منتديات انصار الحجة عج - النجف الاشرف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عصمة الامام

اذهب الى الأسفل

عصمة الامام Empty عصمة الامام

مُساهمة من طرف Mohammed الخميس سبتمبر 29, 2011 8:40 pm

لا تصح الامامة الا بعد توفر الشروط والصفات اللازمة فيمن يكون اماما ، وهذا من المتفق عليه بين سائر المسلمين ،الا ا نهم اختلفوا في صفات الامام .
وقد كتب المسلمون الكثير جدا عن هذا الموضوع حتى لا تكاد تجد كتابا في العقائد الا وقد ذكر فيه موضوع الامامة‏وصفات الامام .
ويستخلص مما كتبوه ان اهم الصفات المتنازع عليها بينهم ثلاث ، هي :
صفة الاعلمية ، والافضلية ، والعصمة . اما ما عدا تلك الصفات ، كالحرية ، والعدل ، والانتساب الى قريش ، وما الى‏ذلك من صفات اءخرى ، فيمكن اءن يقال عنها با نها من المختلف فيها اءيضا لما قد جوز بعضهم امامة من لم ينتسب‏الى‏قريش ، كما جوز امامة الفاسق ايضا !!وليس من هدف البحث تبسيط القول في الصفات المتفق عليها والمتنازع فيها ، فذلك يطلب من مظانه في كتب‏العقائدوالكلام .
بل الهدف الاساس هو تبسيط القول في اكثر هذه الصفات اختلافا بين المسلمين ، الا وهي العصمة ، حيث تعرضت‏لسهام النقد من قبل الكثيرين ممن كتبوا عن عقائد الشيعة ، وفي الخصوص نقد عقائد الكافي في الامامة التي وصفهابعضهم بالاساطير ، حتى لكان الشيعة الامامية في نظرهم ما كان لهم ان ينفردواعن غيرهم بالقول بوجوب العصمة لولا روايات الكافي فيها . وكان عقائد الشيعة لم تؤخذ قط من غير الكافي ، ولاوجود لها الا في الكافي ، ولا دليل عليها الا من الكافي !!ولهذا ارتاينا ان نبحث موضوع العصمة تعريفا ، وتاريخا ، ودليلا .
تعريف العصمة
العصمة في كلام العرب : المنع ، وعصمة اللّه عبده ، اي : يمنعه مما يوبقه ، يقال : عصمه ، يعصمه ، عصما : منعه‏ووقاه .
والاسم : العصمة ، وهي ان يعصمك اللّه من الشر ، اي : يدفع عنك . واعتصمت باللّه ، اي : امتنعت من الشر . ومنه قوله‏تعالى : ( واللّه يعصمك من الناس ) ((42)) . اي: يمنعك منهم فلا يقدرون عليك ، ومنه ايضا قوله تعالى : ( سوي الى‏جبل‏يعصمني من الما ) ((43)) . اي : يمنعني من الما((44)) .
اذن المعصوم هو الممتنع من جميع محارم اللّه تعالى بلطفه .
اما في الاصطلاح : فقد عرفوا العصمة با نها : لطف خفي يفعله اللّه تعالى بالمكلف بحيث لايكون له داع الى ترك‏الطاعة ، وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك .
او هي : كيفية نفسانية تبعث على ملازمة التقوى والامتناع عن ارتكاب المعاصي مع القدرة عليها ، ولا يجوز فيهاالقهر على فعل الطاعة وترك المعصية ((45)) .
تاريخ مصطلح العصمة
لم تكن دعوى ( العصمة ) التي تعتقدها الشيعة الامامية في ائمة اهل البيت (ع) وليدة التطور الحاصل في الفكرالاسلامي‏من جراء تاثره بالفلسفة ونشوء علم الكلام ، لان تاريخ مصطلح العصمة ضارب بجذوره في اعماق التاريخ‏الاسلامي‏ومواكب للرسالة الاسلامية في صدرها الاول ، يشهد بذلك وروده صراحة في الاحاديث المروية عن النبي (ص) ،وعن‏الائمة الاطهار (ع) .
وفيما يلي بعض ما وقفت عليه من ذلك ، ولم يكن غرضي هو الاستقصا ، وانما لاثبات ان هذا المصطلح كان شائعامعروفا في عصر صدر الاسلام والعصور اللاحقة :
1- في عيون الاخبار : عن علي (ع) ، عن النبي (ص) ا نه قال بشان علي والائمة من ولده (ع) : (( فانهم خيرة اللّهعزوجل ، وصفوته ، وهم المعصومون من كل ذنب وخطيئة )) ((46)) .
2- وفي اكمال الدين ، وعيون الاخبار : عن ابن عباس ، عن النبي (ص) ، قال : (( انا ، وعلي ، والحسن ، والحسين ،وتسعة‏من ولد الحسين مطهرون معصومون ))((47)) .
3- وفي علل الشرائع ، والخصال : عن امير المؤمنين (ع) ا نه قال : (( اما الطاعة للّه عز وجل ولرسوله ولولاة الامر ،وانما اءمربطاعة اءولي الامر لا نهم معصومون مطهرون لا يامرون بمعصية )) ((48)) .
4- وفي خطبة لامير المؤمنين علي (ع) من خطب نهج البلاغة : (( وانما ينبغي لاهل العصمة والمصنوع اليهم في‏السلامة ،ان يرحموا اهل الذنوب والمعصية )) ((49)) .
والمراد من اهل العصمة كما في منهاج البراعة : (( هم الذين عصمهم اللّه من المعاصي ، ووقيهم من الجرائر ،بجعل‏نفوسهم الامارة مقهورة لقوتهم العقلانية بما عرفهم من معائب المعاصي ومنافع الطاعات ، فحصل لهم بذلك ملكة‏الارتداع عن الذنوب والامتناع من اقتحام المحارم ، وهم ( المصنوع اليهم في السلامة ) ، اي : الذين اصطنع اللّهسبحانه‏اليهم وانعم عليهم بالسلامة من الانحراف عن صراطه المستقيم والاعتساف عن نهجه القويم ، وعن الخروج من‏النور الى‏الظلمات ، والوقوع في مهاوي الهلكات ، و( ان يرحموا اهل الذنوب والمعصية ) ، لما راوا منهم الخطيئة والعصيان ،والغرق‏في بحر الذل والهوان ، والتيه في وادي الضلال والخذلان ، والرحمة منهم : ان يحصل بانقاذهم الغريق من البحرالعميق ،وارشاد التائه الى الرشاد بالتنبيه على السداد في العمل والاعتقاد )) ((50)) .
اقول : لقد اضطررنا لنقل شرح هذه الفقرة لترك ابن ابي‏الحديد شرحها ، مدعيا ان ليس فيها ما يستوجب الشرح ،ولعمري انه ترك اهم ما يستوجب الشرح في مسائل الامامة الواردة في النهج كله . واغلب الظن انه ترك شرحها لا نه‏لم‏يجد في معاني لفظ العصمة بعد اعتقاده بصدور هذه الخطبة عن الامام (ع) معنى يوافق هواه ، ليقدر من خلاله‏تاويل‏هذه اللفظة وصرفها بموجبه عن معناها المتبادر الى الاذهان ، لا سيما وقد عرف بتاويله لكل كلام لا يوافق رايه في‏مسالة‏الامامة والخلافة ويتعارض مع اعتقاده في جواز امامة المفضول مع وجود الفاضل ، لا نه اعترف صراحة بان عليا(ع) هوافضل الخلق بعد رسول اللّه (ص) وجوز امامة‏غيره عليه ، وهذا من العجب !!5 وفي اءصول الكافي : عن اءمير المؤمنين (ع) اء نه قال : (( ان اللّه تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا ، وجعلنا شهداء على‏خلقه ،وحجته في ارضه ، وجعلنا مع القرآن ، وجعل القرآن معنا ، لا نفارقه ولا يفارقنا )) ((51)) .
ولا ريب ان لكل فقرة من فقرات هذا الحديث الشريف لها ما يؤيدها من شواهد الكتاب العزيز والسنة النبوية‏المطهرة المنقولة في اوثق كتب الحديث لدى الطرفين ، كما سياتي مفصلا في هذه البحوث التمهيدية لدحض ماادعاه الدكتورمصطفى محمد حلمي وغيره بان عقيدة الامامة في الكافي من الاساطير ((52)) .
6- وفي معاني الاخبار : عن علي بن الحسين (ع) ، قال : (( الامام منا لا يكون الا معصوما ، وليست العصمة في ظاهرالخلقة‏فيعرف بها ، ولذلك لا يكون الا منصوصا ))((53)) .
7- وفي الصحيفة السجادية بعد ذكر الصلاة على محمد (ص) :
(( رب صل على اطائب اهل بيته الذين اخترتهم‏لامرك ،وجعلتهم خزنة علمك ، وحفظة دينك ، وخلفائك في ارضك ، وحججك على عبادك ، وطهرتهم من الرجس‏والدنس تطهيرابارادتك ، وجعلتهم الوسيلة اليك ، والمسلك الى جنتك )) ((54)) .
وقد تضمن هذا الدعا الاشارة الى جملة من الاحاديث الواردة عن النبي (ص) بحق اهل البيت (ع) ، والى آية‏التطهيرالتي هي من اقوى الادلة النقلية على عصمتهم (ع) .
8- وفي مصباح المتهجد : عن علي بن الحسين (ع) قال في دعا الموقف بعرفة :
(( اسالك بحق نبيك محمد (ص) ، واتوسل اليك بالائمة الذين اخترتهم لسرك . . . وعصمتهم عن معاصيك )) ((55)) .
9- وفي معاني الاخبار : عن الحسين الاشقر ، قال : قلت لهشام بن الحكم : ما معنى قولكم : ان الامام لا يكون الا معصوما ؟ فقال : سالت ابا عبد اللّه (ع) عن ذلك ، فقال : (( المعصوم هو الممتنع باللّه من جميع محارم اللّه )) ((56)) .
10- وفي‏الخصال : (( عن ابي عبد اللّه(ع) ، قال : (( عشر خصال في صفات الامام )) وقد عد العصمة في اولها )) ((57)) .
11- وفي الخصال ايضا : في خبر الاعمش ، عن الصادق (ع) : (( الانبيا واوصياؤهم لا ذنوب لهم ، لا نهم معصومون‏مطهرون )) . ((58)) 12- وفي اءصول الكافي ، وعيون اءخبار الرضا : عن عبد العزيز بن مسلم ، عن اءبي الحسن الرضا (ع) اء نه قال في‏فضل‏الامام وصفاته : (( الامام المطهر من الذنوب ، والمبرا من العيوب . .
فهو معصوم مؤيد ، موفق مسدد ، قد امن من‏الخطايا والزلل‏والعثار ، يخصه اللّه بذلك ليكون حجته البالغة على عباده ، وشاهده على خلقه ، وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشا واللّهذو الفضل‏العظيم )) ((59)) .
13- افرد الخوارزمي الحنفي فصلا في مناقبه بعنوان : (في بيان ان عليا (ع) من اهل الجنة وان الجنة اشتاقت اليه‏وا نه‏معصوم من الذنب ) ((60)) .
روى فيه عن النبي (ص) ما يدل على صدق هذا العنوان .
ادلة عصمة الامام
ان العصمة التي يقول بها الشيعة الامامية لا تعني ا نها كعصمة الملائكة الذين خلقوا وجبلوا عليها ، بحيث لا تنازعهم‏انفسهم ولا تدعوهم الى الشر مطلقا .
اذ لو كان الانبيا والائمة (ع) مقهورين على فعل الطاعة واجتناب المعصية ، لانتفى استحقاق الثواب والعقاب ، ولزم‏ان‏يكون الواحد منا اعظم ثوابا منهم ، وهذا باطل بالاجماع ، ولما كانت العصمة هي لطف وتفضل من اللّه تعالى ،فيمكن ان‏يكون ( سبب الاختصاص بهذا اللطف هو علم اللّه تعالى لقبول المحل دون غيره ، ويجوز ان يكون من انفسهم‏بحيث لايختارون المعصية مع قدرتهم عليها ، وامتناع صدورها عنهم ، لوفور عقلهم وكثرة علومهم ، ومداومتهم على التفكروالنظروملازمة الطاعات والمداومة عليها بخلاف غيرهم من البشر ) ((61)) .
ولا شك ان الدافع لارتكاب الذنب هو احد عاملين : اولهما :
عدم معرفة قبح العمل ، وثانيهما : كون العقل مغلوباعلى‏امره امام ضغط الشهوات ، اما اذا كان هناك من يعلم بمفاسد وقبح جميع الذنوب ، مع السيطرة التامة على كل رغباته‏وشهواته ، بحيث يستطيع ان يوجهها حيث يشا ، فمن غير الممكن عقلا ان يقترف مثل هذا الشخص ذنبا ولوصغيرا .
والمعلوم من سيرة الائمة (ع) وما قيل عنهم ، ا نهم كانوا اعلم اهل زمانهم على الاطلاق ، ويكفي مثالا اشتهار قول‏اميرالمؤمنين (ع) : (( سلوني قبل ان تفقدوني )) الذي لم يقله احد من بعده من غير الائمة من ولده (ع) الا وقد بان‏للناس‏فشله وعجزه ، قال سعيد بن المسيب : (( لم يكن احد من الصحابة يقول : سلوني ، الا علي بن ابي طالب ، وكان اذاسئل ،يكون فيها كالسكة المحماة )) ((62)) .
وجا في تذكرة الخواص عن عطا احد اعلام التابعين ا نه قال : (( ما رايت العلما عند احد اصغر علما منهم عندابي جعفر الباقر لقد رايت الحكم عنده كا نه مغلوب ، قال : ويعني بالحكم ، الحكم بن عيينة ، وكان عالما نبيلاجليلافي زمانه )) . ((63)) وقال الشهرستاني في الملل والنحل عن الامام الصادق (ع) : (( وهو ذو علم غزير في الدين ، وادب كامل في‏الحكمة ،وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات )) ((64)) .
وهكذا الحال مع سائر ائمة اهل البيت (ع) . كما يظهر مما كتب عنهم وقيل بحقهم ، والاطالة فيه اطالة في‏الواضحات ،لا ن علمهم وورعهم التام عن الشهوات معلوم لكل احد حتى شهدت به محافل اعدائهم ، ومن يكون هذا حاله كيف‏يغيب عنه العلم بقبح الافعال ويفلت منه زمام النفس فيرتكب الذنوب ؟!اما من حيث عدم وقوع المعصوم في الخطا والاشتباه ، فهو لكونه يعيش في صميم الواقعيات ، قال الشهيد المطهري(رضى اللّه عنه) : (( عندما يكون الانسان مواجها للواقعيات بشكل مباشر ، بفضل ما لديه من حس خاص فان الاشتباه‏والخطا لا معنى لهما بالنسبة اليه ، وذلك لان امكان الخطا وارد في مرحلة تطبيق الصور الذهنية على الواقعيات‏الخارجية ،وا ما اذا ارتبط الانسان من باطنه بواقع الوجوداستحال عليه الخطا ))((65)) .
ومن هنا يتبين ان لا اشكال في عصمة من يعلم جميع احكام الشرع المقدس ، ويعيش في صميم الواقعيات ، مع‏سيطرته التامة على توجيه رغباته وشهواته بما يرضي اللّه تعالى ، واذا ما اقترن ذلك بادعا العصمة فعلا كما تقدم‏آنفا آممن تكون هذه صفتهم ، فلا بد حينئذ من الاذعان والتصديق بصحة هذه الدعوى المستدل على صحتها بعشرات‏الادلة :
العقلية والنقلية ، والتي سنذكر بعضها مراعاة للاختصار .
الادلة العقلية :
الدليل الاول :
الممكنات تحتاج في وجودها وعدمها الى علة ليست من جنسها ،اذ لو كانت من جنسها لاحتاجت الى علة اءخرى واجبة غير ممكنة ، وكذلك الخطا من البشر ممكن ، ورفع الخطاالممكن‏لا يكون بغير الرجوع الى المجرد من الخطا وهو المعصوم ، ولا يمكن عدم افتراض عصمته لادائه الى التسلسل اوالدوركما سياتي في الدليل الثاني .

الدليل الثاني :
ان جهة الحاجة الى العصمة في الامام هي تجويز الخطا على الرعية ، فلو لم يكن الامام معصوما لكان‏مشاركا لهم في جواز الخطا عليه ، فيجب والحالة هذه ان يكون مشاركا لهم في الحاجة الى امام آخر لا يجوزعليه‏الخطا ، لان الاشتراك في العلة يقتضي الاشتراك في المعلول . وهذا الاحتياج اما ان يكون الى امام آخر ، فان كان‏معصوما فهو ، والا لزم التسلسل ، و اما ان يكون الى الرعية لترده الى الصواب مع حاجة الرعية للاقتداء به ، وهوالدور .
وقد انعقد الاجماع على ان الامام الحق هو من لا يحتاج الى امام آخر كي يرده الى الصواب في امامته ، فبالاولى ان‏لايحتاج في ذلك الى الرعية ، ولهذا فان العقل يحكم ببطلان امامة من يحتاج الى الرعية في تقويم خطاه ، لا نه الى‏الامام‏احوج .
الدليل الثالث :
ان مفهوم الامام يتضمن معنى العصمة ، لان الامام لغة : هو المؤتم به ، كالرداء اسم لما يرتدى به ، فلوجاز عليه الذنب فحال اقدامه على الذنب ، اما ان يقتدى به ، او لا ، فان كان الاول ، كان اللّه تعالى قد امر بالذنب ،لقوله‏تعالى : ( يا اءيها الذين آمنوا اءطيعوا اللّه واءطيعوا الرسول واءولي الامر منكم ) ((66)) ، وهذا محال ، وان كان الثاني ،خرج‏الامام عن كونه اماما ، فيستحيل رفع التناقض بين وجوب كونه مؤتما به وبين وجوب الامر بالمعروف والنهي عن‏المنكرالا بتصور ان العصمة متضمنة في مفهوم الامام ولازمة لوجوده((67)) .
الادلة النقلية :
اما الادلة النقلية الدالة على عصمة الامام ، فهي من القرآن الكريم والسنة‏النبوية ، ولاجل الاختصار سنذكر ثلاثة من الايات القرآنية الدالة على العصمة ، وهي :
الاية الاولى :
قوله تعالى لابراهيم (ع) : ( قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي‏الظالمين ) ((68)) .
ومعلوم ان المراد من عهد اللّه تعالى في هذه الاية هو الامامة ، ولا ينكر ذلك احد الا مكابرا او من لا فهم له ، ويظهرمما تقدم في تعريفها ودليلها ان للامامة منزلة عظيمة عند اللّه تعالى ، فهي عهده الذي لا يعطيه لظالم قط .
قال العلا مة المجلسي (رحمه اللّه) : (( واستدل اصحابنا بهذه الاية على ان الامام لا يكون الا معصوما عن القبائح ،لان اللّهسبحانه نفى ان ينال عهده الذي هو الامامة ظالم ، ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالما اما لنفسه وامالغيره )) ((69)) .
والنفي الوارد في الاية مطلق لم يقيد بظلم دون آخر ، ولا دليل على حصره بزمان دون آخر ، فهو يشمل كل من ظلم‏ولو تاب بعد ذلك واستقام ، وتوضيح هذا الامر كما يلي :
ان ذرية ابراهيم (ع) التي طلب من اللّه تعالى جعل الامامة فيها يمكن تصنيفها من حيث الظلم وعدمه الى اربعة‏اصناف لا خامس لها وهي :
1- صنف يكون ظالما حياته كلها ، لم تتخللها توبة قط ، ويدخل في هذا الصنف ابو لهب وامثاله ممن عاشوا وماتواعلى شركهم ، لان الشرك هو من اقوى مصاديق الظلم ، قال تعالى : ( واذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك‏باللّهان الشرك لظلم عظيم ) ((70)) .
2- وصنف كان عادلا في اول حياته مؤمنا باللّه تعالى ورسوله (ص) ، ولكنه انقلب على عقبيه فكفر بعد ايمانه ،ومثاله‏من ارتد بعد الايمان ومات على ردته .
3- وصنف كان ظالما في اول حياته ، ثم هداه اللّه تعالى الى الايمان ، وبقي على‏ايمانه ومات عليه ، ككثير من الصحابة .
4- اما الصنف الرابع فهو ما لم يكن ظالما في حياته قط منذ الولادة الى الوفاة ، وا نه لم يشرك باللّه طرفة عين .
وهنا لا بد من سؤال . هل كان خليل الرحمن (ع) لا يعلم بهذا التقسيم الطبيعي لذريته ، او يعلم به ؟ فان كان الاول ،فهذا من اقبح الامور التي لا يصح للمسلم ان ينسبها لنبي كريم ، لا نه يلزم منه طلب جعل الامامة في امثال ابي لهب‏وغيره ، وهذا من الجهل الذي يتنزه عنه الانبيا (ع) .
فهو (ع) يعلم قطعا بوجود هذه الاصناف الاربعة في ذريته ، فيا ترى لاي صنف منها طلب ان تكون الامامة فيه؟لا شك انه لم يطلب الامامة من اللّه تعالى الى الصنفين الاولين ، لا نهما بحاجة الى الهداية والتوبة ، فانى يكون لهماعهداللّه تعالى وميثاقه ؟!اذن لم يبق سوى الصنفين الاخيرين وهما : من ظلم ثم آمن ، ومن لم يظلم في حياته كلها طرفة عين .
نعم . . هذان الصنفان هما المؤهلان لنيل مرتبة الامامة في نظر ابراهيم (ع) وهو اذ قال : ( ومن ذريتي ) لا يعني‏غيرهما قطعا ، ومن قال بغير ذلك فقد قال شططا . فماذا كان الجواب ؟؟ انه :
( لا ينال عهدي الظالمين ) .
وهنا يتضح من الجواب المقدس حصر الامامة بالصنف الاخير على الوجه الاتم ((71)) .
الاية الثانية :
قوله تعالى في قصة يوسف (ع) : ( ولقد همت به وهم بها لولا اءن راءى برهان ربه كذلك لنصرف عنه‏السوء والفحشء انه من عبادنا المخلصين ) ((72)) .
فان صرف السوء والفحشا عمن اخلص للّه تعالى في كل شي‏ء قولا وفعلا ، لا يعني غير العصمة ، وقد جعل اللّهتعالى هذا الاخلاص سببا لهذا الصرف وعلة له ، لذا فان الاية لا تختص بيوسف (ع) ، وان العبرة هي بعموم اللفظ لابخصوص السبب ، ولو اردنا معرفة اخلاص اهل البيت (ع) التام مع اللّه سبحانه لما اعوزنا الدليل ، فمنهم من اشترى‏نفسه‏ابتغا مرضاة اللّه وطلق الدنيا ثلاثا ، ومنهم من ترك الخلق طرا في هوى المعبود ، ومنهم من خرم انفه من طول‏السجود ،ومنهم . . . ومنهم . . .
وهم فوق هذا الثقل الاعظم الذي خلفه رسول اللّه (ص) مع القرآن ، وهم من اذهب اللّه عنهم‏الرجس‏وطهرهم تطهيرا ، وهم سفينة نوح ، وباب حطة ، وهم من قرن ذكرهم بالصلاة على جدهم المصطفى ، وما كان (ص)ليجامل‏آله في كل ذلك لو لم يكن امرا من اللّه تعالى .
وبالجملة فان اخلاصهم للّه تعالى لا يقل عن اخلاص نبي اللّه يوسف (ع) ، ولما كان الاخلاص التام للّه تعالى هو علة‏لصرف السوء والفحشا ، لذا كان هذا الصرف لازما لهم ايضا .
الاية الثالثة :
آية التطهير ، وهي من قوله تعالى : ( انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اءهل البيت ويطهركم‏تطهيرا ) ((73)) .
وتقريب الاستدلال على عصمة اهل البيت (ع) بهذه الاية المحكمة يتوقف على معرفة معاني مفردات الاية‏الكريمة ،وموقف السنة المطهرة منها ، واخيرا دلالتها .
ولما كانت تلك الاية قد اءشبعت بالبحث والدراسة ، وخصصت لها عدة بحوث ودراسات قيمة كان آخرها فيمااعلم‏ ما نشرته رسالة الثقلين حول الموضوع ((74)) ، كما افرد لها السيد الابطحي كتابا يقع في مجلدين ضخمين بعنوان :آية‏التطهير في احاديث الفريقين ، لذا سنحاول ضغط الفقرات المذكورة قدر الامكان وفقا لما يتطلبه الاستدلال بالاية .
مفردات الاية
1- ( انما ) :
تفيد الحصر والتوكيد ، وهي عند النحاة من اقوى ادوات الحصر على الاطلاق .
2- ( يريد اللّه ) :
ارادة اللّه تعالى على قسمين : احدهما ارادة تكوينية ، والاخرى تشريعية .
اما التكوينية : فهي التي لا يتخلف فيها المراد عما اراده اللّه سبحانه قطعا ، فكل ما اراده اللّه تعالى بها يقع لا محالة ،قال تعالى : ( انما امره اذآ اراد شيئا اءن يقول له كن فيكون ) ((75)) ، واءمثلتها كثيرة جدا ، منها : ارادة الخلق ،والممات ،والبعث ، والنشور وغيرها .
اما الارادة التشريعية : فهي تعني كل ما اراده اللّه سبحانه من عباده ازاء ما شرعه وبلغه الانبيا (ع) اليهم ، وهذا لايمنع من عدم حصول ما اراده اللّه تعالى لارتباط هذا القسم من الارادة بافعال المكلفين ارتباطا مباشرا ، فالعدل مثلاهومما اراده اللّه تعالى ان يسود بين عباده ، ولكن بكثرة الظالمين ، واضطهاد المظلومين لم‏يحصل ولم يتحقق المطلوب من هذه الارادة .
والارادة في آية التطهير لم تكن من هذا النوع لتقدم اداة الحصر عليها ، وليس ثمة ما يدعو الى حصر ارادته تعالى‏بتطهير اهل البيت دون سواهم بارادة تشريعية ، اذ لو كانت كذلك لجات عامة للعباد جميعا ، كقوله تعالى : ( مايريداللّهليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ) ((76)) . لذا يفهم من تخصيص اهل‏البيت‏بية التطهير وتوكيدها وحصرها باقوى ادوات الحصر ، ان الارادة فيها هي من نوع آخر .
3- ( ليذهب عنكم الرجس ) :
الرجس في اللغة : القذر ، والقذر ضد النظافة ، والمراد من اذهاب الرجس عنهم (ع) تبرئتهم وتنزيههم عن الامورالموجبة للنقص فيهم ، وتنفر الطباع عنهم خلقا وخلقا ، وذم العقلاء اياهم ، فيدخل فيه الذنب ، وكل ما يوجب‏النفرة ،وان لم يكن ذنبا ، بل يدخل فيه الخطا ايضا لكونه مستلزما للنقص فيهم ، فيمنع عن اتباعهم فيفوت الغرض وتنتفي‏المصلحة من نصبهم (ع) .
والمراد من الرجس : الذنب خاصة ، قال في الجوامع : الرجس ، مستعار الذنب ((77)) .
4- ( اءهل البيت ) :
المراد من اهل البيت هم : رسول‏اللّه(ص) ، وفاطمة الزهراء ، والامام علي وسيدا شباب اهل الجنة الحسن والحسين(ع) ، ويلحق بهم الذرية الطاهرة ، وهم الائمة التسعة من ولد الحسين صلوات اللّه عليهم اجمعين ، وهناك جملة‏وافرة من‏الروايات‏الصحيحة الواردة عن النبي (ص) من الطرفين المصرحة باسمائهم((78)) ، زيادة على تواتر نصوص سابقهم على‏امامة لاحقهم‏عند الامامية ، وهذا ما ينطبق تمام الانطباق على ما جا في الصحيحين ، عن النبي (ص) من ان الائمة اثنا عشروكلهم من‏قريش ((79)) .
اما منشا تسميتهم باهل البيت ، فهو ما جا في قوله تعالى في آية التطهير : ( انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اءهل‏البيت ويطهركم تطهيرا ) ، مع تاكيد السنة النبوية المتواصل على نزولها في‏آل محمد(ص) ، كما سيتضح قريبا ان‏شا اللّهتعالى .
5- ( ويطهركم تطهيرا ) :
الطهارة لغة : النزاهة والنظافة ، ولفظ الطهارة هنا جا تاكيدا للمعنى المستفاد من ذهاب الرجس في زوال اثره‏بالكلية ، ومن مراجعة ما تقدم في تاريخ مصطلح العصمة ، مع ادعا اهل البيت (ع) العصمة لانفسهم بالاشارة‏الصريحة الى‏هذه الاية ، واتفاق سائر المذاهب الاسلامية على صدقهم ووثاقتهم فيما يقولون ، يتضح ان لفظ الطهارة الوارد في‏الاية هومستعار للعصمة ، اي في مقابل استعارة لفظ الرجس للذنوب ، وقد نسب هذا المعنى الى المفسرين كما في‏المدارك ((80)) .
موقف السنة المطهرة من آية التطهير
يظهر من تتبع السنة المطهرة الواردة في كتب الحديث لدى الطرفين ( السنة‏والشيعة ) ان النبي (ص) لم يدع كلاما لقائل في هذه الاية الكريمة ، فقد كان‏ انطلاقا من مسؤوليته العظمى في بيان ما اءبهم على اءصحابه من القرآن الكريم حريصا كل الحرص في بيان المرادمن‏اهل البيت في هذه الاية وتحديد من نزلت فيهم
وياتي في مقدمة اهتماماته (ص) الحديث المتواتر بين المسلمين والمفسر لهذه الاية بشكل واضح لا لبس فيه ،وهوالحديث المعروف باسم حديث الكسا الذي سجله الجم الغفير من اهل السنة ، واعترف الموالف والمخالف‏بصحته . ((81)) ومن نصوص حديث الكسا ما رواه احمد في مسنده عن ابن عباس : (( . . واخذ رسول اللّه (( ثوبه فوضعه على علي‏وفاطمة وحسن وحسين ، فقال : انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا )) ((82)) .
وروى عن عطا بن ابي رباح ، عن ام سلمة ، ان النبي (ص) كان في بيتها فاتته فاطمة (ع) ببرمة فيها خزيرة فدخلت‏بها عليه ، فقال (ص) لها : (( ادعي زوجك وابنيك الى ان قالت فانزل اللّه هذه الاية : ( انما يريد اللّه ليذهب عنكم‏الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، ثم قالت : فاخذ فضل الكسا فغشاهم به ، ثم اخرج يده فالوى بها الى‏السما ،ثم قال : اللهم هؤلاء اهل بيتي وخاصتي ، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا )) ، قالت ام سلمة : فادخلت‏راسي البيت ،فقلت : وانا معكم يا رسول اللّه ؟ فقال (ص) : (( انك الى خير ، انك الى خير )) .
قال احمد بن حنبل بعد ذلك : (( قال عبد الملك : وحدثني ابو ليلى ، عن ام سلمة مثل حديث عطا سوا ، قال عبدالملك :
وحدثني داود بن عوف الجحاف ، عن حوشب ، عن ام سلمة سوا )) ((83)) .
ثم حصر الاية على النحو المذكور بما رواه من روايات عن جملة من اجلا ء الصحابة ورؤوس التابعين والثقات‏المشهورين ، كابن عباس ، وانس بن مالك ، وابي سعيد الخدري ، وشداد بن عمار ، وواثلة بن الاسقع ، وعطا بن‏ابي‏رباح ، وعطية ، وشهر بن حوشب ، وابي المعدل الطفاوي ، وحماد بن سلمة ، وغيرهم ((84)) .
كما روى الطبري باربعة عشر طريقا ، تؤكد جميعها نزول الاية في هؤلاء الخمسة صلوات اللّه عليهم ، نذكر طريقين‏منها :
الاول : ما رواه بسنده عن ابي سعيد الخدري ا نه قال : (( قال رسول اللّه (( : (( نزلت هذه الاية في خمسة : في ، وفي‏علي(رضى اللّه عنه) ، وحسن (رضى اللّه عنه) ، وحسين(رضى اللّه عنه) ، وفاطمة انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس‏اهل البيت ويطهركم‏تطهيرا )) )) ((85)) .
الثاني : ما رواه بسنده عن النبي(ص) ا نه (( كان يمر ببيت فاطمة ستة اشهر كلما خرج الى الصلاة ، فيقول :
((الصلاة‏اهل‏البيت ، انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا )) )) ((86)) كما زاد ابن كثير على طرق الطبري‏ بعد نقل‏عشرة‏منها في تفسيره تسعة طرق اخرى ، كلها تؤكد ذلك ايضا ((87)) .
ويكفي ان تعلم ان رواة حديث الكسا من الصحابة هم اكثر من خمسين صحابيا ومن التابعين اضعاف هذا العدد ،ومن جا بعدهم اكثر واكثر ، وان من رواته نسا النبي (ص) كعائشة وام سلمة ، كما احصي في المجلد الاول من‏كتاب آية‏التطهير في احاديث الفريقين كما تقدم .

Mohammed
عضو ماسي
عضو ماسي

عدد المساهمات : 585
نقاط : 1321
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 29
الموقع : العراق

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى