ـ اُنظر: تاريخ مدينة دمشق 41/219.
5ـ أعيان الشيعة 1/270.
6ـ صحيح البخاري 4/207، 5/77.
7ـ أعيان الشيعة 1/271.
8ـ إعلام الورى بأعلام الهدى 1/208.
9ـ عيون المعجزات: 7.
10ـ الإرشاد 1/128.
11ـ الوافي بالوفيات 18/48.
12ـ ينابيع المودّة 1/200، الأمالي للصدوق: 156.
13ـ حلية الأبرار 2/70.
14ـ المستدرك 3/208، البداية والنهاية 3/98.
15ـ ذخائر العقبى: 214، المعجم الأوسط 6/334.
16ـ بحار الأنوار 21/23.
17ـ شرح إحقاق الحق 22/343، نقلاً عن مختصر تاريخ دمشق 17/130.
بقلم : محمد أمين نجف
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
غزوة الخندق أو الأحزاب
مقدّمة
لمّا نقضت بنو قريظة صلحها مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وانضمّت إلى صفوف المشركين، تغيّر ميزان القوى لصالح أعداء الإسلام.
فتحزّبت قريش والقبائل الأُخرى، ومعهم اليهود على رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعلى المسلمين، وكان يقود الأحزاب أبو سفيان، فقاموا بتطويق المدينة بعشرة آلاف مقاتل، ممّا أدّى إلى انتشار الرُعب بين صفوف المسلمين، وتزلزلت نفوسهم، وظنّوا بالله الظنونا، كما قال الله تعالى: )إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا((1).
حفر الخندق
استشار رسول الله(صلى الله عليه وآله) أصحابه في معالجة الهجوم المتوقّع من قبل العدو على المدينة المنوّرة، فأجمع رأيهم على البقاء في المدينة ومحاربة القوم أن جاؤوا إليهم، كما توصّلوا إلى حفر خندق يحصّن المسلمين من أعدائهم.
فبدؤوا بحفر الخندق حول المدينة باتّجاه العدو، وخرج النبي(صلى الله عليه وآله) مع المسلمين ليشاركهم في حفر هذا الخندق وتقسيم العمل بينهم، وكان يحثّهم ويقول: «لا عيش إلّا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين الأنصار»(2).
عدّة الجيشيين
قد اختلفت كلمات المؤرّخين في عدد الجيش الإسلامي الذي واجه الأحزاب في حرب الخندق، فقد ذهب أكثر المؤرّخين: إلى أنّهم كانوا ثلاثة آلاف أو نحوها، ولكن الصحيح أنّهم سبعمائة شخص أو أقلّ من ألف.
واختلفت كذلك كلمات المؤرّخين في عدد المشركين: فقد قال المسعودي: فكان عدّة الجمع أربعة وعشرين ألفاً، وقال ابن شهر آشوب: كانوا ثمانية عشر ألف رجل، وقال ابن الربيع: كانوا أحد عشر ألفاً، والظاهر كان عددهم عشرة آلاف نفر، وهم الأحزاب، وكانوا ثلاثة عساكر، ورئيس الكلّ أبو سفيان(3).
مبارزة الإمام علي(عليه السلام) لعمرو بن عبد ودّ
تمكّنت مجموعة من العدو من عبور الخندق، وكان من بينهم عمرو بن عبد ودٍّ، فراح يصول ويجول، ويتوعّد ويتفاخر ببطولته، وينادي: هل من مبارز؟ فلم يجبه أحد، حتّى قال:
ولقد بححت من النداء ** بجمعكم هل من مبارز
ووقفت إذ جبن الشجاع ** بموقف البطل المناجز
إنّي كذلك لم أزل ** متسرّعاً نحو الهزاهز
إنّ الشجاعة والسماحة ** في الفتى خير الغرائز(4).
فقام الإمام علي(عليه السلام) وقال: «أنا له يا رسول الله»!
فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): «اجلس، إنّه عمرو».
فقال الإمام علي(عليه السلام): «وإن كان عمرواً».
فعند ذلك أذن(صلى الله عليه وآله) له، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وألبسه درعه، وعمّمه بعمامته.
ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): «إلهي أخذت عبيدة منّي يوم بدر، وحمزة يوم أُحد، وهذا أخي وابن عمّي، فلا تَذَرني فرداً وأنت خير الوارثين».
وقال(صلى الله عليه وآله) أيضاً: «برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه»(5).
ومضى الإمام علي(عليه السلام) إلى الميدان، وهو يقول:
لا تعجلنّ فقد أتاك ** مجيب صوتك غير عاجز
ذو نية وبصيرة ** والصبر منجي كلّ فائز
إنّي لأرجو أن أقيم ** عليك نائحة الجنائز
من ضربةٍ نجلاء يبقى ** ذكرها عند الهزاهز(6).
فتقدّم(عليه السلام) وكلّه ثقة بالله ونصره له، وخاطب ابن عبد ودٍّ بقوله: «يا عمرو، إنّك كنت تقول: لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلّا قبلتها».
قال عمرو: أجل.
فقال الإمام علي(عليه السلام): «فانّي أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وتسلّم لربّ العالمين».
فقال: يابن أخي، أخّر عنّي هذه.
فقال له: «أما أنّها خير لك لو أخذتها».
ثمّ قال(عليه السلام): «وأُخرى ترجع إلى بلادك، فإن يك محمّد صادقاً كنت أسعد الناس به، وإن يك كاذباً كان الذي تريد».
قال: هذا ما لا تتحدّث به نساء قريش أبداً.
ثمّ قال(عليه السلام): «فالثالثة، أدعوكَ إلى البراز».
فقال عمرو: إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أنّ أحداً من العرب يرومني عليها، ولم يابن أخي؟ إنّي لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، وقد كان أبوك لي نديماً.
فردّ الإمام علي(عليه السلام) عليه قائلاً: «لكنِّي والله أُحبّ أن أقتلكَ».
فغضب عمرو، فقال له علي(عليه السلام): «كيف أقاتلك وأنت فارس، ولكن انزل معي».
فاقتحم عن فرسه فعقره، وسل سيفه كأنّه شعلة نار، وأقبل على الإمام علي(عليه السلام)، فصدّه برباطة جأش، وأرداه قتيلاً، فعلا التكبير والتهليل في صفوف المسلمين.
ولمّا قتل علي بن أبي طالب(عليه السلام) عمرواً أقبل نحو رسول الله(صلى الله عليه وآله) ووجهه يتهلّل، فقال له عمر بن الخطّاب: هلا سلبته يا علي درعه، فإنّه ليس في العرب درع مثلها؟
فقال(عليه السلام): «إنّي استحييت أن أكشف سوأت ابن عمّي».
وقال(عليه السلام) أبياتاً في قتل عمرو، منها:
نَصَرَ الحجارة من سفاهة رأيه ** ونصرتُ دين محمّدٍ بضرابِ
فصددت حين تركته متجندلاً ** كالجذع بين دكادكٍ وروابي
وعففت عن أثوابه ولو إنّني ** كنت المقطّر بزّني أثوابي
لا تحسبنّ الله خاذل دينه ** ونبيّه يا معشر الأحزابِ(7).
ولمّا عاد الإمام(عليه السلام) ظافراً، استقبله رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو يقول: «لَمُبَارَزَة عليٍّ بن أبي طالب لِعَمرو بن عبد ودٍّ أفضلُ من عَمل أُمّتي إلى يوم القيامة»(8).
وفي رواية: «ضربة علي يوم الخندق أفضل من أعمال أُمّتي إلى يوم القيامة»(9).
قال السروجي بالمناسبة:
ويوم عمرو العامري إذ أتى ** في عسكر ملا الفضاء قد انتشر
فكان من خوف اللعين قبل ذاك ** محمّد لخندقٍ قد احتفر
نادى بصوتٍ قد علا من جهله ** يدعو علياً للبراز فابتدر
إليه شخص في الوغى عاداته ** سفك دم الأقران بالعضب الذكر
فعندها قال النبي معلناً ** والدمع في خدٍّ كأمثال الدرر
هذا هو الإسلام كلّ بارز ** إلى جميع الشرك يا من قد حضر(10).
فلولا الموقف البطولي للإمام(عليه السلام)، لاقتحم جيش المشركين المدينة على المسلمين بذلك العدد الهائل، وهكذا كانت بطولة الإمام علي(عليه السلام) في غزوة الخندق (الأحزاب)، فكانت أهمّ عناصر النصر لمعسكر الإيمان على معسكر الكفر والضلال.
وعن أبي الحسن المدائني قال: لمّا قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ودّ، نُعي إلى أُخته ـ واسمها عمرة وكنيتها أُمّ كلثوم ـ فقالت: من ذا الذي اجترأ عليه؟
فقالوا: ابن أبي طالب، فقالت: لم يعد موته إن كان على يد كفؤ كريم، لا رقأت دمعتي إن هرقتها عليه، قتل الأبطال وبارز الأقران، وكانت منيته على يد كفؤ كريم من قومه، ما سمعت بأفخر من هذا يا بني عامر، ثمّ أنشأت تقول:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله ** لكنت أبكي عليه آخر الأبد
لكن قاتل عمرو لا يُعاب به ** مَن كان يُدعى قديماً بيضة البلد
من هاشم ذراها وهي صاعدة ** إلى السماء تميت الناس بالحسد
قومٌ أبى الله إلّا أن يكون لهم ** كرامة الدين والدنيا بلا لدد
يا أُمّ كلثوم ابكيه ولا تدعي ** بكاء معولة حري على ولد(11).
وقت الانتصار
أقام المشركون بضعاً وعشرين ليلة لم يكن بينهم وبين المسلمين حرب إلّا الرمي بالنبل والحصا، ولكن بعد عبور أحد أبطال الشرك والكفر، وهو عمرو بن عبد ودٍّ العامري الخندق، ومبارزة الإمام علي(عليه السلام) له وقتله، تحقّق النصر للإسلام والمسلمين في الثالث من شوال 5ﻫ.
ـــــــــــــــــــــــــــ
1. الأحزاب: 10.
2. صحيح البخاري 4/225.
3. اُنظر: الصحيح من سيرة النبي الأعظم 9/179.
4. مناقب آل أبي طالب 2/325.
5. شرح نهج البلاغة 13/261، ينابيع المودّة 1/281.
6. شرح نهج البلاغة 13/292، مناقب آل أبي طالب 2/325.
7. تاريخ الإسلام 2/291، أحكام القرآن لابن العربي 3/546.
8. تاريخ بغداد 13/19، شواهد التنزيل 2/14.
9. ينابيع المودّة 1/412.
10. مناقب آل أبي طالب 2/325.
11. أعيان الشيعة 1/265.
بقلم : محمد أمين نجف
مقدّمة
لمّا نقضت بنو قريظة صلحها مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وانضمّت إلى صفوف المشركين، تغيّر ميزان القوى لصالح أعداء الإسلام.
فتحزّبت قريش والقبائل الأُخرى، ومعهم اليهود على رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعلى المسلمين، وكان يقود الأحزاب أبو سفيان، فقاموا بتطويق المدينة بعشرة آلاف مقاتل، ممّا أدّى إلى انتشار الرُعب بين صفوف المسلمين، وتزلزلت نفوسهم، وظنّوا بالله الظنونا، كما قال الله تعالى: )إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا((1).
حفر الخندق
استشار رسول الله(صلى الله عليه وآله) أصحابه في معالجة الهجوم المتوقّع من قبل العدو على المدينة المنوّرة، فأجمع رأيهم على البقاء في المدينة ومحاربة القوم أن جاؤوا إليهم، كما توصّلوا إلى حفر خندق يحصّن المسلمين من أعدائهم.
فبدؤوا بحفر الخندق حول المدينة باتّجاه العدو، وخرج النبي(صلى الله عليه وآله) مع المسلمين ليشاركهم في حفر هذا الخندق وتقسيم العمل بينهم، وكان يحثّهم ويقول: «لا عيش إلّا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين الأنصار»(2).
عدّة الجيشيين
قد اختلفت كلمات المؤرّخين في عدد الجيش الإسلامي الذي واجه الأحزاب في حرب الخندق، فقد ذهب أكثر المؤرّخين: إلى أنّهم كانوا ثلاثة آلاف أو نحوها، ولكن الصحيح أنّهم سبعمائة شخص أو أقلّ من ألف.
واختلفت كذلك كلمات المؤرّخين في عدد المشركين: فقد قال المسعودي: فكان عدّة الجمع أربعة وعشرين ألفاً، وقال ابن شهر آشوب: كانوا ثمانية عشر ألف رجل، وقال ابن الربيع: كانوا أحد عشر ألفاً، والظاهر كان عددهم عشرة آلاف نفر، وهم الأحزاب، وكانوا ثلاثة عساكر، ورئيس الكلّ أبو سفيان(3).
مبارزة الإمام علي(عليه السلام) لعمرو بن عبد ودّ
تمكّنت مجموعة من العدو من عبور الخندق، وكان من بينهم عمرو بن عبد ودٍّ، فراح يصول ويجول، ويتوعّد ويتفاخر ببطولته، وينادي: هل من مبارز؟ فلم يجبه أحد، حتّى قال:
ولقد بححت من النداء ** بجمعكم هل من مبارز
ووقفت إذ جبن الشجاع ** بموقف البطل المناجز
إنّي كذلك لم أزل ** متسرّعاً نحو الهزاهز
إنّ الشجاعة والسماحة ** في الفتى خير الغرائز(4).
فقام الإمام علي(عليه السلام) وقال: «أنا له يا رسول الله»!
فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): «اجلس، إنّه عمرو».
فقال الإمام علي(عليه السلام): «وإن كان عمرواً».
فعند ذلك أذن(صلى الله عليه وآله) له، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وألبسه درعه، وعمّمه بعمامته.
ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): «إلهي أخذت عبيدة منّي يوم بدر، وحمزة يوم أُحد، وهذا أخي وابن عمّي، فلا تَذَرني فرداً وأنت خير الوارثين».
وقال(صلى الله عليه وآله) أيضاً: «برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه»(5).
ومضى الإمام علي(عليه السلام) إلى الميدان، وهو يقول:
لا تعجلنّ فقد أتاك ** مجيب صوتك غير عاجز
ذو نية وبصيرة ** والصبر منجي كلّ فائز
إنّي لأرجو أن أقيم ** عليك نائحة الجنائز
من ضربةٍ نجلاء يبقى ** ذكرها عند الهزاهز(6).
فتقدّم(عليه السلام) وكلّه ثقة بالله ونصره له، وخاطب ابن عبد ودٍّ بقوله: «يا عمرو، إنّك كنت تقول: لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلّا قبلتها».
قال عمرو: أجل.
فقال الإمام علي(عليه السلام): «فانّي أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وتسلّم لربّ العالمين».
فقال: يابن أخي، أخّر عنّي هذه.
فقال له: «أما أنّها خير لك لو أخذتها».
ثمّ قال(عليه السلام): «وأُخرى ترجع إلى بلادك، فإن يك محمّد صادقاً كنت أسعد الناس به، وإن يك كاذباً كان الذي تريد».
قال: هذا ما لا تتحدّث به نساء قريش أبداً.
ثمّ قال(عليه السلام): «فالثالثة، أدعوكَ إلى البراز».
فقال عمرو: إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أنّ أحداً من العرب يرومني عليها، ولم يابن أخي؟ إنّي لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، وقد كان أبوك لي نديماً.
فردّ الإمام علي(عليه السلام) عليه قائلاً: «لكنِّي والله أُحبّ أن أقتلكَ».
فغضب عمرو، فقال له علي(عليه السلام): «كيف أقاتلك وأنت فارس، ولكن انزل معي».
فاقتحم عن فرسه فعقره، وسل سيفه كأنّه شعلة نار، وأقبل على الإمام علي(عليه السلام)، فصدّه برباطة جأش، وأرداه قتيلاً، فعلا التكبير والتهليل في صفوف المسلمين.
ولمّا قتل علي بن أبي طالب(عليه السلام) عمرواً أقبل نحو رسول الله(صلى الله عليه وآله) ووجهه يتهلّل، فقال له عمر بن الخطّاب: هلا سلبته يا علي درعه، فإنّه ليس في العرب درع مثلها؟
فقال(عليه السلام): «إنّي استحييت أن أكشف سوأت ابن عمّي».
وقال(عليه السلام) أبياتاً في قتل عمرو، منها:
نَصَرَ الحجارة من سفاهة رأيه ** ونصرتُ دين محمّدٍ بضرابِ
فصددت حين تركته متجندلاً ** كالجذع بين دكادكٍ وروابي
وعففت عن أثوابه ولو إنّني ** كنت المقطّر بزّني أثوابي
لا تحسبنّ الله خاذل دينه ** ونبيّه يا معشر الأحزابِ(7).
ولمّا عاد الإمام(عليه السلام) ظافراً، استقبله رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو يقول: «لَمُبَارَزَة عليٍّ بن أبي طالب لِعَمرو بن عبد ودٍّ أفضلُ من عَمل أُمّتي إلى يوم القيامة»(8).
وفي رواية: «ضربة علي يوم الخندق أفضل من أعمال أُمّتي إلى يوم القيامة»(9).
قال السروجي بالمناسبة:
ويوم عمرو العامري إذ أتى ** في عسكر ملا الفضاء قد انتشر
فكان من خوف اللعين قبل ذاك ** محمّد لخندقٍ قد احتفر
نادى بصوتٍ قد علا من جهله ** يدعو علياً للبراز فابتدر
إليه شخص في الوغى عاداته ** سفك دم الأقران بالعضب الذكر
فعندها قال النبي معلناً ** والدمع في خدٍّ كأمثال الدرر
هذا هو الإسلام كلّ بارز ** إلى جميع الشرك يا من قد حضر(10).
فلولا الموقف البطولي للإمام(عليه السلام)، لاقتحم جيش المشركين المدينة على المسلمين بذلك العدد الهائل، وهكذا كانت بطولة الإمام علي(عليه السلام) في غزوة الخندق (الأحزاب)، فكانت أهمّ عناصر النصر لمعسكر الإيمان على معسكر الكفر والضلال.
وعن أبي الحسن المدائني قال: لمّا قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ودّ، نُعي إلى أُخته ـ واسمها عمرة وكنيتها أُمّ كلثوم ـ فقالت: من ذا الذي اجترأ عليه؟
فقالوا: ابن أبي طالب، فقالت: لم يعد موته إن كان على يد كفؤ كريم، لا رقأت دمعتي إن هرقتها عليه، قتل الأبطال وبارز الأقران، وكانت منيته على يد كفؤ كريم من قومه، ما سمعت بأفخر من هذا يا بني عامر، ثمّ أنشأت تقول:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله ** لكنت أبكي عليه آخر الأبد
لكن قاتل عمرو لا يُعاب به ** مَن كان يُدعى قديماً بيضة البلد
من هاشم ذراها وهي صاعدة ** إلى السماء تميت الناس بالحسد
قومٌ أبى الله إلّا أن يكون لهم ** كرامة الدين والدنيا بلا لدد
يا أُمّ كلثوم ابكيه ولا تدعي ** بكاء معولة حري على ولد(11).
وقت الانتصار
أقام المشركون بضعاً وعشرين ليلة لم يكن بينهم وبين المسلمين حرب إلّا الرمي بالنبل والحصا، ولكن بعد عبور أحد أبطال الشرك والكفر، وهو عمرو بن عبد ودٍّ العامري الخندق، ومبارزة الإمام علي(عليه السلام) له وقتله، تحقّق النصر للإسلام والمسلمين في الثالث من شوال 5ﻫ.
ـــــــــــــــــــــــــــ
1. الأحزاب: 10.
2. صحيح البخاري 4/225.
3. اُنظر: الصحيح من سيرة النبي الأعظم 9/179.
4. مناقب آل أبي طالب 2/325.
5. شرح نهج البلاغة 13/261، ينابيع المودّة 1/281.
6. شرح نهج البلاغة 13/292، مناقب آل أبي طالب 2/325.
7. تاريخ الإسلام 2/291، أحكام القرآن لابن العربي 3/546.
8. تاريخ بغداد 13/19، شواهد التنزيل 2/14.
9. ينابيع المودّة 1/412.
10. مناقب آل أبي طالب 2/325.
11. أعيان الشيعة 1/265.
بقلم : محمد أمين نجف
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
مؤاخاة الإمام علي ( عليه السلام ) مع النبي ( صلى الله عليه وآله )
شرع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منذ وصوله إلى المدينة ببناء الدولة الإسلامية المباركة .
فأسس المسجد ليكون منطلقاً للقيادة ، ومركزاً لبناء الدولة ، إلى جانب مهامِّ المسجد العبادية والفكرية ، ثم توجَّه إلى بناء الجبهة الداخلية ، وتقوية البُنْية الاجتماعية .
وفي الثاني عشر من شهر رمضان ، من السنة الأولى للهجرة النبوية المباركة ، آخى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين المهاجرين والأنصار .
ورُويَ أنَّه آخى بين أبي بكر وخارجة بن زيد ، وبين عمر وعتبان بن مالك ، وبين معاذ بن جبل وأبي ذر الغفاري ، وبين حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر ، ومصعب بن عمير وأبي أيوب ، وبين سلمان وأبي الدرداء و ... .
ولمَّا آخى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين أصحابه ، جاء الإمام علي ( عليه السلام ) تدمع عيناه ، فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( يَا رَسولَ الله ، آخيتَ بين أصحابِك ، ولم تُؤاخي بيني وبين أحد ؟ ) .
فقال له الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ( أنْتَ أخي في الدُّنيَا والآخِرَة ) .
ويقول الشاعر أبو تمام في هذا المعنى :
أخوه إذا عدَّ الفخَار وصِهْرُه فَمَا مثلُهُ أخٌ ولا مِثلُه صِهْرُ
وقد كان مشروع المؤاخاة الذي دعا إليه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) من أقوى السياسات الإسلامية ، التي حثَّ عليها القرآن الكريم .
فقد ورد بصيغة الحصر في قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) الحجرات : 10 .
شرع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منذ وصوله إلى المدينة ببناء الدولة الإسلامية المباركة .
فأسس المسجد ليكون منطلقاً للقيادة ، ومركزاً لبناء الدولة ، إلى جانب مهامِّ المسجد العبادية والفكرية ، ثم توجَّه إلى بناء الجبهة الداخلية ، وتقوية البُنْية الاجتماعية .
وفي الثاني عشر من شهر رمضان ، من السنة الأولى للهجرة النبوية المباركة ، آخى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين المهاجرين والأنصار .
ورُويَ أنَّه آخى بين أبي بكر وخارجة بن زيد ، وبين عمر وعتبان بن مالك ، وبين معاذ بن جبل وأبي ذر الغفاري ، وبين حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر ، ومصعب بن عمير وأبي أيوب ، وبين سلمان وأبي الدرداء و ... .
ولمَّا آخى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين أصحابه ، جاء الإمام علي ( عليه السلام ) تدمع عيناه ، فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( يَا رَسولَ الله ، آخيتَ بين أصحابِك ، ولم تُؤاخي بيني وبين أحد ؟ ) .
فقال له الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ( أنْتَ أخي في الدُّنيَا والآخِرَة ) .
ويقول الشاعر أبو تمام في هذا المعنى :
أخوه إذا عدَّ الفخَار وصِهْرُه فَمَا مثلُهُ أخٌ ولا مِثلُه صِهْرُ
وقد كان مشروع المؤاخاة الذي دعا إليه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) من أقوى السياسات الإسلامية ، التي حثَّ عليها القرآن الكريم .
فقد ورد بصيغة الحصر في قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) الحجرات : 10 .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
موقف الإمام علي ( عليه السلام ) في أحداث السقيفة
نقل العلامة الطبرسي في كتاب الاحتجاج واقعة السقيفة فقال : وقُبِض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقت الضحى من يوم الاثنين ، بعد خروج أسامة إلى معسكره بيومين .
فرجع أهل العسكر والمدينة قد رجفت بأهلها ، فأقبل أبو بكر على ناقة حتى وقف على باب المسجد ، فقال : أيها الناس مَالَكُم تموجون ، إن كان محمد قد مات فَرَبُّ محمد لم يَمُت .
( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران : 144 .
ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة ، وجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة ، فلمَّا سمع بذلك عُمَر أخبر بذلك أبا بكر ، فمضيا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجراح .
وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار ، وسعد بن عبادة بينهم مريض ، فتنازعوا الأمر بينهم .
فآل الأمر إلى أن قال أبو بكر في آخر كلامه للأنصار : إنما أدعوكم إلى أبي عُبيدة بن الجراح ، أو عمر ، وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر ، وكلاهما أراهما له أهلاً .
فقال عمر وأبو عبيدة : ما ينبغي لنا أن نتقدَّمك يا أبا بكر وأنت أقدمنا إسلاماً ، وأنت صاحب الغار ، وثاني اثنين ، فأنت أحقّ بهذا الأمر وأولى به .
فقال الأنصار : نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس مِنَّا ولا منكم ، فنجعل منا أميراً ومنكم أميراً ، ونرضى به على أنه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار .
فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين : وانتم يا معشر الأنصار ، مِمَّن لا يُنكَر فضلُهم ولا نعمتُهم العظيمة في الإسلام ، رضيكُم الله أنصاراً لدينه ، وكهفاً لرسوله ، وجعل إليكم مهاجرته ، وفيكم محلّ أزواجه ، فليس أحدٌ من الناس بعد المهاجرين الأولين بمنزلتكم ، فهم الأُمَراء ، وأنتم الوزَرَاء .
فقال الحباب بن المنذر الأنصاري : يا معشر الأنصار ، أمسكوا على أيديكم ، فإنما الناس في فَيئكم وظِلالِكُم ، ولن يجترئ مُجترٍ على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم .
وأثنى على الأنصار ثم قال : فإن أبى هؤلاء تأميركم عليهم ، فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ، ولا نقنع بدون أن يكون منَّا أمير ومنهم أمير .
فقام عمر بن الخطاب فقال : هَيْهات ، لا يجتمع سيفان في غمد واحد ، إنه لا ترضى العرب أن تؤمِّركم ونبيها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم ، وألو الأمر منهم .
ولنا بذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة والسلطان البَيِّن ، فيما ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته ، إلا مُدْلٍ بباطلٍ ، أو مُتجانِف بإثم ، أو متورِّط في الهلكة ، مُحِبّ للفتنة .
فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال : يا معشر الأنصار ، امسكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقال هذا الجاهل وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، وان أبوا أن يكون منا أمير ومنهم أمير فأجلوهم عن بلادكم ، وتولّوا هذا الأمر عليهم ، فأنتم والله أحَقّ به منهم .
فقد دانَ بأسيافِكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها ، وأنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، والله لئن أحد رَدَّ قولي لأحطِّمَنَّ انفه بالسيف .
قال عمر بن الخطاب : فلما كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام ، فإنه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فنهاني رسول الله عن مُهاترته ، فَحلفْتُ أن لا أُكلِّمه أبداً .
قال عمر لأبي عبيدة : تَكلَّم .
فقام أبو عُبيدة بن الجراح ، وتكلَّم بكلام كثير ، وذكر فيه فضائل الأنصار ، وكان بشير بن سعد سَيِّداً من سادات الأنصار ، لمَّا رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره حَسَدَه ، وسعى في إفساد الأمر عليه ، وتكلَّم في ذلك ، ورضى بتأمير قُرَيش ، وحثَّ الناس كُلّهم - لا سِيَّما الأنصار - على الرضا بما يفعله المهاجرون .
فقال أبو بكر : هذا عُمَر وأبو عبيدة شيخان من قريش ، فبايعوا أيّهُمَا شِئْتم .
فقال عُمَر وأبو عبيدة : ما نتولَّى هذا الأمر عليك ، امدد يَدَكَ نُبايعك .
فقال بشير بن سعد : وأنا ثالثكما ، وكان سيد الأوس ، وسعد بن عبادة سيد الخزرج .
فلما رأت الأوس صنيع سيدها بشير ، وما ادّعيت إليه الخزرج من تأمير سعد أكبُّوا على أبي بكر بالبيعة ، وتكاثروا على ذلك وتزاحموا ، فجعلوا يطئُونَ سَعداً مِن شِدَّة الزحمة ، وهو بَينهم على فراشه مَريض .
فقال : قتلتموني .
قال عمر : اقتلوا سعداً قتله الله .
فوثب قيس بن سعد ، فأخذ بلحية عُمَر وقال : والله يا بن صَهَّاك ، الجبان في الحرب ، والفرَّار اللَّيث في المَلأ والأمن ، لو حرَّكت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة .
فقال أبو بكر : مهلاً يا عُمَر مَهلاً ، فإن الرفق أبلغُ وأفضل .
فقال سعد : يا بن صَهَّاك الحبشية ، أما والله لو أنَّ لي قوَّة النهوض لسمعتها مني في سككها زئيراً أزعجك وأصحابك منها ، ولألحقنَّكُما بقومٍ كنتما فيهم أذنابا أذِلاَّء ، تابعين غَير متبوعين ، لقد اجترأتُمَا .
ثمَّ قال للخزرج : اِحمِلوني من مكان الفتنة ، فحملوه وأدخلوه منزله ، فلما كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر أن قَدْ بايعَ الناسُ فَبايِع .
فقال : لا والله ، حتى أرميكم بكل سَهمٍ في كنانتي ، وأخضب منكم سنان رمحي ، وأضربكم بسيفي ، ما أقلت يدي فأقاتلكم بِمَن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي .
ثم - وأيْمُ الله - لو اجتمع الجِنُّ والإنسُ عليَّ لما بايعتكما أيهما الغاصبان ، حتى أعرضَ على رَبِّي ، وأعلم مَا حِسابي .
فلما جاءهم كلامه قال عُمَر : لا بُدَّ مِن بَيعتِه .
فقال بشير بن سعد : إنه قَدْ أبى ولَجَّ ، وليس بِمُبايِعٍ أو يُقتَل ، وليس بمقتول حتى يُقتل معه الخزرج والأوس ، فاتركوه ، فليس تركه بضائر .
فقبلوا قوله وتركوا سَعداً ، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ، ولا يقضي بقضائهم ، ولو وَجَد أعواناً لَصالَ بِهم ولقاتَلَهم .
فلم يزل كذلك مُدَّة ولاية أبي بكر حتى هَلَك أبو بكر ، ثم ولي عُمَر وكان كذلك ، فخشى سعد غائلة عُمَر ، فخرَجَ إلى الشام ، فماتَ بحوران في ولاية عمر ، ولم يبايع أحداً .
وكان سبب موته أن رُمِي بسهمٍ في الليل فقتله ، وزُعِم أنَّ الجن رموه ، وقيل أيضا : إن مُحمَّد بن سلمة الأنصاري تولى ذلك بجعل جعل له عليه ، وروي أنه تولى ذلك المغيرة بن شعبة ، وقيل : خالد بن الوليد ، وبايع جماعة الأنصار ومن حَضَر من غيرهم .
والإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) مشغول بجهاز رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما فرَغ ( عليه السلام ) من ذلك ، وصلَّى على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والناس يُصلُّون عليه .
من بايع أبا بكر ومن لم يبايع جلس في المسجد ، فاجتمع عليه بنو هاشم ، ومعهم الزبير بن العوام ، واجتمعت بنو أميَّة إلى عثمان بن عَفَّان ، وبنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عَوف .
فكانوا في المسجد كُلّهم مجتمعين ، إذ أقبل أبو بكر ومعه عُمَر وأبو عُبيدة بن الجراح ، فقالوا : مالنا نراكم خَلقاً شَتَّى ، قوموا فبايعوا أبا بكر ، فقد بايَعَتْه الأنصار والناس .
فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا ، وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي ( عليه السلام ) ومعهم الزبير .
فذهب إليهم عُمَر في جماعة مِمَّن بايع فيهم أسيد بن حصين ، وسلمة بن سلامة ، فألفوهم مجتمعين ، فقالوا لهم : بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس .
فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر : عليكم بالكلب العَقور فاكفونا شَرّه ، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده ، فأخذه عُمَر فضرب به الأرض فكسره ، وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ، ومَضوا بجماعتهم إلى أبي بكر .
فلما حضروا قالوا : بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس ، وأيم الله لئن أبيتم ذلك لَنُحَاكِمَنَّكم بالسيف .
فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبَلَ رَجُلٌ رَجُل فَجعل يبايِع ، حتى لم يَبقَ مِمَّن حضر إلا الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
فقالوا له : بايِعْ أبا بكر .
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( أنا أحَقّ بهذا الأمر منه ، وانتم أولى بالبَيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتَجَجْتُم عليهم بالقرابة من الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وتأخذونه منا أهل البيت غَصباً .
ألستُم زعمتم للأنصار أنَّكم أولى بهذا الأمر منهم لِمكانكم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأعطوكم المَقادة ، وسلَّموا لكم الإمارة .
وأنا احتَجُّ عليكم بمثل ما احتَجَجْتُم على الأنصار ، أنا أولى برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حيّاً وميّتاً .
وأنا وصيُّه ووزيره ، ومستودَع سِرِّه وعِلمِه ، وأنا الصِّدِّيق الأكبر ، والفاروق الأعظم ، أول من آمن به وصدَّقه ، وأحسنُكُم بلاءً في جهاد المشركين ، وأعْرَفُكُم بالكتاب والسنة ، وأفقهُكُم في الدِّين ، وأعلمُكُم بعواقب الأمور ، وأذرّ بكم لِساناً ، وأثبَتُكم جناناً .
فعلامَ تُنازِعونا هذا الأمر ؟ اِنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم ، واعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفته لكم الأنصار ، وإلاَّ فَبوءوا بالظُّلم والعدوان وأنتم تعلمون ) .
فقال عُمَر : يا علي ، أما لَكَ بأهلِ بَيتِك أسوة ؟
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( سَلوهُمْ عن ذلك ) .
فابتَدر القوم الذين بايعوا مِن بني هاشم فقالوا : والله ما بيعنا لكم بحجة على علي ، ومعاذَ الله أن نقول إنا نوازيه في الهجرة ، وحُسن الجهاد ، والمحلُّ من رسول الله .
فقال عُمَر : إنَّك لست مَتروكاً حتى تبايعَ ، طَوعاً أو كرهاً .
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( احلب حلبا لَكَ شطره ، اشدُدْ لَهُ اليوم ليرد عليك غَداً ، إذا والله لا أقبل قولك ، ولا أحفل بمقامك ، ولا أبايع ) .
فقال أبو بكر : مَهلاً يا أبا الحسن ، ما نَشكُّ فيك ولا نَكرهُك .
فقال أبو عبيدة للإمام علي ( عليه السلام ) : يا بن عمِّ ، لسنا ندفع قرابتك ، ولا سابقتك ، ولا عِلمك ، ولا نصرتك ، ولكنك حَدث السِّن - وكان للإمام علي ( عليه السلام ) يومئذ ثلاث وثلاثون سنة - وأبو بكرٍ شَيخ من مشايِخِ قومك ، وهو أحمل لثقل هذا الأمر .
وقد مضى الأمر بما فيه ، فَسَلِّمْ لَه ، فإن عَمَّرك الله يُسلِّموا هذا الأمر إليك ، ولا يختلِفُ فيك اثنان بعد هذا إلا وأنت به خليق ، وله حقيق .
ولا تبعث الفتنة في أوان الفتنة ، فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( يا مَعاشِر المُهاجِرين والأنصار ، اللهُ الله ، لا تَنسوا عَهْدَ نبيِّكُم إليكم في امرئ ، ولا تُخرجوا سُلطان مُحَمَّدٍ من دارِه وقعر بيته إلى دُوركم وقَعْر بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن حَقِّه ومقامِه في الناس .
فَوَ الله مَعاشر الجمع ، إنَّ الله قَضَى وحَكَم ، ونبيُّه أعلم ، وأنتم تعلمون بأنَّا أهل البيت أحَقُّ بهذا الأمر منكم .
أمَا كان القارئ مِنكُم لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، المُضطَلِع بأمر الرَّعيَّة ، والله إنه لَفِينَا لا فيكم ، فلا تَتْبَعوا الهوى فتزدَادُوا من الحَقِّ بُعداً ، وتُفسِدوا قَديمَكم بشر مِن حَديثِكم ) .
فقال بشير بن سعد الأنصاري ، الذي وطأ الأرض لأبي بكر ، وقالت جماعة من الأنصار : يا أبا الحسن ، لو كان هذا الأمر سَمِعَتْه منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختَلَفَ فِيكَ اثنان .
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( يا هؤلاء ، كُنتُ أدَعُ رَسولَ اللهِ مُسَجَّى لا أوارِيه ، وأخرج أُنَازع في سلطانه ، والله مَا خِفتُ أحدا يَسمو له وينازعُنا أهل البيت فيه ، وستحل ما استَحْلَلْتُمُوه ، ولا علمت أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ترك يوم غدير خُمٍّ لأحد حُجَّة ، ولا لقائِلٍ مَقالاً .
فأُنشِدُ اللهَ رَجلاً سَمع النبي ( صلى الله عليه وآله ) يَوم غدير خُمٍّ يقول : مَنْ كُنتُ مَولاه فَهَذا عَليٌّ مولاه ، اللَّهُمَّ والِ مَنْ وَالاه ، وعَادِ مَن عاداه ، وانصُرْ مَن نَصَرَه ، واخْذُل مَنْ خَذَلَه ، أنْ يشهد الآن بما سَمِع ) .
قال زيد بن أرقم : فَشهدَ اثنا عشر رجلاً بدريّاً بذلك ، وكنتُ مِمَّن سمع القول من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فَكَتَمتُ الشهادة يومئذٍ ، فَدَعا عَلِيٌّ عَلَيَّ فذهَبَ بَصَري .
وكَثُر الكلام في هذا المعنى ، وارتَفَع الصوت ، وخَشَى عُمَر أن يصغي الناس إلى قول الإمام علي ( عليه السلام ) ، ففسح المجلس وقال : إنَّ الله يقلِّب القلوب ، ولا تزال يا أبا الحسن ترغب عن قَول الجماعة ، فانصَرَفوا يومهم ذلك .
نقل العلامة الطبرسي في كتاب الاحتجاج واقعة السقيفة فقال : وقُبِض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقت الضحى من يوم الاثنين ، بعد خروج أسامة إلى معسكره بيومين .
فرجع أهل العسكر والمدينة قد رجفت بأهلها ، فأقبل أبو بكر على ناقة حتى وقف على باب المسجد ، فقال : أيها الناس مَالَكُم تموجون ، إن كان محمد قد مات فَرَبُّ محمد لم يَمُت .
( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران : 144 .
ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة ، وجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة ، فلمَّا سمع بذلك عُمَر أخبر بذلك أبا بكر ، فمضيا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجراح .
وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار ، وسعد بن عبادة بينهم مريض ، فتنازعوا الأمر بينهم .
فآل الأمر إلى أن قال أبو بكر في آخر كلامه للأنصار : إنما أدعوكم إلى أبي عُبيدة بن الجراح ، أو عمر ، وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر ، وكلاهما أراهما له أهلاً .
فقال عمر وأبو عبيدة : ما ينبغي لنا أن نتقدَّمك يا أبا بكر وأنت أقدمنا إسلاماً ، وأنت صاحب الغار ، وثاني اثنين ، فأنت أحقّ بهذا الأمر وأولى به .
فقال الأنصار : نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس مِنَّا ولا منكم ، فنجعل منا أميراً ومنكم أميراً ، ونرضى به على أنه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار .
فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين : وانتم يا معشر الأنصار ، مِمَّن لا يُنكَر فضلُهم ولا نعمتُهم العظيمة في الإسلام ، رضيكُم الله أنصاراً لدينه ، وكهفاً لرسوله ، وجعل إليكم مهاجرته ، وفيكم محلّ أزواجه ، فليس أحدٌ من الناس بعد المهاجرين الأولين بمنزلتكم ، فهم الأُمَراء ، وأنتم الوزَرَاء .
فقال الحباب بن المنذر الأنصاري : يا معشر الأنصار ، أمسكوا على أيديكم ، فإنما الناس في فَيئكم وظِلالِكُم ، ولن يجترئ مُجترٍ على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم .
وأثنى على الأنصار ثم قال : فإن أبى هؤلاء تأميركم عليهم ، فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ، ولا نقنع بدون أن يكون منَّا أمير ومنهم أمير .
فقام عمر بن الخطاب فقال : هَيْهات ، لا يجتمع سيفان في غمد واحد ، إنه لا ترضى العرب أن تؤمِّركم ونبيها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم ، وألو الأمر منهم .
ولنا بذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة والسلطان البَيِّن ، فيما ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته ، إلا مُدْلٍ بباطلٍ ، أو مُتجانِف بإثم ، أو متورِّط في الهلكة ، مُحِبّ للفتنة .
فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال : يا معشر الأنصار ، امسكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقال هذا الجاهل وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، وان أبوا أن يكون منا أمير ومنهم أمير فأجلوهم عن بلادكم ، وتولّوا هذا الأمر عليهم ، فأنتم والله أحَقّ به منهم .
فقد دانَ بأسيافِكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها ، وأنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، والله لئن أحد رَدَّ قولي لأحطِّمَنَّ انفه بالسيف .
قال عمر بن الخطاب : فلما كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام ، فإنه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فنهاني رسول الله عن مُهاترته ، فَحلفْتُ أن لا أُكلِّمه أبداً .
قال عمر لأبي عبيدة : تَكلَّم .
فقام أبو عُبيدة بن الجراح ، وتكلَّم بكلام كثير ، وذكر فيه فضائل الأنصار ، وكان بشير بن سعد سَيِّداً من سادات الأنصار ، لمَّا رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره حَسَدَه ، وسعى في إفساد الأمر عليه ، وتكلَّم في ذلك ، ورضى بتأمير قُرَيش ، وحثَّ الناس كُلّهم - لا سِيَّما الأنصار - على الرضا بما يفعله المهاجرون .
فقال أبو بكر : هذا عُمَر وأبو عبيدة شيخان من قريش ، فبايعوا أيّهُمَا شِئْتم .
فقال عُمَر وأبو عبيدة : ما نتولَّى هذا الأمر عليك ، امدد يَدَكَ نُبايعك .
فقال بشير بن سعد : وأنا ثالثكما ، وكان سيد الأوس ، وسعد بن عبادة سيد الخزرج .
فلما رأت الأوس صنيع سيدها بشير ، وما ادّعيت إليه الخزرج من تأمير سعد أكبُّوا على أبي بكر بالبيعة ، وتكاثروا على ذلك وتزاحموا ، فجعلوا يطئُونَ سَعداً مِن شِدَّة الزحمة ، وهو بَينهم على فراشه مَريض .
فقال : قتلتموني .
قال عمر : اقتلوا سعداً قتله الله .
فوثب قيس بن سعد ، فأخذ بلحية عُمَر وقال : والله يا بن صَهَّاك ، الجبان في الحرب ، والفرَّار اللَّيث في المَلأ والأمن ، لو حرَّكت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة .
فقال أبو بكر : مهلاً يا عُمَر مَهلاً ، فإن الرفق أبلغُ وأفضل .
فقال سعد : يا بن صَهَّاك الحبشية ، أما والله لو أنَّ لي قوَّة النهوض لسمعتها مني في سككها زئيراً أزعجك وأصحابك منها ، ولألحقنَّكُما بقومٍ كنتما فيهم أذنابا أذِلاَّء ، تابعين غَير متبوعين ، لقد اجترأتُمَا .
ثمَّ قال للخزرج : اِحمِلوني من مكان الفتنة ، فحملوه وأدخلوه منزله ، فلما كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر أن قَدْ بايعَ الناسُ فَبايِع .
فقال : لا والله ، حتى أرميكم بكل سَهمٍ في كنانتي ، وأخضب منكم سنان رمحي ، وأضربكم بسيفي ، ما أقلت يدي فأقاتلكم بِمَن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي .
ثم - وأيْمُ الله - لو اجتمع الجِنُّ والإنسُ عليَّ لما بايعتكما أيهما الغاصبان ، حتى أعرضَ على رَبِّي ، وأعلم مَا حِسابي .
فلما جاءهم كلامه قال عُمَر : لا بُدَّ مِن بَيعتِه .
فقال بشير بن سعد : إنه قَدْ أبى ولَجَّ ، وليس بِمُبايِعٍ أو يُقتَل ، وليس بمقتول حتى يُقتل معه الخزرج والأوس ، فاتركوه ، فليس تركه بضائر .
فقبلوا قوله وتركوا سَعداً ، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ، ولا يقضي بقضائهم ، ولو وَجَد أعواناً لَصالَ بِهم ولقاتَلَهم .
فلم يزل كذلك مُدَّة ولاية أبي بكر حتى هَلَك أبو بكر ، ثم ولي عُمَر وكان كذلك ، فخشى سعد غائلة عُمَر ، فخرَجَ إلى الشام ، فماتَ بحوران في ولاية عمر ، ولم يبايع أحداً .
وكان سبب موته أن رُمِي بسهمٍ في الليل فقتله ، وزُعِم أنَّ الجن رموه ، وقيل أيضا : إن مُحمَّد بن سلمة الأنصاري تولى ذلك بجعل جعل له عليه ، وروي أنه تولى ذلك المغيرة بن شعبة ، وقيل : خالد بن الوليد ، وبايع جماعة الأنصار ومن حَضَر من غيرهم .
والإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) مشغول بجهاز رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما فرَغ ( عليه السلام ) من ذلك ، وصلَّى على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والناس يُصلُّون عليه .
من بايع أبا بكر ومن لم يبايع جلس في المسجد ، فاجتمع عليه بنو هاشم ، ومعهم الزبير بن العوام ، واجتمعت بنو أميَّة إلى عثمان بن عَفَّان ، وبنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عَوف .
فكانوا في المسجد كُلّهم مجتمعين ، إذ أقبل أبو بكر ومعه عُمَر وأبو عُبيدة بن الجراح ، فقالوا : مالنا نراكم خَلقاً شَتَّى ، قوموا فبايعوا أبا بكر ، فقد بايَعَتْه الأنصار والناس .
فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا ، وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي ( عليه السلام ) ومعهم الزبير .
فذهب إليهم عُمَر في جماعة مِمَّن بايع فيهم أسيد بن حصين ، وسلمة بن سلامة ، فألفوهم مجتمعين ، فقالوا لهم : بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس .
فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر : عليكم بالكلب العَقور فاكفونا شَرّه ، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده ، فأخذه عُمَر فضرب به الأرض فكسره ، وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ، ومَضوا بجماعتهم إلى أبي بكر .
فلما حضروا قالوا : بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس ، وأيم الله لئن أبيتم ذلك لَنُحَاكِمَنَّكم بالسيف .
فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبَلَ رَجُلٌ رَجُل فَجعل يبايِع ، حتى لم يَبقَ مِمَّن حضر إلا الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
فقالوا له : بايِعْ أبا بكر .
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( أنا أحَقّ بهذا الأمر منه ، وانتم أولى بالبَيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتَجَجْتُم عليهم بالقرابة من الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وتأخذونه منا أهل البيت غَصباً .
ألستُم زعمتم للأنصار أنَّكم أولى بهذا الأمر منهم لِمكانكم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأعطوكم المَقادة ، وسلَّموا لكم الإمارة .
وأنا احتَجُّ عليكم بمثل ما احتَجَجْتُم على الأنصار ، أنا أولى برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حيّاً وميّتاً .
وأنا وصيُّه ووزيره ، ومستودَع سِرِّه وعِلمِه ، وأنا الصِّدِّيق الأكبر ، والفاروق الأعظم ، أول من آمن به وصدَّقه ، وأحسنُكُم بلاءً في جهاد المشركين ، وأعْرَفُكُم بالكتاب والسنة ، وأفقهُكُم في الدِّين ، وأعلمُكُم بعواقب الأمور ، وأذرّ بكم لِساناً ، وأثبَتُكم جناناً .
فعلامَ تُنازِعونا هذا الأمر ؟ اِنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم ، واعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفته لكم الأنصار ، وإلاَّ فَبوءوا بالظُّلم والعدوان وأنتم تعلمون ) .
فقال عُمَر : يا علي ، أما لَكَ بأهلِ بَيتِك أسوة ؟
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( سَلوهُمْ عن ذلك ) .
فابتَدر القوم الذين بايعوا مِن بني هاشم فقالوا : والله ما بيعنا لكم بحجة على علي ، ومعاذَ الله أن نقول إنا نوازيه في الهجرة ، وحُسن الجهاد ، والمحلُّ من رسول الله .
فقال عُمَر : إنَّك لست مَتروكاً حتى تبايعَ ، طَوعاً أو كرهاً .
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( احلب حلبا لَكَ شطره ، اشدُدْ لَهُ اليوم ليرد عليك غَداً ، إذا والله لا أقبل قولك ، ولا أحفل بمقامك ، ولا أبايع ) .
فقال أبو بكر : مَهلاً يا أبا الحسن ، ما نَشكُّ فيك ولا نَكرهُك .
فقال أبو عبيدة للإمام علي ( عليه السلام ) : يا بن عمِّ ، لسنا ندفع قرابتك ، ولا سابقتك ، ولا عِلمك ، ولا نصرتك ، ولكنك حَدث السِّن - وكان للإمام علي ( عليه السلام ) يومئذ ثلاث وثلاثون سنة - وأبو بكرٍ شَيخ من مشايِخِ قومك ، وهو أحمل لثقل هذا الأمر .
وقد مضى الأمر بما فيه ، فَسَلِّمْ لَه ، فإن عَمَّرك الله يُسلِّموا هذا الأمر إليك ، ولا يختلِفُ فيك اثنان بعد هذا إلا وأنت به خليق ، وله حقيق .
ولا تبعث الفتنة في أوان الفتنة ، فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( يا مَعاشِر المُهاجِرين والأنصار ، اللهُ الله ، لا تَنسوا عَهْدَ نبيِّكُم إليكم في امرئ ، ولا تُخرجوا سُلطان مُحَمَّدٍ من دارِه وقعر بيته إلى دُوركم وقَعْر بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن حَقِّه ومقامِه في الناس .
فَوَ الله مَعاشر الجمع ، إنَّ الله قَضَى وحَكَم ، ونبيُّه أعلم ، وأنتم تعلمون بأنَّا أهل البيت أحَقُّ بهذا الأمر منكم .
أمَا كان القارئ مِنكُم لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، المُضطَلِع بأمر الرَّعيَّة ، والله إنه لَفِينَا لا فيكم ، فلا تَتْبَعوا الهوى فتزدَادُوا من الحَقِّ بُعداً ، وتُفسِدوا قَديمَكم بشر مِن حَديثِكم ) .
فقال بشير بن سعد الأنصاري ، الذي وطأ الأرض لأبي بكر ، وقالت جماعة من الأنصار : يا أبا الحسن ، لو كان هذا الأمر سَمِعَتْه منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختَلَفَ فِيكَ اثنان .
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( يا هؤلاء ، كُنتُ أدَعُ رَسولَ اللهِ مُسَجَّى لا أوارِيه ، وأخرج أُنَازع في سلطانه ، والله مَا خِفتُ أحدا يَسمو له وينازعُنا أهل البيت فيه ، وستحل ما استَحْلَلْتُمُوه ، ولا علمت أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ترك يوم غدير خُمٍّ لأحد حُجَّة ، ولا لقائِلٍ مَقالاً .
فأُنشِدُ اللهَ رَجلاً سَمع النبي ( صلى الله عليه وآله ) يَوم غدير خُمٍّ يقول : مَنْ كُنتُ مَولاه فَهَذا عَليٌّ مولاه ، اللَّهُمَّ والِ مَنْ وَالاه ، وعَادِ مَن عاداه ، وانصُرْ مَن نَصَرَه ، واخْذُل مَنْ خَذَلَه ، أنْ يشهد الآن بما سَمِع ) .
قال زيد بن أرقم : فَشهدَ اثنا عشر رجلاً بدريّاً بذلك ، وكنتُ مِمَّن سمع القول من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فَكَتَمتُ الشهادة يومئذٍ ، فَدَعا عَلِيٌّ عَلَيَّ فذهَبَ بَصَري .
وكَثُر الكلام في هذا المعنى ، وارتَفَع الصوت ، وخَشَى عُمَر أن يصغي الناس إلى قول الإمام علي ( عليه السلام ) ، ففسح المجلس وقال : إنَّ الله يقلِّب القلوب ، ولا تزال يا أبا الحسن ترغب عن قَول الجماعة ، فانصَرَفوا يومهم ذلك .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
منهج الإمام علي ( عليه السلام ) في المُطالبة بحقه
إن البعض ممّن لا يمتلك دقّة النظر ، ولا يحسن قراءة الأحداث والشخصيات السياسية والدينية ، ينظر إلى الأمور من نافذة ضيقة ، تقوده إلى الاعتقاد بأن شجاعة علي ( عليه السلام ) المشهودة لا تنسجم مع سكوته عن حقّه ، وقضية امتناع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن اللجوء إلى السيف في حسم نزاعه مع القوم من المُسلَّمات التاريخية .
ولو كان هناك وصية ونص لما ترك حقّه ، ولما امتنع عن تجريد السلاح في وجوههم ، وهو لا تنقصه الشجاعة والقوة ، كما تشهد له الحروب التي خاضها مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
والحق أن هذا الأسلوب من التحليل التاريخي للحدث يدل على قصور في النظر ، وتقصير في التتبع وملاحظة الأمور من جهة واحدة ، لأن هناك فرقاً شاسعاً بين الإنسان الذي يعيش من أجل المبدأ ، وبين الإنسان الذي لا يتحرك إلا في سبيل الدنيا ، ويستخدم كل وسيلة في سبيل الوصول إلى مُبتغاه .
فأمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان شجاعاً ، إلا أنه لم يستخدم شجاعته في سبيل المصالح الشخصية ، أو الأطماع الدنيوية ، بل كانت شجاعته في سبيل الله وعلى أعداء الله .
فبعض الناس يُعجبون ببطولات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، لكنهم ينظرون إليها كما ينظرون إلى بطولات عَنتَرَة بن شَدَّاد وسَيف بن ذي يَزن ، ومثل هذا التفكير سَطحي جداً .
ويفترض بنا أن نبحث عن تلك الشجاعة والبطولة كيف استُخدِمت ، وفي سبيل ماذا ؟
فليس فخراً أن يكون الإنسان شجاعاً مقداماً في التعدي على الحقوق وإرهاب الآخرين ، فهذا هو الطغيان المذموم .
لقد تميزت شجاعة علي ( عليه السلام ) وبطولته بأنها لم تستخدم أبداً لتحقيق غاية دنيوية ولا شخصية .
بل كان الأمير ( عليه السلام ) يملك عنان شجاعته ، ويتحكم بزمام قدرته ، ويحركها باتجاه رضى الله ونُصرة دينه .
فيروى أنه ( عليه السلام ) لمَّا صرع عَمرو بن عَبد وِدٍّ يوم الخندق تباطأ في احتزاز رأسه ، وتوقف قبل أن يضربه .
فلما رجع سأله النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن ذلك فقال : ( قَد كان شَتَم أُمي ، وتَفَل في وجهي ، فخشيت أن أضربَه لِحظِّ نفسي ، فتركتُه حتى سَكن ما بي ، ثم قتلتُه في الله ) .
فقد كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أبرز مصداق للآية الشريفة : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُمْ ) الفتح : 29 .
وقد وصفه تعالى في آية أخرى فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةً عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلٌ اللهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) المائدة : 54 .
فقد روى الثعلبي وغيره أنها نزلت في علي ( عليه السلام ) ، وإن لم تكن مختصَّة به فهو ( عليه السلام ) من أبرز المقصودين فيها .
وقد أوضح ( عليه السلام ) فلسفة قعوده عن مناجزتهم في عِدَّة مواقف ، نذكر بعضاً منها :
أولاً :
قال ( عليه السلام ) بعد أن عزموا على بيعة عثمان : ( لَقد عَلِمتُم أني أحَقّ الناس بها من غيري ، وَوَالله لأسَلِّمَنَّ ما سَلِمَت أمور المسلمين ، ولم يَكن فيها جَور إلا عَلَيَّ خاصَّة ) .
ثانياً :
قال ( عليه السلام ) في خطبته المعروفة بـ ( الشقْشَقِيَّة ) : ( لَولا حُضور الحاضر ، وقِيام الحُجَّة بوجود الناصر ، وما أخذ اللهُ على العلماء إلا يقاروا على كَظَّة ظالم ، ولا سَغَب مظلوم ، لألقيتُ حبلها على غاربها ، وَلَسقيتُ آخرها بكأس أولها ، ولألفيتُم دنياكم هَذه أزهد عِندي مِن عَفطَةِ عَنزٍ ) .
فالذي دعاه ( عليه السلام ) إلى العدول عن مناجزتهم وقتالهم أمور عدة :
أولها :
أنه ( عليه السلام ) لم يجد من المسلمين عدداً كافيا للقيام بالسيف ، وإن كان يمتلك من الشجاعة ما يجعله قادراً على الوقوف لوحده ، إلا أن للناصر في مثل هذا المقام موضوعية .
فإن المسألة ليست مسألة انتقام ، وإنما هي إمارة يُراد بها سياسة الناس وتدبير أمورهم ، فإذا عدلت الأمة عن أميرها ولم تَقِف إلى جانبه ، ولم تنصره على عَدوه ، سقطت الحُجَّة عنه وكان عليه القعود والاعتزال .
ثانيها :
انه ( عليه السلام ) نظر إلى مستقبل الإسلام ، ورأى أن المجتمع الإسلامي حديث عهد بالدين ، وأن الحرب الداخلية ستأتي على الإسلام من الجذور ، ولن تبقي للدين أثراً ، ولأجل هذا لجأ ( عليه السلام ) إلى المُسَالمة ، وتخلَّى عن حقه في الإمارة والخلافة .
ثالثها :
إنّه ( عليه السلام ) ليس له رغبة شخصية في الإمارة ، ولا يحرص عليها ، وإذا طلبها فإنما يطلبها لغيرها ، فيطلبها ( عليه السلام ) لِيُقيم قواعد العدل ، ويكرس أحكام الدين ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وهذه هي مهمة الأنبياء والأوصياء وأهدافهم .
إن البعض ممّن لا يمتلك دقّة النظر ، ولا يحسن قراءة الأحداث والشخصيات السياسية والدينية ، ينظر إلى الأمور من نافذة ضيقة ، تقوده إلى الاعتقاد بأن شجاعة علي ( عليه السلام ) المشهودة لا تنسجم مع سكوته عن حقّه ، وقضية امتناع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن اللجوء إلى السيف في حسم نزاعه مع القوم من المُسلَّمات التاريخية .
ولو كان هناك وصية ونص لما ترك حقّه ، ولما امتنع عن تجريد السلاح في وجوههم ، وهو لا تنقصه الشجاعة والقوة ، كما تشهد له الحروب التي خاضها مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
والحق أن هذا الأسلوب من التحليل التاريخي للحدث يدل على قصور في النظر ، وتقصير في التتبع وملاحظة الأمور من جهة واحدة ، لأن هناك فرقاً شاسعاً بين الإنسان الذي يعيش من أجل المبدأ ، وبين الإنسان الذي لا يتحرك إلا في سبيل الدنيا ، ويستخدم كل وسيلة في سبيل الوصول إلى مُبتغاه .
فأمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان شجاعاً ، إلا أنه لم يستخدم شجاعته في سبيل المصالح الشخصية ، أو الأطماع الدنيوية ، بل كانت شجاعته في سبيل الله وعلى أعداء الله .
فبعض الناس يُعجبون ببطولات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، لكنهم ينظرون إليها كما ينظرون إلى بطولات عَنتَرَة بن شَدَّاد وسَيف بن ذي يَزن ، ومثل هذا التفكير سَطحي جداً .
ويفترض بنا أن نبحث عن تلك الشجاعة والبطولة كيف استُخدِمت ، وفي سبيل ماذا ؟
فليس فخراً أن يكون الإنسان شجاعاً مقداماً في التعدي على الحقوق وإرهاب الآخرين ، فهذا هو الطغيان المذموم .
لقد تميزت شجاعة علي ( عليه السلام ) وبطولته بأنها لم تستخدم أبداً لتحقيق غاية دنيوية ولا شخصية .
بل كان الأمير ( عليه السلام ) يملك عنان شجاعته ، ويتحكم بزمام قدرته ، ويحركها باتجاه رضى الله ونُصرة دينه .
فيروى أنه ( عليه السلام ) لمَّا صرع عَمرو بن عَبد وِدٍّ يوم الخندق تباطأ في احتزاز رأسه ، وتوقف قبل أن يضربه .
فلما رجع سأله النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن ذلك فقال : ( قَد كان شَتَم أُمي ، وتَفَل في وجهي ، فخشيت أن أضربَه لِحظِّ نفسي ، فتركتُه حتى سَكن ما بي ، ثم قتلتُه في الله ) .
فقد كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أبرز مصداق للآية الشريفة : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُمْ ) الفتح : 29 .
وقد وصفه تعالى في آية أخرى فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةً عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلٌ اللهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) المائدة : 54 .
فقد روى الثعلبي وغيره أنها نزلت في علي ( عليه السلام ) ، وإن لم تكن مختصَّة به فهو ( عليه السلام ) من أبرز المقصودين فيها .
وقد أوضح ( عليه السلام ) فلسفة قعوده عن مناجزتهم في عِدَّة مواقف ، نذكر بعضاً منها :
أولاً :
قال ( عليه السلام ) بعد أن عزموا على بيعة عثمان : ( لَقد عَلِمتُم أني أحَقّ الناس بها من غيري ، وَوَالله لأسَلِّمَنَّ ما سَلِمَت أمور المسلمين ، ولم يَكن فيها جَور إلا عَلَيَّ خاصَّة ) .
ثانياً :
قال ( عليه السلام ) في خطبته المعروفة بـ ( الشقْشَقِيَّة ) : ( لَولا حُضور الحاضر ، وقِيام الحُجَّة بوجود الناصر ، وما أخذ اللهُ على العلماء إلا يقاروا على كَظَّة ظالم ، ولا سَغَب مظلوم ، لألقيتُ حبلها على غاربها ، وَلَسقيتُ آخرها بكأس أولها ، ولألفيتُم دنياكم هَذه أزهد عِندي مِن عَفطَةِ عَنزٍ ) .
فالذي دعاه ( عليه السلام ) إلى العدول عن مناجزتهم وقتالهم أمور عدة :
أولها :
أنه ( عليه السلام ) لم يجد من المسلمين عدداً كافيا للقيام بالسيف ، وإن كان يمتلك من الشجاعة ما يجعله قادراً على الوقوف لوحده ، إلا أن للناصر في مثل هذا المقام موضوعية .
فإن المسألة ليست مسألة انتقام ، وإنما هي إمارة يُراد بها سياسة الناس وتدبير أمورهم ، فإذا عدلت الأمة عن أميرها ولم تَقِف إلى جانبه ، ولم تنصره على عَدوه ، سقطت الحُجَّة عنه وكان عليه القعود والاعتزال .
ثانيها :
انه ( عليه السلام ) نظر إلى مستقبل الإسلام ، ورأى أن المجتمع الإسلامي حديث عهد بالدين ، وأن الحرب الداخلية ستأتي على الإسلام من الجذور ، ولن تبقي للدين أثراً ، ولأجل هذا لجأ ( عليه السلام ) إلى المُسَالمة ، وتخلَّى عن حقه في الإمارة والخلافة .
ثالثها :
إنّه ( عليه السلام ) ليس له رغبة شخصية في الإمارة ، ولا يحرص عليها ، وإذا طلبها فإنما يطلبها لغيرها ، فيطلبها ( عليه السلام ) لِيُقيم قواعد العدل ، ويكرس أحكام الدين ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وهذه هي مهمة الأنبياء والأوصياء وأهدافهم .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
ممن اعترض على تنصيب الإمام علي ( عليه السلام )
نَصَّب النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إماماً في غدير خم على أثر نزول قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ ) المائدة : 67 .
وبعد التنصيب تحركت قافلة النبوة والإمامة من غدير خم نحو المدينة المنورة ، وسكن قلب النبي ( صلى الله عليه وآله ) واطمأنَّ ، ولكن قريشاً لم تسكن ولم تهدأ ، بل صارت في حالة غليان من الغيظ .
العذاب الواقع :
وقد ورد في أحاديث السنة والشيعة أسماء عديدة لأشخاص اعترضوا على إعلان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولاية علي ( عليه السلام ) في غدير خم ، وكان أغلبهم قرشيون .
والخلاصة : أن أحد هؤلاء الأشخاص – أو أكثر من واحد على اختلاف الروايات – اتهمه ( صلى الله عليه وآله ) بأن تنصيب الإمام علي ( عليه السلام ) ولياً على الأمة كان عملاً من عنده ( صلى الله عليه وآله ) ، وليس بأمر من الله تعالى له ، فأخبره ( صلى الله عليه وآله ) أنه ما فعل ذلك إلا بأمر من ربه .
وذهـب المعترض من عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) مُغاضِباً وهو يدعو الله تعالى أن يمطر الله عليه حجارة من السماء إن كان هذا الأمر من عنده .
فرماه الله بحجر من سِجِّيل ، فأهلكه وأحرقه ، وعندها أنزل الله تعالى قوله : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعذَابٍ وَاقِع ) المَعارج : 1 .
وهذه الحادثة تعني أن الله تعالى استعمل التخويف مع قريش أيضاً ، وذلك لِيعصم رسوله ( صلى الله عليه وآله ) من تكاليف حركة الردة التي قد تُقدِم عليها .
نَصَّب النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إماماً في غدير خم على أثر نزول قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ ) المائدة : 67 .
وبعد التنصيب تحركت قافلة النبوة والإمامة من غدير خم نحو المدينة المنورة ، وسكن قلب النبي ( صلى الله عليه وآله ) واطمأنَّ ، ولكن قريشاً لم تسكن ولم تهدأ ، بل صارت في حالة غليان من الغيظ .
العذاب الواقع :
وقد ورد في أحاديث السنة والشيعة أسماء عديدة لأشخاص اعترضوا على إعلان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولاية علي ( عليه السلام ) في غدير خم ، وكان أغلبهم قرشيون .
والخلاصة : أن أحد هؤلاء الأشخاص – أو أكثر من واحد على اختلاف الروايات – اتهمه ( صلى الله عليه وآله ) بأن تنصيب الإمام علي ( عليه السلام ) ولياً على الأمة كان عملاً من عنده ( صلى الله عليه وآله ) ، وليس بأمر من الله تعالى له ، فأخبره ( صلى الله عليه وآله ) أنه ما فعل ذلك إلا بأمر من ربه .
وذهـب المعترض من عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) مُغاضِباً وهو يدعو الله تعالى أن يمطر الله عليه حجارة من السماء إن كان هذا الأمر من عنده .
فرماه الله بحجر من سِجِّيل ، فأهلكه وأحرقه ، وعندها أنزل الله تعالى قوله : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعذَابٍ وَاقِع ) المَعارج : 1 .
وهذه الحادثة تعني أن الله تعالى استعمل التخويف مع قريش أيضاً ، وذلك لِيعصم رسوله ( صلى الله عليه وآله ) من تكاليف حركة الردة التي قد تُقدِم عليها .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
معانات الإمام علي ( عليه السلام ) وأهل بيته من معاوية
سخَّر معاوية جميع أجهزته للحطِّ من قيمة أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين هم وديعة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، والعصب الحساس في هذه الأمة .
وقد استخدام أخطر الوسائل في محاربتهم ، وإقصائهم عن واقع الحياة الإسلامية ، وكان من بين ما استخدمه في ذلك ما يلي :
أولاً : تسخير الوعاظ :
فسخَّر معاوية الوعاظ في جميع أنحاء البلاد ، لِيحوِّلوا القلوب عن أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ويذيعوا الأضاليل في انتقاصهم تدعيماً للحكم الأموي .
ثانياً : استخدام معاهد التعليم :
واستخدم معاوية معاهد التعليم وأجهزة الكتاتيب لتغذية الناشئين بِبُغضِ أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وخلق جيل مُعادٍ لَهُم .
وقد قامت تلك الأجهزة بدور خطير في بَثِّ روح الكراهية في نفوس الناشئين لِعِترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
ثالثاً : افتعال الأخبار :
وأقام معاوية شبكة لوضع الأخبار ، وكانت تعد من أخطر الشبكات التخريبية في الإسلام .
فعهد إليها بوضع الأحاديث على لِسَان النبي ( صلى الله عليه وآله ) لِلحَطِّ من قيمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
أما الأعضاء البارزون الذين سخَّرهم معاوية في تلك الشبكات التخريبية فهم :
1 - أبو هريرة الدُّوسي .
2 - سمرة بن جندب .
3 - عمرو بن العاص .
4 - المغيرة بن شعبة .
وقد افتعلوا آلاف الأحاديث على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وقد كانت عِدَّة طوائف مختلفة ، وذلك بحسب التخطيط السياسي للدولة ، هي :
الطائفة الأولى :
وضع الأخبار في فضل الصحابة ، لجعلهم قِبَال أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وقد عَدَّ الإمام الباقر ( عليه السلام ) أكثر من مِائة حديث منها :
1 - ( إنَّ عُمَر مُحدَّث ) ، - بصيغة المفعول - ، أي : تُحدِّثُه الملائكة .
2 - إن السَّكِينة تُنطق على لِسان عُمر .
3 - إنَّ عُمَر يُلقِّنُه المَلَك .
4 - إن المَلائكة لَتَستحي من عُثمان .
كما وضعوا في فضل الصحابة الأحاديث المماثلة للأحاديث النبوية في فضل العترة الطاهرة ( عليهم السلام ) ، مثلاً : ( إنَّ سيدَي كُهول أهل الجنة أبو بكر وعمر ) .
وقد قال ( صلى الله عليه وآله ) عن الحسن والحسين ( عليهما السلام ) : ( الحَسن والحُسَين سيدا شباب أهل الجنة ) .
الطائفة الثانية :
وضع الأخبار في ذمِّ العترة الطاهرة ( عليهم السلام ) ، والحطِّ من شأنها .
فقد أعطى معاوية سمرة بن جندب أربع مِائة ألف درهم على أن يخطب في أهل الشام ، ويروي لهم أن الآية الكريمة نزلت في الإمام علي ( عليه السلام ) ، وهي قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيوةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ) البقرة 204 - 205 .
فروى لهم سمرة ذلك ، وأخذ العِوَض الضخم من بيت مال المسلمين .
ومِمَّا رووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال في آل أبي طالب : ( إن آل أبي طالب ليسوا بأولياء لي ، إنما وليِّي اللهُ وصالحُ المؤمنين ) .
وروى الأعمش أنه لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ( سنة 41 هـ ) جاء إلى مسجد الكوفة ، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جَثَا على ركبتيه ، ثم ضرب صَلعته مراراً ، وقال : ( يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأحرق نفسي بالنار ؟!! لقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول :
( إنَّ لكل نبيٍّ حَرماً ، وإِنَّ حَرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيهما حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد بالله أن عَلياً أحدث فيها ) ، فلما بلغ معاوية قوله ، أجازه وأكرمه ، وولاَّه إمارة المدينة .
إلى كثير من أمثال هذه الموضوعات التي تقدح في العترة الطاهرة ( عليهم السلام ) التي هي مصدر الوعي والإحساس في العالم الإسلامي .
الطائفة الثالثة :
افتعال الأخبار في فضل معاوية ، لمحو العار الذي لحقه ولحق أباه وأسرته في مناهضتهم للإسلام .
وإخفاء ما أُثِر عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ذَمِّهم ، وهذه بعض الأخبار المفتعلة :
1 - قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( معاوية بن أبي سفيان أحْلَم أُمَّتي وأجودها ) .
2 - قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( صاحبُ سِرِّي معاوية بن أبي سفيان ) .
3 - قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ عَلِّمهُ الكتاب - يعني معاوية - ، وقِهِ العذاب ، وأدخله الجنة ) .
4 - قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه ، فإنه أمين هذه الأمة ) .
إلى غير ذلك من الأحاديث الموضوعة ، التي تعكس الصراع الفكري ضد الإسلام عند معاوية ، وأنه حاول جاهداً مَحْو هذا الدين والقضاء عليه .
وقد امتُحِن المسلمون امتحاناً عسيراً بهذه الموضوعات التي دُوِّنت في كتب السنة ، وظنَّ الكثيرون من المسلمين أنها حق .
فأضفوا على معاوية ثوب القداسة ، وألحقوه بالرعيل الأول من الصحابة المتحرِّجين في دينهم ، وهم من دون شَكٍّ لو علموا واقعها لتبرَّؤوا منها ، كما يقول المدايني .
ولم تقتصر الموضوعات على تقديس معاوية والحطِّ من شان أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وإنما تدخلت في شؤون الشريعة ، فأُلصقت بها المتناقضات والمستحيلات ، مِمَّا شوَّهت الواقع الإسلامي ، وأفسدت عقائد المسلمين .
سَبّ الإمام علي ( عليه السلام ) :
وتمادى معاوية في عدائه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فأعلَنَ سَبَّه ولعنه في نواديه العامة والخاصة ، وأوعز إلى جميع عُمَّاله وولاته أن يذيعوا سَبَّه بين الناس .
وسرى سَبُّ الإمام ( عليه السلام ) في جميع أنحاء العالم الإسلامي .
وقد خطب معاوية في أهل الشام فقال لهم : ( أيها الناس ، إن رسول الله قال لي : إنك ستلي الخلافة من بعدي ، فاختر الأرض المقدَّسة - يعني الشام - ، فإن فيها الأبدال ، وقد اخترتكم ، فالعنوا أبا تراب ) .
وعجَّ أهل الشام بِسَبِّ الإمام ( عليه السلام ) .
وخطب أيضاً في أولئك الوحوش فقال لهم : ( ما ظنكم برجل - يعني : علياً - لا يصلح لأخيه - يعني : عقيلاً - ، يا أهل الشام ، إن أبا لهب المذموم في القرآن هو عم علي بن أبي طالب ) .
ويقول المؤرخون : إنه كان إذا خطب ختم خطابه بقوله : ( اللَّهم إن أبا تراب أَلْحَدَ في دينك ، وصَدَّ عن سبيلك ، فالعنه لعنا وبيلاً ، وعَذِّبه عذاباً أليما ) .
وكان يُشاد بهذه الكلمات على المنابر ، ولما ولي معاوية المغيرة بن شعبة إمارة الكوفة كان أهم ما عهد إليه أن لا يتسامح في شتم الإمام ( عليه السلام ) ، والترحُّم على عثمان ، والعيب لأصحاب علي وإقصائهم .
وأقام المغيرة والياً على الكوفة سبع سنين ، وهو لا يدع ذمُّ علي ( عليه السلام ) والوقوع فيه .
وقد أراد معاوية بذلك أن يصرف القلوب عن الإمام ( عليه السلام ) ، وأن يحول بين الناس وبين مبادئه التي أصبحت تطارده في قصوره ، لأن مبادئه ( عليه السلام ) في الحكم ، وآراءه في السياسة ، كانت تنغِّصُ عليه - على معاوية - في موته ( عليه السلام ) ، كما كانت في حياته ( عليه السلام ) .
لقد عادت اللَّعَنات التي كان يَصبُّها معاوية وولاته على الإمام بإظهار فضائله ، فقد برز الإمام ( عليه السلام ) للناس أروع صفحة في تاريخ الإنسانية كلّها .
وظهر للمجتمع أنه المنادي الأول بحقوق الإنسان ، والمؤسس الأول للعدالة الاجتماعية في الأرض .
وقد انطوت السنون والأحقاب ، واندكَّت مَعالم تلك الدول التي ناوئت الإمام ( عليه السلام ) ، سواء أكانت من بني أمية ، أم من بني العباس ، ولم يبق لها أثر .
وبقى الإمام ( عليه السلام ) وحده قد احتلَّ قمة المجد ، فها هو رائد الإنسانية الأول ، وقائدها الأعلى .
وإذا بحكمه ( عليه السلام ) القصير الأمد يصبح طغراء في حكام هذا الشرق .
وإذا بالوثائق الرسمية التي أُثِرت عنه ( عليه السلام ) تصبح مناراً لكل حكم صالح ، يستهدف تحقيق القضايا المصيرية للشعوب .
وإذا بحكم معاوية أصبح رمزاً للخيانة ، والعَمَالة ، ورمزاً لاضطهاد الشعوب واحتقارها .
ستر فضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) :
وحاول معاوية بجميع طاقاته حجب فضائل آل البيت ( عليهم السلام ) ، وستر مآثرهم عن المسلمين ، وعدم إذاعة ما أُثِر عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في فضلهم .
يقول المؤرخون : إنه بعد عام الصلح حَجَّ معاوية بيت الله الحرام ، وإلتقى عبد الله بن عباس وقال له : إنا كتبنا إلى الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته ، فَكُفَّ لسانك يا بن عباس .
فانبرى ابن عباس بفيض من منطقه وبليغ حُجَّته ، يُسدِّد سهاماً لمعاوية قائلاً : فتنهانا عن قراءة القرآن ؟
قال معاوية : لا .
فقال ابن عباس : فتنهانا عن تأويله ؟
قال معاوية : نعم .
فقال ابن عباس : فنقرأه ولا نسأل عَمَّا عنى اللهُ به ؟
قال معاوية : نعم .
فقال ابن عباس : فأيهما أوجب علينا ، قراءته أو العمل به ؟
قال معاوية : العمل به .
فقال ابن عباس : فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا ؟
قال معاوية : اقرأوا القرآن ، ولا ترووا شيئاً مما أنزل الله فيكم ، ومما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيكم ، وارووا ما سوى ذلك .
فسخر منه ابن عباس ، وتلا قوله تعالى : ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) التوبة 32 .
وصاح به معاوية : ( اكفني نفسك ، وكفَّ عنِّي لسانك ، وإن كنت فاعلاً فليكن سِراً ، ولا تُسمِعُه أحداً علانية ) .
ودلَّت هذه المحاورة على عمق الوسائل التي اتَّخذها معاوية في مناهضته لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، وإخفاء مآثرهم ، حتى بلغ الحقد به على الإمام ( عليه السلام ) أنه لما ظهر عمرو بن العاص بِمِصر على محمد بن أبي بكر وقتله ، استولى على كُتُبه ومذكَّراته ، وكان من بينها عهد الإمام له ، وهو من أروع الوثائق السياسية ، فرفعه ابن العاص إلى معاوية ، فلما رآه قال لخاصَّته :
( إنا لا نقول هذا من كتب علي بن أبي طالب ، ولكن نقول : هذا من كتب أبي بكر التي كانت عنده ) .
التحرُّج من ذكر الإمام ( عليه السلام ) :
وأسرف الحكم الأموي إلى حَدٍّ بعيد في محاربة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقد عهد بقتل كل مولود يُسمَّى عَلياً ، فبلغ ذلك علي بن رياح فخاف ، وقال : لا أجعل في حِلٍّ من سَمَّاني عَلياً ، فإن اسمي : عُلِي - بضم العين - .
ويقول المؤرخون : ( إن العلماء والمحدِّثين تحرَّجوا من ذكر الإمام علي ( عليه السلام ) والرواية عنه ، خوفاً من بني أمية ، فكانوا إذا أرادوا أن يرووا عنه يقولون : روى أبو زينب ) .
وروى معمر ، عن الزهري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إنَّ الله عزَّ وجلَّ منع بني إسرائيل قطر السماء لسوء رأيهم في أنبيائهم ، واختلافهم في دينهم ، وإنه أخذ على هذه الأمة بالسنين ، ومنعهم قطر السماء ببغضهم علي بن أبي طالب ) .
قال معمر : حدثني الزهري في مَرْضَةٍ مَرِضَها ، ولم أسمعه يحدث عن عكرمة قبلها ولا بعدها ، فلما أبل من مرضه ندم على حديثه لي ، وقال :
يا يماني ، أكتم هذا الحديث واطوِهِ دوني ، فإن هؤلاء - يعني بني أمية - لا يعذرون أحداً في تقريض علي وذكره .
هذه بعض المِحَن التي عاناها المسلمون في مَوَدَّتِهم لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، التي هي جزء من دينهم .
سخَّر معاوية جميع أجهزته للحطِّ من قيمة أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين هم وديعة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، والعصب الحساس في هذه الأمة .
وقد استخدام أخطر الوسائل في محاربتهم ، وإقصائهم عن واقع الحياة الإسلامية ، وكان من بين ما استخدمه في ذلك ما يلي :
أولاً : تسخير الوعاظ :
فسخَّر معاوية الوعاظ في جميع أنحاء البلاد ، لِيحوِّلوا القلوب عن أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ويذيعوا الأضاليل في انتقاصهم تدعيماً للحكم الأموي .
ثانياً : استخدام معاهد التعليم :
واستخدم معاوية معاهد التعليم وأجهزة الكتاتيب لتغذية الناشئين بِبُغضِ أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وخلق جيل مُعادٍ لَهُم .
وقد قامت تلك الأجهزة بدور خطير في بَثِّ روح الكراهية في نفوس الناشئين لِعِترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
ثالثاً : افتعال الأخبار :
وأقام معاوية شبكة لوضع الأخبار ، وكانت تعد من أخطر الشبكات التخريبية في الإسلام .
فعهد إليها بوضع الأحاديث على لِسَان النبي ( صلى الله عليه وآله ) لِلحَطِّ من قيمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
أما الأعضاء البارزون الذين سخَّرهم معاوية في تلك الشبكات التخريبية فهم :
1 - أبو هريرة الدُّوسي .
2 - سمرة بن جندب .
3 - عمرو بن العاص .
4 - المغيرة بن شعبة .
وقد افتعلوا آلاف الأحاديث على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وقد كانت عِدَّة طوائف مختلفة ، وذلك بحسب التخطيط السياسي للدولة ، هي :
الطائفة الأولى :
وضع الأخبار في فضل الصحابة ، لجعلهم قِبَال أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وقد عَدَّ الإمام الباقر ( عليه السلام ) أكثر من مِائة حديث منها :
1 - ( إنَّ عُمَر مُحدَّث ) ، - بصيغة المفعول - ، أي : تُحدِّثُه الملائكة .
2 - إن السَّكِينة تُنطق على لِسان عُمر .
3 - إنَّ عُمَر يُلقِّنُه المَلَك .
4 - إن المَلائكة لَتَستحي من عُثمان .
كما وضعوا في فضل الصحابة الأحاديث المماثلة للأحاديث النبوية في فضل العترة الطاهرة ( عليهم السلام ) ، مثلاً : ( إنَّ سيدَي كُهول أهل الجنة أبو بكر وعمر ) .
وقد قال ( صلى الله عليه وآله ) عن الحسن والحسين ( عليهما السلام ) : ( الحَسن والحُسَين سيدا شباب أهل الجنة ) .
الطائفة الثانية :
وضع الأخبار في ذمِّ العترة الطاهرة ( عليهم السلام ) ، والحطِّ من شأنها .
فقد أعطى معاوية سمرة بن جندب أربع مِائة ألف درهم على أن يخطب في أهل الشام ، ويروي لهم أن الآية الكريمة نزلت في الإمام علي ( عليه السلام ) ، وهي قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيوةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ) البقرة 204 - 205 .
فروى لهم سمرة ذلك ، وأخذ العِوَض الضخم من بيت مال المسلمين .
ومِمَّا رووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال في آل أبي طالب : ( إن آل أبي طالب ليسوا بأولياء لي ، إنما وليِّي اللهُ وصالحُ المؤمنين ) .
وروى الأعمش أنه لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ( سنة 41 هـ ) جاء إلى مسجد الكوفة ، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جَثَا على ركبتيه ، ثم ضرب صَلعته مراراً ، وقال : ( يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأحرق نفسي بالنار ؟!! لقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول :
( إنَّ لكل نبيٍّ حَرماً ، وإِنَّ حَرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيهما حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد بالله أن عَلياً أحدث فيها ) ، فلما بلغ معاوية قوله ، أجازه وأكرمه ، وولاَّه إمارة المدينة .
إلى كثير من أمثال هذه الموضوعات التي تقدح في العترة الطاهرة ( عليهم السلام ) التي هي مصدر الوعي والإحساس في العالم الإسلامي .
الطائفة الثالثة :
افتعال الأخبار في فضل معاوية ، لمحو العار الذي لحقه ولحق أباه وأسرته في مناهضتهم للإسلام .
وإخفاء ما أُثِر عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ذَمِّهم ، وهذه بعض الأخبار المفتعلة :
1 - قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( معاوية بن أبي سفيان أحْلَم أُمَّتي وأجودها ) .
2 - قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( صاحبُ سِرِّي معاوية بن أبي سفيان ) .
3 - قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ عَلِّمهُ الكتاب - يعني معاوية - ، وقِهِ العذاب ، وأدخله الجنة ) .
4 - قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه ، فإنه أمين هذه الأمة ) .
إلى غير ذلك من الأحاديث الموضوعة ، التي تعكس الصراع الفكري ضد الإسلام عند معاوية ، وأنه حاول جاهداً مَحْو هذا الدين والقضاء عليه .
وقد امتُحِن المسلمون امتحاناً عسيراً بهذه الموضوعات التي دُوِّنت في كتب السنة ، وظنَّ الكثيرون من المسلمين أنها حق .
فأضفوا على معاوية ثوب القداسة ، وألحقوه بالرعيل الأول من الصحابة المتحرِّجين في دينهم ، وهم من دون شَكٍّ لو علموا واقعها لتبرَّؤوا منها ، كما يقول المدايني .
ولم تقتصر الموضوعات على تقديس معاوية والحطِّ من شان أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وإنما تدخلت في شؤون الشريعة ، فأُلصقت بها المتناقضات والمستحيلات ، مِمَّا شوَّهت الواقع الإسلامي ، وأفسدت عقائد المسلمين .
سَبّ الإمام علي ( عليه السلام ) :
وتمادى معاوية في عدائه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فأعلَنَ سَبَّه ولعنه في نواديه العامة والخاصة ، وأوعز إلى جميع عُمَّاله وولاته أن يذيعوا سَبَّه بين الناس .
وسرى سَبُّ الإمام ( عليه السلام ) في جميع أنحاء العالم الإسلامي .
وقد خطب معاوية في أهل الشام فقال لهم : ( أيها الناس ، إن رسول الله قال لي : إنك ستلي الخلافة من بعدي ، فاختر الأرض المقدَّسة - يعني الشام - ، فإن فيها الأبدال ، وقد اخترتكم ، فالعنوا أبا تراب ) .
وعجَّ أهل الشام بِسَبِّ الإمام ( عليه السلام ) .
وخطب أيضاً في أولئك الوحوش فقال لهم : ( ما ظنكم برجل - يعني : علياً - لا يصلح لأخيه - يعني : عقيلاً - ، يا أهل الشام ، إن أبا لهب المذموم في القرآن هو عم علي بن أبي طالب ) .
ويقول المؤرخون : إنه كان إذا خطب ختم خطابه بقوله : ( اللَّهم إن أبا تراب أَلْحَدَ في دينك ، وصَدَّ عن سبيلك ، فالعنه لعنا وبيلاً ، وعَذِّبه عذاباً أليما ) .
وكان يُشاد بهذه الكلمات على المنابر ، ولما ولي معاوية المغيرة بن شعبة إمارة الكوفة كان أهم ما عهد إليه أن لا يتسامح في شتم الإمام ( عليه السلام ) ، والترحُّم على عثمان ، والعيب لأصحاب علي وإقصائهم .
وأقام المغيرة والياً على الكوفة سبع سنين ، وهو لا يدع ذمُّ علي ( عليه السلام ) والوقوع فيه .
وقد أراد معاوية بذلك أن يصرف القلوب عن الإمام ( عليه السلام ) ، وأن يحول بين الناس وبين مبادئه التي أصبحت تطارده في قصوره ، لأن مبادئه ( عليه السلام ) في الحكم ، وآراءه في السياسة ، كانت تنغِّصُ عليه - على معاوية - في موته ( عليه السلام ) ، كما كانت في حياته ( عليه السلام ) .
لقد عادت اللَّعَنات التي كان يَصبُّها معاوية وولاته على الإمام بإظهار فضائله ، فقد برز الإمام ( عليه السلام ) للناس أروع صفحة في تاريخ الإنسانية كلّها .
وظهر للمجتمع أنه المنادي الأول بحقوق الإنسان ، والمؤسس الأول للعدالة الاجتماعية في الأرض .
وقد انطوت السنون والأحقاب ، واندكَّت مَعالم تلك الدول التي ناوئت الإمام ( عليه السلام ) ، سواء أكانت من بني أمية ، أم من بني العباس ، ولم يبق لها أثر .
وبقى الإمام ( عليه السلام ) وحده قد احتلَّ قمة المجد ، فها هو رائد الإنسانية الأول ، وقائدها الأعلى .
وإذا بحكمه ( عليه السلام ) القصير الأمد يصبح طغراء في حكام هذا الشرق .
وإذا بالوثائق الرسمية التي أُثِرت عنه ( عليه السلام ) تصبح مناراً لكل حكم صالح ، يستهدف تحقيق القضايا المصيرية للشعوب .
وإذا بحكم معاوية أصبح رمزاً للخيانة ، والعَمَالة ، ورمزاً لاضطهاد الشعوب واحتقارها .
ستر فضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) :
وحاول معاوية بجميع طاقاته حجب فضائل آل البيت ( عليهم السلام ) ، وستر مآثرهم عن المسلمين ، وعدم إذاعة ما أُثِر عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في فضلهم .
يقول المؤرخون : إنه بعد عام الصلح حَجَّ معاوية بيت الله الحرام ، وإلتقى عبد الله بن عباس وقال له : إنا كتبنا إلى الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته ، فَكُفَّ لسانك يا بن عباس .
فانبرى ابن عباس بفيض من منطقه وبليغ حُجَّته ، يُسدِّد سهاماً لمعاوية قائلاً : فتنهانا عن قراءة القرآن ؟
قال معاوية : لا .
فقال ابن عباس : فتنهانا عن تأويله ؟
قال معاوية : نعم .
فقال ابن عباس : فنقرأه ولا نسأل عَمَّا عنى اللهُ به ؟
قال معاوية : نعم .
فقال ابن عباس : فأيهما أوجب علينا ، قراءته أو العمل به ؟
قال معاوية : العمل به .
فقال ابن عباس : فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا ؟
قال معاوية : اقرأوا القرآن ، ولا ترووا شيئاً مما أنزل الله فيكم ، ومما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيكم ، وارووا ما سوى ذلك .
فسخر منه ابن عباس ، وتلا قوله تعالى : ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) التوبة 32 .
وصاح به معاوية : ( اكفني نفسك ، وكفَّ عنِّي لسانك ، وإن كنت فاعلاً فليكن سِراً ، ولا تُسمِعُه أحداً علانية ) .
ودلَّت هذه المحاورة على عمق الوسائل التي اتَّخذها معاوية في مناهضته لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، وإخفاء مآثرهم ، حتى بلغ الحقد به على الإمام ( عليه السلام ) أنه لما ظهر عمرو بن العاص بِمِصر على محمد بن أبي بكر وقتله ، استولى على كُتُبه ومذكَّراته ، وكان من بينها عهد الإمام له ، وهو من أروع الوثائق السياسية ، فرفعه ابن العاص إلى معاوية ، فلما رآه قال لخاصَّته :
( إنا لا نقول هذا من كتب علي بن أبي طالب ، ولكن نقول : هذا من كتب أبي بكر التي كانت عنده ) .
التحرُّج من ذكر الإمام ( عليه السلام ) :
وأسرف الحكم الأموي إلى حَدٍّ بعيد في محاربة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقد عهد بقتل كل مولود يُسمَّى عَلياً ، فبلغ ذلك علي بن رياح فخاف ، وقال : لا أجعل في حِلٍّ من سَمَّاني عَلياً ، فإن اسمي : عُلِي - بضم العين - .
ويقول المؤرخون : ( إن العلماء والمحدِّثين تحرَّجوا من ذكر الإمام علي ( عليه السلام ) والرواية عنه ، خوفاً من بني أمية ، فكانوا إذا أرادوا أن يرووا عنه يقولون : روى أبو زينب ) .
وروى معمر ، عن الزهري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إنَّ الله عزَّ وجلَّ منع بني إسرائيل قطر السماء لسوء رأيهم في أنبيائهم ، واختلافهم في دينهم ، وإنه أخذ على هذه الأمة بالسنين ، ومنعهم قطر السماء ببغضهم علي بن أبي طالب ) .
قال معمر : حدثني الزهري في مَرْضَةٍ مَرِضَها ، ولم أسمعه يحدث عن عكرمة قبلها ولا بعدها ، فلما أبل من مرضه ندم على حديثه لي ، وقال :
يا يماني ، أكتم هذا الحديث واطوِهِ دوني ، فإن هؤلاء - يعني بني أمية - لا يعذرون أحداً في تقريض علي وذكره .
هذه بعض المِحَن التي عاناها المسلمون في مَوَدَّتِهم لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، التي هي جزء من دينهم .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
محبُّ الامام علي ( عليه السلام ) محبُّ لله ورسوله ( صلى الله عليه وآله )
كان علي ( عليه السلام ) خير المؤمنين بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد كان قلبه عامراً بأكمل الإيمان ، ولا ينقصه حتى مقدار ذرة واحدة من نور الإيمان المتكامل ، فقلبه ( عليه السلام ) ربيع الإيمان . بل ليس في قلبه ذرة واحدة من هوى النفس ، فهو الصراط المستقيم ، وهو سبيل الله ، وهو ميزان الأعمال ، وهو مع الحق والحق معه ، وإنما تتجلى الصفات الثبوتية للحق فيه ( عليه السلام ) فهو : العدل الإلهي ، ورحمة الله ، وقدرته ، ورمز الرأفة ، والعطف ، والصبر الإلهي ، ومظهر من مظاهرها . علي نفس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) و عيبة علمه ، وأخوه ، وخليفته ، ووصيه ، وكل من أحبه ووالاه فقد أحب الله ورسوله والمؤمنين ووالاهم ، وكل من أبغضه وعصاه فقد أبغض الله ورسوله والمؤمنين ، فمحبه محب لله ورسوله ، ومبغضه مبغض لله ورسوله . و نلفت أنظار القراء الكرام إلى بعض ما ورد من الأخبار في هذا المقام :
1ـ روى القندوزي الحنفي والجويني ، عن أبي برزة الأسلمي ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إن الله تعالى عهد إلي في علي عهداً ، أن عليا راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، من أحبه أحبني ، ومن أبغضه أبغضني ، فبشره ) ، فجاء علي ( عليه السلام ) فبشرته بذلك ، فقال : ( يا رسول الله ، أنا عبد الله ، فإن يعذبني فبذنبي ، وإن يتم الذي بشرني به فالله أولى بي ) ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( قلت : اللهم أجل قلبه ، واجعله ربيع الإيمان ، فقال الله تبارك وتعالى : قد فعلت به ذلك ، ثم قال تعالى : إني مستخصه بالبلاء ، فقلت : يا رب ، إنه أخي ووصي ، فقال تعالى : إنه شيء قد سبق فيه قضائي ، إنه مبتلى ) ينابيع المودة : ص 134 ، فرائد السمطين : 1/151 ، ح 114 .
2ـ روى الجويني ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بيت زينب بنت جحش ، وأتى بيت أم سلمة ، وكان يومها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلم يلبث أن جاء علي ( عليه السلام ) ودق الباب دقا خفيفاً ، فأثبت النبي ( صلى الله عليه وآله ) الدق ، وأنكرته أم سلمة ، فقال لها النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( قومي وأفتحي له الباب ) ، إلى أن قال : ( قالت : ففتحت الباب ، فأخذ بعضادتي الباب ، حتى إذا لم يسمع حسيسا ولا حركة ، وصرت في خدري ، استأذن فدخل ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا أم سلمة ، أتعرفينه ؟ ) قلت : نعم يا رسول الله ، هذا علي بن أبي طالب .
قال : ( صدقت ، هو سيد أحبه ، لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو عيبة علمي ، فاسمعي واشهدي ، وهو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي ، فاسمعي واشهدي ، وهو قاضي عداتي ، فاسمعي واشهدي ، وهو والله محيي سنتي ، فاسمعي واشهدي ، لو أن عبداً عبد الله ألف عام وألف عام وألف عام ، بين الركن والمقام ، ثم لقي الله عزوجل مبغضاً لعلي بن أبي طالب وعترتي أكبه الله على منخريه يوم القيامة في نار جهنم ) فرائد السمطين : 1/331 ، ح257 .
3ـ روى الجويني أيضاً ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( من أحبني فليحب علي بن أبي طالب ، ومن أبغض علي بن أبي طالب فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أبغض الله فقد أدخله النار ) المصدر السابق : 1/132 ، ح 94 .
4ـ وعنه أيضا عن أنس ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي : ( يا علي ، من زعم أنه يحبني وهو يبغضك ، فهو كذاب ) المصدر السابق : 1/134 ، ح94 .
5ـ روى ابن المغازلي الشافعي ، عن سلمان ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي : ( يا علي ، محبك محبي ، ومبغضك مبغضي ) المناقب لابن المغازلي : 196 ، ح 233 .
6ـ عن ابن عبد البر ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( من أحب علياً فقد أحبني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن آذى علياً فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ) الاستيعاب بهامش الإصابة : 3/37 .
7ـ روى ابن عساكر الشافعي ، عن أم سلمة ، قالت : أشهد أني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( من أحب علياً فقد أحبني ، ومن أحبني أحب الله ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ) ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق : 2/190 ، ح673 .
8ـ وعنه أيضاً بإسناده عن جابر ، قال : دخل علينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ونحن في المسجد ، وهو آخذ بيد علي ( عليه السلام ) ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( ألستم زعمتم أنكم تحبوني ؟ ) قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ( كذب من زعم أنه يحبني ، ويبغض هذا ) . يعني علياً ( عليه السلام ) المصدر السابق : 2/185 ، ح664 .
9ـ وعنه أيضاً ، عن سلمان الفارسي ، قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ضرب فخذ علي بن أبي طالب وصدره ، وسمعته يقول : ( محبك محبي ، ومحبي محب الله ، ومبغضك مبغضي ، ومبغضي مبغض الله ) المصدر السابق : 2/187 ، ح669 .
10ـ وعنه أيضاً ، عن زياد بن أبي زياد الأسدي ، عن جده ، قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : ( قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنك تعيش على ملتي ، وتُقتل على سنتي ، من أحبك أحبني ، ومن أبغضك أبغضني ) المصدر السابق : 2/188 ، ح670 .
11ـ وعنه أيضاً ، عن عمر بن عبد الله الثقفي ، عن أبيه ، عن جده يعلى بن مرة الثقفي ، قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( من أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن عصى علياً فقد عصاني ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أحب علياً فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ، لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا كافر أو منافق ) المصدر السابق : 2/188 ، ح671 .
( حكاية عبد الله بن عباس عن سعيد بن جبير ) : ( روى ابن الصباغ المالكي عن محمد بن يوسف الكنجي الشافعي حكاية عن عبد الله بن عباس ، وكان سعيد بن جبير يقوم بعد كف بصره ، فمر على ضفة زمزم ، فإذا بقوم من أهل الشام يسبون علياً ( عليه السلام ) ، فسمعهم عبد الله بن عباس ، فقال لسعيد : ردني إليهم ، فرده ، فوقف عليهم ، وقال : أيكم الساب لله تعالى ؟ ، فقالوا : سبحان الله ، ما فينا أحد سبَّ الله !! ، فقال : أيكم الساب لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ، فقالوا : سبحان الله ، ما فينا أحد سبَّ رسول الله !! ، قال : فأيكم الساب لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ؟ فقالوا : أما هذا فقد كان منه شيء ، فقال : أشهد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بما سمعته أذناي ، ووعاه قلبي ، سمعته يقول لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ( يا علي ، من سبَّك فقد سبَّني ، ومن سبَّني فقد سبَّ الله ، ومن سبَّ الله فقد أكبَّه الله على منخريه في النار ) وولى عنهم وقال : يا بني ، ماذا رأيتهم صنعوا ؟ قال : فقلت لهم يا أبتِ :
نظروا إليك بأَعيُنٍ مُحمَرَّةٍ
نظرَ التيوس إلى شِفَارِ الجَازِرِ
فقال : زدني فداك أبوك ، فقلت :
خزر العيون نواكس أبصارهم
نظر الذليل إلى العزيز القاهر
فقال : زدني فداك أبوك ، فقلت : ليس عندي مزيد ، فقال : عندي المزيد :
أَحيَاؤُهُم عَارٌ على أمواتهم
والميتون مسَبَّةٌ للغابر
الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 127 ، حياة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للسيد أصغر ناظم زاده القمي : 169 .
كان علي ( عليه السلام ) خير المؤمنين بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد كان قلبه عامراً بأكمل الإيمان ، ولا ينقصه حتى مقدار ذرة واحدة من نور الإيمان المتكامل ، فقلبه ( عليه السلام ) ربيع الإيمان . بل ليس في قلبه ذرة واحدة من هوى النفس ، فهو الصراط المستقيم ، وهو سبيل الله ، وهو ميزان الأعمال ، وهو مع الحق والحق معه ، وإنما تتجلى الصفات الثبوتية للحق فيه ( عليه السلام ) فهو : العدل الإلهي ، ورحمة الله ، وقدرته ، ورمز الرأفة ، والعطف ، والصبر الإلهي ، ومظهر من مظاهرها . علي نفس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) و عيبة علمه ، وأخوه ، وخليفته ، ووصيه ، وكل من أحبه ووالاه فقد أحب الله ورسوله والمؤمنين ووالاهم ، وكل من أبغضه وعصاه فقد أبغض الله ورسوله والمؤمنين ، فمحبه محب لله ورسوله ، ومبغضه مبغض لله ورسوله . و نلفت أنظار القراء الكرام إلى بعض ما ورد من الأخبار في هذا المقام :
1ـ روى القندوزي الحنفي والجويني ، عن أبي برزة الأسلمي ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إن الله تعالى عهد إلي في علي عهداً ، أن عليا راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، من أحبه أحبني ، ومن أبغضه أبغضني ، فبشره ) ، فجاء علي ( عليه السلام ) فبشرته بذلك ، فقال : ( يا رسول الله ، أنا عبد الله ، فإن يعذبني فبذنبي ، وإن يتم الذي بشرني به فالله أولى بي ) ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( قلت : اللهم أجل قلبه ، واجعله ربيع الإيمان ، فقال الله تبارك وتعالى : قد فعلت به ذلك ، ثم قال تعالى : إني مستخصه بالبلاء ، فقلت : يا رب ، إنه أخي ووصي ، فقال تعالى : إنه شيء قد سبق فيه قضائي ، إنه مبتلى ) ينابيع المودة : ص 134 ، فرائد السمطين : 1/151 ، ح 114 .
2ـ روى الجويني ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بيت زينب بنت جحش ، وأتى بيت أم سلمة ، وكان يومها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلم يلبث أن جاء علي ( عليه السلام ) ودق الباب دقا خفيفاً ، فأثبت النبي ( صلى الله عليه وآله ) الدق ، وأنكرته أم سلمة ، فقال لها النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( قومي وأفتحي له الباب ) ، إلى أن قال : ( قالت : ففتحت الباب ، فأخذ بعضادتي الباب ، حتى إذا لم يسمع حسيسا ولا حركة ، وصرت في خدري ، استأذن فدخل ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا أم سلمة ، أتعرفينه ؟ ) قلت : نعم يا رسول الله ، هذا علي بن أبي طالب .
قال : ( صدقت ، هو سيد أحبه ، لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو عيبة علمي ، فاسمعي واشهدي ، وهو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي ، فاسمعي واشهدي ، وهو قاضي عداتي ، فاسمعي واشهدي ، وهو والله محيي سنتي ، فاسمعي واشهدي ، لو أن عبداً عبد الله ألف عام وألف عام وألف عام ، بين الركن والمقام ، ثم لقي الله عزوجل مبغضاً لعلي بن أبي طالب وعترتي أكبه الله على منخريه يوم القيامة في نار جهنم ) فرائد السمطين : 1/331 ، ح257 .
3ـ روى الجويني أيضاً ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( من أحبني فليحب علي بن أبي طالب ، ومن أبغض علي بن أبي طالب فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أبغض الله فقد أدخله النار ) المصدر السابق : 1/132 ، ح 94 .
4ـ وعنه أيضا عن أنس ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي : ( يا علي ، من زعم أنه يحبني وهو يبغضك ، فهو كذاب ) المصدر السابق : 1/134 ، ح94 .
5ـ روى ابن المغازلي الشافعي ، عن سلمان ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي : ( يا علي ، محبك محبي ، ومبغضك مبغضي ) المناقب لابن المغازلي : 196 ، ح 233 .
6ـ عن ابن عبد البر ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( من أحب علياً فقد أحبني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن آذى علياً فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ) الاستيعاب بهامش الإصابة : 3/37 .
7ـ روى ابن عساكر الشافعي ، عن أم سلمة ، قالت : أشهد أني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( من أحب علياً فقد أحبني ، ومن أحبني أحب الله ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ) ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق : 2/190 ، ح673 .
8ـ وعنه أيضاً بإسناده عن جابر ، قال : دخل علينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ونحن في المسجد ، وهو آخذ بيد علي ( عليه السلام ) ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( ألستم زعمتم أنكم تحبوني ؟ ) قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ( كذب من زعم أنه يحبني ، ويبغض هذا ) . يعني علياً ( عليه السلام ) المصدر السابق : 2/185 ، ح664 .
9ـ وعنه أيضاً ، عن سلمان الفارسي ، قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ضرب فخذ علي بن أبي طالب وصدره ، وسمعته يقول : ( محبك محبي ، ومحبي محب الله ، ومبغضك مبغضي ، ومبغضي مبغض الله ) المصدر السابق : 2/187 ، ح669 .
10ـ وعنه أيضاً ، عن زياد بن أبي زياد الأسدي ، عن جده ، قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : ( قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنك تعيش على ملتي ، وتُقتل على سنتي ، من أحبك أحبني ، ومن أبغضك أبغضني ) المصدر السابق : 2/188 ، ح670 .
11ـ وعنه أيضاً ، عن عمر بن عبد الله الثقفي ، عن أبيه ، عن جده يعلى بن مرة الثقفي ، قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( من أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن عصى علياً فقد عصاني ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أحب علياً فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ، لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا كافر أو منافق ) المصدر السابق : 2/188 ، ح671 .
( حكاية عبد الله بن عباس عن سعيد بن جبير ) : ( روى ابن الصباغ المالكي عن محمد بن يوسف الكنجي الشافعي حكاية عن عبد الله بن عباس ، وكان سعيد بن جبير يقوم بعد كف بصره ، فمر على ضفة زمزم ، فإذا بقوم من أهل الشام يسبون علياً ( عليه السلام ) ، فسمعهم عبد الله بن عباس ، فقال لسعيد : ردني إليهم ، فرده ، فوقف عليهم ، وقال : أيكم الساب لله تعالى ؟ ، فقالوا : سبحان الله ، ما فينا أحد سبَّ الله !! ، فقال : أيكم الساب لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ، فقالوا : سبحان الله ، ما فينا أحد سبَّ رسول الله !! ، قال : فأيكم الساب لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ؟ فقالوا : أما هذا فقد كان منه شيء ، فقال : أشهد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بما سمعته أذناي ، ووعاه قلبي ، سمعته يقول لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ( يا علي ، من سبَّك فقد سبَّني ، ومن سبَّني فقد سبَّ الله ، ومن سبَّ الله فقد أكبَّه الله على منخريه في النار ) وولى عنهم وقال : يا بني ، ماذا رأيتهم صنعوا ؟ قال : فقلت لهم يا أبتِ :
نظروا إليك بأَعيُنٍ مُحمَرَّةٍ
نظرَ التيوس إلى شِفَارِ الجَازِرِ
فقال : زدني فداك أبوك ، فقلت :
خزر العيون نواكس أبصارهم
نظر الذليل إلى العزيز القاهر
فقال : زدني فداك أبوك ، فقلت : ليس عندي مزيد ، فقال : عندي المزيد :
أَحيَاؤُهُم عَارٌ على أمواتهم
والميتون مسَبَّةٌ للغابر
الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 127 ، حياة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للسيد أصغر ناظم زاده القمي : 169 .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
مُحاجَجة الإمام علي ( عليه السلام ) لأبي بَكرٍ بشأن فدك
جاء الإمام علي ( عليه السلام ) إلى أبي بكر وهو في المسجد ، وحوله المهاجرون والأنصار ، فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( يَا أبَا بَكْر ، لِمَ منعتَ فاطمةَ حَقَّها وميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ وقد مَلَكَتْه في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ) .
فقال أبو بكر : هذا فَيءٌ للمسلمين ، فإن أقامت شهوداً أنَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جَعلَهُ لَهَا ، وإلاَّ فلا حَقَّ لها فيه .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( يَا أبَا بَكْر ، أتحْكُم فينا بخلاف حُكْم الله تَعالى في المُسلمين ؟ ) .
قال : لا .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( فَإنْ كَانَ في يَد المُسلمين شيءٌ يَملكونَه ، ثم ادَّعيت أنا فيه ، مَنْ تسألُه البَيِّنَة ؟ ) .
قال : إياك كنت أسأل البيِّنة .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( فَمَا بالُ فاطِمة ، سألتَها البيِّنة على ما في يديها ؟ وقد مَلَكتْه في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبعده ، ولمْ تسألِ المسلمين بَيِّنةً على ما ادَّعَوه ، كما سألتَني على ما ادَّعيت عليهم ؟ ) .
فسكت أبو بكر .
فقال عمر : يا علي ، دَعْنا من كلامِك ، فإنا لا نقوى على حُجَّتِك ، فإنْ أتَيْتَ بشهودٍ عدول ، وإلاَّ فهو فَيءٌ للمسلمين ، لا حقَّ لكَ ولا لِفاطِمَة فيه .
فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( يَا أبَا بَكْر ، تقرأ كِتَابَ الله ؟ ) .
قال : نعم .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( أخبِرْني عن قول الله عزَّ وجلَّ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ـ الأحزاب : 33 ـ فِيمَن نَزَلتْ ؟ فِينَا أمْ في غَيرِنَا ؟ ) .
قال : بَلْ فيكم .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( فَلَو أنَّ شُهوداً شَهدوا عَلى فَاطِمَة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بفاحِشَة ، ما كنت صانعاً بها ؟ ) .
قال : أقيم عليها الحدَّ ، كما أقيمُهُ على نساء المسلمين .
فقال له الإمام ( عليه السلام ) : ( يَا أبَا بَكر ، إذنْ كُنتَ عند اللهِ مِن الكَافرين ) .
قال أبو بكر : ولِمَ ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( لأنَّك ردَدْتَ شهادة الله بالطَّهارة ، وقبلْتَ شهادة النَّاس عليها ، كما رددت حُكمَ الله وحُكْم رسوله ، أنْ جعَلَ لها فدكاً وقد قبضته في حياته .
ثم قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها ، وأخذت منها فدكاً ، وزعمت أنه فيء للمسلمين ، وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : البينة على المُدَّعي ، واليَمين عَلى المدَّعى عليه ، فردَدْتَ قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : البينة على المُدَّعي ، واليَمين عَلى المدَّعى عليه ) .
فدَمْدَم الناس وأنكروا ، ونظرَ بعضهم إلى بعض ، وقالوا : صدق والله علي بن أبي طالب .
جاء الإمام علي ( عليه السلام ) إلى أبي بكر وهو في المسجد ، وحوله المهاجرون والأنصار ، فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( يَا أبَا بَكْر ، لِمَ منعتَ فاطمةَ حَقَّها وميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ وقد مَلَكَتْه في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ) .
فقال أبو بكر : هذا فَيءٌ للمسلمين ، فإن أقامت شهوداً أنَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جَعلَهُ لَهَا ، وإلاَّ فلا حَقَّ لها فيه .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( يَا أبَا بَكْر ، أتحْكُم فينا بخلاف حُكْم الله تَعالى في المُسلمين ؟ ) .
قال : لا .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( فَإنْ كَانَ في يَد المُسلمين شيءٌ يَملكونَه ، ثم ادَّعيت أنا فيه ، مَنْ تسألُه البَيِّنَة ؟ ) .
قال : إياك كنت أسأل البيِّنة .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( فَمَا بالُ فاطِمة ، سألتَها البيِّنة على ما في يديها ؟ وقد مَلَكتْه في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبعده ، ولمْ تسألِ المسلمين بَيِّنةً على ما ادَّعَوه ، كما سألتَني على ما ادَّعيت عليهم ؟ ) .
فسكت أبو بكر .
فقال عمر : يا علي ، دَعْنا من كلامِك ، فإنا لا نقوى على حُجَّتِك ، فإنْ أتَيْتَ بشهودٍ عدول ، وإلاَّ فهو فَيءٌ للمسلمين ، لا حقَّ لكَ ولا لِفاطِمَة فيه .
فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( يَا أبَا بَكْر ، تقرأ كِتَابَ الله ؟ ) .
قال : نعم .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( أخبِرْني عن قول الله عزَّ وجلَّ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ـ الأحزاب : 33 ـ فِيمَن نَزَلتْ ؟ فِينَا أمْ في غَيرِنَا ؟ ) .
قال : بَلْ فيكم .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( فَلَو أنَّ شُهوداً شَهدوا عَلى فَاطِمَة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بفاحِشَة ، ما كنت صانعاً بها ؟ ) .
قال : أقيم عليها الحدَّ ، كما أقيمُهُ على نساء المسلمين .
فقال له الإمام ( عليه السلام ) : ( يَا أبَا بَكر ، إذنْ كُنتَ عند اللهِ مِن الكَافرين ) .
قال أبو بكر : ولِمَ ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( لأنَّك ردَدْتَ شهادة الله بالطَّهارة ، وقبلْتَ شهادة النَّاس عليها ، كما رددت حُكمَ الله وحُكْم رسوله ، أنْ جعَلَ لها فدكاً وقد قبضته في حياته .
ثم قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها ، وأخذت منها فدكاً ، وزعمت أنه فيء للمسلمين ، وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : البينة على المُدَّعي ، واليَمين عَلى المدَّعى عليه ، فردَدْتَ قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : البينة على المُدَّعي ، واليَمين عَلى المدَّعى عليه ) .
فدَمْدَم الناس وأنكروا ، ونظرَ بعضهم إلى بعض ، وقالوا : صدق والله علي بن أبي طالب .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة ومبيت الإمام علي (عليه السلام) على فراشه
خطة قريش:
بعد أن فشلت جميع الطرق التي اتَّبعها مشركو قريش في صدِّ النبي (صلى الله عليه وآله) عن أداء رسالته الإلهية، اتَّفقوا على أن يرسل كل فخذ من قريش رجلاً مسلّحاً بسيفه، ثم يأتون إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وهو نائم على فراشه، فيضربونه جميعاً بسيوفهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، فإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلّمهم، وبذلك يذهب دمه هدراً.
إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بخطة قريش:
أخبر جبرائيل (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله) بخطّة قريش، وأمره بالهجرة إلى المدينة المنوّرة، ونزل قوله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (1).
دعوة الإمام علي للمبيت على فراش النبي (صلى الله عليه وآله):
دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام علي (عليه السلام)، وأخبره بخطّة قريش، وبهجرته إلى المدينة المنوّرة، ثم قال له: (يا علي، إنّ الروح هبط عليّ بهذه الآية آنفا، يخبرني أنّ قريش اجتمعت على المكر بي وقتلي، وأنّه أوحي إليّ عن ربّي عزّ وجل أن أهجر دار قومي، وأن انطلق إلى غار ثور تحت ليلتي، وأنّه أمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي ومضجعي، لتخفي بمبيتك عليه أثري، فما أنت قائل وصانع)؟ فقال علي (عليه السلام) : (أو تسلمن بمبيتي هناك يا نبي الله)؟ قال: (نعم)، فتبسم علي (عليه السلام) ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً، شكراً لما أنبأه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من سلامته ...) (2).
ثم نزل قوله عز وجل في حق علي (عليه السلام): (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (3).
خروج النبي (صلى الله عليه وآله) من داره:
خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أوّل الليل، والرصد من قريش قد أحاطوا بداره، ينتظرون انتصاف الليل ونوم الأعين، فخرج (صلى الله عليه وآله) وهو يقرأ قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُون) (4).
وأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) بيده قبضة من تراب، فرمى بها على رؤوسهم، فما شعر القوم به حتّى تجاوزهم، ومضى إلى غار ثور، وفي الطريق التحق به أبو بكر.
فشل الخطة:
اقتحمت قريش دار النبي (صلى الله عليه وآله)، وهم شاهرون سيوفهم، وتهيج منهم رائحة الحقد والخبث والدناءة، فنهض الإمام علي (عليه السلام) من مضجعه في شجاعته المعهودة بوجوههم الإجرامية، فارتعد القوم وتراجعوا.
فلمّا عرفت قريش فشل خطّتها خرجت في طلب النبي (صلى الله عليه وآله)، فعمى الله أثره، وهو نصب أعينهم، وصدَّهم عنه، وأخذ بأبصارهم دونه، وهُم دهاة العرب، ثم بعث الله العنكبوت، فنسجت في وجه الغار فسترته، وبعث الله حمامتين فوقفتا بفم الغار، فأيَّسهم ذلك من الطلب.
تاريخ الهجرة:
1 ربيع الأوّل 13 للبعثة.
تاريخ الوصول إلى المدينة:
وصل (صلى الله عليه وآله) إلى يثرب التي سُمِّيَت فيما بعد بالمدينة المنوَّرة في 12 ربيع الأوّل.
دعوة الإمام علي (عليه السلام) إلى المدينة:
بعد أن استقرَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة المنوَّرة، كتب إلى الإمام علي (عليه السلام) كتاباً أمره فيه بالمسير إليه.
فخرج الإمام علي (عليه السلام) من مكّة بركب الفواطم، متَّجهاً نحو المدينة، ومعه فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وأُمّه فاطمة بنت أسد (رضي الله عنها)، وفاطمة بنت الزبير، فلحقه جماعة متلثَّمين من قريش، فعرفهم الإمام (عليه السلام) وقال لهم: (فإنِّي مُنطَلِق إلى ابن عَمِّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيثرب، فمن سَرَّه أن أفري لحمه وأُهريقَ دمه فَلْيتََعقبني، أو فَليَدْنُ منّي) (5).
ثم سار الإمام (عليه السلام) وفي كل مكان ينزل كان يذكر الله مع الفواطم قياماً وقعوداً، وعلى جنوبهم، فلما وصلوا المدينة نزل قوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) (6).
فقرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الآية عليهم، فالذكَر هو الإمام علي (عليه السلام)، والأنثى هُنَّ الفَواطِم، ثم قال (صلى الله عليه وآله) للإمام علي (عليه السلام): (يَا عَلي، أنتَ أوَّل هَذه الأُمّة إيماناً بالله ورسُولِه، وأوّلهم هِجْرة إلى الله ورسُولِه، وآخرهم عَهْداً برسولِه، لا يُحبّك ـ والَّذي نَفسي بِيَده ـ إلاَّ مُؤمِن قَد امتحنَ اللهُ قلبَه للإيمان، ولا يبغضُكَ إلاَّ مُنافِق أو كَافِر) (7).
شعر الإمام علي (عليه السلام) بالمناسبة:
وقد قال الإمام علي (عليه السلام) شعراً في المناسبة يذكر فيه مبيته على الفراش، ومقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الغار ثلاثاً:
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى ** ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول إله الخلق إذ مكروا به ** فنجّاه ذو الطول الكريم من المكر
وبات رسول الله بالشعب آمناً ** وذلك في حفظ الإله وفي ستر
وبت أراعيهم وهم ينبؤني ** وقد صبرت نفسي على القتل والأسر
أردت به نصر الإله تبتلا ** وأضمرته حتّى أوسد في قبري (8).
ـــــــــ
1ـ الأنفال: 30.
2ـ حلية الأبرار 1/143.
3ـ البقرة: 207.
4ـ يس: 9.
5ـ الأمالي للشيخ الطوسي: 471.
6ـ آل عمران: 195.
7ـ الأمالي للشيخ الطوسي: 472.
8ـ الفصول المختارة: 59.
بقلم : محمد أمين نجف
خطة قريش:
بعد أن فشلت جميع الطرق التي اتَّبعها مشركو قريش في صدِّ النبي (صلى الله عليه وآله) عن أداء رسالته الإلهية، اتَّفقوا على أن يرسل كل فخذ من قريش رجلاً مسلّحاً بسيفه، ثم يأتون إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وهو نائم على فراشه، فيضربونه جميعاً بسيوفهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، فإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلّمهم، وبذلك يذهب دمه هدراً.
إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بخطة قريش:
أخبر جبرائيل (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله) بخطّة قريش، وأمره بالهجرة إلى المدينة المنوّرة، ونزل قوله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (1).
دعوة الإمام علي للمبيت على فراش النبي (صلى الله عليه وآله):
دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام علي (عليه السلام)، وأخبره بخطّة قريش، وبهجرته إلى المدينة المنوّرة، ثم قال له: (يا علي، إنّ الروح هبط عليّ بهذه الآية آنفا، يخبرني أنّ قريش اجتمعت على المكر بي وقتلي، وأنّه أوحي إليّ عن ربّي عزّ وجل أن أهجر دار قومي، وأن انطلق إلى غار ثور تحت ليلتي، وأنّه أمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي ومضجعي، لتخفي بمبيتك عليه أثري، فما أنت قائل وصانع)؟ فقال علي (عليه السلام) : (أو تسلمن بمبيتي هناك يا نبي الله)؟ قال: (نعم)، فتبسم علي (عليه السلام) ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً، شكراً لما أنبأه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من سلامته ...) (2).
ثم نزل قوله عز وجل في حق علي (عليه السلام): (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (3).
خروج النبي (صلى الله عليه وآله) من داره:
خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أوّل الليل، والرصد من قريش قد أحاطوا بداره، ينتظرون انتصاف الليل ونوم الأعين، فخرج (صلى الله عليه وآله) وهو يقرأ قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُون) (4).
وأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) بيده قبضة من تراب، فرمى بها على رؤوسهم، فما شعر القوم به حتّى تجاوزهم، ومضى إلى غار ثور، وفي الطريق التحق به أبو بكر.
فشل الخطة:
اقتحمت قريش دار النبي (صلى الله عليه وآله)، وهم شاهرون سيوفهم، وتهيج منهم رائحة الحقد والخبث والدناءة، فنهض الإمام علي (عليه السلام) من مضجعه في شجاعته المعهودة بوجوههم الإجرامية، فارتعد القوم وتراجعوا.
فلمّا عرفت قريش فشل خطّتها خرجت في طلب النبي (صلى الله عليه وآله)، فعمى الله أثره، وهو نصب أعينهم، وصدَّهم عنه، وأخذ بأبصارهم دونه، وهُم دهاة العرب، ثم بعث الله العنكبوت، فنسجت في وجه الغار فسترته، وبعث الله حمامتين فوقفتا بفم الغار، فأيَّسهم ذلك من الطلب.
تاريخ الهجرة:
1 ربيع الأوّل 13 للبعثة.
تاريخ الوصول إلى المدينة:
وصل (صلى الله عليه وآله) إلى يثرب التي سُمِّيَت فيما بعد بالمدينة المنوَّرة في 12 ربيع الأوّل.
دعوة الإمام علي (عليه السلام) إلى المدينة:
بعد أن استقرَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة المنوَّرة، كتب إلى الإمام علي (عليه السلام) كتاباً أمره فيه بالمسير إليه.
فخرج الإمام علي (عليه السلام) من مكّة بركب الفواطم، متَّجهاً نحو المدينة، ومعه فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وأُمّه فاطمة بنت أسد (رضي الله عنها)، وفاطمة بنت الزبير، فلحقه جماعة متلثَّمين من قريش، فعرفهم الإمام (عليه السلام) وقال لهم: (فإنِّي مُنطَلِق إلى ابن عَمِّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيثرب، فمن سَرَّه أن أفري لحمه وأُهريقَ دمه فَلْيتََعقبني، أو فَليَدْنُ منّي) (5).
ثم سار الإمام (عليه السلام) وفي كل مكان ينزل كان يذكر الله مع الفواطم قياماً وقعوداً، وعلى جنوبهم، فلما وصلوا المدينة نزل قوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) (6).
فقرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الآية عليهم، فالذكَر هو الإمام علي (عليه السلام)، والأنثى هُنَّ الفَواطِم، ثم قال (صلى الله عليه وآله) للإمام علي (عليه السلام): (يَا عَلي، أنتَ أوَّل هَذه الأُمّة إيماناً بالله ورسُولِه، وأوّلهم هِجْرة إلى الله ورسُولِه، وآخرهم عَهْداً برسولِه، لا يُحبّك ـ والَّذي نَفسي بِيَده ـ إلاَّ مُؤمِن قَد امتحنَ اللهُ قلبَه للإيمان، ولا يبغضُكَ إلاَّ مُنافِق أو كَافِر) (7).
شعر الإمام علي (عليه السلام) بالمناسبة:
وقد قال الإمام علي (عليه السلام) شعراً في المناسبة يذكر فيه مبيته على الفراش، ومقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الغار ثلاثاً:
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى ** ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول إله الخلق إذ مكروا به ** فنجّاه ذو الطول الكريم من المكر
وبات رسول الله بالشعب آمناً ** وذلك في حفظ الإله وفي ستر
وبت أراعيهم وهم ينبؤني ** وقد صبرت نفسي على القتل والأسر
أردت به نصر الإله تبتلا ** وأضمرته حتّى أوسد في قبري (8).
ـــــــــ
1ـ الأنفال: 30.
2ـ حلية الأبرار 1/143.
3ـ البقرة: 207.
4ـ يس: 9.
5ـ الأمالي للشيخ الطوسي: 471.
6ـ آل عمران: 195.
7ـ الأمالي للشيخ الطوسي: 472.
8ـ الفصول المختارة: 59.
بقلم : محمد أمين نجف
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
المارقون وموقفهم مع الإمام علي ( عليه السلام )
المارقون : هم الفئة التي خرجت على الإمام علي ( عليه السلام ) بعد أن كانت تحارب معه ، بسبب رفضها لنتيجة التحكيم في حرب صفين .
ويغلب عليهم التطرف في السلوك ، والتَزَمّت في الدين ، والتحجّر في الفكر ، ويسمون بـ : الخوارج .
وأصبحت العبارة التي صاغها أحدهم : ( لا حكم إلا لله ) شعار هذه الطائفة ، ولما عاد الإمام ( عليه السلام ) من صفين إلى الكوفة لم تدخل معه الخوارج ، وأتوا حروراء ، فنزل منهم بها اثنا عشر ألفا ، وأمّروا عليهم رجلاً منهم اسمه عبد الله بن وهب الراسبي .
بعض عقائدهم :
قالوا : إن مرتكب الكبيرة إذا مات ، ولم يتب فهو مُخلّد في النار ، وأما صغائر الذنوب فإنه إذا تاب منها فالله يغفرها له .
كما أنكروا التقية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورأوا وجوب المواجهة على أي حال ، وإن أدّت إلى القتل .
وقالوا : إن بعث الأنبياء ( عليهم السلام ) وإرفاقهم بالمعجزة ليس بواجب ، إذ يجوز أن يبعث الله الأنبياء من غير معجزة ولا آية تثبت نُبوتهم .
وإن إرسال الأنبياء ( عليهم السلام ) وإرفاقهم بالمعجزة هو من باب اللطف والفضل على العباد .
ويجوز عندهم أن يكون الأنبياء ( عليهم السلام ) قبل البعثة من أهل الفسق والكفر ، كما يجوز على الأنبياء ( عليهم السلام ) بعد بَعثِهم الكفر ، وارتكاب الصغائر ، والسهو ، والنسيان .
وأباحَ الخوارج قتل أطفال المخالفين لأفكارهم ونسائهم ، واستحلّوا دماء أهل العهد والذمة وأموالهم في حال التقية ، وحكموا بالبراءة ممن حَرّمها .
تهديدهم لحكومة الإمام ( عليه السلام ) :
ذهب الخوارج إلى المدائن فالتقوا واليها صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عبد الله بن خباب ، فأسّروه مع زوجته الحامل ، ووجدوا في عنقه مصحفاً فقالوا له : إن هذا الذي في عنقك لَيأمرنا أن نقتلك .
فكان رَدّه عليهم أن يحيوا ما أحيا القرآن ، وأن يميتوا ما أمات .
وسألوه عن الإمام علي ( عليه السلام ) فقال لهم : إنه أعلم بالله منكم ، وأشدّ توقياً على دينه ، وأنفذ بصيرة .
فقالوا : إنك تتبع الهوى ، وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها ، والله لنقتلك قتلة ما قتلنا أحداً .
فأخذوه وكتّفوه ، ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى ، فأضجعوه فذبحوه ، فسال دمه في الماء .
واقبلوا إلى المرأة فقالت : أنا امرأة ألا تتّقون الله ؟!
فبقروا بطنها وقتلوها ، وقتلوا ثلاث نسوة ، وقتلوا أم سنان الصيداوية .
موقف الإمام ( عليه السلام ) :
قاتلهم الإمام علي ( عليه السلام ) في مكان يسمى ( النهرَوَان ) مقاتلة شديدة ، فما انفلت منهم إلاّ أقلّ من عشرة .
فانهزم اثنان منهم إلى عُمان ، واثنان إلى كِرمان ، واثنان إلى سَجِسْتان ، واثنان إلى الجزيرة ، وواحد إلى اليمن في تل مورون .
وظهرت بدع الخوارج في هذه المواضع ، وبقيت إلى يومنا هذا .
المارقون : هم الفئة التي خرجت على الإمام علي ( عليه السلام ) بعد أن كانت تحارب معه ، بسبب رفضها لنتيجة التحكيم في حرب صفين .
ويغلب عليهم التطرف في السلوك ، والتَزَمّت في الدين ، والتحجّر في الفكر ، ويسمون بـ : الخوارج .
وأصبحت العبارة التي صاغها أحدهم : ( لا حكم إلا لله ) شعار هذه الطائفة ، ولما عاد الإمام ( عليه السلام ) من صفين إلى الكوفة لم تدخل معه الخوارج ، وأتوا حروراء ، فنزل منهم بها اثنا عشر ألفا ، وأمّروا عليهم رجلاً منهم اسمه عبد الله بن وهب الراسبي .
بعض عقائدهم :
قالوا : إن مرتكب الكبيرة إذا مات ، ولم يتب فهو مُخلّد في النار ، وأما صغائر الذنوب فإنه إذا تاب منها فالله يغفرها له .
كما أنكروا التقية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورأوا وجوب المواجهة على أي حال ، وإن أدّت إلى القتل .
وقالوا : إن بعث الأنبياء ( عليهم السلام ) وإرفاقهم بالمعجزة ليس بواجب ، إذ يجوز أن يبعث الله الأنبياء من غير معجزة ولا آية تثبت نُبوتهم .
وإن إرسال الأنبياء ( عليهم السلام ) وإرفاقهم بالمعجزة هو من باب اللطف والفضل على العباد .
ويجوز عندهم أن يكون الأنبياء ( عليهم السلام ) قبل البعثة من أهل الفسق والكفر ، كما يجوز على الأنبياء ( عليهم السلام ) بعد بَعثِهم الكفر ، وارتكاب الصغائر ، والسهو ، والنسيان .
وأباحَ الخوارج قتل أطفال المخالفين لأفكارهم ونسائهم ، واستحلّوا دماء أهل العهد والذمة وأموالهم في حال التقية ، وحكموا بالبراءة ممن حَرّمها .
تهديدهم لحكومة الإمام ( عليه السلام ) :
ذهب الخوارج إلى المدائن فالتقوا واليها صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عبد الله بن خباب ، فأسّروه مع زوجته الحامل ، ووجدوا في عنقه مصحفاً فقالوا له : إن هذا الذي في عنقك لَيأمرنا أن نقتلك .
فكان رَدّه عليهم أن يحيوا ما أحيا القرآن ، وأن يميتوا ما أمات .
وسألوه عن الإمام علي ( عليه السلام ) فقال لهم : إنه أعلم بالله منكم ، وأشدّ توقياً على دينه ، وأنفذ بصيرة .
فقالوا : إنك تتبع الهوى ، وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها ، والله لنقتلك قتلة ما قتلنا أحداً .
فأخذوه وكتّفوه ، ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى ، فأضجعوه فذبحوه ، فسال دمه في الماء .
واقبلوا إلى المرأة فقالت : أنا امرأة ألا تتّقون الله ؟!
فبقروا بطنها وقتلوها ، وقتلوا ثلاث نسوة ، وقتلوا أم سنان الصيداوية .
موقف الإمام ( عليه السلام ) :
قاتلهم الإمام علي ( عليه السلام ) في مكان يسمى ( النهرَوَان ) مقاتلة شديدة ، فما انفلت منهم إلاّ أقلّ من عشرة .
فانهزم اثنان منهم إلى عُمان ، واثنان إلى كِرمان ، واثنان إلى سَجِسْتان ، واثنان إلى الجزيرة ، وواحد إلى اليمن في تل مورون .
وظهرت بدع الخوارج في هذه المواضع ، وبقيت إلى يومنا هذا .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
مؤهلات الإمام علي ( عليه السلام ) للخلاقة
اهتمَّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) اهتماما بالغاً بتكييف حالة المسلمين ، وتقرير مصيرهم ، واستمرار حياتهم في طريقها إلى التطور في المجالات الاجتماعية والسياسية .
ورسم لها الطريق على أساس من المنهج التجريبي الذي لا يخضع بأي حال لعوامل العاطفة أو المؤثرات الخارجية .
فَعَيَّن ( صلى الله عليه وآله ) لها الإمام علي ( عليه السلام ) لقيادتها الروحية ، وذلك لِمَا يَتَمَتَّعُ به ( عليه السلام ) من القابليَّات الفَذَّة ، والتي هي بإجماع المسلمين لم تتوفر في غيره ( عليه السلام ) .
ولعل من أهمّها ما يلي :
أولها : الإِحاطَة بالقضاء :
فقد كان ( عليه السلام ) المرجع الأعلى للعالم الإسلامي في ذلك .
وقد اشتهرت مقالة عُمَر في الإمام علي ( عليه السلام ) : ( لَولا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَر ) .
ولم ينازعه أحد من الصحابة في هذه الموهبة ، فقد أجمعوا على أنه ( عليه السلام ) أعلم الناس بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأبصرهم بأمور الدين وشؤون الشريعة ، وأوفرهم دراية في الشؤون السياسية والإدارية .
وعهده ( عليه السلام ) لمالك الأشتر من أوثق الأدلة على هذا القول ، فقد حفل هذا العهد بما لم يحفل به أي دستور سياسي في الإسلام وغيره .
فقد عنى بواجبات الدولة تجاه المواطنين ، ومسؤولياتها بتوفير العدل السياسي والاجتماعي لهم .
كما حدّد ( عليه السلام ) صلاحيات الحُكَّام ومسؤولياتهم ، ونصَّ على الشروط التي يجب أن تتوفر في الموظف في جهاز الحكم من الكفاءة ، والدراية التامة بشؤون العمل الذي يعهد إليه ، وأن يتحلّى بالخُلق والإيمان ، والحريجة في الدين ، وإلى غير ذلك من البنود المشرقة التي حفل بها هذا العهد ، والتي لا غنى للأمة حكومة وشعباً عنها .
وكما أنه ( عليه السلام ) كان أعلم المسلمين بهذه الأمور فقد كان من أعلمهم بسائر العلوم الأخرى ، كعلم الكلام والفلسفة ، وعلم الحساب وغيرها .
ومع هذه الثروات العلمية الهائلة التي يَتَمَتَّع بها كيف لا ينتخبه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، أو يرشّحه لمنصب الخلافة التي هي المحور الذي تدور عليه سيادة الأمة وأَمْنها .
فإن الطاقات العلمية الضخمة التي يملكها الإمام تقتضى بحكم المنطق الإسلامي أن يكون هو المرشح للقيادة العامة دون غيره .
فإن الله تعالى يقول : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) الزمر : 9 .
ثانيها : الشجاعة :
إن الإمام علي ( عليه السلام ) كان من أشجع الناس وأثبتِهِم قلباً ، وقد استوعبت شجاعته النادرة جميع لغات الأرض ، وهو القائل ( عليه السلام ) : ( لَو تَظَافَرَتْ العَرَبُ عَلى قِتَالِي لَمَا وَلَّيتُ عَنْهَا ) .
وقد قام هذا الدين بسيفه ( عليه السلام ) ، وبُنِيَ على جهاده وجهوده ، وهو صاحب المواقف المشهورة يوم بَدر وحُنَين والأحزاب .
فقد حصد ( عليه السلام ) رؤوس المشركين ، وَأبَادَ ضروسهم ، وأشاع فيهم القتل ، فلم تنفتح ثغرة على الإسلام إلا تَصَدَّى إلى إسكاتها .
فَقَدَّمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أميراً في جميع المواقف والمشاهد ، وأسند إليه قيادة جيوشه العامة .
فإنه ( عليه السلام ) ما وَلجَ حرباً إلا فتح الله على يَدِه ، فهو الذي قَهَر اليهود ، وفتح حصون خَيْبَر ، وَكَسَر شوكتهم ، وأخمد نارهم .
والشجاعة من العناصر الاساسية التي تتوقف عليها القيادة العامة ، فان الأمة اذا منيت بالازمات والنكسات ، وكان زعيمها ضعيف الإرادة ، خائر القوى جبان القلب ، فانها تصاب حتما بالكوارث والخطوب ، وتلاحقها الضربات والنكبات .
ومع توفر هذه الصفة بأسمى معانيها في الإمام علي ( عليه السلام ) كيف لا يرشّحه النبي ( صلى الله عليه وآله ) للخلافة الإسلامية ! .
فإنه ( عليه السلام ) بحكم شجاعته الفَذَّة التي تصحبها جميع الصفات الفاضلة ، والمثل الكريمة ، كان مُتَعَيَّناً لقيادة الأمة وإدارة شؤونها ، حتى لو لم يكن هناك نَصٌّ من النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليه .
ثالثها : نُكرَان الذات :
وأهم صفة لا بُدَّ من توفرها عند من يتصدى زعامة الأمة هي نكران الذات ، وإيثار مصلحة الأمة على كل شيء ، وعدم الاستئثار بالفيء وغيره من أموال المسلمين .
وكانت هذه الظاهرة من أبرز ما عُرِف به الإمام ( عليه السلام ) أيام حكومته ، فلم يعرف المسلمون ولا غيرهم حاكماً تَنَكَّر لجميع مصالحه الخاصة كالإمام ( عليه السلام ) ، فلم يَدَّخِر لنفسه ولا لأهل بيته ( عليهم السلام ) شيئاً من أموال الدولة ، وتَحرَّجَ فيها تَحَرُّجاً شديداً .
وقد أجهد نفسه ( عليه السلام ) على أن يسير بين المسلمين بسيرة قُوَامُها الحقُّ المَحِض والعدل الخالص .
رابعها : العدالة :
وهي من أبرز الصفات الماثلة في شخصية الإمام ( عليه السلام ) ، فقد أترعت نفسه الشريفة بتقوى الله ، والتجنب عن معاصيه ، فلم يؤثر أي شيء على طاعة الله ، وقد تَحرَّج أشدَّ التَحَرُّج عن كل ما لا يُقرُّه الدين ، وتَأَبَاهُ شريعة الله ، وهو القائل : ( وَاللهِ لَو أُعطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبع بِما تَحت أفلاكِهَا عَلَى أنْ أَعصِي اللهَ فِي جَلْبِ شَعِيرَة أَسلُبُها مِن فَمِ جَرَادَةٍ مَا فَعَلتُ ) .
وكان من مظاهر عدالته النادرة أنه امتنع من إجابة عبد الرحمن بن عوف حينما أَلَحَّ عليه أن يُقلِّده الخلافة شريطة الالتزام بسياسة الشيخين - أبي بكر وعُمَر - فأبى ( عليه السلام ) إلا أن يسير على وفق سيرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فحسب .
ولو كان ( عليه السلام ) من طلاب الدنيا ، وعشّاق السلطان لأجابه إلى ذلك ، ثم يسير على وفق ما يراه ، ولكنّه لا يلتزم بشيء لا يُقِرُّه ، فلم يسلك أي طريق فيه التواء أو انحراف عن مُثُل الإسلام وهَدْيِهِ .
فقد توفرت العدالة بأرحب مفاهيمها في شخصية الإمام ( عليه السلام ) ، وهي من العناصر الرئيسية التي يجب أن يَتَحَلَّى بها من يَتَقَلَّد زمام الحكم ، وَيَلي أمور المسلمين .
هذه بعض خصائص الإمام علي ( عليه السلام ) ، فكيف لا يُرَشِّحُه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا ينتخبه لمنصب الخلافة !! .
اهتمَّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) اهتماما بالغاً بتكييف حالة المسلمين ، وتقرير مصيرهم ، واستمرار حياتهم في طريقها إلى التطور في المجالات الاجتماعية والسياسية .
ورسم لها الطريق على أساس من المنهج التجريبي الذي لا يخضع بأي حال لعوامل العاطفة أو المؤثرات الخارجية .
فَعَيَّن ( صلى الله عليه وآله ) لها الإمام علي ( عليه السلام ) لقيادتها الروحية ، وذلك لِمَا يَتَمَتَّعُ به ( عليه السلام ) من القابليَّات الفَذَّة ، والتي هي بإجماع المسلمين لم تتوفر في غيره ( عليه السلام ) .
ولعل من أهمّها ما يلي :
أولها : الإِحاطَة بالقضاء :
فقد كان ( عليه السلام ) المرجع الأعلى للعالم الإسلامي في ذلك .
وقد اشتهرت مقالة عُمَر في الإمام علي ( عليه السلام ) : ( لَولا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَر ) .
ولم ينازعه أحد من الصحابة في هذه الموهبة ، فقد أجمعوا على أنه ( عليه السلام ) أعلم الناس بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأبصرهم بأمور الدين وشؤون الشريعة ، وأوفرهم دراية في الشؤون السياسية والإدارية .
وعهده ( عليه السلام ) لمالك الأشتر من أوثق الأدلة على هذا القول ، فقد حفل هذا العهد بما لم يحفل به أي دستور سياسي في الإسلام وغيره .
فقد عنى بواجبات الدولة تجاه المواطنين ، ومسؤولياتها بتوفير العدل السياسي والاجتماعي لهم .
كما حدّد ( عليه السلام ) صلاحيات الحُكَّام ومسؤولياتهم ، ونصَّ على الشروط التي يجب أن تتوفر في الموظف في جهاز الحكم من الكفاءة ، والدراية التامة بشؤون العمل الذي يعهد إليه ، وأن يتحلّى بالخُلق والإيمان ، والحريجة في الدين ، وإلى غير ذلك من البنود المشرقة التي حفل بها هذا العهد ، والتي لا غنى للأمة حكومة وشعباً عنها .
وكما أنه ( عليه السلام ) كان أعلم المسلمين بهذه الأمور فقد كان من أعلمهم بسائر العلوم الأخرى ، كعلم الكلام والفلسفة ، وعلم الحساب وغيرها .
ومع هذه الثروات العلمية الهائلة التي يَتَمَتَّع بها كيف لا ينتخبه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، أو يرشّحه لمنصب الخلافة التي هي المحور الذي تدور عليه سيادة الأمة وأَمْنها .
فإن الطاقات العلمية الضخمة التي يملكها الإمام تقتضى بحكم المنطق الإسلامي أن يكون هو المرشح للقيادة العامة دون غيره .
فإن الله تعالى يقول : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) الزمر : 9 .
ثانيها : الشجاعة :
إن الإمام علي ( عليه السلام ) كان من أشجع الناس وأثبتِهِم قلباً ، وقد استوعبت شجاعته النادرة جميع لغات الأرض ، وهو القائل ( عليه السلام ) : ( لَو تَظَافَرَتْ العَرَبُ عَلى قِتَالِي لَمَا وَلَّيتُ عَنْهَا ) .
وقد قام هذا الدين بسيفه ( عليه السلام ) ، وبُنِيَ على جهاده وجهوده ، وهو صاحب المواقف المشهورة يوم بَدر وحُنَين والأحزاب .
فقد حصد ( عليه السلام ) رؤوس المشركين ، وَأبَادَ ضروسهم ، وأشاع فيهم القتل ، فلم تنفتح ثغرة على الإسلام إلا تَصَدَّى إلى إسكاتها .
فَقَدَّمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أميراً في جميع المواقف والمشاهد ، وأسند إليه قيادة جيوشه العامة .
فإنه ( عليه السلام ) ما وَلجَ حرباً إلا فتح الله على يَدِه ، فهو الذي قَهَر اليهود ، وفتح حصون خَيْبَر ، وَكَسَر شوكتهم ، وأخمد نارهم .
والشجاعة من العناصر الاساسية التي تتوقف عليها القيادة العامة ، فان الأمة اذا منيت بالازمات والنكسات ، وكان زعيمها ضعيف الإرادة ، خائر القوى جبان القلب ، فانها تصاب حتما بالكوارث والخطوب ، وتلاحقها الضربات والنكبات .
ومع توفر هذه الصفة بأسمى معانيها في الإمام علي ( عليه السلام ) كيف لا يرشّحه النبي ( صلى الله عليه وآله ) للخلافة الإسلامية ! .
فإنه ( عليه السلام ) بحكم شجاعته الفَذَّة التي تصحبها جميع الصفات الفاضلة ، والمثل الكريمة ، كان مُتَعَيَّناً لقيادة الأمة وإدارة شؤونها ، حتى لو لم يكن هناك نَصٌّ من النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليه .
ثالثها : نُكرَان الذات :
وأهم صفة لا بُدَّ من توفرها عند من يتصدى زعامة الأمة هي نكران الذات ، وإيثار مصلحة الأمة على كل شيء ، وعدم الاستئثار بالفيء وغيره من أموال المسلمين .
وكانت هذه الظاهرة من أبرز ما عُرِف به الإمام ( عليه السلام ) أيام حكومته ، فلم يعرف المسلمون ولا غيرهم حاكماً تَنَكَّر لجميع مصالحه الخاصة كالإمام ( عليه السلام ) ، فلم يَدَّخِر لنفسه ولا لأهل بيته ( عليهم السلام ) شيئاً من أموال الدولة ، وتَحرَّجَ فيها تَحَرُّجاً شديداً .
وقد أجهد نفسه ( عليه السلام ) على أن يسير بين المسلمين بسيرة قُوَامُها الحقُّ المَحِض والعدل الخالص .
رابعها : العدالة :
وهي من أبرز الصفات الماثلة في شخصية الإمام ( عليه السلام ) ، فقد أترعت نفسه الشريفة بتقوى الله ، والتجنب عن معاصيه ، فلم يؤثر أي شيء على طاعة الله ، وقد تَحرَّج أشدَّ التَحَرُّج عن كل ما لا يُقرُّه الدين ، وتَأَبَاهُ شريعة الله ، وهو القائل : ( وَاللهِ لَو أُعطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبع بِما تَحت أفلاكِهَا عَلَى أنْ أَعصِي اللهَ فِي جَلْبِ شَعِيرَة أَسلُبُها مِن فَمِ جَرَادَةٍ مَا فَعَلتُ ) .
وكان من مظاهر عدالته النادرة أنه امتنع من إجابة عبد الرحمن بن عوف حينما أَلَحَّ عليه أن يُقلِّده الخلافة شريطة الالتزام بسياسة الشيخين - أبي بكر وعُمَر - فأبى ( عليه السلام ) إلا أن يسير على وفق سيرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فحسب .
ولو كان ( عليه السلام ) من طلاب الدنيا ، وعشّاق السلطان لأجابه إلى ذلك ، ثم يسير على وفق ما يراه ، ولكنّه لا يلتزم بشيء لا يُقِرُّه ، فلم يسلك أي طريق فيه التواء أو انحراف عن مُثُل الإسلام وهَدْيِهِ .
فقد توفرت العدالة بأرحب مفاهيمها في شخصية الإمام ( عليه السلام ) ، وهي من العناصر الرئيسية التي يجب أن يَتَحَلَّى بها من يَتَقَلَّد زمام الحكم ، وَيَلي أمور المسلمين .
هذه بعض خصائص الإمام علي ( عليه السلام ) ، فكيف لا يُرَشِّحُه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا ينتخبه لمنصب الخلافة !! .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
كرامات الإمام علي ( عليه السلام )
للإمام علي ( عليه السلام ) كرامات كثيرة ، نذكر منها :
الكرامة الأولى :
عن الأصبغ بن نباتة ، قال : كنتُ جالساً عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهو يقضي بين الناس ، إذ أقبل جماعة ومعهم أسود مشدود الأكتاف ، فقالوا : هذا سارق يا أمير المؤمنين .
فقال ( عليه السلام ) : ( يَا أسْوَد : سَرَقْتَ ؟ ) .
قال : نعم يا مولاي .
قال ( عليه السلام ) : ( وَيْلك ، اُنْظر مَاذَا تَقولُ ، أسَرَقْتَ ؟ ) .
قال : نعم .
فقال له ( عليه السلام ) : ( ثَكَلَتْكَ أمُّكَ ، إنْ قُلتَهَا ثَانِيَةً قُطِعَتْ يَدَك ، سَرَقْتَ ؟ ) .
قال : نعم .
فعند ذلك قال ( عليه السلام ) : ( اقطَعُوا يَدَهُ ، فَقَد وَجَبَ عَليهِ القَطْعُ ) .
فقطع يمينه ، فأخذها بشماله وهي تقطر ، فاستقبله رجل يُقَال له ابن الكواء ، فقال له : يا أسود ، من قطع يمينك .
فقال له : قطع يميني سيد المؤمنين ، وقائد الغرِّ المحجَّلين ، وأولى الناس باليقين ، سيد الوصيين أمير المؤمنين على بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، إمام الهدى ، وزوج فاطمة الزهراء ابنة محمد المصطفى ، أبو الحسن المجتبى ، وأبو الحسين المرتضى .
السابقُ إلى جنَّات النعيم ، مُصادم الأبطال ، المنتقم من الجهَّال ، زكي الزكاة ، منيع الصيانة ، من هاشم القمقام ، ابن عم رسول الأنام ، الهادي إلى الرشاد ، الناطق بالسداد .
شُجاع كمي ، جحجاح وفي ، فهو أنور بطين ، أنزع أمين ، من حم ويس وطه والميامين ، مُحلّ الحرمين ، ومصلِّي القبلتين .
خاتم الأوصياء لصفوة الأنبياء ، القسْوَرة الهُمَام ، والبطل الضرغام ، المؤيد بجبرائيل ، والمنصور بميكائيل المبين ، فرض رب العالمين ، المطفئ نيران الموقدين ، وخير من مَشى من قريش أجمعين ، المحفوف بِجُند من السَّماء ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، على رغم أنف الراغمين ، ومولى الخلق أجمعين .
فعند ذلك قال له ابن الكواء : ويلك يا أسود ، قطع يمينك وأنت تثني عليه هذا الثناء كله .
قال : وما لي لا أثني عليه وقد خالط حُبّه لحمي ودمي ، والله ما قطع يميني إلا بحقٍّ أوجبه الله تعالى عليَّ .
قال ابن الكواء : فدخلت إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقلت له : يا سيدي رأيتُ عجباً .
فقال ( عليه السلام ) : ( وَمَا رَأيْتَ ) .
قال : صادَفْتُ الأسود وقد قُطِعت يمينه ، وقد أخذَها بشماله ، وهي تقطر دماً ، فقلت : يا أسود ، من قطع يمينك .
فقال : سيدي أمير المؤمنين ( عليه السلام ، ) فأعدت عليه القول ، وقلت له : ويحك قطع يمينك وأنت تثني عليه هذا الثناء كله .
فقال : ما لي لا أثني عليه وقد خالط حبه لحمي ودمي ، والله ما قطعها إلا بحق أوجبه الله تعالى .
فالتفت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى ولده الحسن وقال له ، قم وهات عمَّك الأسود .
فخرج الحسن ( عليه السلام ) في طلبه ، فوجده في موضع يُقال له : كندة ، فأتى به إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
فقال ( عليه السلام ) : ( يَا أسْود قطعت يَمينكَ وأنتَ تُثني عَلَيَّ ) .
فقال يا مولاي يا أمير المؤمنين : ومالي أثني عليك وقد خالط حبك لحمي ودمي ، فو الله ما قطعتَها إلا بحقٍّ كان عليّ مما ينجي من عذاب الآخرة .
فقال ( عليه السلام ) : ( هَات يَدَكَ ) .
فناوله إياها ، فأخذها ( عليه السلام ) ووضعها في الموضع الذي قُطِعت منه ، ثم غطاها بردائه وقام ، فصلّى ( عليه السلام ) ودعا بدعوات لم تردَّد ، وسمعناه يقول في آخر دعائه : ( آمين ) .
ثم شال الرداء وقال ( عليه السلام ) : ( اتصلي أيَّتها العروق كما كنت ) .
فقام الأسود وهو يقول : آمنتُ بالله ، وبمحمَّدٍ رسوله ، وبعليٍّ الذي رَدَّ اليد بعد القطع ، وتخليتها من الزند .
ثم انكبَّ على قدمَيه وقال : بأبي أنت وأمي يا وارث علم النبوة .
للإمام علي ( عليه السلام ) كرامات كثيرة ، نذكر منها :
الكرامة الأولى :
عن الأصبغ بن نباتة ، قال : كنتُ جالساً عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهو يقضي بين الناس ، إذ أقبل جماعة ومعهم أسود مشدود الأكتاف ، فقالوا : هذا سارق يا أمير المؤمنين .
فقال ( عليه السلام ) : ( يَا أسْوَد : سَرَقْتَ ؟ ) .
قال : نعم يا مولاي .
قال ( عليه السلام ) : ( وَيْلك ، اُنْظر مَاذَا تَقولُ ، أسَرَقْتَ ؟ ) .
قال : نعم .
فقال له ( عليه السلام ) : ( ثَكَلَتْكَ أمُّكَ ، إنْ قُلتَهَا ثَانِيَةً قُطِعَتْ يَدَك ، سَرَقْتَ ؟ ) .
قال : نعم .
فعند ذلك قال ( عليه السلام ) : ( اقطَعُوا يَدَهُ ، فَقَد وَجَبَ عَليهِ القَطْعُ ) .
فقطع يمينه ، فأخذها بشماله وهي تقطر ، فاستقبله رجل يُقَال له ابن الكواء ، فقال له : يا أسود ، من قطع يمينك .
فقال له : قطع يميني سيد المؤمنين ، وقائد الغرِّ المحجَّلين ، وأولى الناس باليقين ، سيد الوصيين أمير المؤمنين على بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، إمام الهدى ، وزوج فاطمة الزهراء ابنة محمد المصطفى ، أبو الحسن المجتبى ، وأبو الحسين المرتضى .
السابقُ إلى جنَّات النعيم ، مُصادم الأبطال ، المنتقم من الجهَّال ، زكي الزكاة ، منيع الصيانة ، من هاشم القمقام ، ابن عم رسول الأنام ، الهادي إلى الرشاد ، الناطق بالسداد .
شُجاع كمي ، جحجاح وفي ، فهو أنور بطين ، أنزع أمين ، من حم ويس وطه والميامين ، مُحلّ الحرمين ، ومصلِّي القبلتين .
خاتم الأوصياء لصفوة الأنبياء ، القسْوَرة الهُمَام ، والبطل الضرغام ، المؤيد بجبرائيل ، والمنصور بميكائيل المبين ، فرض رب العالمين ، المطفئ نيران الموقدين ، وخير من مَشى من قريش أجمعين ، المحفوف بِجُند من السَّماء ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، على رغم أنف الراغمين ، ومولى الخلق أجمعين .
فعند ذلك قال له ابن الكواء : ويلك يا أسود ، قطع يمينك وأنت تثني عليه هذا الثناء كله .
قال : وما لي لا أثني عليه وقد خالط حُبّه لحمي ودمي ، والله ما قطع يميني إلا بحقٍّ أوجبه الله تعالى عليَّ .
قال ابن الكواء : فدخلت إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقلت له : يا سيدي رأيتُ عجباً .
فقال ( عليه السلام ) : ( وَمَا رَأيْتَ ) .
قال : صادَفْتُ الأسود وقد قُطِعت يمينه ، وقد أخذَها بشماله ، وهي تقطر دماً ، فقلت : يا أسود ، من قطع يمينك .
فقال : سيدي أمير المؤمنين ( عليه السلام ، ) فأعدت عليه القول ، وقلت له : ويحك قطع يمينك وأنت تثني عليه هذا الثناء كله .
فقال : ما لي لا أثني عليه وقد خالط حبه لحمي ودمي ، والله ما قطعها إلا بحق أوجبه الله تعالى .
فالتفت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى ولده الحسن وقال له ، قم وهات عمَّك الأسود .
فخرج الحسن ( عليه السلام ) في طلبه ، فوجده في موضع يُقال له : كندة ، فأتى به إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
فقال ( عليه السلام ) : ( يَا أسْود قطعت يَمينكَ وأنتَ تُثني عَلَيَّ ) .
فقال يا مولاي يا أمير المؤمنين : ومالي أثني عليك وقد خالط حبك لحمي ودمي ، فو الله ما قطعتَها إلا بحقٍّ كان عليّ مما ينجي من عذاب الآخرة .
فقال ( عليه السلام ) : ( هَات يَدَكَ ) .
فناوله إياها ، فأخذها ( عليه السلام ) ووضعها في الموضع الذي قُطِعت منه ، ثم غطاها بردائه وقام ، فصلّى ( عليه السلام ) ودعا بدعوات لم تردَّد ، وسمعناه يقول في آخر دعائه : ( آمين ) .
ثم شال الرداء وقال ( عليه السلام ) : ( اتصلي أيَّتها العروق كما كنت ) .
فقام الأسود وهو يقول : آمنتُ بالله ، وبمحمَّدٍ رسوله ، وبعليٍّ الذي رَدَّ اليد بعد القطع ، وتخليتها من الزند .
ثم انكبَّ على قدمَيه وقال : بأبي أنت وأمي يا وارث علم النبوة .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
كتاب الإمام علي إلى ابنه الحسن ( عليهما السلام )
لمّا انصرف الإمام علي ( عليه السلام ) من صفّين كتب إلى ابنه الحسن ( عليه السلام ) كتاباً ، نذكر مقتطفات منه :
كتب ( عليه السلام ) : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من الوالد الفاني ، المقر للزمان ، المدبر العمر ، المستسلم للدهر ، الذام للدنيا ، الساكن مساكن الموتى ، الظاعن عنها غداً ، إلى الولد المؤمّل ، ما لا يدرك السالك سبيل من قد هلك ، غرض الأسقام ، ورهينة الأيّام ، ورمية المصائب ، وعبد الدنيا ، وتاجر الغرور ، وغريم المنايا ، وأسير الموت ، وحليف الهموم ، وقرين الأحزان ، ورصيد الآفات ، وصريع الشهوات ، وخليفة الأموات .
أمّا بعد ، فإنّ فيما تبينت من ادبار الدنيا عنّي ، وجموح الدهر عليّ ، وإقبال الآخرة إليّ ، ما يزعني عن ذكر من سواي ، والاهتمام بما ورائي ، غير أنّي حيث تفرّد بي دون هم الناس هم نفسي ، فصدفني رأيي وصرفني عن هواي ، وصرح لي محض أمري ، فأفضى بي إلى جد لا يرى معه لعب ، وصدق لا يشوبه كذب ، وجدتك بعضي بل وجدتك كلّي ، حتّى كان شيئاً لو أصابك أصابني ، وحتّى كان الموت لو أتاك أتاني ، فعناني من أمرك ما يعنيني عن أمر نفسي ، فكتبت إليك كتابي ، هذا مستظهراً به إن أنا بقيت لك أو فنيت .
فأوصيك بتقوى الله يا بني ، ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله ، وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله جل جلاله إن أخذت به ، فأحي قلبك بالموعظة ، وأمته بالزهد ، وقوّه باليقين ، ونوّره بالحكمة ، وذلّله بذكر الموت ، وقرّره بالفناء ، وأسكنه بالخشية ، وأشعره بالصبر ، وبصّره فجائع الدنيا ، وحذّره صولة الدهر ، وفحش تقلّبه ، وتقلّب الليالي والأيّام .
وأعرض عليه أخبار الماضين ، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين ، وسر في ديارهم ، واعتبر آثارهم ، وأنظر ما فعلوا وأين حلّوا ونزلوا ، وعمّن انتقلوا ، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة ، وحلّوا دار الغربة ، وكأنّك عن قليل قد صرت كأحدهم ، فأصلح مثواك ، ولا تبع آخرتك بدنياك ، ودع القول فيما لا تعرف ، والنظر فيما لا تكلف ، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته ، فإنّ الكف عند حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال ، وأمر بالمعروف تكن من أهله ، وأنكر المنكر بلسانك ويدك ، وباين من فعله بجهدك ، وجاهد في الله حق جهاده ، ولا تأخذك في الله لومة لائم .
وخض الغمرات إلى الحق حيث كان ، وتفقّه في الدين ، وعوّد نفسك التصبّر على المكروه ، فنعم الخلق الصبر ، والجأ نفسك في الأمور كلّها إلى إلهك ، فإنّك تلجئها إلى كهف حريز ، ومانع عزيز ، وأخلص في المسألة لربّك ، فإنّ بيده العطاء والحرمان ، وأكثر الاستخارة ، وتفهّم وصيتي ، ولا تذهبن عنك صفحاً ، فإنّ خير القول ما نفع ، واعلم أنّه لا خير في علم لا ينفع ، ولا ينفع ، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه .
يا بُني إنّي لمّا رأيتني قَد بَلغت سِناً ، ورأيتني أزداد وهناً ، أردت بوصيتي إيّاك خصالاً منهن : إنّي خفت أن يعجل بي أجلي قبل أن أفضي إليك بما في نفسي ، وأن انقص في رأيي كما نقصت في جسمي ، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى ، وفتن الدنيا ، فتكون كالصعب النفور ، فإنّ قلب الحدث كالأرض الخالية ، ما القي فيها من شيء قبلته ، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ، ويشتغل لبّك لتستقبل بجد رأيك ما قد كفاك أهل التجارب بغيبة وتجربة ، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب ، وعوفيت من علاج التجربة ، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه ، واستبان لك ما أظلم علينا فيه ... .
واعلم أنّ أمامك طريقاً ذا مشقّة ، بعيداً ، وهولاً شديداً ، وأنّك لا غنى بك عن حسن الارتياد ، وقدر بلاغك من الزاد مع خفّة الظهر ، فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك ، فيكون ثقله وبالاً عليك ، وإذا وجدت من أهل الحاجة من يحمل لك ذلك فيوافيك به حيث تحتاج إليه تغتنمه ، واغتنم ما أقرضت من استقرضك في حال غناك ، وجعل قضاءه لك في يوم عسرتك ، وحمله إيّاه ، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه ، فلعلّك تطلبه فلا تجده ، واعلم أنّ أمامك عقبة كؤوداً لا محالة أن مهبطها بك على جنّة أو نار ، فارتد لنفسك قبل نزولك ... .
واعلم يا بني أنّك خلقت للآخرة لا إلى الدنيا ، وللفناء لا للبقاء ، وأنّك لفي منزل قلعة ، ودار بلغة ، وطريق من الآخرة ، وأنّك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه ، ولا يفوته طالبه ، وإيّاك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة ، وإن استطعت ألا تكون بينك وبين الله تعالى ذو نعمة فافعل ... .
يا بني فإن تزهد زهدتك فيه وتعزف نفسك عنها فهي أهل ذلك ، وإن كنت غير قابل نصيحتي إيّاك فيها ، فاعلم يقيناً أنّك لن تبلغ أملك ولا تعدو أجلك ، فإنّك في سبيل من كان قبلك ، فخفض في الطلب ، وأجمل في المكتسب ، فإنّه رب طلب قد جر إلى حرب ، وليس كل طالب بناج ، وكل مجمل بمحتاج ، وأكرم
نفسك عن دنية ، وإن ساقتك إلى الرغائب ، فإنّك لن تعتاض بما تبذل شيئاً من دينك ، وعرضك بثمن وإن جل ، ومن خير حظ امرأ قرين صالح ، فقارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشر تبن عنهم .
لا يغلبن عليك سوء الظن فإنّه لا يدع بينك وبين صديق صفحاً ، بئس الطعام الحرام ، وظلم الضعيف أفحش الظلم ، والفاحشة كاسمها ، والتصبّر على المكروه يعصم القلب ، وإذا كان الرفق خرفاً كان الخرق رفقاً ، وربما كان الداء ودواء ، وربما نصح غير الناصح ، وغش المستنصح ، وإيّاك والاتكال على المنى ، فإنّها بضائع النوكى ، ومطل عن الآخرة والدنيا ، زك قلبك بالأدب كما يزكي النار بالحطب ، ولا تكن كحاطب الليل وغثاء السيل ... .
واعلم يا بني أنّ الدهر ذو صروف ، فلا تكن ممّن يشتد لائمته ، ويقل عند الناس عذره ، ما أقبح الخضوع عند الحاجة ، والجفاء عند الغنى ، إنّما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك ، فأنفق في حق ولا تكن خازناً لغيرك ، وإن كنت جازعاً على ما تفلت من بين يديك ، فاجزع على كل ما لم يصل إليك ، واستدلل على ما لم يكن بما كان ، فإنّما الأمور أشباه ، ولا تكفر ذا نعمة ، فإنّ كفر النعمة من ألام الكفر ، واقبل العذر ولا تكونن ممّن لا ينتفع من الغطة ، إلاّ بما لزمه إزالته ، فإنّ العاقل يتّعظ بالأدب ، والبهائم لا يتّعظ إلاّ بالضرب .
اعرف الحق لمن عرفه لك ، رفيعاً كان أو ضيعاً ، واطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين ، من ترك القصد جار ، ونعم حظ المرء القنوع ، ومن شر ما صحب المرء الحسد ، وفي القنوط التفريط ، والشح يجلب الملامة ، والصاحب مناسب ، والصديق من صدق غيبة ، والهوى شريك العمى ، ومن التوفيق الوقوف عند الحيرة ، ونعم طارد الهموم اليقين ، وعاقبة الكذب الندم ، وفي الصدق السلامة ، ورب بعيد أقرب من قريب ، والغريب من لم يكن له حبيب ، لا يعدمك من شفيق سوء الظن ، ومن حم ظمئ ، ومن تعدّى الحق ضاق مذهبه ، ومن اقتصر على قدره كان أبقى له ، نعم الخلق التكرّم ، وألام اللؤم البغي عند القدرة ، والحياء سبب إلى كان جميل ، وأوثق العرى التقوى ، وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين الله .
سرّك من أعتبك ، والأفراط في الملامة يشب نيران اللجاجة ، كم من دنف قد نجا ، وصحيح قد هوى ، وقد يكون اليأس إدراكاً إذا كان الطمع هلاكاً ، وليس كل عورة تظهر ، ولا كل فريضة تصاب ، وربما أخطأ البصير قصده ، وأصاب الأعمى رشده ، وليس كل من طلب وجد ، ولا كل من توفّى نجا ، أخّر الشر فإنّك إذا شئت تعجلته ، وأحسن إن أحببت أن يحسن إليك ، واحتمل أخاك على ما فيه ، ولا تكثر العتاب فإنّه يورث الضغينة ، واستعتب من رجوت عتباه ، وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل ، ومن الكرم منع الحزم ، ومن كابر الزمان عطب ، ومن ينتقم عليه غضب ، ما أقرب النقمة من أهل البغي ، وأخلق بمن غدر أن لا يوفى له ، زلة المتوفي أشد زلة ، وعلّة الكذب أقبح علّة ، والفساد يبير الكثير ، والاقتصاد ينمى اليسير ، والقلّة ذلّة .
وبر الوالدين من أكرم الطباع ، والمخافة شر يخاف ، والزلل مع العجل ، ولا خير في لذّة تعقب ندماً ، العاقل من وعّظته التجارب ، ورسولك ترجمان عقلك ، والهدى يجلو العمى ، وليس مع الخلاف ائتلاف ، من خيّر خواناً فقد خان ، لن يهلك من اقتصد ، ولن يفتقر من زهد ، ينبئ عن امرء دخيله ، رب باحث عن حتفه ، لا يشوبن بثقة رجاء ، وما كل ما يخشى يضر ، ولرب هزل قد عاد جدّاً ، من أمن الزمان خانه ، ومن تعظّم عليه أهانه ، ومن ترغّم عليه أرغمه ، ومن لجأ إليه أسلمه ، وليس كل من رمى أصاب ، وإذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان ، خير أهلك من كفاك ، المزاح تورث الضغائن ، أعذر من اجتهد ، وربما أكدى الحريص .
رأس الدين صحّة اليقين ، تمام الإخلاص تجنّب المعاصي ، خير المقال ما صدقه الفعال ، السلامة مع الاستقامة ، والدعاء مفتاح الرحمة ، سل عن الرفيق قبل الطريق ، وعن الجار قبل الدار ، وكن عن الدنيا على قلعة ، احمل من أدل عليك ، واقبل عذر من اعتذر إليك ، وخذا العفو من الناس ، ولا تبلغ من أحد مكروهاً ، وأطع أخاك وإن عصاك ، وصله وإن جفاك ، وعوّد نفسك السماح ، وتخيّر لها من كل خلق أحسنه ، فإنّ الخير عادة .
وإيّاك أن تكثر من الكلام هذراً ، وأن تكون مضحكاً ، وإن حكيت ذلك عن غيرك ، وأنصف من نفسك ... وإيّاك أن تعاتب فيعظم الذنب ويهون العتب ، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً ، وما خير بخير لا ينال إلاّ بشر ، ويسر لا ينال إلاّ بعسر ، وإيّاك أن توجف بك مطايا الطمع ، وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل ، فإنّك مدرك قسمك وآخذ سهمك ، وإن اليسير من الله أكرم وأعظم من الكثير من خلقه ، وإن كان كل منه ، فان نظرت - فلله المثل الأعلى - فيما تطلب من الملوك ومن دونهم من السفلة ، لعرفت أن لك في يسير ما تصيب من الملوك افتخاراً ، وإن عليك في كثير ما تطلب من الدناة عاراً ، إنّك ليس بايعاً شيئاً من دينك وعرضك بثمن ، والمغبون من غبن نفسه من الله ، فخذ من الدنيا ما آتاك .
وتول عمّا تولّى عنك ، فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب ، وإيّاك ومقاربة من رهبته على دينك وعرضك ، وباعد السلطان لتأمن من خذع الشيطان ، وتقول : متى أرى ما أنكر نزعت ، فإنّه هكذا هلك من كان قبلك ، إن أهل القبلة قد أيقنوا بالمعاد ، فلو سمت بعضهم ببيع آخرته بالدنيا لم تطب بذلك نفساً ، وقد يتخيّله الشيطان بخدعه ومكره حتّى يورطه في هلكة بعرض من الدنيا يسير حقير ، وينقله من شئ إلى شئ حتّى يؤيسه من رحمة الله ، ويدخله في القنوط ، فيجد الراحة إلى ما خالف الإسلام وأحكامه ، فإن نفسك أبت إلاّ حب الدنيا وقرب السلطان ، فخالفتك إلى ما نهيتك عنه ممّا فيه رشدك ، فأملك عليه لسانك ، فإنّه لا ثقة للملوك عند الغضب ، فلا تسأل عن أخبارهم ، ولا تنطق بأسرارهم ، ولا تدخل فيما بينهم ) .
لمّا انصرف الإمام علي ( عليه السلام ) من صفّين كتب إلى ابنه الحسن ( عليه السلام ) كتاباً ، نذكر مقتطفات منه :
كتب ( عليه السلام ) : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من الوالد الفاني ، المقر للزمان ، المدبر العمر ، المستسلم للدهر ، الذام للدنيا ، الساكن مساكن الموتى ، الظاعن عنها غداً ، إلى الولد المؤمّل ، ما لا يدرك السالك سبيل من قد هلك ، غرض الأسقام ، ورهينة الأيّام ، ورمية المصائب ، وعبد الدنيا ، وتاجر الغرور ، وغريم المنايا ، وأسير الموت ، وحليف الهموم ، وقرين الأحزان ، ورصيد الآفات ، وصريع الشهوات ، وخليفة الأموات .
أمّا بعد ، فإنّ فيما تبينت من ادبار الدنيا عنّي ، وجموح الدهر عليّ ، وإقبال الآخرة إليّ ، ما يزعني عن ذكر من سواي ، والاهتمام بما ورائي ، غير أنّي حيث تفرّد بي دون هم الناس هم نفسي ، فصدفني رأيي وصرفني عن هواي ، وصرح لي محض أمري ، فأفضى بي إلى جد لا يرى معه لعب ، وصدق لا يشوبه كذب ، وجدتك بعضي بل وجدتك كلّي ، حتّى كان شيئاً لو أصابك أصابني ، وحتّى كان الموت لو أتاك أتاني ، فعناني من أمرك ما يعنيني عن أمر نفسي ، فكتبت إليك كتابي ، هذا مستظهراً به إن أنا بقيت لك أو فنيت .
فأوصيك بتقوى الله يا بني ، ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله ، وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله جل جلاله إن أخذت به ، فأحي قلبك بالموعظة ، وأمته بالزهد ، وقوّه باليقين ، ونوّره بالحكمة ، وذلّله بذكر الموت ، وقرّره بالفناء ، وأسكنه بالخشية ، وأشعره بالصبر ، وبصّره فجائع الدنيا ، وحذّره صولة الدهر ، وفحش تقلّبه ، وتقلّب الليالي والأيّام .
وأعرض عليه أخبار الماضين ، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين ، وسر في ديارهم ، واعتبر آثارهم ، وأنظر ما فعلوا وأين حلّوا ونزلوا ، وعمّن انتقلوا ، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة ، وحلّوا دار الغربة ، وكأنّك عن قليل قد صرت كأحدهم ، فأصلح مثواك ، ولا تبع آخرتك بدنياك ، ودع القول فيما لا تعرف ، والنظر فيما لا تكلف ، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته ، فإنّ الكف عند حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال ، وأمر بالمعروف تكن من أهله ، وأنكر المنكر بلسانك ويدك ، وباين من فعله بجهدك ، وجاهد في الله حق جهاده ، ولا تأخذك في الله لومة لائم .
وخض الغمرات إلى الحق حيث كان ، وتفقّه في الدين ، وعوّد نفسك التصبّر على المكروه ، فنعم الخلق الصبر ، والجأ نفسك في الأمور كلّها إلى إلهك ، فإنّك تلجئها إلى كهف حريز ، ومانع عزيز ، وأخلص في المسألة لربّك ، فإنّ بيده العطاء والحرمان ، وأكثر الاستخارة ، وتفهّم وصيتي ، ولا تذهبن عنك صفحاً ، فإنّ خير القول ما نفع ، واعلم أنّه لا خير في علم لا ينفع ، ولا ينفع ، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه .
يا بُني إنّي لمّا رأيتني قَد بَلغت سِناً ، ورأيتني أزداد وهناً ، أردت بوصيتي إيّاك خصالاً منهن : إنّي خفت أن يعجل بي أجلي قبل أن أفضي إليك بما في نفسي ، وأن انقص في رأيي كما نقصت في جسمي ، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى ، وفتن الدنيا ، فتكون كالصعب النفور ، فإنّ قلب الحدث كالأرض الخالية ، ما القي فيها من شيء قبلته ، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ، ويشتغل لبّك لتستقبل بجد رأيك ما قد كفاك أهل التجارب بغيبة وتجربة ، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب ، وعوفيت من علاج التجربة ، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه ، واستبان لك ما أظلم علينا فيه ... .
واعلم أنّ أمامك طريقاً ذا مشقّة ، بعيداً ، وهولاً شديداً ، وأنّك لا غنى بك عن حسن الارتياد ، وقدر بلاغك من الزاد مع خفّة الظهر ، فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك ، فيكون ثقله وبالاً عليك ، وإذا وجدت من أهل الحاجة من يحمل لك ذلك فيوافيك به حيث تحتاج إليه تغتنمه ، واغتنم ما أقرضت من استقرضك في حال غناك ، وجعل قضاءه لك في يوم عسرتك ، وحمله إيّاه ، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه ، فلعلّك تطلبه فلا تجده ، واعلم أنّ أمامك عقبة كؤوداً لا محالة أن مهبطها بك على جنّة أو نار ، فارتد لنفسك قبل نزولك ... .
واعلم يا بني أنّك خلقت للآخرة لا إلى الدنيا ، وللفناء لا للبقاء ، وأنّك لفي منزل قلعة ، ودار بلغة ، وطريق من الآخرة ، وأنّك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه ، ولا يفوته طالبه ، وإيّاك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة ، وإن استطعت ألا تكون بينك وبين الله تعالى ذو نعمة فافعل ... .
يا بني فإن تزهد زهدتك فيه وتعزف نفسك عنها فهي أهل ذلك ، وإن كنت غير قابل نصيحتي إيّاك فيها ، فاعلم يقيناً أنّك لن تبلغ أملك ولا تعدو أجلك ، فإنّك في سبيل من كان قبلك ، فخفض في الطلب ، وأجمل في المكتسب ، فإنّه رب طلب قد جر إلى حرب ، وليس كل طالب بناج ، وكل مجمل بمحتاج ، وأكرم
نفسك عن دنية ، وإن ساقتك إلى الرغائب ، فإنّك لن تعتاض بما تبذل شيئاً من دينك ، وعرضك بثمن وإن جل ، ومن خير حظ امرأ قرين صالح ، فقارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشر تبن عنهم .
لا يغلبن عليك سوء الظن فإنّه لا يدع بينك وبين صديق صفحاً ، بئس الطعام الحرام ، وظلم الضعيف أفحش الظلم ، والفاحشة كاسمها ، والتصبّر على المكروه يعصم القلب ، وإذا كان الرفق خرفاً كان الخرق رفقاً ، وربما كان الداء ودواء ، وربما نصح غير الناصح ، وغش المستنصح ، وإيّاك والاتكال على المنى ، فإنّها بضائع النوكى ، ومطل عن الآخرة والدنيا ، زك قلبك بالأدب كما يزكي النار بالحطب ، ولا تكن كحاطب الليل وغثاء السيل ... .
واعلم يا بني أنّ الدهر ذو صروف ، فلا تكن ممّن يشتد لائمته ، ويقل عند الناس عذره ، ما أقبح الخضوع عند الحاجة ، والجفاء عند الغنى ، إنّما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك ، فأنفق في حق ولا تكن خازناً لغيرك ، وإن كنت جازعاً على ما تفلت من بين يديك ، فاجزع على كل ما لم يصل إليك ، واستدلل على ما لم يكن بما كان ، فإنّما الأمور أشباه ، ولا تكفر ذا نعمة ، فإنّ كفر النعمة من ألام الكفر ، واقبل العذر ولا تكونن ممّن لا ينتفع من الغطة ، إلاّ بما لزمه إزالته ، فإنّ العاقل يتّعظ بالأدب ، والبهائم لا يتّعظ إلاّ بالضرب .
اعرف الحق لمن عرفه لك ، رفيعاً كان أو ضيعاً ، واطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين ، من ترك القصد جار ، ونعم حظ المرء القنوع ، ومن شر ما صحب المرء الحسد ، وفي القنوط التفريط ، والشح يجلب الملامة ، والصاحب مناسب ، والصديق من صدق غيبة ، والهوى شريك العمى ، ومن التوفيق الوقوف عند الحيرة ، ونعم طارد الهموم اليقين ، وعاقبة الكذب الندم ، وفي الصدق السلامة ، ورب بعيد أقرب من قريب ، والغريب من لم يكن له حبيب ، لا يعدمك من شفيق سوء الظن ، ومن حم ظمئ ، ومن تعدّى الحق ضاق مذهبه ، ومن اقتصر على قدره كان أبقى له ، نعم الخلق التكرّم ، وألام اللؤم البغي عند القدرة ، والحياء سبب إلى كان جميل ، وأوثق العرى التقوى ، وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين الله .
سرّك من أعتبك ، والأفراط في الملامة يشب نيران اللجاجة ، كم من دنف قد نجا ، وصحيح قد هوى ، وقد يكون اليأس إدراكاً إذا كان الطمع هلاكاً ، وليس كل عورة تظهر ، ولا كل فريضة تصاب ، وربما أخطأ البصير قصده ، وأصاب الأعمى رشده ، وليس كل من طلب وجد ، ولا كل من توفّى نجا ، أخّر الشر فإنّك إذا شئت تعجلته ، وأحسن إن أحببت أن يحسن إليك ، واحتمل أخاك على ما فيه ، ولا تكثر العتاب فإنّه يورث الضغينة ، واستعتب من رجوت عتباه ، وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل ، ومن الكرم منع الحزم ، ومن كابر الزمان عطب ، ومن ينتقم عليه غضب ، ما أقرب النقمة من أهل البغي ، وأخلق بمن غدر أن لا يوفى له ، زلة المتوفي أشد زلة ، وعلّة الكذب أقبح علّة ، والفساد يبير الكثير ، والاقتصاد ينمى اليسير ، والقلّة ذلّة .
وبر الوالدين من أكرم الطباع ، والمخافة شر يخاف ، والزلل مع العجل ، ولا خير في لذّة تعقب ندماً ، العاقل من وعّظته التجارب ، ورسولك ترجمان عقلك ، والهدى يجلو العمى ، وليس مع الخلاف ائتلاف ، من خيّر خواناً فقد خان ، لن يهلك من اقتصد ، ولن يفتقر من زهد ، ينبئ عن امرء دخيله ، رب باحث عن حتفه ، لا يشوبن بثقة رجاء ، وما كل ما يخشى يضر ، ولرب هزل قد عاد جدّاً ، من أمن الزمان خانه ، ومن تعظّم عليه أهانه ، ومن ترغّم عليه أرغمه ، ومن لجأ إليه أسلمه ، وليس كل من رمى أصاب ، وإذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان ، خير أهلك من كفاك ، المزاح تورث الضغائن ، أعذر من اجتهد ، وربما أكدى الحريص .
رأس الدين صحّة اليقين ، تمام الإخلاص تجنّب المعاصي ، خير المقال ما صدقه الفعال ، السلامة مع الاستقامة ، والدعاء مفتاح الرحمة ، سل عن الرفيق قبل الطريق ، وعن الجار قبل الدار ، وكن عن الدنيا على قلعة ، احمل من أدل عليك ، واقبل عذر من اعتذر إليك ، وخذا العفو من الناس ، ولا تبلغ من أحد مكروهاً ، وأطع أخاك وإن عصاك ، وصله وإن جفاك ، وعوّد نفسك السماح ، وتخيّر لها من كل خلق أحسنه ، فإنّ الخير عادة .
وإيّاك أن تكثر من الكلام هذراً ، وأن تكون مضحكاً ، وإن حكيت ذلك عن غيرك ، وأنصف من نفسك ... وإيّاك أن تعاتب فيعظم الذنب ويهون العتب ، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً ، وما خير بخير لا ينال إلاّ بشر ، ويسر لا ينال إلاّ بعسر ، وإيّاك أن توجف بك مطايا الطمع ، وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل ، فإنّك مدرك قسمك وآخذ سهمك ، وإن اليسير من الله أكرم وأعظم من الكثير من خلقه ، وإن كان كل منه ، فان نظرت - فلله المثل الأعلى - فيما تطلب من الملوك ومن دونهم من السفلة ، لعرفت أن لك في يسير ما تصيب من الملوك افتخاراً ، وإن عليك في كثير ما تطلب من الدناة عاراً ، إنّك ليس بايعاً شيئاً من دينك وعرضك بثمن ، والمغبون من غبن نفسه من الله ، فخذ من الدنيا ما آتاك .
وتول عمّا تولّى عنك ، فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب ، وإيّاك ومقاربة من رهبته على دينك وعرضك ، وباعد السلطان لتأمن من خذع الشيطان ، وتقول : متى أرى ما أنكر نزعت ، فإنّه هكذا هلك من كان قبلك ، إن أهل القبلة قد أيقنوا بالمعاد ، فلو سمت بعضهم ببيع آخرته بالدنيا لم تطب بذلك نفساً ، وقد يتخيّله الشيطان بخدعه ومكره حتّى يورطه في هلكة بعرض من الدنيا يسير حقير ، وينقله من شئ إلى شئ حتّى يؤيسه من رحمة الله ، ويدخله في القنوط ، فيجد الراحة إلى ما خالف الإسلام وأحكامه ، فإن نفسك أبت إلاّ حب الدنيا وقرب السلطان ، فخالفتك إلى ما نهيتك عنه ممّا فيه رشدك ، فأملك عليه لسانك ، فإنّه لا ثقة للملوك عند الغضب ، فلا تسأل عن أخبارهم ، ولا تنطق بأسرارهم ، ولا تدخل فيما بينهم ) .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
كتاب الإمام علي إلى ابنه الحسن ( عليهما السلام )
لمّا انصرف الإمام علي ( عليه السلام ) من صفّين كتب إلى ابنه الحسن ( عليه السلام ) كتاباً ، نذكر مقتطفات منه :
كتب ( عليه السلام ) : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من الوالد الفاني ، المقر للزمان ، المدبر العمر ، المستسلم للدهر ، الذام للدنيا ، الساكن مساكن الموتى ، الظاعن عنها غداً ، إلى الولد المؤمّل ، ما لا يدرك السالك سبيل من قد هلك ، غرض الأسقام ، ورهينة الأيّام ، ورمية المصائب ، وعبد الدنيا ، وتاجر الغرور ، وغريم المنايا ، وأسير الموت ، وحليف الهموم ، وقرين الأحزان ، ورصيد الآفات ، وصريع الشهوات ، وخليفة الأموات .
أمّا بعد ، فإنّ فيما تبينت من ادبار الدنيا عنّي ، وجموح الدهر عليّ ، وإقبال الآخرة إليّ ، ما يزعني عن ذكر من سواي ، والاهتمام بما ورائي ، غير أنّي حيث تفرّد بي دون هم الناس هم نفسي ، فصدفني رأيي وصرفني عن هواي ، وصرح لي محض أمري ، فأفضى بي إلى جد لا يرى معه لعب ، وصدق لا يشوبه كذب ، وجدتك بعضي بل وجدتك كلّي ، حتّى كان شيئاً لو أصابك أصابني ، وحتّى كان الموت لو أتاك أتاني ، فعناني من أمرك ما يعنيني عن أمر نفسي ، فكتبت إليك كتابي ، هذا مستظهراً به إن أنا بقيت لك أو فنيت .
فأوصيك بتقوى الله يا بني ، ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله ، وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله جل جلاله إن أخذت به ، فأحي قلبك بالموعظة ، وأمته بالزهد ، وقوّه باليقين ، ونوّره بالحكمة ، وذلّله بذكر الموت ، وقرّره بالفناء ، وأسكنه بالخشية ، وأشعره بالصبر ، وبصّره فجائع الدنيا ، وحذّره صولة الدهر ، وفحش تقلّبه ، وتقلّب الليالي والأيّام .
وأعرض عليه أخبار الماضين ، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين ، وسر في ديارهم ، واعتبر آثارهم ، وأنظر ما فعلوا وأين حلّوا ونزلوا ، وعمّن انتقلوا ، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة ، وحلّوا دار الغربة ، وكأنّك عن قليل قد صرت كأحدهم ، فأصلح مثواك ، ولا تبع آخرتك بدنياك ، ودع القول فيما لا تعرف ، والنظر فيما لا تكلف ، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته ، فإنّ الكف عند حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال ، وأمر بالمعروف تكن من أهله ، وأنكر المنكر بلسانك ويدك ، وباين من فعله بجهدك ، وجاهد في الله حق جهاده ، ولا تأخذك في الله لومة لائم .
وخض الغمرات إلى الحق حيث كان ، وتفقّه في الدين ، وعوّد نفسك التصبّر على المكروه ، فنعم الخلق الصبر ، والجأ نفسك في الأمور كلّها إلى إلهك ، فإنّك تلجئها إلى كهف حريز ، ومانع عزيز ، وأخلص في المسألة لربّك ، فإنّ بيده العطاء والحرمان ، وأكثر الاستخارة ، وتفهّم وصيتي ، ولا تذهبن عنك صفحاً ، فإنّ خير القول ما نفع ، واعلم أنّه لا خير في علم لا ينفع ، ولا ينفع ، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه .
يا بُني إنّي لمّا رأيتني قَد بَلغت سِناً ، ورأيتني أزداد وهناً ، أردت بوصيتي إيّاك خصالاً منهن : إنّي خفت أن يعجل بي أجلي قبل أن أفضي إليك بما في نفسي ، وأن انقص في رأيي كما نقصت في جسمي ، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى ، وفتن الدنيا ، فتكون كالصعب النفور ، فإنّ قلب الحدث كالأرض الخالية ، ما القي فيها من شيء قبلته ، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ، ويشتغل لبّك لتستقبل بجد رأيك ما قد كفاك أهل التجارب بغيبة وتجربة ، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب ، وعوفيت من علاج التجربة ، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه ، واستبان لك ما أظلم علينا فيه ... .
واعلم أنّ أمامك طريقاً ذا مشقّة ، بعيداً ، وهولاً شديداً ، وأنّك لا غنى بك عن حسن الارتياد ، وقدر بلاغك من الزاد مع خفّة الظهر ، فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك ، فيكون ثقله وبالاً عليك ، وإذا وجدت من أهل الحاجة من يحمل لك ذلك فيوافيك به حيث تحتاج إليه تغتنمه ، واغتنم ما أقرضت من استقرضك في حال غناك ، وجعل قضاءه لك في يوم عسرتك ، وحمله إيّاه ، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه ، فلعلّك تطلبه فلا تجده ، واعلم أنّ أمامك عقبة كؤوداً لا محالة أن مهبطها بك على جنّة أو نار ، فارتد لنفسك قبل نزولك ... .
واعلم يا بني أنّك خلقت للآخرة لا إلى الدنيا ، وللفناء لا للبقاء ، وأنّك لفي منزل قلعة ، ودار بلغة ، وطريق من الآخرة ، وأنّك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه ، ولا يفوته طالبه ، وإيّاك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة ، وإن استطعت ألا تكون بينك وبين الله تعالى ذو نعمة فافعل ... .
يا بني فإن تزهد زهدتك فيه وتعزف نفسك عنها فهي أهل ذلك ، وإن كنت غير قابل نصيحتي إيّاك فيها ، فاعلم يقيناً أنّك لن تبلغ أملك ولا تعدو أجلك ، فإنّك في سبيل من كان قبلك ، فخفض في الطلب ، وأجمل في المكتسب ، فإنّه رب طلب قد جر إلى حرب ، وليس كل طالب بناج ، وكل مجمل بمحتاج ، وأكرم
نفسك عن دنية ، وإن ساقتك إلى الرغائب ، فإنّك لن تعتاض بما تبذل شيئاً من دينك ، وعرضك بثمن وإن جل ، ومن خير حظ امرأ قرين صالح ، فقارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشر تبن عنهم .
لا يغلبن عليك سوء الظن فإنّه لا يدع بينك وبين صديق صفحاً ، بئس الطعام الحرام ، وظلم الضعيف أفحش الظلم ، والفاحشة كاسمها ، والتصبّر على المكروه يعصم القلب ، وإذا كان الرفق خرفاً كان الخرق رفقاً ، وربما كان الداء ودواء ، وربما نصح غير الناصح ، وغش المستنصح ، وإيّاك والاتكال على المنى ، فإنّها بضائع النوكى ، ومطل عن الآخرة والدنيا ، زك قلبك بالأدب كما يزكي النار بالحطب ، ولا تكن كحاطب الليل وغثاء السيل ... .
واعلم يا بني أنّ الدهر ذو صروف ، فلا تكن ممّن يشتد لائمته ، ويقل عند الناس عذره ، ما أقبح الخضوع عند الحاجة ، والجفاء عند الغنى ، إنّما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك ، فأنفق في حق ولا تكن خازناً لغيرك ، وإن كنت جازعاً على ما تفلت من بين يديك ، فاجزع على كل ما لم يصل إليك ، واستدلل على ما لم يكن بما كان ، فإنّما الأمور أشباه ، ولا تكفر ذا نعمة ، فإنّ كفر النعمة من ألام الكفر ، واقبل العذر ولا تكونن ممّن لا ينتفع من الغطة ، إلاّ بما لزمه إزالته ، فإنّ العاقل يتّعظ بالأدب ، والبهائم لا يتّعظ إلاّ بالضرب .
اعرف الحق لمن عرفه لك ، رفيعاً كان أو ضيعاً ، واطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين ، من ترك القصد جار ، ونعم حظ المرء القنوع ، ومن شر ما صحب المرء الحسد ، وفي القنوط التفريط ، والشح يجلب الملامة ، والصاحب مناسب ، والصديق من صدق غيبة ، والهوى شريك العمى ، ومن التوفيق الوقوف عند الحيرة ، ونعم طارد الهموم اليقين ، وعاقبة الكذب الندم ، وفي الصدق السلامة ، ورب بعيد أقرب من قريب ، والغريب من لم يكن له حبيب ، لا يعدمك من شفيق سوء الظن ، ومن حم ظمئ ، ومن تعدّى الحق ضاق مذهبه ، ومن اقتصر على قدره كان أبقى له ، نعم الخلق التكرّم ، وألام اللؤم البغي عند القدرة ، والحياء سبب إلى كان جميل ، وأوثق العرى التقوى ، وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين الله .
سرّك من أعتبك ، والأفراط في الملامة يشب نيران اللجاجة ، كم من دنف قد نجا ، وصحيح قد هوى ، وقد يكون اليأس إدراكاً إذا كان الطمع هلاكاً ، وليس كل عورة تظهر ، ولا كل فريضة تصاب ، وربما أخطأ البصير قصده ، وأصاب الأعمى رشده ، وليس كل من طلب وجد ، ولا كل من توفّى نجا ، أخّر الشر فإنّك إذا شئت تعجلته ، وأحسن إن أحببت أن يحسن إليك ، واحتمل أخاك على ما فيه ، ولا تكثر العتاب فإنّه يورث الضغينة ، واستعتب من رجوت عتباه ، وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل ، ومن الكرم منع الحزم ، ومن كابر الزمان عطب ، ومن ينتقم عليه غضب ، ما أقرب النقمة من أهل البغي ، وأخلق بمن غدر أن لا يوفى له ، زلة المتوفي أشد زلة ، وعلّة الكذب أقبح علّة ، والفساد يبير الكثير ، والاقتصاد ينمى اليسير ، والقلّة ذلّة .
وبر الوالدين من أكرم الطباع ، والمخافة شر يخاف ، والزلل مع العجل ، ولا خير في لذّة تعقب ندماً ، العاقل من وعّظته التجارب ، ورسولك ترجمان عقلك ، والهدى يجلو العمى ، وليس مع الخلاف ائتلاف ، من خيّر خواناً فقد خان ، لن يهلك من اقتصد ، ولن يفتقر من زهد ، ينبئ عن امرء دخيله ، رب باحث عن حتفه ، لا يشوبن بثقة رجاء ، وما كل ما يخشى يضر ، ولرب هزل قد عاد جدّاً ، من أمن الزمان خانه ، ومن تعظّم عليه أهانه ، ومن ترغّم عليه أرغمه ، ومن لجأ إليه أسلمه ، وليس كل من رمى أصاب ، وإذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان ، خير أهلك من كفاك ، المزاح تورث الضغائن ، أعذر من اجتهد ، وربما أكدى الحريص .
رأس الدين صحّة اليقين ، تمام الإخلاص تجنّب المعاصي ، خير المقال ما صدقه الفعال ، السلامة مع الاستقامة ، والدعاء مفتاح الرحمة ، سل عن الرفيق قبل الطريق ، وعن الجار قبل الدار ، وكن عن الدنيا على قلعة ، احمل من أدل عليك ، واقبل عذر من اعتذر إليك ، وخذا العفو من الناس ، ولا تبلغ من أحد مكروهاً ، وأطع أخاك وإن عصاك ، وصله وإن جفاك ، وعوّد نفسك السماح ، وتخيّر لها من كل خلق أحسنه ، فإنّ الخير عادة .
وإيّاك أن تكثر من الكلام هذراً ، وأن تكون مضحكاً ، وإن حكيت ذلك عن غيرك ، وأنصف من نفسك ... وإيّاك أن تعاتب فيعظم الذنب ويهون العتب ، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً ، وما خير بخير لا ينال إلاّ بشر ، ويسر لا ينال إلاّ بعسر ، وإيّاك أن توجف بك مطايا الطمع ، وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل ، فإنّك مدرك قسمك وآخذ سهمك ، وإن اليسير من الله أكرم وأعظم من الكثير من خلقه ، وإن كان كل منه ، فان نظرت - فلله المثل الأعلى - فيما تطلب من الملوك ومن دونهم من السفلة ، لعرفت أن لك في يسير ما تصيب من الملوك افتخاراً ، وإن عليك في كثير ما تطلب من الدناة عاراً ، إنّك ليس بايعاً شيئاً من دينك وعرضك بثمن ، والمغبون من غبن نفسه من الله ، فخذ من الدنيا ما آتاك .
وتول عمّا تولّى عنك ، فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب ، وإيّاك ومقاربة من رهبته على دينك وعرضك ، وباعد السلطان لتأمن من خذع الشيطان ، وتقول : متى أرى ما أنكر نزعت ، فإنّه هكذا هلك من كان قبلك ، إن أهل القبلة قد أيقنوا بالمعاد ، فلو سمت بعضهم ببيع آخرته بالدنيا لم تطب بذلك نفساً ، وقد يتخيّله الشيطان بخدعه ومكره حتّى يورطه في هلكة بعرض من الدنيا يسير حقير ، وينقله من شئ إلى شئ حتّى يؤيسه من رحمة الله ، ويدخله في القنوط ، فيجد الراحة إلى ما خالف الإسلام وأحكامه ، فإن نفسك أبت إلاّ حب الدنيا وقرب السلطان ، فخالفتك إلى ما نهيتك عنه ممّا فيه رشدك ، فأملك عليه لسانك ، فإنّه لا ثقة للملوك عند الغضب ، فلا تسأل عن أخبارهم ، ولا تنطق بأسرارهم ، ولا تدخل فيما بينهم ) .
لمّا انصرف الإمام علي ( عليه السلام ) من صفّين كتب إلى ابنه الحسن ( عليه السلام ) كتاباً ، نذكر مقتطفات منه :
كتب ( عليه السلام ) : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من الوالد الفاني ، المقر للزمان ، المدبر العمر ، المستسلم للدهر ، الذام للدنيا ، الساكن مساكن الموتى ، الظاعن عنها غداً ، إلى الولد المؤمّل ، ما لا يدرك السالك سبيل من قد هلك ، غرض الأسقام ، ورهينة الأيّام ، ورمية المصائب ، وعبد الدنيا ، وتاجر الغرور ، وغريم المنايا ، وأسير الموت ، وحليف الهموم ، وقرين الأحزان ، ورصيد الآفات ، وصريع الشهوات ، وخليفة الأموات .
أمّا بعد ، فإنّ فيما تبينت من ادبار الدنيا عنّي ، وجموح الدهر عليّ ، وإقبال الآخرة إليّ ، ما يزعني عن ذكر من سواي ، والاهتمام بما ورائي ، غير أنّي حيث تفرّد بي دون هم الناس هم نفسي ، فصدفني رأيي وصرفني عن هواي ، وصرح لي محض أمري ، فأفضى بي إلى جد لا يرى معه لعب ، وصدق لا يشوبه كذب ، وجدتك بعضي بل وجدتك كلّي ، حتّى كان شيئاً لو أصابك أصابني ، وحتّى كان الموت لو أتاك أتاني ، فعناني من أمرك ما يعنيني عن أمر نفسي ، فكتبت إليك كتابي ، هذا مستظهراً به إن أنا بقيت لك أو فنيت .
فأوصيك بتقوى الله يا بني ، ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله ، وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله جل جلاله إن أخذت به ، فأحي قلبك بالموعظة ، وأمته بالزهد ، وقوّه باليقين ، ونوّره بالحكمة ، وذلّله بذكر الموت ، وقرّره بالفناء ، وأسكنه بالخشية ، وأشعره بالصبر ، وبصّره فجائع الدنيا ، وحذّره صولة الدهر ، وفحش تقلّبه ، وتقلّب الليالي والأيّام .
وأعرض عليه أخبار الماضين ، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين ، وسر في ديارهم ، واعتبر آثارهم ، وأنظر ما فعلوا وأين حلّوا ونزلوا ، وعمّن انتقلوا ، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة ، وحلّوا دار الغربة ، وكأنّك عن قليل قد صرت كأحدهم ، فأصلح مثواك ، ولا تبع آخرتك بدنياك ، ودع القول فيما لا تعرف ، والنظر فيما لا تكلف ، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته ، فإنّ الكف عند حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال ، وأمر بالمعروف تكن من أهله ، وأنكر المنكر بلسانك ويدك ، وباين من فعله بجهدك ، وجاهد في الله حق جهاده ، ولا تأخذك في الله لومة لائم .
وخض الغمرات إلى الحق حيث كان ، وتفقّه في الدين ، وعوّد نفسك التصبّر على المكروه ، فنعم الخلق الصبر ، والجأ نفسك في الأمور كلّها إلى إلهك ، فإنّك تلجئها إلى كهف حريز ، ومانع عزيز ، وأخلص في المسألة لربّك ، فإنّ بيده العطاء والحرمان ، وأكثر الاستخارة ، وتفهّم وصيتي ، ولا تذهبن عنك صفحاً ، فإنّ خير القول ما نفع ، واعلم أنّه لا خير في علم لا ينفع ، ولا ينفع ، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه .
يا بُني إنّي لمّا رأيتني قَد بَلغت سِناً ، ورأيتني أزداد وهناً ، أردت بوصيتي إيّاك خصالاً منهن : إنّي خفت أن يعجل بي أجلي قبل أن أفضي إليك بما في نفسي ، وأن انقص في رأيي كما نقصت في جسمي ، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى ، وفتن الدنيا ، فتكون كالصعب النفور ، فإنّ قلب الحدث كالأرض الخالية ، ما القي فيها من شيء قبلته ، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ، ويشتغل لبّك لتستقبل بجد رأيك ما قد كفاك أهل التجارب بغيبة وتجربة ، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب ، وعوفيت من علاج التجربة ، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه ، واستبان لك ما أظلم علينا فيه ... .
واعلم أنّ أمامك طريقاً ذا مشقّة ، بعيداً ، وهولاً شديداً ، وأنّك لا غنى بك عن حسن الارتياد ، وقدر بلاغك من الزاد مع خفّة الظهر ، فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك ، فيكون ثقله وبالاً عليك ، وإذا وجدت من أهل الحاجة من يحمل لك ذلك فيوافيك به حيث تحتاج إليه تغتنمه ، واغتنم ما أقرضت من استقرضك في حال غناك ، وجعل قضاءه لك في يوم عسرتك ، وحمله إيّاه ، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه ، فلعلّك تطلبه فلا تجده ، واعلم أنّ أمامك عقبة كؤوداً لا محالة أن مهبطها بك على جنّة أو نار ، فارتد لنفسك قبل نزولك ... .
واعلم يا بني أنّك خلقت للآخرة لا إلى الدنيا ، وللفناء لا للبقاء ، وأنّك لفي منزل قلعة ، ودار بلغة ، وطريق من الآخرة ، وأنّك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه ، ولا يفوته طالبه ، وإيّاك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة ، وإن استطعت ألا تكون بينك وبين الله تعالى ذو نعمة فافعل ... .
يا بني فإن تزهد زهدتك فيه وتعزف نفسك عنها فهي أهل ذلك ، وإن كنت غير قابل نصيحتي إيّاك فيها ، فاعلم يقيناً أنّك لن تبلغ أملك ولا تعدو أجلك ، فإنّك في سبيل من كان قبلك ، فخفض في الطلب ، وأجمل في المكتسب ، فإنّه رب طلب قد جر إلى حرب ، وليس كل طالب بناج ، وكل مجمل بمحتاج ، وأكرم
نفسك عن دنية ، وإن ساقتك إلى الرغائب ، فإنّك لن تعتاض بما تبذل شيئاً من دينك ، وعرضك بثمن وإن جل ، ومن خير حظ امرأ قرين صالح ، فقارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشر تبن عنهم .
لا يغلبن عليك سوء الظن فإنّه لا يدع بينك وبين صديق صفحاً ، بئس الطعام الحرام ، وظلم الضعيف أفحش الظلم ، والفاحشة كاسمها ، والتصبّر على المكروه يعصم القلب ، وإذا كان الرفق خرفاً كان الخرق رفقاً ، وربما كان الداء ودواء ، وربما نصح غير الناصح ، وغش المستنصح ، وإيّاك والاتكال على المنى ، فإنّها بضائع النوكى ، ومطل عن الآخرة والدنيا ، زك قلبك بالأدب كما يزكي النار بالحطب ، ولا تكن كحاطب الليل وغثاء السيل ... .
واعلم يا بني أنّ الدهر ذو صروف ، فلا تكن ممّن يشتد لائمته ، ويقل عند الناس عذره ، ما أقبح الخضوع عند الحاجة ، والجفاء عند الغنى ، إنّما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك ، فأنفق في حق ولا تكن خازناً لغيرك ، وإن كنت جازعاً على ما تفلت من بين يديك ، فاجزع على كل ما لم يصل إليك ، واستدلل على ما لم يكن بما كان ، فإنّما الأمور أشباه ، ولا تكفر ذا نعمة ، فإنّ كفر النعمة من ألام الكفر ، واقبل العذر ولا تكونن ممّن لا ينتفع من الغطة ، إلاّ بما لزمه إزالته ، فإنّ العاقل يتّعظ بالأدب ، والبهائم لا يتّعظ إلاّ بالضرب .
اعرف الحق لمن عرفه لك ، رفيعاً كان أو ضيعاً ، واطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين ، من ترك القصد جار ، ونعم حظ المرء القنوع ، ومن شر ما صحب المرء الحسد ، وفي القنوط التفريط ، والشح يجلب الملامة ، والصاحب مناسب ، والصديق من صدق غيبة ، والهوى شريك العمى ، ومن التوفيق الوقوف عند الحيرة ، ونعم طارد الهموم اليقين ، وعاقبة الكذب الندم ، وفي الصدق السلامة ، ورب بعيد أقرب من قريب ، والغريب من لم يكن له حبيب ، لا يعدمك من شفيق سوء الظن ، ومن حم ظمئ ، ومن تعدّى الحق ضاق مذهبه ، ومن اقتصر على قدره كان أبقى له ، نعم الخلق التكرّم ، وألام اللؤم البغي عند القدرة ، والحياء سبب إلى كان جميل ، وأوثق العرى التقوى ، وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين الله .
سرّك من أعتبك ، والأفراط في الملامة يشب نيران اللجاجة ، كم من دنف قد نجا ، وصحيح قد هوى ، وقد يكون اليأس إدراكاً إذا كان الطمع هلاكاً ، وليس كل عورة تظهر ، ولا كل فريضة تصاب ، وربما أخطأ البصير قصده ، وأصاب الأعمى رشده ، وليس كل من طلب وجد ، ولا كل من توفّى نجا ، أخّر الشر فإنّك إذا شئت تعجلته ، وأحسن إن أحببت أن يحسن إليك ، واحتمل أخاك على ما فيه ، ولا تكثر العتاب فإنّه يورث الضغينة ، واستعتب من رجوت عتباه ، وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل ، ومن الكرم منع الحزم ، ومن كابر الزمان عطب ، ومن ينتقم عليه غضب ، ما أقرب النقمة من أهل البغي ، وأخلق بمن غدر أن لا يوفى له ، زلة المتوفي أشد زلة ، وعلّة الكذب أقبح علّة ، والفساد يبير الكثير ، والاقتصاد ينمى اليسير ، والقلّة ذلّة .
وبر الوالدين من أكرم الطباع ، والمخافة شر يخاف ، والزلل مع العجل ، ولا خير في لذّة تعقب ندماً ، العاقل من وعّظته التجارب ، ورسولك ترجمان عقلك ، والهدى يجلو العمى ، وليس مع الخلاف ائتلاف ، من خيّر خواناً فقد خان ، لن يهلك من اقتصد ، ولن يفتقر من زهد ، ينبئ عن امرء دخيله ، رب باحث عن حتفه ، لا يشوبن بثقة رجاء ، وما كل ما يخشى يضر ، ولرب هزل قد عاد جدّاً ، من أمن الزمان خانه ، ومن تعظّم عليه أهانه ، ومن ترغّم عليه أرغمه ، ومن لجأ إليه أسلمه ، وليس كل من رمى أصاب ، وإذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان ، خير أهلك من كفاك ، المزاح تورث الضغائن ، أعذر من اجتهد ، وربما أكدى الحريص .
رأس الدين صحّة اليقين ، تمام الإخلاص تجنّب المعاصي ، خير المقال ما صدقه الفعال ، السلامة مع الاستقامة ، والدعاء مفتاح الرحمة ، سل عن الرفيق قبل الطريق ، وعن الجار قبل الدار ، وكن عن الدنيا على قلعة ، احمل من أدل عليك ، واقبل عذر من اعتذر إليك ، وخذا العفو من الناس ، ولا تبلغ من أحد مكروهاً ، وأطع أخاك وإن عصاك ، وصله وإن جفاك ، وعوّد نفسك السماح ، وتخيّر لها من كل خلق أحسنه ، فإنّ الخير عادة .
وإيّاك أن تكثر من الكلام هذراً ، وأن تكون مضحكاً ، وإن حكيت ذلك عن غيرك ، وأنصف من نفسك ... وإيّاك أن تعاتب فيعظم الذنب ويهون العتب ، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً ، وما خير بخير لا ينال إلاّ بشر ، ويسر لا ينال إلاّ بعسر ، وإيّاك أن توجف بك مطايا الطمع ، وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل ، فإنّك مدرك قسمك وآخذ سهمك ، وإن اليسير من الله أكرم وأعظم من الكثير من خلقه ، وإن كان كل منه ، فان نظرت - فلله المثل الأعلى - فيما تطلب من الملوك ومن دونهم من السفلة ، لعرفت أن لك في يسير ما تصيب من الملوك افتخاراً ، وإن عليك في كثير ما تطلب من الدناة عاراً ، إنّك ليس بايعاً شيئاً من دينك وعرضك بثمن ، والمغبون من غبن نفسه من الله ، فخذ من الدنيا ما آتاك .
وتول عمّا تولّى عنك ، فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب ، وإيّاك ومقاربة من رهبته على دينك وعرضك ، وباعد السلطان لتأمن من خذع الشيطان ، وتقول : متى أرى ما أنكر نزعت ، فإنّه هكذا هلك من كان قبلك ، إن أهل القبلة قد أيقنوا بالمعاد ، فلو سمت بعضهم ببيع آخرته بالدنيا لم تطب بذلك نفساً ، وقد يتخيّله الشيطان بخدعه ومكره حتّى يورطه في هلكة بعرض من الدنيا يسير حقير ، وينقله من شئ إلى شئ حتّى يؤيسه من رحمة الله ، ويدخله في القنوط ، فيجد الراحة إلى ما خالف الإسلام وأحكامه ، فإن نفسك أبت إلاّ حب الدنيا وقرب السلطان ، فخالفتك إلى ما نهيتك عنه ممّا فيه رشدك ، فأملك عليه لسانك ، فإنّه لا ثقة للملوك عند الغضب ، فلا تسأل عن أخبارهم ، ولا تنطق بأسرارهم ، ولا تدخل فيما بينهم ) .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
رد: سيرة امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام
القضاء في فكر الإمام علي ( عليه السلام )
أولى الإسلام القضاء أهمية كبرى ، فعدّه من أرفع المناصب وأسماها ، فهو إمارة شرعية يمارسها ولي أمر المسلمين وخليفتهم بنفسه لأنّه من الوظائف الداخلة تحت الخلافة ، والمندرجة في عمومها ، لا بل أنّه غصن من شجرة الرئاسة العامّة للنبي وخلفائه ، وهو المراد من الخليفة في قوله تعالى : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) ص : 26 .
وسمّي القضاء قضاء لأن القاضي يتم الأمر المتنازع فيه بالفصل والحسم ، وقد جاء قوله تعالى : ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ) غافر : 20 .
فالقضاء إذن ، منصب حسّاس ومهامّة حيوية ودقيقة لتعلّقها بحقوق الناس وحرّياتهم ، إضافة إلى حقوق الباري تعالى ، وحسبه درجة أن يكون بادئ ذي بدء من حقوق الرسول الكريم ، إذ أنّه أوّل قاض في الإسلام ، ثمّ أناط أمر القضاء لبعض أصحابه ممّن توسّم فيهم الكفاءة في مركز ولايته وغيرها من الأمصار .
وسلك نهجه المقدّس خلفاؤه من بعده ، مع ملاحظة أنّ الإمام علي ( عليه السلام ) كان قد قضى بين الناس في خصوماتهم على عهد النبي الأمين ( صلى الله عليه وآله ) ، وفي عهود من تولّى الخلافة من بعده ، وحسبه منزلة أن وصفه نبي الأمّة بأنّه أقضا الأمّة .
وعندما آلت الخلافة إليه ، واتخذ من الكوفة مركز خلافته وولايته الميمونة ، اشترط على قاضية شريح بن الحارث فيها أن لا ينفذ القضاء في ما يخص الحدود وبقيّة حقوق الله تعالى حتّى يعرضه عليه ، ولقد قال له يوماً : ( يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي أو وصي أو شقي ) .
وإذا كانت مهمّة القاضي تنصب أساساً على إلزام أحد المتخاصمين بقول ملزم بما عليه للآخر حالة ثبوته وإلاّ فترد دعواه ، فإنّ القول الملزم هذا هو ما يعبّر عنه بالحكم أو قرار الحكم بتعبير أدق ، الذي به تحسم الدعوى وينقطع التخاصم فيه .
ومن هنا يبدو واضحاً مدى خطورة أمر الفصل في المنازعات وحيويته وأهميته ، ومن يظن بأنّ مهمّة الفصل في الخصومات بين الناس ـ حسماً للتداعي وقطعاً للتنازع ـ سهلة أو يسيرة واهم بالتأكيد .
ولمّا كان القضاة هم الجهة المختصّة في القضاء والموكلة إليهم مهمّة إدارته ، فلابد والحالة هذه من أن تتحقّق في أشخاصهم مؤهّلات وضوابط معيّنة تؤهّلهم للعمل القضائي بجدارة .
وبالرغم من اختفاء الكثير من آثار الإمام علي ( عليه السلام ) في هذا الجانب ، بفعل الظروف المعروفة التي أعقبت استشهاده ، إلاّ أنّ ما بقي منها فيه ما يكفي للوقوف على خصوصيته الفذّة في فقه القضاء وفنّه ، فقد أظفرتنا أقواله الشريفة وسوابقه الفريدة في جزئيات المسائل ، الخاصّة بمفردات الحياة اليومية للإنسان ، بكنوز نفيد منها في معرفة ما ينبغي أن يكون عليه القاضي من ضوابط ومواصفات ، سواء في شخصه أم في سيرته داخل مجلس القضاء أو خارجه .
أولى الإسلام القضاء أهمية كبرى ، فعدّه من أرفع المناصب وأسماها ، فهو إمارة شرعية يمارسها ولي أمر المسلمين وخليفتهم بنفسه لأنّه من الوظائف الداخلة تحت الخلافة ، والمندرجة في عمومها ، لا بل أنّه غصن من شجرة الرئاسة العامّة للنبي وخلفائه ، وهو المراد من الخليفة في قوله تعالى : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) ص : 26 .
وسمّي القضاء قضاء لأن القاضي يتم الأمر المتنازع فيه بالفصل والحسم ، وقد جاء قوله تعالى : ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ) غافر : 20 .
فالقضاء إذن ، منصب حسّاس ومهامّة حيوية ودقيقة لتعلّقها بحقوق الناس وحرّياتهم ، إضافة إلى حقوق الباري تعالى ، وحسبه درجة أن يكون بادئ ذي بدء من حقوق الرسول الكريم ، إذ أنّه أوّل قاض في الإسلام ، ثمّ أناط أمر القضاء لبعض أصحابه ممّن توسّم فيهم الكفاءة في مركز ولايته وغيرها من الأمصار .
وسلك نهجه المقدّس خلفاؤه من بعده ، مع ملاحظة أنّ الإمام علي ( عليه السلام ) كان قد قضى بين الناس في خصوماتهم على عهد النبي الأمين ( صلى الله عليه وآله ) ، وفي عهود من تولّى الخلافة من بعده ، وحسبه منزلة أن وصفه نبي الأمّة بأنّه أقضا الأمّة .
وعندما آلت الخلافة إليه ، واتخذ من الكوفة مركز خلافته وولايته الميمونة ، اشترط على قاضية شريح بن الحارث فيها أن لا ينفذ القضاء في ما يخص الحدود وبقيّة حقوق الله تعالى حتّى يعرضه عليه ، ولقد قال له يوماً : ( يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي أو وصي أو شقي ) .
وإذا كانت مهمّة القاضي تنصب أساساً على إلزام أحد المتخاصمين بقول ملزم بما عليه للآخر حالة ثبوته وإلاّ فترد دعواه ، فإنّ القول الملزم هذا هو ما يعبّر عنه بالحكم أو قرار الحكم بتعبير أدق ، الذي به تحسم الدعوى وينقطع التخاصم فيه .
ومن هنا يبدو واضحاً مدى خطورة أمر الفصل في المنازعات وحيويته وأهميته ، ومن يظن بأنّ مهمّة الفصل في الخصومات بين الناس ـ حسماً للتداعي وقطعاً للتنازع ـ سهلة أو يسيرة واهم بالتأكيد .
ولمّا كان القضاة هم الجهة المختصّة في القضاء والموكلة إليهم مهمّة إدارته ، فلابد والحالة هذه من أن تتحقّق في أشخاصهم مؤهّلات وضوابط معيّنة تؤهّلهم للعمل القضائي بجدارة .
وبالرغم من اختفاء الكثير من آثار الإمام علي ( عليه السلام ) في هذا الجانب ، بفعل الظروف المعروفة التي أعقبت استشهاده ، إلاّ أنّ ما بقي منها فيه ما يكفي للوقوف على خصوصيته الفذّة في فقه القضاء وفنّه ، فقد أظفرتنا أقواله الشريفة وسوابقه الفريدة في جزئيات المسائل ، الخاصّة بمفردات الحياة اليومية للإنسان ، بكنوز نفيد منها في معرفة ما ينبغي أن يكون عليه القاضي من ضوابط ومواصفات ، سواء في شخصه أم في سيرته داخل مجلس القضاء أو خارجه .
Mohammed- عضو ماسي
- عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 30
الموقع : العراق
صفحة 1 من اصل 3 • 1, 2, 3
مواضيع مماثلة
» من وصايا امير المؤمنين عليه السلام لشيعته
» الدلائل على ولائية أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام
» زواج فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) من أمير المؤمنين ( عليه السلام )
» من اقوال الامام جعفر الصادق عليه افضل السلام عليه
» زيارة لأمير المؤمنين عليه السلام
» الدلائل على ولائية أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام
» زواج فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) من أمير المؤمنين ( عليه السلام )
» من اقوال الامام جعفر الصادق عليه افضل السلام عليه
» زيارة لأمير المؤمنين عليه السلام
صفحة 1 من اصل 3
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى